كيف يتصرف النرجسي بعد الصمت العقابي

كيف يتصرف النرجسي بعد الصمت العقابي؟ وهل للأهل دور في تفاقم النرجسية لدى الشخص؟ تختلف دائمًا ردود فعل الشخص النرجسي تجاه الأمور بحسب طبيعته المغايرة لطبيعة العادية للإنسان، ونسلط الضوء على هذه الشخصية وعلى طبيعتها وتصرفاتها اليوم من خلال موقع زيادة.

كيف يتصرف النرجسي بعد الصمت العقابي؟

الشخصية التي توصف بأنها نرجسية تختلف عن الشخصية المعجبة بذاتها اختلافًا كبيرًا، فالنرجسية في الشخصية هي نوع من الاضطراب العقلي تجعل من صاحبها على درجة كبيرة من الإعجاب بالنفس لدرجة لا يهتم بفهم دوافع الآخرين أو الاهتمام بفهم مشاعرهم ويفقد هذه القدرة تدريجيا ويصل لدرجة كبيرة من غلاف الثقة بالنفس.

هذه المشاعر في الحقيقة غلاف فقط لما تحويه الشخصية فهم بالفعل أصحاب شخصيات مهتزة، ويمكنهم أن ينزعجوا بسهولة جدًا ويفقدون القدرة على السيطرة على أنفسهم إذا تعرضوا لبعض الوسائل العقابية من الآخرين، بل يمكن لأدنى انتقاد أن يفقدهم القدرة على السيطرة مهما تظاهروا بعكس ذلك.

يتصف الذكور بهذه الصفة الذميمة أكثر من الإناث، وغالبًا تظهر على شخصياتهم في فترات المراهقة، وإن كان يحتمل ظهورها أيضًا في فترات الطفولة، ويساهم في ظهورها الأبوان والبيئة المحيطة حيث لا يفرقون بين صفات الإعجاب والثقة بالنفس وهي صفات إيجابية، وبين أول مراحل النرجسية فيساهموا في تنميتها بصورة كبيرة.

عادةً يفسر الصمت بأنه علامة من علامات الرضا بما يفعل الطرف الآخر، فيقال دائمًا حتى في الموروث الشعبي أن السكوت علامة الرضا، ولكنه قد يكون أداة لمعاقبة النرجسي على أفعاله بعد أن تضيق الحياة بالطرف الآخر فلا يجد له وسيلة يمكنه أن يعاقب بها النرجسي سوى التعامل مع النرجسي بالصمت العقابي.

مع كون وسيلة الصمت العقابي وسيلة رد فعل سلبية وليست إيجابية، إلا أنها قد تفيد مع الشخصية النرجسية التي تطلب على الدوام الإشادة بها والتهليل لأفعالها، ووصفها بأنها أفعال تستحق التكريم والإشادة بها ويتوقع صاحبها الحصول على التكريم وتضخيم الإنجازات والمواهب تضخيمًا مبالغًا فيه.

فمجرد الصمت والتوقف عن إشعارهم بأنهم يستحقون بأفعالهم الكثير من الامتيازات الضخمة وأنهم متفوقون على أقرانهم وإنهم شخصيات مميزة لهم الفخر أن يتعاملوا معها، فمجرد الصمت عنهم وعن كيل المدائح لهم يمثل لديهم نوعًا من العقاب لا يتخيلونه ولا يتحملونه أيضًا ويعتبرونه نوعًا من التهديد المباشر لذواتهم والذي يتطلب منهم موقفا كبيرًا ضده.

يكون الصمت العقابي بالامتناع تمامًا عن التحدث معهم أو الامتناع الجزئي من التعليق على أفعالهم وعدم إشعارهم أهميتها وجدواها وقيمتها التي يشعرون أنها بالفعل تستحق منهم التكريم والحفاوة والاشادة بها مع اشعارهم بأنها إعمال عادية لا تستحق كل هذه الضجة المفتعلة.

هنا تكمن الخطورة على الإنسان الذي قرر التعامل مع النرجسي بأسلوب الصمت العقابي معه، لعدم وجود سقف لحدود تعامل النرجسي معه، فقد يكون رد فعله عنيفًا بدرجة لا توصف ومؤلمًا لأقصى درجات الألم، لأنه لن يتحمل ذلك الموقف حيث يجرده هذا الأسلوب من كل الأوهام التي سيطرت على تفكيره بأنه شخص يستحق التكريم والإشادة في كل موقف.

فمنهم من يستخدم العنف الجسدي مع ضحيته بصورة كبيرة، لأنه لا يتصور أن يهزم في معركة مع أحد وبالذات مع ضحيته فسيبذل جهده في محاولة إخضاعها بكل الأساليب، ومن ضمنها العقوبة البدنية بالعنف الممنهج والمتتالي، ويخطط له على الدوام ولا يفعله عفويًا، بل يفعله وهو مدرك له تمامًا وهو واع لتصرفه أيضًا.

كما يبدأه بمرحلة صمت مماثل بينما يخطط لما هو أبعد من ذلك عن طريق الاستفزاز المتعمد والمستمر، لتبدأ ضحيته في الدفاع عما بقي لها من كرامة بعد هذا الاستفزاز والتحقير المستمر حتى يمسك عليها تصرفًا أو رد فعل لينفجر بعد ذلك غضبه بعد افتعال الازمات لها، ومن هنا ينطلق في عمليات السب والشتم والإيذاء والضرب أيضًا.

يحاول بعد هذا التصرف أن يوهم نفسه ويصدر الوهم لضحيته أنه رد فعله كان بناءً على استفزازها له، وعدم طاعة أوامره لها أو الرد عليه بردود خارجة عن اللياقة ويحاول أن يوهم المحيطين بأن زوجته أو الموظف أو الابن والابنة هم السبب في ما وصل إليه الحال، فيظهر في هذه الحالة أمام الآخرين بأنه رد على الاستفزاز منهم فقط وأنهم من أوصلوه إلى هذه الحالة.

حتى إذا ما حاولت الضحية أن تسترضيه أو حتى لو حاولت استجداء عفوه فسيظهر لها في بادئ الأمر أنه عفا عنها ونسي ما فات، وربما يكافئها ببعض المكافآت، فإن كان زوجًا فربما يكافئها ببعض اللقاءات الحميمية المؤقتة، ولكنه في الحقيقة لن يترك هذا الموقف فسيكرره بكل عناد وتكبر.

فلا يقتنع النرجسي إلا بأنه ضحية لاستفزازها وأنها تجني عليه، وتظلمه بدليل عودتها إليه خاضعة، لتبدأ بعدها اللعبة بذات التكرار المقيت لتستمر دورة الإيذاء المتعمد مرة أخرى فيوصلها إلى احتقار الذات وكره النفس والرغبة في التخلص من الحياة أن استمرت في هذه العلاقة العسيرة.

اقرأ أيضًا: نقاط ضعف الشخصية النرجسية

دور الأهل في خلق الشخصية النرجسية

للأهل دور كبير في خلق تلك الشخصية وخاصةً في بداياته فهم الذين يساعدونه على اكتساب هذه الشخصية عندما يطرونه على أفعاله وإنجازاته التي قد تكون عادية في كثير من الأحيان، فيضخمونها ويتحدثون عنها بفخر كبير، فتتعاظم ذاته وإنجازاته فيعتاد منهم التهليل لها ويطلب من غيرهم نفس التعامل.

مع تضخيم إنجازاته يعملون دائمًا للتقليل من أخطائه والدفاع عنها وتبريرها، وبالتالي لا يشعر بأي مشكلة منها وبالتالي يطلب من الغير معاملته بالمثل وبرؤية أفعاله كما يراها أهله تمامًا، فتتكون لديه الشخصية النرجسية بامتياز ويصعب على كل إنسان يتعامل معه بنفس الأسلوب فيصطدم به.

اقرأ أيضًا: النرجسي والانتقام إذا خرج الضحية من حياته

لماذا يعتبر الصمت العقابي حلًا فعالًا؟

الشخصية النرجسية يمكن أن تتمثل في علاقة الزوج مع زوجته فيكون الزوج هو الأقرب للنرجسية، وليس الازواج فحسب الذين يمكن أن يكونوا ذوي شخصية نرجسية فيمكن أن تظهر في الآباء ويمكن أن تظهر أيضًا في الأبناء أو في علاقة الموظف مع مديره النرجسي، ولهذا يختلف تعامل الناس مع النرجسي بحسب طبيعة العلاقة.

فقد تنزعج الزوجة من زوجها النرجسي، فيمكن أن تكون بينهما محبة سابقة، لكنها تتعكر بنرجسيته فتحاول الزوجة أن تظهر انزعاجها من تصرفاته ولكن لا تستطيع مواجهته حرصا عليه أو خشية من رد فعله أو حرصًا على العلاقة الزوجية معه أو حرصًا على الأبناء فتختار الحل الذي يظهر انزعاجها منه ولا تشعل البيت نارًا بمواجهته.

يمكن أن يقوم به الأبناء مع آبائهم النرجسيين فالدين الإسلامي يحرم قطيعة الابن لأبيه، أو محاولة مقارعته الحجة بالحجة، وبالتالي قد يكون الصمت العقابي هنا وهو رد فعل سلبي إظهارًا للامتعاض والاعتراض الصامت دون الوقوع في معصية التلاسن، والرد السيء على الأب أو الأم لتجنب المواجهة أو الهروب منها مع توصيل الرسالة إلى الشخص النرجسي.

يمكن أيضًا أن يقوم بها الموظف في أي دائرة حكومية مع مديره الذي يتسم بصفة النرجسية، أو العامل مع صاحب عمله، في الوقت الذي لا يكون فيه الموظف أو العامل مستعدًا لآثار المواجهة لحاجته إلى العمل، فيضطر وقتها إلى إظهار الامتعاض على هيئة صمت عقابي لعدم وجود أو لعدم جدوى أو نفع أي بديل آخر.

إذن فالصمت العقابي على النرجسي نوع من الاعتراض على أفعاله وعلى تصرفاته وهو نوع من الرفض النفسي وهو أسلوب يشعر النرجسي بعدم أهميته، وبعدم تأثيره ويفضي إلى أن يقلل النرجسي من تعاظم ذاته.

اقرأ أيضًا: كيفية التعامل مع الشخصية النرجسية

كيف تتعامل مع الإنسان النرجسي بصورة صحيحة؟

هناك أسس كثيرة مهمة للتعامل مع النرجسي حتى تضمن سلامتك النفسية والعصبية وحتى الجسدية، فالعلاقة مع النرجسي تتصف دومًا بالخطورة، فيمكن أن تلخص النصائح في نقاط موجزة وهي:

  • حافظ على هدوئك إذا تعاملت مع إنسان نرجسي فإن العصبية معه غير مجدية ولا توصلك لنتيجة.
  • احذر أن تكون عدوانيًا معه، فالعدوانية معه تدفعه لمزيد من الاعتداء اللفظي والنفسي فهو لا يقبل مطلقًا فكرة أن يكون منهزمًا أمام شخص آخر.
  • احرص في الوقت نفسه على أن تأخذ حقك منه ومن تصرفاته بهدوء وروية وإياك أن تلجأ لإنهاء الأمر معه إلى تخطئة نفسك فسوف يتمادى في كل مرة مقبلة.
  • تجاهل نوبات غضبه فلا تتنازل عما تراه صوابا مراعاة لغضبه، فغضبه هذا نوع من العمى الذي يصاب به إذا لم تتحقق أوامره، واحرص على ألا تعطيه اولوية في التعامل أو في قضاء المصالح فهو لن يراها خدمة منك له تستوجب منه الشكر، بل سيراها أنها من حق من حقوقه الواجبة على البشر.
  • تجنب الصراخ في مواجهته أو مبادلته الصراخ بصراخ مماثل فهو يحرص على إيجاد هذا الجو في المكان الذي يكون فيه، ويحرص على إبقاء كل الأجواء مشتعلة ليربح منها.
  • احذر من التطبع بطبعه دون أن تدري، فطباع النرجسي معدية وخطيرة على الشخص نفسه وتتسلل إليك بدون أن تنتبه.
  • ثق أنه لن يتغير بسهولة ولن تتبدل طباعه بسهولة أيضًا فلا تطمع حين مسايرتهم فيما يطلبون في تغيير خصالهم، فهو كالنار كلما التهمت شيئًا طمعت بالمزيد، وإنما علاجها الوحيد هو إيقافها عن هذه الممارسات لا في تلبية أوامرها.
  • النرجسي كزوج في العلاقة الحميمة يعتبر مهووسًا بالجنس، لكنه يريد أن يظهر أنه مطلوب ومرغوب فيه لا أن يكون طالبًا، لأن مفهوم الجنس لديه هو الحاجة ويعتبرونه ميدان صراع بين القوى لإثبات السيطرة ويضفي عليهم مزيدًا من الإعجاب بالذات، وهذا ينطبق على النرجسي سواء كرجل أو امرأة.
  • قد يمارس الشخص النرجسي بنفسه الصمت العقابي على ضحيته ليشعرها بعدم الحاجة لها وعدم القيمة حتى تذعن وتركع وتستجيب له وتكون ألعوبة في يده يحركها كالدمية بين يديه، فعلى كل ضحية أمامه أن تنتبه لنفسها حتى تنجو بكرامتها من بين يديه.

إن العلاقة مع الشخصية النرجسية علاقة سامة لكل من يتعامل معها، والأفضل إن كان يمكن الانفصال عنها فليكن، وإن لم يكن الانفصال عنها متاحًا فليكن التعامل معها بحرص شديد فكل العواقب خطيرة.

قد يعجبك أيضًا