قصة عن التسامح بين الاصدقاء

من الممكن أن تحمل قصة عن التسامح بين الاصدقاء الكثير من المعاني السامية في طياتها، وتعلمنا أكثر من درس ونستخلص منها أكثر من عبرة وعظة، فالتسامح سمة أساسية في هذا الوجود لولاها ما كان الإنسان يستطيع العيش في أمان وحرية، ونظرًا لما يمثله التسامح من أهمية للفرد وللمجتمع سوف نعرض من خلال موقع زيادة، قصة واقعية توضح معنى وقيمة التسامح مع الغير.

قصة عن التسامح بين الاصدقاء

ذات مرة كان هناك صديقان اسمهما حسام وإبراهيم، ولقد كانا أصدقاءً منذ الطفولة وقضيا أغلب أوقات حياتهما معًا، كان حسام متفوقًا في مادة الرياضيات بينما كان إبراهيم متفوقًا في اللغة الإنجليزية، وكبرا ونشئا سويًا وكل منهما يعرف ماذا يريد أن يكون وفيمَ يريد أن يتخصص ويتفوق أكثر في المجال الذي يحبه.

وصل حسام وإبراهيم إلى الصف الثالث الثانوي وكان كلاهما يحاول التركيز في هذه السنة المصيرية التي يتوقف عليها مستقبل كل منهما فيما يريده، فكانت العلاقة متقطعة بعض الشيء فلا يلتقيان إلى في الدروس الخاصة بالمواد المشتركة فيما بينهما أي المواد الأساسية في الفرعين العلمي والأدبي.

وزادت الفرقة أكثر بسبب دخول كلاهما إلى الجامعة التي يريدها في التخصص الذي تفوق فيه بنجاح، إلا أن الود لم ينقطع بينهما أبدًا وكان يلتقيان ويتسامران ويقضون وقتًا ممتعًا سويًا، وذات مرة كان هناك مباراة بين فريقي كرة قدم وكان حسام يشجع أحد الفريقين بينما كان إبراهيم يشجع الفريق الثاني.

مع الأسف كان حسام وإبراهيم متعصبان كرويًا إلى أقصى درجة، وخلال المباراة كان فريق حسام لا يلعب بشكل لائق وتفوق فريق إبراهيم فبدأ يسخر من حسام والفريق الذي يشجعه بطريقة مستفزة، بالرغم من أنه كان يمزح إلا أن حسام كان غاضبًا وثائرًا بسبب خسارة فريقه.

لم يراعِ إبراهيم الحالة التي يمر بها حسام في ذلك الوقت ولم يهتم إلا بالمزاح في وقت غير وقته، وحاول حسام أن يتمالك نفسه إلى أن زمام الأمور قد انفلتت منه في النهاية، ولم يشعر بنفسه إلا وهو يوجه لإبراهيم ضربة في وجهه على إثرها نزف من أنفه وسقط على ظهره.

اقرأ أيضًا: تلخيص قصة في 5 اسطر

التسامح أقوى من العداوة

كان هذا هو السبب في انقطاع العلاقة بينهما لأيام وكان إبراهيم دائمًا ما يقول إنه أخي الذي لم تنجبه لي أمي، هل يرفع يده على أخيه لأنه كان يمزح معه حتى وإن كان مزاحًا ثقيلًا، هل يخسر كل هذا العمر بيننا من أجل مباراة على التلفاز، وبمرور الأيام شعر حسام أنه أخطأ في حق صديقه بالفعل والأمر كله من الأساس لم يكن يستدعي هذه البلبلة.

ذهب حسام إلى منزل إبراهيم واعتذر من والده ووالدته أولًا ثم طلب أن يقابله، وخرج إبراهيم إلى حسام وما أن رآه حتى اعتذر له حسام على الفور وبادر بمعانقته، وما كان من إبراهيم إلا أن قبل اعتذار صديق عمره وسامحه، فلا شيء في الدنيا يستحق أن ينهار كل ما بينهما من عمر ومواقف وذكريات.

هذه قصة عن التسامح بين الاصدقاء نتعلم منها العديد من الأشياء، أولها انتقاء الكلمات بعناية بحيث تكون مناسبة للموقف، ثانيًا تعلمنا أن نحترم مشاعر الغير، وتعلمنا أيضًا أضرار ومخاطر التعصب الكروي، ونتعلم منها كذلك أن التسامح يغنينا عن الكثير من المشاكل والصراعات وخسارة أشخاص أعزاء على قلوبنا.

ما هو التسامح

تقديم قصة عن التسامح بين الاصدقاء تدفعنا للتعرف أكثر إلى التسامح بوجه عام، ويمكننا تعريف التسامح على أنه مجموعة من المتغيرات الموجودة في نفسية الشخص، وهذه المتغيرات تكون عاطفية وسلوكية ونفسية واجتماعية، والتسامح يعتمد في المقام الأول على إحلال المشاعر الإيجابية محل المشاعر السلبية للشعور بالسعادة.

التسامح هو قرار يتوقف على نوع المشكلة ومدى حجمها، والتسامح أيضًا يحتاج إلى الحيادية المطلقة لدى الشخص تجاه الآخرين، ويمكننا أيضًا القول بأن التسامح هو ميل الشخص بمشاعر المودة تجاه الآخرين وشعوره بالرغبة في التصالح معهم ومصافحتهم والتقرب إليهم.

إن كل تصرفات الإنسان وسلوكياته تكون ناتجة عن مجموعة من المشاعر سواءً سعادة أو حزن أو غضب، ويعد التسامح نوعًا من هذه المشاعر التي تراود الفرد بعد حدوث أمر سيء للشخص من قبل شخص آخر، وعلى إثره يستبدل الإنسان الرد السيء برد آخر حسن دون الحاجة إلى رد الأذى بأذى أو الإساءة بإساءة.

آيات عن التسامح في القرآن

إن عرض قصة عن التسامح بين الاصدقاء تدفعنا للإشارة إلى أن القرآن الكريم هو أكثر الأديان السماوية التي حثت الإنسان على التسامح وإنكار الكراهية والحقد، ولقد فلقد نزل الإسلام بكل ما تحمله كلمة سلام من معنى ولا معنى للسلام في عدم وجود التسامح بين الناس.

يوجد أكثر من دليل على صحة هذه الحقيقة، فلقد أورد الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الكثير من الآيات التي تحث الناس على التسامح والصفح والميل إلى السلم، ومن بين الآيات القرآنية التي أوصت بالتسامح:

  • (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ) [سورة المائدة، الآية رقم 13]
  • (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [سورة الحجر، الآية رقم 85]
  • (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [سورة الشُّورى، الآية رقم 40]
  • ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [سورة النور، الآية رقم 22]
  • ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [سورة فصلت، الآيات رقم 34، 35]
  • ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ … وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [سورة الشورى، الآيات 40:43]
  • ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [سورة التغابن، الآية رقم 14]
  • ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [سورة آل عمران، الآية رقم 134]
  • (قُل يا عباديَ الذينَ أَسرَفوا على أَنفُسِهم لا تَقنَطوا مِن رَحمةِ الله إنَّ الله يَغفرُ الذُّنوبَ جَميعاً إنَّه هوَ الغَفورُ الرَّحيم) [سورة الزمر، الآية رقم 53]

اقرأ أيضًا: حديث نبوي شريف عن التسامح

 تسامح النبي

إن تقديم أي قصة عن التسامح بين الاصدقاء لا تعادل أي شيء من مجمل المواقف الأخلاقية والإنسانية الجميلة، التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم به مع الجميع وعلى رأسهم من يؤذونه بأسوأ الطرق، فهو لم يرد يومًا الإساءة بإساءة ولم يدفع الأذى عن نفسه بأذى، ويوم تحدث عن نفسه قال: إنما بعثت لِأتمم مكارم الأخلاق.

يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: «فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُم اذْهَبُوا فَأنْتم الطُّلَقَاءُ)

حينما تم للنبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة، كان بإمكانه أن ينتقم لنفسه ولأهله ولسائر المسلمين من مشركي مكة، ولكنه عفا عنهم وسامحهم لوجه الله، فالتسامح من خلق الإسلام.

“عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ثمَّ لَقيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فابتَدأْتُه فأخَذْتُ بيَدِه، فقلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أَخبِرْني بفَواضِلِ الأعمالِ. فقال: يا عُقْبةُ، صِلْ مَن قَطَعَك، وأَعْطِ مَن حَرَمَك، وأَعرِضْ عمَّن ظَلَمَك”رواه عقبة بن عامر، وحدثه شعيب الأرناؤوط، المصدر: تخريج المسند، حكم الحديث: حسن الإسناد.

“ألا مَن ظلمَ مُعاهدًا، أوِ انتقصَهُ، أو كلَّفَهُ فوقَ طاقتِهِ، أو أخذَ منهُ شيئًا بغَيرِ طيبِ نفسٍ، فأَنا حَجيجُهُ يومَ القيامةِ” رواه أصحاب النبي، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح أبي داوود، حكم الحديث: صحيح الإسناد.

عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن قَتَلَ نَفْسًا مُعاهَدًا لَمْ يَرِحْ رائِحَةَ الجَنَّةِ، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عامًا” رواه عبد الله بن عمر، وحدثه البخاري، المصدر: صحيح البخاري، حكم الحديث: صحيح الإسناد.

أنواع التسامح

من خلال ما قدمناه في قصة عن التسامح بين الاصدقاء يمكننا استنتاج أن التسامح لا يقتصر على نوع واحد أو بشكل وإطار محدد، بل يوجد للتسامح أكثر من نوع وأكثر من شكل، لكي يكون التسامح صفة سائدة وأكثر عمومًا وشمولًا، ومن أبرز أشكال وأنواع التسامح:

1- التسامح الديني

لا يعني اختلاف الدين والمذهب والطائفة مع الغير أن نمقتهم ونهاجمهم أو نتعدى على مقدساتهم وحقوقهم، فيجب أن نتعامل مع كل شخص يختلف عن ديننا سواءً كان دينه سماويًا أو وضعيًا أو ملحدًا أو لا ديني بكل حب واحترام وتقدير.

فلا يحق لأحد منا أن ينصّب نفسه إلهًا لكي يحاكم الناس ويحاسبهم على ما يعتنقونه من دين أو ما يتبعونه من مذهب، فإن مسألة الدين بالذات الله هو الحكم والفيصل الوحيد بل الأوحد فيها، وهو فقط من يحق له أن يحاسب الإنسان في الدنيا أو الآخرة على ما كان يعتنقه من دين.

2- التسامح الفكري

التسامح الفكري يعني احترام آراء الغير وأفكارهم مهما كانت مخالفة لآرائنا الشخصية، وهذا بغض الطرف عن اللون والجنس والعرق والمهنة لأن التعصب الفكري ينتج عنه تحجيم قدرة العقل الإنساني عن التفكير، وإذا ما توقف عقل الإنسان عن التفكير أو ضعفت قدرته، لن يصبح قادرًا على تقبل أي تغيير يحدث من حوله مهما كان طفيفًا، وسوف يشن حروبًا للقضاء على هذا التغيير.

3- التسامح الاجتماعي

نعني بالتسامح الاجتماعي هو التصرف بلطف وسماحة نفس وسعة صدر مع مل فرد من أفراد المجتمع، والتعامل معهم بطريقة تخلو من أي إهانة أو إساءة أو تعدٍ لفظي أو جسدي، وتكمن أهمية التسامح الاجتماعي في انتشار الأمان والمساواة والمحبة بين الناس، لوجود فكرة التسامح مع الطبقية المجتمعية بكل طوائفها.

4- التسامح الثقافي

يقصد بالتسامح الثقافي تقبل الثقافات الأخرى الموجودة في العالم بإيجابياتها وسلبياتها وتقبلها واحترامها أيًا كانت، إلا أن هذا التسامح لا يعني التسامح وتقبل الثقافات الجائرة الظالمة العنيفة، أو تلك الثقافات التي تهدف في المقام الأول إلى إضعاف معتقدات الشخص ولا تحترم حقوقه كإنسان.

بمعنى أوضح نقصد أن يقتنع كل إنسان بمبادئه الخاصة، ولكن في نفس الوقت يتقبل مبادئ ومعتقدات وثقافات غيره، وهذا لا يتم إلا عن طريق تقبل فكرة الاختلاف الطبيعية بين البشر، واعتناق فكرة وحقيقة أن كل البشر متنوعون ومختلفون عن بعضهم البعض من حيث المظاهر والقيم والسلوكيات والأخلاقيات والمناه، وفي المقابل لهم كل الحق في العيش بسلام.

اقرأ أيضًا: قصة عن حسن الخلق

5- التسامح السياسي

السياسة هي طابع ثقافي في كل بلد ولكنه يختلف من شخص لآخر، فلكل شخص ميوله السياسي تجاه نظام حكم معين، إلا أن هذا الاختلاف لا يعد مبررًا أبدًا لانتشار العداوة والاستبداد تجاه الآخرين لمجرد أنهم مختلفون عنا فيما يخص الفكر السياسي، سواءً كان هذا الاستبداد يتم من قبل الدولة والحكومة القائمة، أو يتم بين الأفراد وبعضهم.

الصداقة الحقيقية واحدة من أكثر أنواع العلاقات قدسية، فلعل في تلك القصص خير دليل على ذلك وخير إرشاد يحثك على التمسك بالصديق الحق وأن تحسن اختياره من الأساس.

قد يعجبك أيضًا