عبدالله بن سعد بن أبي السرح

عبدالله بن ابي السرح هو الصحابي صاحب أكثر جدال حوله في كتب التاريخ بسبب إنه أرتد عن الإسلام بعد الهجرة ثم أسلم بعد فتح مكة بعدما أهدر الرسول – صلى الله عليه وسلم دمه – لكن سيدنا عثمان – رضي الله عنه – استجاره، لم تخلو باقي حياته من مواطن جدال المسلمين بسبب توليه ولاية مصر في عهد سيدنا – عثمان بن عفان – وكان توليته من المآخذ التي أُخذت على الخليفة الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه – في أحداث الفتنة، حتى مكان موته لم يسلم من الجدال، فقيل أنه بالرملة وقيل أنه بعسقلان.

عبدالله بن ابي السرح

هو: عبد الله بن سعد بن أبى السرح بن الحارث بن حبيب بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك من قبيلة قريش من عامر.

يلتقي مع نسب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الشريف في “لؤي”، وأخو عثمان بن عفان في الرضاعة.

اقرأ أيضًا : من هو يزيد بن معاوية وأهم الفتوحات الإسلامية في عهده

إسلام عبدالله بن أبي السرح

أسلم عبدالله بن أبي السرح لأول مرة في مكة قبل صلح الحديبية ومن ثم هاجر إلى المدينة كان حسن الإسلام وموضع ثقة الرسول – صلى الله عليه وسلم – فنال شرف أن يكون مع عدد من الصحابة الذين قاموا بكتابة الوحي بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم-

ردة عبدالله بن أبي السرح عن الإسلام

بعدما هاجر وحسن إسلامه نزغ الشيطان في قلبه فارتد عن الإسلام وهرب من المدينة ليلًا، ثم أهدر الرسول – صلى الله عليه وسلم –  دمه.

عودة عبدالله بن أبي السرح إلى الإسلام

عند فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد آمن أهل مكة على دمائهم وأموالهم إلا بعض نفر قد سماهم بالاسم و أمر بقتلهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة هم (عبد العزى بن خطل، وعكرمة بن أبى جهل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، وسارة مولاة بني عبد المطلب) لكن عبد الله بن سعد بن أبى السرح أختبأ عند عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ – رضي الله عنه – فلما وجده عثمان قال له: “والله أني أخترتك فاحتسبني ها هنا فأذهب إلى محمد وكلمه في أمري فإني ذو جرم عظيم والله وإني جئت تائبًا، فقال له عثمان بن عفان – رضي الله عنه- لا فلتأتي معي ولا يقتلك إن شاء الله وأنطلقا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم فدخلا عليه وقال عثمان: يا رسول الله إن أمه كانت تحملني وتمشيه وترضعني وتقطعه وكانت تلاطفني وتتركه فهبه ليه.

فأعرض عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – لبرهة؛ أراد أن يقوم أي رجل من الصحابة الحاضرين بقتله لأنه لم يؤمنه ويبايعه بعد، وأنكب عليه عثمان بن عفان يقبل رأسه وهو يقول: تُبايعه يا رسول الله، فداك أبي وأمي يا رسول الله، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: نعم وبايعه.

بعد رحيلهم ألتفت الرسول –صلى الله عليه وسلم – للصحابة : أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ؛ فقال “عباد بن  بشر”: ألا أومأت إلي يا رسول الله  قال النبي – صلى الله عليه وسلم: “إنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ” (رواه النسائي 4067).

هكذا عاد عبد الله بن أبي السرح إلى الدين الإسلامي والمجتمع الإسلامي وكان يخجل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغض الطرف حين يقابله.

لم يرتد مع المرتدين في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وأعتزل أحداث الفتنة التى حدثت في عصر الخليفة عثمان بن عفان – رضي الله عنه.

اقرأ أيضًا : من هو قائد معركة اليرموك الذي قال أبو بكر الصديق أن النساء عجزت أن تلد مثله

عبد الله بن أبي السرح في كتب التراث

قال عنه “شمس الدين الذهبي” في (سيرة أعلام النبلاء): “لم يتعدَّ، ولا فعل ما يُنقم عليه بعدها – أي بعد فتح مكة -، وكان أحد عقلاء الرجال وأجوادهم”

قال عنه عبد الله بن عباس: ” كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى السَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم”

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى السَرْحٍ  مجاهد

بعد انتقال النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى جوار ربه بدأ عصر الفتوحات وقد شارك فيه عبد الله بن أبي السرح  وولاه  أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه على صعيد مصر ثم من بعده عثمان بن عفان – رضي الله عنه – ولاية مصر عام 27هـ.
في فترة ولايته قامت فتوحات كبيرة وصعبة في بلاد النوبة وفي السودان وأجرى عهود بينه وبين ملوك النوبة.

ذُكر في كتاب الإصابة لابن حجر: إنه شكاه أهل مصر إلى الخليفة – عثمان بن عفان- رضي الله عنه وسألوه عزله فستجاب لطلبهم.

وفاة عبد الله بن أبي السرح

بعد أحداث الفتنة أعتزل عبد الله بن أبي السرح السياسة وهرب بنفسه إلى عسقلان بعيدًا عن الفتنة ومات هناك.

لكن روى البغوي أن يزيد بن ابي حبيب قال: “خرج ابن أبي سرح إلى الرملة، فلما كان عند الصبح قال: اللهم أجعل آخر عملي الصبح، فتوضأ ثم صلى فسلم عن يمينه، ثم ذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه يرحمه الله” أي أنه مات في الرملة ودفن هناك.
وكلا القولين بأدلتهم فلا نعلم أيهم أصح من الآخر.

اقرأ أيضًا : من هو أول رائد فضاء عربي؟ وأول عربي مسلم يصعد إلى الفضاء

في بعض الأحيان يتم الخلط بينه وبين رجل نصراني آخر لا نعرف له اسم كان كاتب للوحي ثم أرتد عن الإسلام وكان يقول إنه غير ما كان يقوله رسول الله من القرآن؛ فأهلكه الله وكان عبرة ولم تقبله الأرض فظل مرمي مثل جيفة الحيوان العفنة.
قال عنه أنس ابن مالك: “كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَادَ نَصْرَانِيًّا فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلاَّ مَا كَتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقُوهُ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ” (البخاري 3421).

وبعض المضللين والشيعة ينسبون هذه الرواية لعبد الله بن ابي السرح ليطعنوا في صحة القرآن الذي قال عنه الله من فوق سبع سموات “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (الحجر9).

بذلك نكون قد نقلنا لكم أقوال المؤرخين وأهل الحديث في أدق ما وصلنا له عن الصحابي عبدالله بن ابي السرح الصحابي، عن إسلامه وردته وحياته وجهاده وموته، نرجو أن نكون قد أفدناكم.

قد يعجبك أيضًا