الاعتذار من شيم الرجال

الاعتذار من شيم الرجال فلا يعد ضعفًا بل هو القوة والعزة، فالرجل الحق يعتذر إن أخطأ مدركًا أن هذا الفعل يزيده ثقة بنفسه ويجعله من الكلام الأقوياء، لا تأخذه العزة بالإثم فيحجم عن الاعتذار اعتقادًا أن ذلك ينقص من رجولته وتحكمه في زمام الأمور، على أن الاعتذار ليس كلمة إنما هو ثقافة يدركها ذوي المدارك الراقية ويسعون إلى انتهاجها في سلوكهم ومعاملاتهم الإنسانية، لذا وجب علينا من خلال موقع زيادة الحديث عن ثقافة الاعتذار بشيء من التفصيل.

الاعتذار من شيم الرجال

إن الاعتذار من سجايا الكرام ومن شيم الرجال، لا يعد ضعفًا بل على النقيض نجده علامة للثقة بالنفس، علاوةً على أنه يحمل في طياته معاني الشجاعة والأدب والقوة، القدرة على مواجهة النفس قبل مواجهة الآخرين.. إنه الاعتذار.

دعونا نتصور العلاقات الإنسانية ومعاملاتها دون وجود ثقافة الاعتذار في المجتمعات، سيصبح الأمر أشبه بالغابة الموحشة فتكون حربًا بين الفرد والفرد، بين الكل والكل، يشوبها التوتر والمشاحنات، لا مجال فيها للتعايش ولا تجد للسكينة والاطمئنان إلا لمامًا.

فالاعتذار هو ذلك الخلق الاجتماعي الضامن للأمان والتعايش، وهذا لا يدعو للغرابة ولا ينطوي على مبالغة ما، فالاعتذار يرتبط كل الارتباط بالمصداقية بين بني البشر، ويمحو بدوره صفات الكبر والتعالي تلك التي تغرس العداوة بديلًا عن الثقة.

بيد أن الاعتذار من شيم الرجال لأنه لا يدع مجالًا للارتياب، أو لسوء الظن والشكوك اللعينة، فهو يضع بصماته على العلاقات ليضفي عليها أمانًا من نوع خاص، وكفى بكونه يزرع المودة في قلوب المتحابين.

إن أشرنا إلى ما ينبغي أن يتصف به الرجل الحق من صفات القوة والحزم، وتحمل المسؤولية والمواجهة، فضلًا عن الاعتراف بالخطأ وتحمل توابعه والقدرة على تفاديها، وتلك هي الصفات التي يتطلبها فن الاعتذار، فالاعتذار يحتاج من القوة النفسية ما يدفع إلى كبح غرور النفس والمبادرة، وهو ما يجعل الاعتذار من شيم الرجال.

الرجل هو من يكبح نفسه فبدلًا من أن تقوده هي تبعًا لأهوائها، يسهل عليه قيادتها وينتشلها من الكبر وحب الذات إلى التحلي بشيم الكرام، فالأمر ليس بتلك السهولة لذا لا يمكن أن ننسب الاعتذار للضعفاء.

لا ضير من الاعتذار للصغير إن أخطأ من يكبره سنًا، أو الاعتذار لمن هم أقل مكانة في مجال العمل أو ما شابه، فثقافة الاعتذار تتطلب الفهم الراقي، لذا لا تتوافر عند الأغلبية.

اقرأ أيضًا: كلام عن التسامح والاعتذار

ثقافة الاعتذار

إن العلاقات القوية لا تتأثر بالخلافات السطحية والنوازل، فيدعمها الاعتذار ويزيد الثقة بين أطرافها، فالاعتذار هو الأساس الخصب للعلاقات الاجتماعية المستمرة التي لا تنقضي إثر خلاف أو ما شابه، ذلك لكونه يعد من أهم مهارات التواصل المرن الذي يجعل الحوار دائمًا.

الاعتذار من شيم الرجال لأنه لا يُنقص من قدر فاعله بل يزيده مقامًا وهيبة، فمن لا يعتذر هو من صغار الأنفس الذي دأب على الهروب من نفسه ولا يستطيع قيادتها، فهو الضعيف الذي تتحكم أهوائه في تحركاته.

لا يقتصر الاعتذار على تلك المواقف السطحية العابرة التي تتطلب كلمة واحدة وافية لإنهاء الموقف، بل نجده يتجلى في صعاب الأمور وأجلّها، المواقف التي لا تحتاج سوى الاعتذار حتى تستمر وتيرة الحياة دون ضجر، المواقف الجادة التي يصبح فيها الاعتذار من شيم الرجال.

لا يقف الاعتذار عن حد الاعتراف بالخطأ فقط، فربما يكون ظاهرًا فقط دون إيمانًا راسخًا بقيمة الاعتذار، إنما يتعدى ذلك ليكون اعترافًا بالخطأ مقرونًا بالندم على فعله، بل والقدرة على تحمل توابع ذلك التصرف الخاطئ، الأمر الذي يبدل الحال من الضعف إلى القوة، فالمخطئ في أعين الناس ضعيف، ما إن اعتذر نجده اكتسب القوة في أعين الناظرين.

من تغلبه المشاحنة مع الطرف الآخر ويعزم على الاعتذار، يكون بذلك قد أجبر محدثه أن يكف عن المشاحنة وربما يجعله يعتذر أيضًا حتى لا يظهر بمظهر المعتدي، جدير بالذكر هنا التأكيد على أن الاعتذار لا يتم هباءً، إنما يكون نتاجًا عن خطأ يستدعي الاعتذار.

فمن يدرك ثقافة الاعتذار لا يعنيه لمن يعتذر، رجل أو امرأة، صغير أو كبير، فالاعتذار لا يكون للصفوة أو العلية دون غيرهم، إنما هو غلاف للعلاقات الإنسانية كافة على وجه السواء.

اقرأ أيضًا: كيف يكون فن الاعتذار

الاعتذار خير من التبرير

كم من مواقف كللها الاعتذار فكانت بمثابة مداواة للمكلوم والمظلوم، فالاعتذار يزيل الغضب العارم، ويجبر الخواطر، ويُغني عن المبررات الواهية التي تزيد الوضع سوءًا.

خلق الحجج من أيسر ما يفعله البعض لإضفاء الصحة على أقوالهم الباطلة وتصرفاتهم الطائشة، فالمبررات هي البديل الوافي للضعفاء عن مراجعة النفس وتصحيح الخطأ بالاعتذار، فيعتقدون هؤلاء أن الاعتذار يعني الاعتراف بالخطأ وهو ما يعني تصغير النفس وإذلالها، فلا يدركون سبيلًا سوى تبرير الخطأ ليستحيل صوابًا، دون التخلي عن الكبرياء والعزة.

بيد أن الاعتذار هو العزة ذاتها، فهو ترويض الكبرياء الجامح لجعل المرء سويًا لا تدفعه نفسه ليحمل مثقال ذرة من كبر، بل نرى الاعتذار أشبه بالميزان الذي يقف بين الضعف والقوة، أن تُقاد من نفسك أو تقود إياها.

هذا ما يدفعنا للقول بأن ما يدفع البعض إلى التبرير هو الإفراط في تقديس الأنا العليا، حب الذات الذي يعلو عن احترام الحق، الأمر الذي يستتبع المكابرة.. وما إلى ذلك.

تلك المبررات بمثابة الحاجز الذي يمنع الشعور بالنقص عند الرافضين للاعتذار باعتبار أن الاعتراف بالخطأ يُظهر هذا النقص أمام العيان، فالتبرير ما هو إلا وجهًا آخر للضعف، فأي ضعف أكبر من ضعفك أمام مواجهة نفسك بأخطائها؟

لا ننكر أن ارتكاب الأخطاء أمر معيب، ويدفع إلى التستر عليها بل ومحوها إن أمكن بدلًا من الاعتراف بها، لكن الأجدر هو عدم المجادلة في خطأ ما، فربما اعترافك بالخطأ يمحو آثاره ويجعلك سويًا أمام نفسك والآخرين.

اقرأ أيضًا: التعبير عن الحب للحبيب

الاعتذار اقتداءً بالأسوة الحسنة

غنى عن البيان أن الاعتذار لا يعد من شيم الرجال الأقوياء فحسب، إنما هو من سمات أفضل الخلق، الأنبياء والصالحين، وكفانا برسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أسوةً حسنة، نتخذ سلوكياته منهاجًا لنا في أمور حياتنا كافة.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ (صحيح)، وكان من خُلق الرسول الكريم العفو والصفح، فكان قدوةً في المبادرة بالاعتذار حتى يتسنى للعالمين أن هذا الخُلُق لا يُنقص من المرء شيئًا ولا يقلل من قيمته بل يزيده قوةً ومكانة.

فلم نجد أن نبيًا قد استعصى عن الاعتراف بالخطأ، تجلى هذا في نبي الله موسى عليه السلام حينما قتل نفسًا بالخطأ، وسرعان ما استغفر الله وأقر بذنبه عندما أدرك عظيم فعله، وفي آيات الذكر الحكيم ما يثبت ذلك: قال رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (سورة القصص الآية 15).

كذلك يوجد العديد من الأمثلة الدالة على أن الاعتذار من شيم الرجال الصالحين، ومن شيم النساء العفيفات، فهو الجرأة في الحق، لا يتصف به أحد إلا وقد ذهب عنه النفاق والكذب والضعف وغيرها من قبيح السجايا.

هكذا يُمكن القول إن الخطأ من صفات البشر على الدوام، فليس هناك من هو معصوم منه، على أن الخطأ لا يعيب مُرتكبه طالما أن هناك رجوعًا عنه، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ (صحيح).

الاعتذار من أهم السلوكيات التي إن انتشرت في المجتمع سادت الألفة والمودة بين أفراده، كما أنه يُنمي القدرة على نقد الذات ومراجعة النفس، لذا فهو فضيلة من الفضائل ينبغي الحرص على التحلي بها.

قد يعجبك أيضًا