تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة

تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة التي تعد من أشهر المعلقات السبع، وهذه المعلقات هي قصائد جاهلية طويلة يستخلص منها خصائص الشعر الجاهلي، وأشتهر عنترة بمعلقته التي احتوت على تسعة وسبعين بيتًا.

كما أنها تحتوي على العديد من الأغراض الشعرية، مثل: الشجاعة والوصف والغزل والبكاء على الأطلال، ومن خلال موقع زيادة سنقوم بتحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة.

تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة

كانت والدة عنترة بن شداد سوداء اللون، لأنها من الحبشة واسمها زُبيبة، وكانت أمة لوالده شداد، وعندما ذهب عنترة لخطبة محبوبته عبلة وكانت أبنة عمه، قام عمه برفضه، لأنه ورث عن أمه البشرة السوداء.

كما يقال إن سبب نظم عنترة لمعلقته أن أحدًا من بني عبس قام بمعايرته بأمه وإخوته، لأنهم من الحبشة بعد أن اعترف أباه به، فقام عنترة بن شداد بنظم المعلقة ردًا على ذلك الشخص ووضح في القصيدة فخره وحماسه وقوته وذكر أحداثًا تاريخية للدلالة على ذلك.

لذا في إطار موضوع تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة، سنعرض لكم شرحًا مفصلًا للقصيدة فيما يأتي:

شرح معلقة عنترة بن شداد هل غادر الشعراء

أجاد عنترة بن شداد في نظم معلقته، وقال العلماء أن معلقة عنترة هي الشعر الثابت له، فليس مختلفًا فيه إذا كان نظمه أو لم ينظمه، واحتوت معلقة عنترة بن شداد على الفصاحة في الألفاظ والمعاني النبيلة، وكتب في هذه المعلقة عن حبه لعبلة، وتعلقه بها وكان شعره في الغزل عفيفًا، ولم يكن فاحشًا، وفيما يلي سنقوم بتحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة من البيت الأول إلى الثالث.

“هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ ** أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي ** وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّه ** فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ”

يوجه عنترة بن شداد في البيت الأول سؤالًا عن حال الشعراء الذين كتبوا في كل الأشعار، ولم يتركوا نوعًا من الشعر إلا وكتبوا فيه، وهذا الاستفهام في البيت الأول غرضه الاستنكار وكلمة المتردم تأتي بمعنيين، المعنى الأول هو الترنم، أي الموسيقى الصوتية، والمعنى الآخر هو الموضع الذي استصلح، ويقصد به الشعراء الذين كتبوا في كل أنواع الشعر.

ذهب بعد ذلك عنترة لسؤال نفسه هل عرف بيت حبيبته بعد أن شك إذا كان هو أم لا وذلك بسبب حزنه على فراقها، وهو أسلوب جميل استخدمه الشاعر وجل من نفسه شخصًا يحدثه.

ينتقل الشاعر عنترة بن شداد بعد ذلك إلى مخاطبة منزل محبوبته، وطلب منه أن يحدثه ويخبره عما فعل به أهله وبعدها قام بتحية عبلة وهو اسم حبيبته وقام بتحية منزلها.

قام عنترة بن شداد بحبس ناقته في دار عبلة وشبه الناقة كأنها فدن، والفدن هو القصر الكبير، وقام بذلك حتى يخرج ما كتمه من البكاء على آلام الفراق.

اقرأ أيضًا: شرح وتحليل قصيدة في وصف النهر للصف الثامن

شرح المعلقة من البيت الرابع إلى البيت السادس

ينظر عنترة بن شداد إلى ديار محبوبته عبلة فيتذكر ما كان في الديار من سعادة بوجودها، وفيما يلي سنعرض لكم شرحًا للمعلقة من البيت الرابع إلى البيت السادس في إطار موضوع تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة.

“وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُن ** بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ

حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ ** أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ

حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت ** عَسِرًا عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ”.

يقول عنترة بن شداد في أول الأبيات بصياغته الرائعة إن أهل عبلة نزلوا بالجواء، وهو المكان الواسع الجميل، أما عائلته فقد نزلت في هم وحزن وضيق، وهذه صورة بلاغية تدل على شدة معاناة عنترة.

عاد عنترة ابن شداد إلى تحية الأطلال، ويرى أنها قد أصبحت مزرية وقديمة بعد أن رحل عنها أهلها ورحل عنها أهم شخص لديه، وهي عبلة فأصبحت الديار من بعد رحيلها مهجورة ومظلمة.

شرح المعلقة من البيت السابع إلى البيت الحادي عشر

يبدأ عنترة بن شداد في مطلع الأبيات بالتغزل في عبلة، ويصف لها حال الديار من بعد رحيلها، وفيما يلي سنعرض لكم شرحًا للأبيات بالتفصيل، وذلك في إطار موضوع تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة.

“عُلِّقتُها عَرَضًا وَأَقتُلُ قَومَه ** زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ

وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ ** مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ

كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُه ** بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ

إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّم ** زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ

ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِه ** وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ”

يقول عنترة بن شداد في أول الأبيات أنه أحب عبلة وعشقها ولا يقدر على فراقها، وكلما نظر إليها نظرةً ازداد شغفه وتعلقه بها، وهذا كله مع قتله قومها، وكان هذا هو الحال بين قوميهم كانوا في نزاع شديد، فكان عنترة بن شداد يطمع في حبها، ولكنه يعلم أن هذا يصعب عليه بسبب المعاداة والقتال بين قبيلته وقبيلتها.

يقسم عنترة بن شداد بحياة والد عبلة أنه لا يمكنه الوصول إليها، ويرى أن ذلك مستحيل عليه، ويوجه الشاعر عنترة بن شداد بأسلوب بلاغي جميل قوله إلى عبلة أنها قد نزلت إلى قلبه، وأصبحت بمكانة المحب الذي يكرمه، ولن تذهب من هذه المنزلة عنده أبدًا، حتى تكن متيقنة أشد اليقين أنها لن ترحل من قلبه أبدًا، ولا تظن غير ذلك أبدًا.

يريد عنترة أن يزور عبلة ولكن أهلها قد أقاموا بموضعين، وأهله بموضع يبعد عنها المسافات ويسأل كيف له أن يزورها، ويجلس معها وبينهما هذه المسافة الكبيرة وكلمة المزار في البيت تعني الزيارة وكلمة التربع تعني المكان الذي يقيم فيه في فصل الربيع.

يخاطب عنترة بن شداد في الأبيات محبوبته عبلة ويخبرها إن كنت قد اعتادت على فراقه، وأن تبعد عن بعضنا مسافات فأنا علمت ذلك منذ ذلك اللحظة التي رحلتي فيها وابتعدت عني، ولم يعلمه أحد برحيلها في ذلك الوقت سوى انتهاء فترة الكلأ والانتجاع، فأصبحت إبلهم تستف حي الخمخم في وسط الديار، المقصود بالأزماع أنه توطين النفس على الشيء، والركاب يقصد بها الإبل.

شرح المعلقة من البيت الثاني عشر إلى السادس عشر

يتغزل عنترة بن شداد في محبوبته عبلة بنت مالك في الأبيات التالية بأسلوب يعبر به عن حبه لها، وسوف نوضح شرح للأبيات فيما يلي في إطار موضوع تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة.

“فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً ** سودًا كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ

إِذ تَستَبيكَ بِذي غُروبٍ واضِحٍ ** عَذبٍ مُقَبَّلُهُ لَذيذِ المَطعَمِ

وَكَأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ ** سَبَقَت عَوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ

أَو رَوضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبتَه ** غَيثٌ قَليلُ الدِمنِ لَيسَ بِمَعلَمِ

جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ ** فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ”

الحلوبة هي جمع الحلوب، والأسحم: الإبل السوداء.

يوضح عنترة بن شداد في تلك الأبيات شدة ثراء أهلها وذلك بتوضيح راحلتهم حيث كانت تشمل اثنان وأربعون ناقة تحلب لونهم أسود مثل خوافي الغراب الأسود وذكر عنترة بن شداد سواد الإبل فقط، لأنها تعد أعز الإبل، وهي غالية الثمن.

قام عنترة بن شداد بتشبيه رائحة محبوبته عبلة بأنها مثل رائحة المسك ما كان فزعك من رحيلها حين تستبيك بثغر ذي حدة واضح عذب موضع التقبيل منه ومذاقه جميل، أراد بالغروب الأشر التي تكون في أسنان الشواب، وتحرير المعنى: تستبيك بذي أشر يستعذب تقبيله، ويستلذ طعم ريقه.

في الأبيات تشبيه رائع من عنترة حيث شبه فارة مسك التاجر، ويقصد بالتاجر هنا هو العطار شبه فارة مسكه بسيدة جميلة تسبق عوارضها إلى الشخص من فمها، وشبه عبلة بالمسك الذي تسبق رائحتها رائحة المسك من عند التاجر.

شبه عنترة بن شداد محبوبته بالروضة التي لم ترع فيها الغنم والروضة، أي الأرض الخضراء الواسعة الجميلة التي يرعى بها الغنم، ولكن عنترة شبه عبلة بهذه الأرض ولكن ظلت برونقها وجمالها لم تتأثر بأحد الأغنام وظلت رائحة الخضرة تفوح منها فلم ينقص من جمالها شيء.

يواصل عنترة بن شداد وصف جمال محبوبته عبلة ويتغزل فيها، حيث يشبهها بالرياض الأخضر الواسع الجميل الذي أمطرت السحب عليه بشكل متواصل حتى تركت حفر من المياه.

فصارت مثل: الدراهم في استدارتها وصفائها وجمالها، ويقصد بالبكر هو السحاب السابق مطره وجمعه الأبكار وكلمة حرة، تعني الخالصة من البرودة والرياح، وهو حسن الشيء وجيده.

شرح المعلقة من البيت السابع عشر إلى العشرون

يستكمل الشاعر في وصفه لمحبوبته بتشبيهات تفوق بها على غيره من الشعراء، وفيما يلي سنتعرض لكم الأبيات مع شرح مفصل، ضمن موضع تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة.

“سَحًّا وَتَسكابًا فَكُلَّ عَشِيَّةٍ ** يَجري عَلَيها الماءُ لَم يَتَصَرَّمِ

وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ ** ً كَفِعلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ

هَزِجًا يَحُكُّ ذِراعَهُ بِذِراعِهِ ** قَدحَ المُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ

تُمسي وَتُصبِحُ فَوقَ ظَهرِ حَشِيَّةٍ ** وَأَبيتُ فَوقَ سَراةِ أَدهَمَ مُلجَمِ”

يكمل عنترة بن شداد وصفه في عبلة، فيقول إن المطر قد أصابها وسكب عليها فلم ينقطع عنها الماء ابدًا وظلت تزداد جمالًا ورونقًا، وكلمة السح يقصد بها الصب والانصباب أي صب الماء والتسكاب.

بعد أن وصف الشاعر عنترة بن شداد جمال عبلة بوصفها الأرض الخضراء الجميلة الواسعة، قال إن الذباب يأتي إليها ولا يتركها بسبب طيبها وطيب رائحتها، فأصبح الذباب لا يفارقها ويتغنى كأنما شرب خمرًا كما يقصد بكلمة البراح، هي الزوال والتغريد، هو التصويت والترنيم، هو ترديد الصوت والتنغيم.

في الأبيات الأخيرة يقول عنترة بن شداد أن عبلة تنام وتصبح، وهي على فراشها منعمة، وأنا أنام وأصبح فوق ظهر فرسي الملجم القوي ويعني عنترة من هذا البيت أن حياته مليئة بالسفر والمشاق والصعاب وحياة عبلة منعمة ومكرمة في بيتها ولا تعلم عن حاله شيئًا.

كما جاءت كلمة السراء بمعنى أعلى الظهر، والمقصود بها أعلى ظهر الفرس.

اقرأ أيضًا: شرح قصيدة عن التنمر للشاعر هريدي أبو عطية

شرح المعلقة من البيت الواحد والعشرون إلى الرابع والعشرون

يفخر عنترة بن شداد بقوة فرسه ويصف ملامحه في صياغة تعبيرية رائعة، وسوف نقدم لكم شرحًا للأبيات، وذلك في إطار موضوع تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة.

“وَحَشِيَّتي سَرجٌ عَلى عَبلِ الشَوى ** نَهدٍ مَراكِلُهُ نَبيلِ المَحزِمِ

هَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ ** لُعِنَت بِمَحرومِ الشَرابِ مُصَرَّمِ

خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ ** تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ

وَكَأَنَّما تَطِسُ الإِكامَ عَشِيَّةً ** بِقَريبِ بَينَ المَنسِمَينِ مُصَلَّمِ”

يأتي عنترة بن شداد في الأبيات الأولى بوصف لفرسه الذي يرتحل به ويصفه بأوصاف قوية، ويقول عنه أنه غليظ القوام، وأطرافه قوية وضخم الجنبين وانتفاخهما وسمين موضع حزامه.

يبين عنترة بن شداد أنه يستوطئ سرج الفرس كما يستوطئ غيره الحشية، والمقصود من الحشية، هي الثياب التي يحشوها القطن أو الصوف.

كما احتوت هذه الأبيات على عدة معاني منها كلمة العبل ويقصد بها الغليظ والقوي، والشوى هي الأطراف والقوائم، والنهد أي الضخم الكبير، والمراكل تعني موضع الركل، وهو الضرب بالأرجل، وكلمة النبيل تعني السمين، وكل هذه الكلمات استخدمها الشاعر عنترة ابن شداد بصياغة بلاغية رائعة لوصف فرسه القوي.

يبدأ بعد ذلك عنترة بن شداد بالسؤال عن ناقته، ويريد أن يعرف هل إذا كانت قادرة على الوصول إلى دار عبلة، ثم دعا على ناقته أن تحرم من اللبن، ويبعد عهدها من اللقاح حتى تكون أقوى.

كما تقدر على الوصول إلى دار عبلة لأن الحمل الكثير والولادة يزيد من  ضعف الناقة ووهنها، وكلمة شدن المذكورة في الأبيات تعني الأرض أو القبيلة المنسوب إليها الإبل، وكلمة التصريم تعني القطع.

ثم يبدأ بوصف قوتها وقدرة تحملها مفتخرًا بها، ويقول إنها ناقة نشيطة ومرحة رغم أنها سارت الليل كله معه، وهي متبخترة وفرحة وتكسر الإكام بخفها القوي الذي يكسر الأشياء وقصد عنترة بن شداد كلمة الزيف لتدل على فرحة الناقة وتبخترها، وكلمة الوثم تدل على الكسر.

شرح المعلقة من البيت الخامس والعشرون إلى التاسع والعشرون

يستمر الشاعر بوصف ناقته في البيت الخامس والعشرون إلى التاسع والعشرون، وسنعرف ذلك أكثر من خلال شرح الأبيات استكمالًا لعرض تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة.

“تَأوي لَهُ قُلُصُ النَعامِ كَما أَوَت ** حِزَقٌ يَمانِيَةٌ لِأَعجَمَ طِمطِمِ

يَتبَعنَ قُلَّةَ رَأسِهِ وَكَأَنَّهُ ** حِدجٌ عَلى نَعشٍ لَهُنَّ مُخَيَّمِ

صَعلٍ يَعودُ بِذي العُشَيرَةِ بَيضَهُ ** كَالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ

شَرِبَت بِماءِ الدُحرُضَينِ فَأَصبَحَت ** زَوراءَ تَنفِرُ عَن حِياضِ الدَيلَمِ

وَكَأَنَّما تَنأى بِجانِبِ دَفَّها ال **وَحشِيِّ مِن هَزِجِ العَشِيِّ مُؤَوَّمِ”

يكمل الشاعر عنترة بن شداد وصفه لناقته وشبه سرعتها بسرعة الظليم الذي تأوي إليه النعام، كما تأوي الإبل اليمانية إلى الراعي الأعجمي، وقام بتشبيه سواد الظليم بسواد الراعي الأعجمي، ويقصد عنترة بن شداد القلوص من الإبل والنعام بالجارية من الناس، وجمعها قلص وقلائص.

شبه عنترة بن شداد الظليم السود بسواد الراعي وهذه النعام أعلى رأس الظليم أي أنها أمام أعينها، ولا تبتعد عنها ثم قام عنترة بن شداد بتشبيهه بخيم النساء، ووصف الظليم على أنه عبد أسود ليس له آذان لأن الأنعام ليس لها آذان، ويرتدي الفرو وهذا الفرو هو الجناحين.

عاد عنترة ليكمل وصف ناقته أنها شربت من مياه ذلك الموضع، فأصبحت تكره مياه الأعداء، وكلمة الديلم في البيت تعني المياه المعروفة، والعرب كانت تسمي أعدائها ديلمًا، لذلك سميت الديلم.

شرح المعلقة من البيت الثلاثين إلى الرابع والثلاثين

يصف عنترة بن شداد ناقته بأسلوب بلاغي جذاب، وسنعرف ذلك أكثر من خلال عرض الأبيات وشرحًا وذلك يعد استكمالًا لموضوع تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة.

“هِرٍ جَنيبٍ كُلَّما عَطَفَت لَهُ ** غَضَبى اِتَّقاها بِاليَدَينِ وَبِالفَمِ

بَرَكَت عَلى جَنبِ الرِداعِ كَأَنَّم ** بَرَكَت عَلى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ

وَكأَنَّ رُبّاً أَو كُحَيلاً مُعقَد ** حَشَّ الوَقودُ بِهِ جَوانِبَ قُمقُمِ

يَنباعُ مِن ذِفرى غَضوبٍ جَسرَةٍ ** زَيّافَةٍ مِثلَ الفَنيقِ المُكدَمِ

إِن تُغدِفي دوني القِناعَ فَإِنَّني ** طَبٌّ بِأَخذِ الفارِسِ المُستَلئِمِ”

صور الشاعر ناقته في الأبيات أنها تنتحى إلى جانبها الأيمن، وذلك بسبب سرعتها وحماسها في سيرها وتبتعد خوفًا من أن يضربها عنترة بالسوط، ثم يصور بعد ذلك بروك ناقته فيقول إنها إذا بركت فتبرك على جنب وتصدر صوت أنين، وهذا الصوت يشبه صوت تكسير القصب إذا برك شيء عليه.

شبه عنترة بن شداد في هذه الأبيات عرق الإبل الخارج من راسها وعنقها بالرب أو بالقطران في قمقم أوقدت عليه النار لأنه يترشح عندما يغلي، والمقصود بالرب هو الطلاء والكحيل هو القطران وحش الوقود تعني إشعال الوقود.

فعرق الإبل يكون أسود اللون، لذلك قام الشاعر عنترة بن شداد بالتشبيه بهذه الألفاظ وشبه رأس الإبل بالقمقم بسبب صلابته.

يكمل عنترة بن شداد وصف ناقته، ويقول إن عرقها يبع من خلف آذانها، وهي ناقة غصوب وشديدة التبختر أثناء ركضها وموثوقة الخلق وقام الشاعر بتشبيه ناقته بفحل الإبل في تبخترها وسرعتها، وكبر حجمها.

شرح المعلقة من البيت الخامس والثلاثين إلى التاسع والثلاثين

سنعرض لكم فيما يلي شرحًا للمعلقة من البيت الخامس والثلاثين إلى التاسع والثلاثين، وذلك في إطار موضوع تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة.

“أَثني عَلَيَّ بِما عَلِمتِ فَإِنَّني ** سَمحٌ مُخالَقَتي إِذا لَم أُظلَمِ

وَإِذا ظُلِمتُ فَإِنَّ ظُلمِيَ باسِلٌ ** مُرٌّ مَذاقَتَهُ كَطَعمِ العَلقَمِ

وَلَقَد شَرِبتُ مِنَ المُدامَةِ بَعدَم ** رَكَدَ الهَواجِرُ بِالمَشوفِ المُعلَمِ

بِزُجاجَةٍ صَفراءَ ذاتِ أَسِرَّةٍ ** قُرِنَت بِأَزهَرَ في الشَمالِ مُفَدَّمِ

فَإِذا شَرِبتُ فَإِنَّني مُستَهلِكٌ ** مالي وَعِرضي وافِرٌ لَم يُكلَمِ”

يعود عنترة بن شداد إلى محبوبته عبلة ويطلب منها الثناء عليه لأنها عالمة بمحامده ومناقبه، وتعلم أنه سهل في المخالطة والمخالقة، وهو تفاعله مع البشر، وكل هذا إذا لم يؤخذ حقه أو يظلم من أحد.

يقول الشاعر عنترة بن شداد دفاعًا عن نفسه، وإظهارًا لقوته أنه إذا ظلم يجد أن ظلمه كريهًا ومرًا، مثل طعم العلقم، ولا يهدأ إلا حينما يأخذ حقه، ويعاقب من ظلمه حتى يختفي هذا الطعم من فهمه، وهذا تصوير بلاغي جميل يحمد عليه الشاعر، وجاءت كلمة باسل في الأبيات بمعنى الطعم الكريه.

يمدح عنترة نفسه ويخبر عبلة أنه الذي قام بشرب الخمر في القدح المشوف ويقصد به الدينار وشربه بعد أن اشتد حر الهواجر، وكلمة هواجر تدل على شدة الحر، يعبر عنترة من هذه الأبيات عن غناه وكرمه، لأن شرب الخمر في الجاهلية كان يدل على الغنى والكرم والجود.

انتقى عنترة بن شداد كلمات بليغة لإيصال مشاعره إلى المستمع أو القارئ، فكلمة المشوف تعني المجلوّ، ولمدام والمدامة تعني الخمر، وسميت بهذا الاسم لأنها كانت دائمة عند العرب.

يتابع في وصف الخمر، وهذه كانت عادة في قصائد شعراء الجاهلية فيقول إنه قد شربها في زجاجة صفراء تحمل خطوطًا قرنتها بإبريق أبيض مسدود الرأس بالفدام لأصب الخمر من الإبريق في الزجاجة.

يفخر عنترة بن شداد بنفسه في شربه للخمر، ويقول إن ماله يهدر على الخمر وهو لا غير مهتم على إهداره ليدل على كرمه وجوده، ولا يشين عرضه فلا يعيب أحد عليه وسكره يجعل أخلاقه حميدة ويبعده عن المثالب.

اقرأ أيضًا: شرح قصيدة عن التنمر للشاعر هريدي أبو عطية

شرح المعلقة من البيت الأربعين إلى الخامس والأربعين

يوضح عنترة بن شداد حاله بعد إفاقته من سكره، ويعتز بكرمه وجوده وسنتعرف على ذلك أكثر من خلال شرح الأبيات، وذلك من ضمن موضوع تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة فيما يأتي:

“وَإِذا صَحَوتُ فَما أُقَصِّرُ عَن نَدىً ** وَكَما عَلِمتِ شَمائِلي وَتَكَرُّمي

وَحَليلِ غانِيَةٍ تَرَكتُ مُجَدَّل ** تَمكو فَريصَتُهُ كَشَدقِ الأَعلَمِ

سَبَقَت يَدايَ لَهُ بِعاجِلِ طَعنَةٍ ** وَرَشاشِ نافِذَةٍ كَلَونِ العَندَمِ

هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ ** إِن كُنتِ جاهِلَةً بِما لَم تَعلَمي

إِذ لا أَزالُ عَلى رِحالَةِ سابِحٍ ** نَهدٍ تَعاوَرُهُ الكُماةُ مُكَلَّمِ

طَوراً يُجَرَّدُ لِلطِعانِ وَتارَةً ** يَأوي إِلى حَصدِ القَسِيِّ عَرَمرَمِ”

يكمل عنترة بن شداد في الأبيات الأولى فخره حتى بعد صحوته من السكر، فيقول إنه إذا أفاق من سكره لم يفارقه جوده وكرمه، ويظل كما هو فلم يذهب السكر عقله، ويخبر عبلة أن هذا ما عهدتني عليه، فلن تتغير طباعي وصفاتي.

يقول الشاعر في الأبيات مادحًا المرأة ذات الجمال الكبير أنها لا تحتاج إلى التزيين أمام زوجها فجمالها يغنيها عن ذلك، وقصد عنتر بن شداد بكلمة جدلته أي ألقته على الأرض والمكاء، هو الصفير من الفم شدق الأعلم هو الشق في الشفة العليا.

يقوم عنترة بن شداد بمخاطبة عبلة بنت مالك محبوبته مفتخرًا بنفسه، ويقول لها يمكنك أن تسألي الفرسان عني في الحروب، وفي قتالي إن كنت لا تعلمين هذا، يستمر عنترة بمخاطبة عبلة، ويطلب منها أن تسأل الفرسان عن حاله أنه لم يزل على فرسه يقاتل وتتناوب الأبطال في طعنه.

يكمل عنترة وصف نفسه في الحرب فيخبر عبلة أنه طورًا ينكل بالأعداء ويلقنهم درسًا وطورًا آخر ينضم إلى عدد جيش كبير، والمقصود بالطور هو التارة أو المرة وجمعها أطوار.

شرح المعلقة من البيت السادس والأربعين إلى الواحد والخمسين

يكمل أيضًا عنترة في هذه الأبيات فخره بنفسه وبشجاعته ويخبر محبوبته عبلة أن تسأل الفرسان عنه وعن قوته وسنعرض لكم شرحًا مفصلًا للأبيات في إطار موضوع تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة كما يلي:

“يُخبِركِ مَن شَهِدَ الوَقيعَةَ أَنَّني ** أَغشى الوَغى وَأَعِفُّ عِندَ المَغنَمِ

وَمُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزالَهُ ** لا مُمعِنٍ هَرَباً وَلا مُستَسلِمِ

جادَت لَهُ كَفّي بِعاجِلِ طَعنَةٍ ** بِمُثَقَّفٍ صَدقِ الكُعوبِ مُقَوَّمِ

فَشَكَكتُ بِالرُمحِ الأَصَمِّ ثِيابَهُ ** لَيسَ الكَريمُ عَلى القَنا بِمُحَرَّمِ

فَتَرَكتُهُ جَزَرَ السِباعِ يَنُشنَهُ ** يَقضِمنَ حُسنَ بِنانِهِ وَالمِعصَمِ

وَمِشَكِّ سابِغَةٍ هَتَكتُ فُروجَه ** بِالسَيفِ عَن حامي الحَقيقَةِ مُعلِمِ”

يخبر عنترة بن شداد عبلة أن تسأل عنه الفرسان في الحرب الذين شهدوا معاركه وقتاله مع الأعداء، فسوف يجيبونها بأنه فارس ذو همة عالية في الحروب، وأنه شجاع مغوار لا يخشى الحرب ويعفو عن غنيمته، ليدل ذلك على قوته.

كما أن كلمة الوقعة والوقيعة هما اسمان من أسماء الحروب وجمعهما الوقعات والوقائع، والوغى تعني أصوات أهل الحرب، ويكمل الشاعر فخره بقوته في الحروب، فإذا قابلوا في الحرب أحد الأعداء الأقوياء الذي يحمل سلاحه في يده ويخاف منه الجميع بسبب قوته وبأسه وقتاله.

يفر جميع من في الحرب منه إلا عنترة يظل صامدًا ولا يخشى أحدًا ويقوم بطعنه برمحه فيخترق ثيابه وجسده، فيجعله عنترة طعامًا للسباع تقوم بأكله مثلما يأكل الإنسان الجزر فتأكله السباع بمقدمة اسنانها، وتأكل معصمه.

هذا يعد انتقامًا من عنترة لأن هذا العدو أراد أن يقتله ونرى أن الشاعر قد أجاد في استخدام الألفاظ المعبرة، وجاء في البيت كلمة النوش بمعنى التناول أو الأكل.

يتابع عنترة بن شداد فخره بقوته وصلابة رمحه الذي يخترق دروع الأعداء ويمزقها ويشقق أوساطها بالسيف ويريد أن يبين مدى قوته بهتكه هذه الدروع القوية.

كما جاءت كلمة السابغة في البيت تعني الدرع الواسع، والمشك هو الدرع التي قد شُكَّ بعضها إلى بعض.

شرح المعلقة من البيت الثاني والخمسين إلى السادس والخمسين

يستكمل عنترة بن شداد في الأبيات التالية فخره بنفسه وقدرته على بطش الأعداء، ويحكي عن قصة أحد فرسان الأعداء الأقوياء، وسنقدم لكم في إطار موضوع تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة شرحًا تفصيليًا للأبيات من خلال السطور القادمة:

“رَبِذٍ يَداهُ بِالقِداحِ إِذا شَت ** هَتّاكِ غاياتِ التِجارِ مُلَوَّمِ

لَمّا رَآني قَد نَزَلتُ أُريدُهُ ** أَبدى نَواجِذَهُ لِغَيرِ تَبَسُّمِ

عَهدي بِهِ مَدَّ النَهارِ كَأَنَّم ** خُضِبَ البَنانُ وَرَأسُهُ بِالعِظلِمِ

فَطَعَنتُهُ بِالرُمحِ ثُمَّ عَلَوتُهُ ** بِمُهَنَّدٍ صافي الحَديدَةِ مِخذَمِ

بَطَلٍ كَأَنَّ ثِيابَهُ في سَرحَةٍ ** يُحذى نِعالَ السِبتِ لَيسَ بِتَوأَمِ”

يكمل عنترة بوصف الفارس الذي قام بهتك درعه، ويقول بأنه هتك الدرع عن شخص يديه خفيفة وسريعة وهو من الأشخاص الذين يقومون بلعب الميسر في الشتاء ويشربون الخمور في الحانات.

كما ذكر عنترة بن شداد فصل الشتاء تحديدًا بسبب تفرغهم فيه، ويقول عنترة عن هذا الرجل أنه كان يشتري جميع الخمر حتى تخبر المحلات عن نفاد الخمر عندها.

يعبر عنترة بن شداد بأسلوب بليغ عن شدة خوف الرجل من رؤيته فحينما رأى عنترة بن شداد أمامه رأى في عينيه الموت وخاف الرجل من أن يقتل ومن الخوف وصفه عنترة أن شفاه قد فصلت عن أسنانه.

قام عنترة بن شداد بقتل ذلك الرجل المحارب القوي الذي خشي منه الجنود، قام عنترة بقتله بدم بارد، وظل يراه طيلة نهاره، حتى جف عليه الدم فكأنه أصبح مثل، البنان المخصب بنبات العظلم.

يصف عنترة بن شداد في الأبيات عن كيفية قتله لذلك الفارس ويقول إنه قام بطعنه بالرمح بعد أن أسقطه من على فرسه ثم قام بطعنه بسيفه الحديدي المخذم، وهو السيف السريع في القطع.

يكمل الشاعر عنترة بن شداد بوصف الرجل الذي قام بقتله، ويقول إن ثيابه يمكن أن تكسوا شجرة كبيرة ذلك ليدل على طول قامة هذا المقاتل وجلود البقر المدبوغة تكون نعلًا لقدمه بسبب كبر حجمها، وأن أمه لم تحمل في غيره.

فهذا يدل على إتمام غذائه ورضاعته في صغره، ونجد في البيت مدى مبالغة عنترة بن شداد بوصف ذلك العدو بالشدة والقوة وامتداد طوله وكبر حجم أعضاء جسده.

شرح المعلقة من البيت السابع والخمسين إلى الثاني والستين

سنعرض لكم فيما يلي توضيحًا للمعلقة من البيت السابع والخمسين إلى الثاني والستين، وذلك استكمالًا لموضوع تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة الذي سنقدمه لكم من خلال الآتي:

“يا شاةَ ما قَنَصٍ لِمَن حَلَّت لَهُ ** حَرُمَت عَلَيَّ وَلَيتَها لَم تَحرُمِ

فَبَعَثتُ جارِيَتي فَقُلتُ لَها اِذهَبي ** فَتَجَسَّسي أَخبارَها لِيَ وَاِعلَمي

قالَت رَأَيتُ مِنَ الأَعادي غِرَّةً ** وَالشاةُ مُمكِنَةٌ لِمَن هُوَ مُرتَمِ

وَكَأَنَّما اِلتَفَتَت بِجيدِ جَدايَةٍ ** رَشإٍ مِنَ الغِزلانِ حُرٍّ أَرثَمِ

نِبِّئتُ عَمرواً غَيرَ شاكِرِ نِعمَتي ** وَالكُفرُ مَخبَثَةٌ لَنَفسِ المُنعِمِ

وَلَقَد حَفِظتُ وَصاةَ عَمّي بِالضُحى ** إِذ تَقلِصُ الشَفَتانِ عَن وَضَحِ الفَمِ”

يقول عنترة بن شداد في هذه الأبيات مناديًا على الناس، ويطلب منهم ان يشهدوا شاة قنص لمن حلت له فتعجبوا من حسنها وجمالها، فإن لها جمالًا ساحرًا، ولكنها حرمت على عنترة بسبب الحرب بين القبيلة، وهو يتمنى بقاء الصلح، فأرسل عنترة إلى جارته لتعرف أحوالها.

ردت جارة عنترة بن شداد عليه وقالت له لقد رأيتها، وكان حولها الأعداء غافلون عنها ثم يقول عنترة بن شداد، وكان التفات الحسناء إليه، مثل: التفات ولد ظبية.

بعد ذلك علم عنترة بن شداد في هذه الأبيات أن عمر لا يشكر نعمه عليه ويقدم عنترة بن شداد في البيت نصيحة لكل من يكفر نعم صاحبه، وهي أن كفران النعم التي ينعم بها عليك تجعل النعم تنصرف عنك وينصرف الأشخاص عنك.

يقول الشاعر أن عمه قد أوصاه أن يحمي اصدقاءه في الحرب ويدافع عنهم وعنترة بالفعل التزم بهذه الوصية وكلمة الوصاة والوصية في البيت يحملان نفس المعنى ووضح الفم هي الأسنان، ويقصد بها في البيت حالة تقلص الشفاه عن الأسنان أثناء كلوح الفرسان في الحرب.

اقرأ أيضًا: اجمل شعر شعبي عراقي غزل مكتوب

شرح المعلقة من البيت الثالث والستين إلى الثامن والستين

يرينا عنترة بن شداد مشهد من مشاهد القتال أثناء الحرب، ويكمل إخبارنا بوصية عمه، وسنتعرف على ذلك بشكل أكبر من خلال شرح الأبيات، وذلك من ضمن موضوع تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة فيما يأتي:

“في حَومَةِ الحَربِ الَّتي لا تَشتَكي ** غَمَراتِها الأَبطالُ غَيرَ تَغَمغُمِ

إِذ يَتَّقونَ بِيَ الأَسِنَّةَ لَم أَخِم ** عَنها وَلَكِنّي تَضايَقَ مُقدَمي

لَمّا رَأَيتُ القَومَ أَقبَلَ جَمعُهُم ** يَتَذامَرونَ كَرَرتُ غَيرَ مُذَمَّمِ

يَدعونَ عَنتَرَ وَالرِماحُ كَأَنَّه ** أَشطانُ بِئرٍ في لَبانِ الأَدهَمِ

ما زِلتُ أَرميهِم بِثُغرَةِ نَحرِهِ ** وَلَبانِهِ حَتّى تَسَربَلَ بِالدَمِ

فَاِزوَرَّ مِن وَقعِ القَنا بِلَبانِهِ ** وَشَكا إِلَيَّ بِعَبرَةٍ وَتَحَمحُمِ”.

يكمل عنترة بن شداد إخبارنا بوصية عمه، ويوضح أنه أوصاه بعدم الشكوى أثناء شدة الحرب وعدم الخوف لأن أرض المعركة مكان لصياح الأبطال وصراخهم بالنصر، وكلمة حومة الحرب تعني معظم الحرب أو أثناء الحرب، وكلمة غمرات الحرب تعني الوقت العصيب في الحرب.

كما دل بها في البيت على شدة الحرب، وكلمة تغمغم تعني الصياح والصراخ بمعان لا تفهم، ويقدم لنا عنترة بعد ذلك مشاهدًا تقع أثناء الحرب وأجاد في وصفها وصفًا بليغًا ليدل على قوته وعظمته، يبين لنا عنترة بن شداد قوته.

حيث يقول إن أصحابه في الحرب قد وضعوه في المقدمة ليحتموا به أثناء الحرب، فأصبح هو من ينال ضرب السهام من الأعداء، ولكنه لم يضعف من ذلك بل وقف بكل عزم وقوة يتصدر لسهامهم، ولكن أثناء ذلك تعثرت قدماه فرجع للخلف فتأخر عن مقدمة الجيش.

احتوت الأبيات على كلمات ذات معانٍ موضحة لمشهد الحرب، حيث جاءت كلمة الاتقاء بمعنى الحجر بين الشيئين، وهو الذي بينه عنترة حينما جعله أصحابه أمامهم فأصبح بينهم وبين العدو، وكلمة الخيم في البيت تعني الجبن أو الخوف، وكلمة المقدم يقصد بها موضع الأقدام.

يصف لنا عنترة مشهد قدوم جيش الأعداء عليه، وهم يسعون لقتله، ولكنه لم يخاف من ذلك، بل يرى أن هذا من الأشياء التي يحبها وتشعل حماسته في الحرب، وهذا ليبين قوته أمام العدو، وكلمة التذامر تعني الحض على القتال.

ثم ينادي بعد ذلك الجيش لعنترة، ليحضر ويرى إصابة رماح الأعداء صدر فرسه، وشبه عنترة طول الرماح بالحبال التي يستقى بها من الآبار، وكلمة الشطن تعني الحبل الذي يستقى به.

يصف بعد ذلك حالة فرسه المجروح الذي لطخت الدماء جسده وميله وسقوطه على الأرض في ألم شديد، ويرى الشاعر في عيني الفرس ألمه وشكواه وحمحم الفرس أمامه فظن الشاعر أنه يعبر عن ألمه، كلمة الأزوار تعني الميل، وكلمة التحمحم ما كان فيه صهيل الفرس من شبه الحنين لِيَرِقَّ صاحبه له.

اقرأ أيضًا: النقد في العصر الجاهلي

شرح المعلقة من البيت التاسع والستين إلى آخر المعلقة

في تلك الأبيات الأخيرة من القصيدة نجد أن عنترة بن شداد يعتز بنفسه ويصف خوف الأعداء منه، وفي إطار موضوع تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة، سنعرض لكم شرح الأبيات فيما يلي.

“لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اِشتَكى ** وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمي

وَلَقَد شَفى نَفسي وَأَذهَبَ سُقمَه ** قيلُ الفَوارِسِ وَيكَ عَنتَرَ أَقدِمِ

وَالخَيلُ تَقتَحِمُ الخَبارَ عَوابِس ** مِن بَينِ شَيظَمَةٍ وَآخَرَ شَيظَمِ

ذُلُلٌ رِكابي حَيثُ شِئتُ مُشايِعي ** لُبّي وَأَحفِزُهُ بِأَمرٍ مُبرَمِ

وَلَقَد خَشيتُ بِأَن أَموتَ وَلَم تَدُر ** لِلحَربِ دائِرَةٌ عَلى اِبنَي ضَمضَمِ

الشاتِمَي عِرضي وَلَم أَشتِمهُم ** وَالناذِرَينِ إِذا لَم اَلقَهُما دَمي

إِن يَفعَلا فَلَقَد تَرَكتُ أَباهُم ** جَزَرَ السِباعِ وَكُلِّ نَسرٍ قَشعَمِ”

يكمل عنترة بن شداد في أول الأبيات حديثه عن فرسه فيقول لو أن فرسه يعلم الكلام لشكى له مما يعانيه ويقاسيه في آلامه من أثر السهام، ويوضح في البيت مدى حزن عنترة على فرسه.

بعد ذلك يرى عنترة أن ما شفى نفسه من فقده لفرسه هو مناجاة أصحابه به وقولهم ويلك يا عنترة أقدم نحو العدو وأحمل عليه، فهذه الكلمات قد أراحت نفسه لأنه علم أهميته لدى أصحابه في القتال.

يصف عنترة بن شداد حال الفرس لما نالته من الإعياء والتعب أثناء الحرب، ويوضح أنها تركض بصعوبة بسبب تعبها، وأن وجوههم أصبحت عابسة وقصد من شظيمة وشظيم أن يجمع بين ذكور الخيل وإناثها، وكلمة الخبار تعني الأرض اللينة.

يقول الشاعر أن إبله تذل له في أي مكان يوجهها إليه، ويساعدوه فيما يفعل ويمضي عنترة إلى طريقه بما يقتضي عقله من الحكمة، وكلمة الركاب تعني الإبل، وكلمة المشايعة تعني المعاونة، والحفز أي الدفع، والإبرام يقصد بها الإحكام.

يخشى عنترة أن يموت ولم تدر الحرب بعد على ابني ضمضم أي لم تصيب ابني ضمضم بعد بما يكرهونه، وابنا ضمضم هما حصين وهرم، وكلمة الدائرة تعني الحادثة، وسميت بذلك الاسم لأنها تدور من خير إلى شر.

يعود عنترة بن شداد للفخر بشجاعته وقوته ويخبر عن ابنا ضمضم أنهما سبا عرضه، ولم يسبهما وهما يريدان أن يسفكا دمه، ويقولان هذا في حال غيبته، أما إذا حضر فيخافان منه ولا يظهرا شجاعتهما أمامه.

يعتز عنترة بنفسه أمام ابنا ضمضم في آخر بيت في قصيدته ويقل إنه لم يتعجب من شتمهما له لأنه قتل اباهما وجعل السباع والنسور تلتهم جثته، وهذا يعد فخرًا بنفسه وقوته أمام الأعداء.

معلقة عنترة بن شداد تعد من أفضل المعلقات السبع، وذلك بسبب قوة نظمها وأسلوبها النابع من القلب، وهذه القصيدة تعد من أشعار الوصف والحماسة وكتبت على البحر الكامل.

قد يعجبك أيضًا