تفسير قوله تعالى: {وضرب لنا مثلًا ونسي خلقه}

وضرب لنا مثلا ونسي خلقه الحمد لله الذي عرفنا طريق الهداية وميز طريقه عن متاهات الهاوية، الحمد لله الذي جعل الجنة نهاية طريقه ومفازة الصالحين ومدارج السالكين لطاعته، هذا طريقًا لا يمضي عليه إلا من عرف ربه حق المعرفة، سوف نقوم في هذا المقال بالتعرف على تفسير آية وضرب لنا مثلا ونسي خلقه.

وضرب لنا مثلا ونسي خلقه

  • “‏وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا”: أيُ مثلٍ يُضرَب بعد قدرة الله؟! فلا ينبغي قياس الأمر ولا يستوي، فهي قدرة الله عز وجل، فيستحيل القياس بقدرة المخلوق والمثل مستبعد كل البعد في أن يضربه أحد خلقه.
  • “وَنَسِيَ خَلْقَهُ”: نسي ما خُلق منه، وهو العدم واللا شيء، ونسي أن الله أنشأه من نطفةٍ لا حياة فيها ولا روح، نسي قدرة الله وعظمته، لم يتذكر كيف أنشأه الله من ماءٍ، فخلقه من شيءٍ لا قوة فيه، إنما هو حقيرٌ ضعيف.

يرشح لك موقع زيادة قراءة تفسير آية صم بكم عمي فهم لا يبصرون للقرطبي وأخرون: صم بكم عمي فهم لا يبصرون تفسير القرطبي وآخرون لهذه الآية

الحجة والبرهان العقلي

لم يترك القرآن الأمر لأهواء هؤلاء الذين يستنكرون البعث، ويكذبون ما أخبرنا به نبينا الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم بل كان خلقهم.

  • الدليل الأول: على نكرانهم فقد كانوا من قبل ماء مهين ونسوا كيف كان خلقهم فكانت الحجج العقلية في الآيات التي تليها، فقال تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 79]، الذي خلق الشيء وأنشأه، أليس قادر على أن يحييها مرة أخرى؟!.. فإعادة الشيء أسهل وأيسر من النشأة فخلق الشيء من بدايته هو موطن القوة ولكن الإعادة هي ترميم لما مضى.
  • والدليل الثاني: في نفس الآية في قوله تعالى:  “وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ”..علم الله الشامل الكامل هو أعلم بمن خلقه، هو أعلم بصنعه وبما أحيا من نطفةٍ لا تذكر وبث فيها الروح.
  • وتوالت سرد الأدلة والبرهان حتى لا يترك المجال لمن ينكرون البعث.
  • الدليل الثالث: قول الله تعال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ} [يس: 80]، قد يغرك فهمك الأول للآية إلى الفهم السطحي فقط وهو؛ إن الأشجار بعد أن تقطع وتيبس (تتحول إلى حطب) قابل للاشتعال، فمد بصيرتك وقلبك إلى الفهم العميق لكلام الله الذي لا يخلق شيء هباء، بل كان كله عنده بقدر.
  • فهذه الآية تشمل الإعجاز العقلي؛ فالذي أنبت هذه الشجرة من ماء ثم صارت خضراء إلي أن أثمرت وينع ثمرها (نضج وحان وقت حصاده)، ثم صار حطبا، النار منه توقد.
  • وقد جاء في تفسير بن كثير لهذه الآية الكريمة: أي أن الله الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماءٍ حتى صار خضرًا نضرا ذا ثمر وينع ثم أعاده إلى أن صار حطبا يابسًا توقد منه النار بقادر على أن يحي الموتى.
  • وجاء في تفسير القرطبي لهذه الآية الكريمة: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا نبه تعالى على وحدانيته، ودل على كمال قدرته في إحياء الموتى بما يشاهدونه من إخراج المحرق اليابس من العود الندي الرطب.
  • وذلك أن الكافر قال: النطفة حارة رطبة بطبع حياة فخرج منها الحياة، والعظم بارد يابس بطبع الموت، فكيف تخرج منه الحياة، فأنزل الله تعالى: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا أي: إن الشجر الأخضر من الماء، والماء بارد رطب ضد النار، وهما لا يجتمعان، فأخرج الله منه النار، فهو القادر على إخراج الضد من الضد، وهو على كل شيء قدير، ويعني بالآية ما في المرخ والعفار، وهي زنادة العرب، ومنه قولهم: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، فالعفار الزند وهو الأعلى، والمرخ الزندة وهي الأسفل، يؤخذ منهما غصنان مثل المسواكين يقطران ماء فيحك بعضهما إلى بعض فتخرج منهما النار، وقال: من الشجر الأخضر ولم يقل الخضراء وهو جمع لأن رده إلى اللفظ.
  • وثم بعد ذلك الدليل الرابع: في قوله تعالى:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس: 81]
  • سبحانه خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن، اللذان هم لا مقارنة بينهم وبين خلق ذاك الذي ينكر البعث، فالذي خلق السموات والأرض أيعجز عن خلق ما هو أيسر وأقل؟! فأيهم أيسر خلق السموات والأرض أم الإنسان الذي خلق ضعيفًا؟!

للمزيد من الإفادة تعرف على الآية القرآنية لجلب الحبيب والحب الشديد في نفس اليوم وكيفية جذب الحبيب عن طريق القرآن: آية قرآنية لجلب الحبيب والحب الشديد فى نفس اليوم وكيفية جذب الحبيب عن طريق القرآن

  • وجاء في تفسير ابن كثير: يقول تعالى مخبراً منبهاً على قدرته العظيمة، في خلق السماوات السبع بما فيها من الكواكب السيارة والثوابت، والأرضين السبع وما فيها من جبال ورمال وبحار وقفار وما بين ذلك، ومرشدًا إلى الاستدلال على إعادة الأجساد بخلق هذه الأشياء العظيمة كقوله تعالى‏:‏ {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس‏}، ‏وقال عزَّ وجلَّ ههنا: { ‏أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم‏؟‏‏} ‏أي مثل البشر فيعيدهم كما بدأهم.
  • وفي تفسير الطبري: يقول تعالى ذكره منبها هذا الكافر الذي قال مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ على خطأ قوله، وعظيم جهله ( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ ) السبع ( وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ ) مثلكم، فإن خلق مثلكم من العظام الرميم ليس بأعظم من خلق السَّمَواتِ والأرض.
  • يقول: فمن لم يتعذر عليه خلق ما هو أعظم من خلقكم، فكيف يتعذر عليه إحياء العظام بعد ما قد رمَّت وبلِيَت؟.
  • ويكمن الدليل الخامس: في نفس الآية في قوله تعالى: {بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس: 81]
  • والخلاق هي صيغة مبالغة تدل على كثرة وقدرة الله عزَّ وجل على خلق كل ما يريد سبحانه.
  • وجاء في تفسير القرطبي: بلى وهو الخلاق العليم أي إن خلق السماوات والأرض أعظم من خلقهم ، فالذي خلق السماوات والأرض يقدر على أن يبعثهم . وهو الخلاق العليم
  • كما ذُكر في تفسير الطبري: وقوله: {بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ} يقول: بلى هو قادر على أن يخلق مثلهم وهو الخلاق لما يشاء، الفعَّال لما يريد، العليم بكل ما خلق ويخلق ، لا يخفي عليه خافية.
  • ودليلنا السادس هو قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82]
  • فإذا أراد الله نشأة الرميم مرة أخرى لم يجد صعوبة في الأمر وهو يملك كل شيء، ولا يعجزه إعادة تلك العظام التي هو خالقها، فهو يقول للشيء كن فيكون.
  • وورد في تفسير ابن كثير ما يلي: أن الله يأمر بالشيء أمرا واحدا، لا يحتاج إلى تكرار، وإذا ما أراد الله أمرا فإنما يقول له ” كن ” قولة فيكون
  • وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير، حدثنا موسى بن المسيب، عن شهر، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي ذر، رضي الله عنه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الله يقول: يا عبادي، كلكم مذنب إلا من عافيت، فاستغفروني أغفر لكم، وكلكم فقير إلا من أغنيت، إني جواد ماجد واجد أفعل ما أشاء، عطائي كلام، وعذابي كلام، إذا أردت شيئا فإنما أقول له كن فيكون”
  • وجاء الدليل السابع: في نهاية السورة في قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 83]
  1. سبحانه الذي خلق الإنسان من نطفةٍ ورفع السموات بغير عمد هو ملكوت كل شيء ومليكه، وإنا إليه راجعون
  2. فلو كان الخلق ثم الفناء الخالص، أي الوجود ثم الفناء دون أن نرجع إليه؛ لكان هذا عبثًا، والله سبحانه منزه عنه جل علاه ما كان ليخلقنا عبثًا.
  • وجاء في تفسير الطبري: وقوله: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ}، يقول تعالى ذكره: فتنـزيه الذي بيده ملك كل شيء وخزائنه. وقوله:  {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يقول: وإليه تردون وتصيرون بعد مماتكم.

يمكنك الآن التعرف على التفسيرات المختلفة للآية الكريمة (إن الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا): إن الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا وتفاسير المفسرين للآية الكريمة

أسباب النزول 

  • فقد ذكر السيوطي في الدر المنثور عدة روايات في سبب نزول هذه الآية وأصحها ما رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ورواه كذلك ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والإسماعيلي في معجمه وابن مردويه والبيهقي في البعث والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل، ففته بيده، فقال يا محمد، أيحيي الله هذا بعد ما أرى؟ قال: نعم، يبعث الله هذا، ثم يميتك، ثم يحييك، ثم يدخلك نار جهنم، فنزلت الآيات من آخر يس، أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ. إلى آخر السورة، وراجع لبقية الروايات كتاب الدر المنثور وغيره من كتب التفسير.

لقد قمنا في هذا المقال بعرض تفسير آية وضرب لنا مثلا ونسي خلقه، والحجة والبرهان العقلي، وتعرفنا على تفسيرات بعض العلماء مثل القرطبي، وابن كثير.

قد يعجبك أيضًا