أسباب سقوط الأندلس

أسباب سقوط الأندلس موضوع يشغل بال المفكرين المسلمين منذ القدم، فقد مضى في يومنا هذا زهاء الخمسة قرون على سقوط آخر معاقل الدولة الإسلامية في شبه جزيرة الأندلس غرناطة التي سقطت في عام 1492م.

حينها لم يلتفت أحد إلى الدرس الذي وقع عليهم فصاروا عبرة لغيرهم، والذي يفتت القلب ليس سقوط الأندلس ذاته بل التبعات التي وقعت على المسلمين الأندلسيين في الأندلس من محاكم تفتيش وتنصير إجباري وقتل وتشريد، فذاقوا أشد ألوان الذل والهوان على يد الممالك المسيحية، كل هذا واخوتهم في البر الآخر من المتوسط كأن على رؤوسهم الطير.

في هذا الموضوع على موقع زيادة سنتناول في عُجالة أهم أسباب سقوط الأندلس.

أسباب سقوط الأندلس

أسباب سقوط الأندلس

يخضع سقوط دولة الأندلس بعدما كانت بها منارة العلم (قرطبة) وجنة الله في أرضه بعدما أهتم الملوك بترف العامة وتقدمت وسائل التسلية وكانت الأرض تعطيهم خيراتها ما يزيد عن حاجتهم ويتاجرون بالباقي إلى عوامل كثيرة متشابكة، أدت جميعها إلى سقوط الأندلس كليتًا، لا يمكن حصرها على وجه الدقة، لكن هناك أسباب بارزة يراها القاصي والداني مثل:

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ما سبب انتصار المسلمين في الأندلس وكيف تم فتحها؟

العنصرية والشعوبية

يقول رب العزة في محكم التنزيل: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات 13). ويقول الرسول صلى الله عيله وسلم: “يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ” رواه جابر بن عبدالله (غاية المرام 313).

فالمبدأ الذي قامت عليه الدولة الإسلامية هو الأخوة ولا فضل لأحد على آخر بسبب نسبه أو لونه… إلا أنه في الأندلس قد غلبت العنصرية بصورة كبيرة وحدث صراع كبير بين المسلمين أنفسهم هذا عربي وهذا بربري، أو هذا عربي عدناني وهذا عربي قحطاني أو هذا عربي وهذا مولد..

فأحدث الصراع الفرقة بين أبناء الوطن وأضعفهم.

ضعف عقيدة المسلمين

ضعفت العقيدة الإسلامية في نفوس الأندلسيين وتم تناسيها مقابل المنافع الشخصية فترى هذا الملك يتفق مع عدوه على احتلال أخيه، مثلما فعل الخونة (ابن هود صاحب سرقسطة، أبي زيت صاحب بلنسية..) عندما تعاهدوا مع الممالك المسيحية ضد المسلمين.

حكم الطوائف

في بعد إلغاء الخلافة الوحيدة التي تجمع المسلمين تحت لوائها كجسد واحد عظيم واستبدالها بطوائف صغيرة متناحرة أصبح من السهل على الممالك المسيحية اصطيادها واحدة تلو الأخرى بسهولة.

تخلي العلماء عن دورهم

ضعف دور الفقهاء كثيرًا وتخليهم عن دورهم في دعوة الناس ونصح الحكام وتصحيح الأخطاء، بل اتبعوا الملوك الظالمين وأحبوا الترف والرخاء باعوا الدنيا بالآخرة، فنرى مثلًا “ابن البقيني” ودوره الحقير في تسليم غرناطة لمملكتي قشتالة وأرجون.

الترف المبالغ فيه

تم تبديد مال الأمة في ترف مبالغ فيه من بناء قصور وحدائق وجنان وتم تزين المساجد، مع أن من الأولى أن توجه هذه الأموال لنفعة الأمة وتقويتها.

الأحقاد والمكائد بين الوزراء

بعدما فسدت الأخلاق وتخلى خاصة الحكم عن العقيدة الإسلامية أصبح بلاط الحكام ساحة صراع بين الوزراء في المكائد والوشاية والأحقاد والكذب مما ضعف من الأمة كلها.

أنتشار اللهو

انتشر الهو الخمر وجلسات السمر والغناء بصورة كبيرة بين العامة والخاصة ولم يفلح الصالحين من الفقهاء في نصح الملوك، بل تم نفيهم في بعض الأحيان.

رخص دم المسلم

فكان الأمراء يستهينون بدماء الجنود المسلمين في المعارك التي تقع بينهم وبين بعض فالمسلم يقتل أخاه والملك يسهر في الليل ويشرب الخمر ويلعب مع الجواري، مثلما حدث في عصر الطوائف والحروب الداخلية في غرناطة وحتى قبل الناصر حدثت معارك بين المسلمين وبعضهم.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: آخر معاقل المسلمين في الأندلس وكيف سقطت غرناطة

الفساد السياسي

فإن نظام الحكم في الإسلام بالشورى وتولية الأصلح ولا يوجد نظام الحكم المطلق القائم على التوريس والخيانات وقتل الأخوة الذي حدث في الممالك الأندلسية مما أدى لضعف الأمة الإسلامية بصورة كبيرة وتولية حكام ضعفاء في أوقات حرجة.

توقف الجهاد

من أهم أسباب سقوط الأندلس في رأي الكثير من المؤرخين هو إبطال فريضة الجهاد وأن المسلمون خضعوا للمسيحين في الممالك الشمالية واستسلموا عن أراضيهم.

تحكم النساء في الحكم

كان للنساء نصيب كبير في أسباب سقوط الأندلس ،فكن ينشرن الصراعات في بلاط الحكم ويتحكمن في الوريث الشرعي لتكون أم الحاكم، بل بعضهن من كن ينشرن الفساد والانحلال على مسمع ومرأى من الجميع مثل ولادة بنت المستكفي التي أقرضت الشعر تقول:

أنا واللَه أصلح للمعالي *** وأَمشي مشيتي وأتيهُ تيها
وَأمكنُ عاشقي من صحن خدّي *** وأعطي قُبلتي مَن يشتهيها

كما أن بعض الملوك المسلمين وأبنائهم قد تزوجوا من المسيحيات قد تسبب في ضياع الدولة مثلما حدث حين توج أبي الحسن العاق من إيزابيلا.

تغير سبب الحروب

في بادئ الأمر عندما كانت الدولة ترتكن على الإسلام كانت الحروب سببها الدعوة الإسلامية لن بعد التفرق والتشتيت والانحلال كانت الحروب هدفها حماية الدويلات، ومن هنا ضعفت عقيدة المحاربين وكانوا يحاربون من أجل المال أو الخوف من الشنق حين هروبهم.

خيانة بعض العائلات للمسلمين

هناك بعض العائلات المشهورة بانتسابها للحكم والإلمام بمقاليد الأمور قد خانت المسلمين مثل عائلة (بني سراج، بني أشقولية) اللاتي خانتا عائلة بني نصر (حكام غرناطة).

المعاهدات السرية مع العدو

كان الملوك الضعفاء المحبين للدنيا يتعاونون مع الممالك المسيحية ويتنازلون عن أقاليم أو قلاع في معاهدات سرية نظير ألا يحاربوا لفترة.

رهن أبناء الملوك

قام بعض الأمراء (أمراء بني نصر) برهن أبنائهم لدى الممالك المسيحية حتى تمكنهم الممالك هذه في الحكم، مما تسبب في رضوخ الأمراء هؤلاء للممالك المسيحية والتسليم بامتيازاتهم.

الاستهتار أثناء فترة القوة

في فترة قوة المسلمين استهتروا بالقلة الضعيفة في الشمال من المسيحين رغم إظهارهم العداء مثل منطقة صخرة بلاي.

كما أنهم استهانوا بسقوط طليطلة ولم ينتبهوا إلى أنها ناقوس الخطر الذي يوجههم  إلى الجهاد.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: الدولة الاموية في الاندلس تاريخها ونهاية الدولة الأموية في الأندلس

انتشار المخدرات والخمر

بعدما قل الوازع الديني وضعف دور العلماء انتشرت الخمر بصورة كبيرة والمخدرات بأنواع جديدة وكان الملوك قبل الشعب غارقين في عالم اللاوعي وهذا من أهم أسباب سقوط الأندلس، فمنه أدى إلى تسليم أبو سعد البرميخو صاحب غرناطة نفسه إلى الممالك المسيحية.

طمع الوزراء في كرسي السلطنة

كثير من الوزراء طمعوا في حكم البلاد من منطق حب السلطة فقط لا من أجل الإصلاح مما أدى إلى صراعات كثيرة، قد تصل إلى قتلهم لبعض مثلما قتل وزير السلطان يوسف الثالث (الوزير خالد) بقتل إخوة السلطان حتى ينفرد بالحكم بعد موته دون أدنى شعور بالذنب.

صراع الأبناء مع آبائهم

أدى عقوق الأبناء لآبائهم ضرب الأساس الذي بُني عليه الملك في الأندلس فكان الأبن يستعين بالممالك المسيحية حتى يخلع أباه ليظفر بالحكم مثلما فعل الأمير أبي الحسن عندما خلع أبوه، وكان ذلك بمساعدة بني سراج وأدى ذلك لتدخل الممالك المسيحية الموالين لها.

لم تنتهي القصة هنا فقد كان الأب المخلوع هو أيضًا خائن للأمة فقد وصل للحكم بمساعدة الملك المسيحي هنري الرابع وبني سراج أيضًا، وكان قدم رهن ابنه بني الحسن عند هنري الرابع حتى يضمن ولائه كما أنه رهن سبعين فارس آخرين.

لذلك عندما قام هنري الرابع بوضع خطة لإفقار غرناطة وأحرق القرى والمحاصيل لم يستطيع الرد عليه، وكان هذا أحد أسباب سقوط الأندلس في العهد الأخير لها.

صراع الفقهاء

في الفترة الأخيرة للأندلس قد تصارع الفقهاء فيما بينهم على صحة المذاهب الفقهية وقاموا بالتركيز على الجزئيات من الشريعة الإسلامية وترك الكليات والهم الأكبر للأمة.

كثرة الثورات

بعدما انعزل الحكام وراء الستائر واهتموا بالظلم بجانب الشعوبية والعنصرية ساد وضع من الظلم الشديد مما أشعل الثورات والاضطرابات والحروب الداخلية مثل ثورة التخريب في عهد عمر بن حفصون أو ثورات عصر ملوك الطوائف الثاني.

المؤامرات المحكمة ضد الأندلس

قد حاكت الممالك المسيحية العديد من المؤامرات ضد الدولة الإسلامية في الأندلس، فكانوا مثل الثعلب الذي ينتظر الفريسة الضعيفة، فانتهزوا فترات ضعف الدولة، كما أنهم استخدموا الحروب النفسية بنشرهم للأفكار الانهزامية بين المسلمين، عن طريق عدة طرق مثل:

  • تفريق كلمة المسلمين وإيقاع الفرقة والعداوة بينهم.
  • اتحاد الممالك المسيحية في الشمال مثل اتحاد مملكتي قشتالة وأرجون.
  • النقض بالعهود التي تؤخذ عليهم من المسلمين.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: أين قامت دولة الموحدين وما أهم أسباب سقوطها

اتباع أسلوب العدو الحياتي

بجانب اتباع المسلمين للمسيحين في الأساليب الحياتية البعيدة عن المنهج الإسلامي الحنيف تصديقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وذِراعًا بذِراعٍ، حتَّى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ، قُلْنا: يا رَسولَ اللَّهِ، اليَهُودُ والنَّصارَى؟ قالَ: فَمَنْ.” رواه أبو سعيد الخضري (صحيح البخاري 7320).

هذه العوامل وغيرها كانت مثل السرطان الذي انتشر في جسد الأمة الإسلامية في الأندلس لتسجل أكبر عار في جبين المسلمين، وليؤجج النار في قلوبنا، “أبي البقاء الرندي” نظم مرثيته الشهيرة التي يصف فيها حال المسلمين في الأندلس حين سقوطها التي مطلعها:

“لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ *** فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ

هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ *** مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ

وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ *** وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ

ويجلد قلوبنا بقوله:

“وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت *** كَأَنَّما هيَ ياقُوتٌ وَمُرجانُ

يَقُودُها العِلجُ لِلمَكروهِ مُكرَهَةً *** وَالعَينُ باكِيَةٌ وَالقَلبُ حَيرانُ

لِمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ *** إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ”

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ما المصاعب الداخلية التي واجهت الدولة الأموية ومدى تأثير الفتنة الكبرى عليها

المصادر

اعتمدنا في تعديدنا بعض من أسباب سقوط الأندلس على عدة مصادر موثوقة لعلماء التاريخ والمحققين، مثل:

  • “نصيحة أهل الإسلام” لأبي عبد الله محمد جعفر الكتاني.
  • “أربعون سببًا من أسباب سقوط الأندلس” لدكتور عبد الحليم عويس.
  • “موجز تاريخ الأندلس من الفتح الإسلامي إلى سقوط غرناطة” لدكتور طه عبد المقصود.
  • “في تاريخ المغرب والأندلس” للدكتور أحمد مختار العبادي.
  • “المقتبس من تاريخ بلاد الأندلس” لابن حيان.

بذلك نكون قد تناولنا في عجالة شديدة -ندعو الله ألا تكون مخلة- أهم أسباب سقوط الأندلس مع الإشارة البسيطة إلى تحليل وتبعات كل سبب، ووصف العوامل المساعدة لهذا السقوط، ندع الله الله أن نكون قد اتبعنا الصواب.

قد يعجبك أيضًا