التشخيص في اللغة العربية

التشخيص في اللغة العربية له قواعد وأنواع مختلفة، فاللغة العربية موسوعة لا تنضب من الألفاظ اللغوية الجميلة والأساليب البليغة، التي تُضفي معنًا على اللغة حسيّ وجميل، وسنتطرق في موضوعنا هذا للشرح المُبسط لأسلوب التشخيص في اللغة العربية وأنواعه من خلال موقع زيادة.

تعريف التشخيص في اللغة

التشخيص في اللغة العربية مستوحاة من اللفظ “شخَّص” بفتح الخاء، ومعناها الارتفاع والظهور، أي التمكن من معرفة الشيء أو المرض، التشخيص في المسرح هو التمثيل وتقمّص الأدوار، وهو التعريف الشبيه لاصطلاح التشخيص في اللغة العربية، وجمعها شَخوصًا وهي اسم الفاعل لكلمة شخص.

اقرأ أيضًا: ضمائر الملكية في اللغة العربية

التشخيص في اللغة العربية في الاصطلاح

التشخيص في التعريف الاصطلاحي باللغة هو الأسلوب الذي يهتم بإبراز المعنى، الذي يجعل الشيء الجامد كأنه إنسان ذو حياة، أو بمعنى أبسط يمكننا القول إنه الأسلوب الذي يصف غير البشر بصفات البشر.

كما أن التشخيص في الوصف هو أن يتم إحياء الجماد بالحركة والنشاط، وكأنه شخص حيّ، سواء كان ذلك الشيء معنويًا أو ماديًا، وفي موضوعنا سنقوم بتسليط الضوء على التشخيص الوصفي في اللغة العربية بجميع حالاته.

أولًا: التشخيص في الشعر

كتابة الشعر لها طريقة خاصة ففيه نظام للكلام وانتقاء لألفاظ بليغة، لكي يتم ترتيب الأفكار وعرض الخيال، وهو ما يتم من خلال استخدام جمل منسّقة تؤدي معانٍ واضحة، هذا ما يجعلنا نتطرق إلى الحديث عن الصور الاستعارية، التي يتم فيها دبّ الحياة في أي شيء غير حيّ، مما يعطي معنى أنه قريب من الشاعر كشخص من شخوص الحياة.

أي أن التشخيص في الشعر هو وهب الحياة للأشياء، الانفعالات الوجدانية، الظواهر الطبيعية، وهو ما يجعل الحياة ترتقي وتكون مليئة بالعواطف الإنسانية، فالشاعر يقوم بتحويل الأشياء من أوصافها المعروفة، ويصبّ فيها المشاعر والعواطف الخاصة به، حتى تؤثر على الشخص المُتلقي لأبيات الشعر ويستطيع أن يستشعر تجربة الشاعر، ومن الأمثلة على تلك الأبيات الشعرية:

يا فؤادي رحم الله الهوى                 كان صرحا من خيال فهوى

في ذلك البيت للشاعر الكبير إبراهيم ناجي بواحدة من أشهر القصائد التي ذاع صيتها لأمور كثيرة، وفي البيت يخاطب الشاعر القلب وكأنه يسمع، وفي ذلك تشخيص للقلب بصفة من صفات الإنسان.

أتَاكَ الرّبيعُ الطّلقُ يَختالُ ضَاحِكاً

منَ الحُسنِ حتّى كادَ أنْ يَتَكَلّمَا

هذا البيت لأبي تمّام البحتري وفيه أسلوب تشخيص جميل، حيث شبّه البحتري الربيع بالإنسان الذي يضحك، وهو من أنواع التشخيص للظواهر الطبيعية، وقد كان البحتري أكثر الشعراء ولعًا بالصور التشخيصية.

أَلا أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا اِنجَلي

بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ مِنكَ بِأَمثَلِ

فَيا لَكَ مِن لَيلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ

بِكُلِّ مُغارِ الفَتلِ شُدَّت بِيَذبُلِ

من أبيات امرؤ القيس الجميلة، التي يظهر فيها تصوير فني وأساليب بليغة تبرز المعنى، ومن ضمنها أسلوب التشخيص الذي ظهر في مخاطبة الشاعر لليل، وسؤال له بأن ينكشف، وفي هذا تشخيص لليل بأنه إنسان يُخاطب.

اقرأ أيضًا: المشتقات في اللغة العربية

تأثير التشخيص في بناء الصورة الشعرية

كان الشاعر العربي يعبّر عن إحساسه دون نسخ ما حوله كما هو، بل يقوم بالتعبير عن مشاعره بطريقته الخاصة، ويظهر ذلك في إبداع الشاعر بالجمع والربط بين أمور مختلفة لإظهار المعنى والتعبير عن الانفعال، فتتشكل المعاني والصور بالأبيات الشعرية حسب شعوره وإحساسه.

يكون الجمال في أسلوب التشخيص بطريقة الجمع بين المتباعدات ومحاولة إيجاد روابط فيما بينها، والتأليف المتناغم حتى وإن كانت الصورة خارجة عن حدود المنطق والعقل، فاللغة الشعرية تختلف تتخطى مستوى الإفهام الذي تحققه الألفاظ الحقيقية، لتصل إلى مستوى التعجب واللذة.

الفرق بين التشخيص والتجسيد في اللغة العربية

استرسالًا في الحديث عن التشخيص وأنواعه في اللغة العربية فيجب التنويه على أوجه الفرق بين التشخيص وأكثر أسلوب لغوي متشابه معه في الصفات، ألا وهو التجسيد، وللتوضيح سيتم تعريف كلٍ منهما على حدا:

1ـ أسلوب التجسيد في اللغة العربية

التجسيد في اللغة العربية هو الأسلوب الذي يتم فيه تحويل الشيء المعنوي فقط إلى شيء مادي ملموس، وهناك عدة أمثلة على التجسيد في اللغة، ومنها ما يلي:

  • السلام طريق الحق.

فهنا تم تشبيه السلام وهو شيء معنوي غير ملموس بشيء مادي، وهو الطريق الذي يمكن رؤيته بالعين المجردة.

  • تسرق إسرائيل الفرحة من القلوب.

هناك أسلوب تجسيد للفرحة بأنها شيء مادي يتم سرقته، وهو من إحدى رموز الفن التي تبرز المعنى، الذي لا يمكن أن يتم إدراكه بالحواس الخمس، ولكن بصورة حسية.

اقرأ أيضًا: الأساليب البلاغية في اللغة العربية

2ـ التشخيص في اللغة العربية

عبارة عن أسلوب فني يتم فيه تشبيه أي شيء سواء كان معنويًا أو ماديًا بالإنسان وصفاته، وهو ما يدل على الاختلاف فيما بينه وبين التجسيد، فإن وُجد تشبيه لشيء مادي بالإنسان فمن المؤكد أنه أسلوب تشخيص وليس تجسيد.

التشخيص في القرآن الكريم

لا يمكن أن يختلف شخصان على أن القرآن الكريم هو المصدر في معرفة اللغة العربية بأساليبها الصحيحة، خاصةً من أوتيَّ من العلم والفصاحة في اللغة والبيان كالعرب، وقد جاء التشخيص في القرآن بعدة مواضع مختلفة، ومنها ما يلي:

1ـ التشخيص لظواهر طبيعية في اللغة العربية

قد وُرد في القرآن الكريم تشخيص بأمثلة كثيرة، ومن أبرزها التشخيص للظواهر الطبيعية وعناصر الطبيعة، وذلك ما يظهر في قول الله تعالى: (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) [سورة الذاريات، الآية: 41].

يتواجد في تلك الآية الكريمة صورة بيانية جميلة، ألا وهي أن الرياح قد شُبهت بصفة من صفات الإنسان، وهي العُقم وعدم الإنجاب، وفي ذلك تشبيه للظواهر الطبيعية الصعبة بصفات الإنسان.

2ـ التشخيص النفسي في اللغة العربية

من أحد أنواع الشخيص الذي يتضمن وصف الأشياء المادية التي لا تعقل ببعض الصفات النفسية للإنسان، كالفرح والحزن أو الغضب، وذلك ما يظهر في قول الله تعالى: (إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) [سورة الإنسان، الآية رقم: 10].

حيث إن الله ـ عز وجل ـ قد شبّه يوم الآخرة بأنه شخص عبوس الوجه، والعبس من الصفات البشرية التي تتضمن أن يكون الإنسان وجهه غضبان وحزين، ومن ثم تم وصف اليوم بأنه شديد وصعب بلاؤه على غير المؤمنين.

من تلك الآية يمكن القول إن وجه وصفات الإنسان من الأمور التي لها دلالة فنية ونفسية مؤثرة، وهو ما دفع ومازال يدفع الشعراء لاستخدام أسلوب التشخيص في أبيات قصائدهم الحديثة.

كذلك يظهر أسلوب التشخيص النفسي في قول الله ـ عز وجل ـ: (لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [سورة الحشر الآية: 21].

فيظهر أسلوب التشخيص في تلك الآية في تشبيه الجبل بأنه شخص يشعر ويخشع عند سماع الذكر الحكيم، والخشوع هو خضوع البدن والصوت والبصر، وتلك من صفات الإنسان.

اقرأ أيضًا: الأوزان في اللغة العربية

3ـ التشخيص العقلي في اللغة العربية

في هذا النوع من التشخيص يتم إطلاق الصفات العقلية على الأشياء الغير عاقلة، وهذا ما يظهر في قوله تعالى بالقرآن الكريم: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) [سورة الحاقة الآية: 11]، فالطغيان هو اللغة التي تكون مجاوزة للحد في العصيان والكفر.

أي أنها صفة من صفات الإنسان، وهي الاستعلاء والتكبر عن اتباع أوامر الله ـ عز وجل ـ وقد تم إسناد وصف الطغيان للماء، وهو شيء مادي والطغيان صفة للإنسان دونًا عن بقية المخلوقات.

اللغة العربية موسوعة كبيرة من المفردات والأساليب اللغوية والتصويرية البليغة، التي لا يمكن وصفها بقليل الكلمات، ويعد التشخيص في اللغة العربية واحد من الأساليب التي تصف المشاعر، والتجارب بشكل قوي يلمس القلوب.

قد يعجبك أيضًا