هل الكذب يبطل الصيام

هل الكذب يبطل الصيام؟ وما أقوال أئمة الفقه في ذلك؟ فالصيام من الأمور الهامة بالإسلام، والتي لا يجب إهمال كل ما يتعلق بأحكامها، وذلك سواء أكان في الصيام المفروض أو صيام التطوع.

لذلك في السطور القادمة عبر موقع زيادة سنعرض لكم إجابة سؤال هل الكذب يبطل الصيام، وفق ما ورد في أقوال علماء المسلمين قديمًا وحديثًا.

هل الكذب يبطل الصيام

الصيام في اللغة العربية هو الامتناع، وفي الفقه الإسلامي هو الامتناع عن الطعام والشراب والشهوات من فترة شروق الشمس حتى مغيبها، وذكر الله سبحانه وتعالى أن الصيام مفروض على المسلمين في الآية الثالثة والثمانين بعد المائة من سورة البقرة.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، أما الكذب في اللغة العربية فهو ما خالف الحقيقة، وعند أهل الفقه فإن الكذب هو عدم مطابقة الخبر للواقع.

أما عن علاقة الصيام بالكذب فإن كثير من أهل العلم قالوا إنه مكروه في الصيام وغير مبطل له، فمبطلات الصيام في نهار رمضان، أو غيره من أشكال الصيام التطوعية سبع مبطلات، وهم:

  • الجماع في نهار الصيام.
  • الاستمناء أثناء الصوم.
  • الأكل والشرب قبل غروب الشمس.
  • خروج دم فالدم غير طاهر، لكن إن كان الجرح عن غير عمد فلا حرج استعمال الحجامة في الصيام، وخروج الدم بسببها.
  • القيء عن عمد دون مرض.
  • الحيض والنفاس.
  • ما وطأ الفم من متشابهات الأكل والشرب.

هذه هي مبطلات الصيام التي اتفق عليها العلماء، ولم يذكروا فيها أن الكذب مبطل للصيام، لكنهم بالإجماع أقروا بأنه من منقصات ثواب الصيام، مستندين في هذا إلى ما جاء في السنة النبوية الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

اقرأ أيضًا: ايات قرانية عن الكذب والخداع وما حكم الشرع بهم

الكذب والصيام في السُنة النبوية الشريفة

السُنة النبوية هي المشرع الثاني في الإسلام بعد القرآن الكريم، ومنها تؤخذ الشرائع، ويُحتكَم إليها في إيضاح بعض المسائل التي جاءت في القرآن الكريم، وفي هذه الفقرة سنعرض لكم هل الكذب يبطل الصيام في السنة النبوية الشريفة أم لا.

استند العلماء في توضيح هذه القاعدة وعلاقة الكذب بالصوم من خلال حديث رسول الله الذي رواه معاذ بن جبل، وأبو هريرة رضي الله عنهما، وأخرجه الألباني صحيحًا في صحيح الجامع، والحديث هو “الصَّومُ جُنَّةٌ“.

الجُنة هي الوقاية، والحماية، فإن لم يكن الصائم معتزلاً بنفسه عن كل ما يقلل ثواب الصيام فلا حاجة له في الصوم، كما لجأوا إلى الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة وأخرجه الإمام البخاري في صحيحه.

مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ“، وفي هذا الحديث توضيح من رسول الله، هو أن الصيام يجب أن يكون بالامتناع عن الطعام والشراب، والكلام السيء، والزور والكذب.

أما الحديث الذي رواه أبو هريرة “إنَّ الصِّيامَ ليس مِن الأكلِ والشُّربِ فقطْ إنَّما الصِّيامُ مِن اللَّغوِ والرَّفثِ فإنْ سابَّك أحدٌ أو جهِل عليك فقُلْ إنِّي صائمٌ“، فقد أخرجه شعيب بن أرناؤوط في مسنده ضعيفًا، ولا حرج في الاحتجاج به في التنفير ضد الكذب.

من الحديثين الشريفين ذهب بعض العلماء إلى أن الكذب يبطل الصيام، لكن هل قول الفصيل الأول هو الأدب، أم قول الفصيل الثاني الذي ذهب إلى حديث رسول الله، ولزيادة الإيضاح في هذه المسألة التي شغلت العلماء سنلجأ إلى أقوال أئمة الفقه الأربعة.

أقوال أئمة الفقه في الكذب والصيام

المذاهب الأربعة جاءت لإيضاح وتفسير المسائل الفقهية في السُنة النوبية الشريفة، واختلافهم رحمة لأنه ليس في أصول الدين، بل في توضيح بعض المفردات فيه، وفي سؤال هل الكذب يبطل الصيام، سنعرض لكم إجابات المالكية، والحنابلة، والشافعية في هذه المسألة.

قول الشافعية في الصيام والكذب

هذا المذهب نسبة إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي، الذي تلقى العلم على يد الإمام مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي، بعد أن تعلم عند علماء العراق والشام.

جاء في كتاب “بحر المذهب” للروياني أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل في شرح علاقة الكذب والصيام، فقال إن الجواب فيه على رأيين، الرأي الأول يرى أنه إثم لكن لا كفارة فيه، أما الرأي الثاني فهو يقول بأن الكذب في الصيام لا يؤخذ فيه بالإثم.

لكن القول الأول عند أهل المذهب الشافعي هو الأول، فهو إثم لكن لا ينقض الصيام، لذلك لا كفارة فيه، وهذا هو الرأي الدارج لدى الشافعية عن هل الكذب يبطل الصيام أم لا؟

قول الحنابلة في الكذب والصيام

الإمام أحمد بن حنبل هو صاحب هذا المذهب، وصاحب مقولة أن القرآن كلام الله، ومذهبه والمعمول به في معظم بلاد الشام.

ذكر صاحب “حاشية الروض المربع زاد المستقنع”، ابن القاسم العاصمي أن الكذب والافتراء يعد من الكبائر التي ترتكب أثناء الصيام، إلا أنه لا يبطله، كما أنه يوجب غضب الله سبحانه وتعالى إن كذب وهو صائم.

الكذب والصيام عند أهل المذهب المالكي

المذهب المالكي يعود إلى الإمام مالك بن أنس صاحب الموطأ، وهو مذهب أهل المدينة المنورة، وجاء من علماء المالكية الشيخ الطرابلسي صاحب كتاب “مواهب الجليل في شرح مختصر الخليل”، أن الكذب من مبطلات الصيام بالعودة إلى حديث رسول الله.

بينما قرر أهل العلم بالمذهب الحنفي عدم التعمق في تلك المسألة.

اقرأ أيضًا: حديث الرسول عن الكذب وأسباب الكذب وأنواعه

علماء العصر الحديث يشرحون هذه المسألة

في هذه الفقرة سنعرض لكم قول العلماء الأجلاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ محمد بن صالح آل عثيمين رحمهما الله، والشيخ صالح الفوزان حفظه الله في هذه المسألة، وجوابهما على سؤال هل الكذب يبطل الصيام؟

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ذهب الشيخ بن باز إلى أن الكذب، والغيبة والنميمة لا تفطر الصائم في صيام الفرض، أو صيام التطوع مستشهدًا بقوله تعالى في الآية الثانية عشر من سورة الحجرات (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا).

هذا بالإضافة إلى إرجاع سماحته هذه الفتوى إلى حديثي رسول الله المذكورين في السطور السابقة من هذا الموضوع، وذلك في بيان رسول الله لهذه المسألة، وجملة القول عند ابن باز أنه لا يفطر.

الشيخ محمد بن صالح آل عثيمين

أجاب الشيخ في برنامجه الإذاعي الشهير فتاوى نورٌ على الدرب أن قول الزور والكذب من الكبائر، والتي قد يقع فيها المسلم ويفعلها، وتنقص من أجره كثيرًا لكنها لا تبطل الصيام.

بل الواجب على المسلم أنم يترك الكذب في الصيام أو في غيره، والأفضل هو تركها في حالة الصيام، وذلك امتثالاً إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الصحابيان معاذ بن جبل رض الله عنه وأرضاه وأبو هريرة “الصَّومُ جُنَّةٌ“.

الشيخ صالح بن فوزان آل فوزان

إجابة الشيخ كان موضحًا أن الكذب من مفسدات ثواب الصائم لا من مبطلاته، فهما من الكبائر التي قد يقع بها المسلم، وإن كان كذابًا فعليه بترك ما هو فيه سواء أكان هذا الأمر في الصيام أو في غيره، والعودة والرجوع إلى الله عز وجل والإنابة إليه، والتوبة والندم على ما قد فعله.

علماء العصر الحديث يوضحون إشكال هذه المسألة

في هذه الفقرة سنعرض لكم إجابة هل الكذب يبطل الصيام، من أقوال عديد المشايخ كالشيخ مصطفى العدوي، والشيخ محمد الحسن ولد الدِّدو، وغيرهما من علماء الدين، فقد وضحوا هذا الأمر على النحو التالي:

الشيخ مصطفى العدوي

ذكر الشيخ مصطفى العدوي أن الكذب وشهادة الزور هي لا تفطر الصائم، وإنما يكون الصوم صحيح، لكن هذه الكبائر تنقص من حسنات الصيام، وتضيع الثواب.

الشيخ محمد الحسن ولد الدِّدو

من كبار علماء العالم الإسلامي، قال الشيخ إن الكذب وقول الزور من مكروهات الصيام، ولا يبطل الصيام فيها شيء.

 الشيخ عزيز العنزي

ذكر الشيخ عبر برنامجه المذاع عبر فضائية الشارقة، وقال إن مبطلات الصيام هي المبطلات المادية، بينما الكذب فهو معنوي ولا يفطر، لكنه من مكروهات الصيام.

الأستاذ الدكتور عبد العزيز الفوزان

يقول الشيخ أن الصيام يؤثر فيه الكذب، والغيبة، والنميمة، والطعن في أعراض الناس، كل هذا من مكروهات الصيام لصيام رمضان، أو صيام التطوع.

الشيخ محمد بن عبد الله الهبدان

قال الشيخ محمد بن عبد الله الهبدان، إن الكذب، والزور، والطعن في أعراض الناس تجرح الصيام ولا تبطله، وضرب المثل بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الشيخ أنس السلطان “من منصة شيخ العمود”

أوضح الشيخ الفرق بين الإفساد الظاهري للصيام، والإفساد الباطني، فالظاهري هو مفسد الصيام، والإفساد الباطني ومنه الكذب فأجره منتقص، أو لا أجر له من الأساس من الله عز وجل، فهو وحده المجزي بالصيام.

الشيخ محمد صالح المنجد

قال الشيخ أن الكذب لا يبطل الصوم من ناحية إعادة يوم الصيام، لكنه ذنب، وينقص من أجر الصائم الكثير، فهو من مكروهات الصيام.

اقرأ أيضًا: هل سماع الاغاني يبطل الصيام وما هي حرمة شهر رمضان ؟

الكذب في الصيام من الأمور التي تعرضت للخلاف بين علماء الإسلام، لذلك يجب التحقق من أغلب آراء علماء الدين واختيار أكثرها صوابًا، وذلك للحصول على الأجر كاملًا.

قد يعجبك أيضًا