هل السارق تقبل صلاته

هل السارق تقبل صلاته؟ هل يجوز أن يصلي السارق أصلًا؟ فكثير ما يقع الناس في المعاصي والآثام مما يترتب عليه تركهم للصلاة، وغيرهم ممن يظنون أن الصلاة تنهى عن فعل ذلك ولذلك يجب على المسلم ألا يترك الصلاة، ومن موقع زيادة نعرض لكم رأي الشرع الإسلامي في هذا الأمر.

هل السارق تقبل صلاته؟

للجواب المباشر على سؤال “هل السارق تقبل صلاته؟” يجب أن نوضح رأي الشريعة والقرآن والسنة في هذا الأمر بوضوح، وذلك لعدم ترك فرصة للخلاف أو التحجج للبعض.

قال تعالى: “اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تنهى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ” 45 العنكبوت.

فأصل الأمر هو أن يصلي المرء طاعة لله تعالى وتنفيذًا للركن الثاني من أركان الإسلام، ومع صلاة المسلم يزداد محبة وثقة بربه ويزداد رضى بما قسمه الله له فلا يعتدي.

للتأكيد على صحة أن الصلاة لازمة على كل مسلم حتى ولو أخطأ نروي لكم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بين الرجل والكفر ترك الصلاة” رواه مسلم.

كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكر له شاب، قيل فيه من المحدث

ابن الحجر العسقلاني” أنَّ فتًى من الأنصارِ كانَ يصلِّي معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الصلواتِ ولا يدَعُ شيئًا من الحرامِ إلا ركِبهُ فوُصِفَ له فقال إنَّ صلاتَهُ ستنهاهُ فلم يلبَثْ أن تابَ” من الكافِ الشافِ.

فهذه إجابات شافية لمن سأل “هل السارق تقبل صلاته؟”، فأصل الأمر بالإسلام الصلاة بعد الركن الأول وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

فليس من الجائز اتهام أي مسلم بالتكفير أو باحتساب صلاته عند ربه بميزان يخالف ما جاء به الله ورسوله، فلا يصح أن نتهم السارق بأن صلاته غير مقبولة أو حتى نفتي بقبول الله لها.

فالأمر راجع إلى الله في قبول صلاة السارق أو المذنب عمومًا، لكن على المسلم في جميع أحواله سواء أسرف في ذنبه أو كان سويًا أن يصل ربه ويقم صلاته بأمر الله تعالى والانصياع لما فرضه علينا من صلوات وزكاة وصيام وحج، فهي أمور كلها للخير.

اقرأ أيضًا: هل يعاقبنا الله بعد التوبة

قبول التوبة من السارق

بجوابنا حول هل السارق تقبل صلاته؟ ننتقل لهل تقبل توبته؟ فإن المصلي المحافظ على صلاته يتوضأ ويصلي لربه راكعًا ساجدًا خمس مرات كل يوم، ولا يعلم أحد ما يحدث من العبد من خشية أو ندم على ذنب أو معصية أثناء الصلاة.

فلا شك أن قول الله ورسوله حق في أن من يسرف على نفسه في أي أمر فالله يغفره برحمته.

قال تعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” 53 الزمر.

من البديهي أنه لو أن الله لا يقبل الصلاة من العباد الذين أسرفوا لما صلى أغلب الناس، فالله يعلم أننا نخطئ ونصيب ونذنب ونتوب، ولولا رحمة الله تعالى التي منَّ بها علينا، بالاستغفار والتوبة والصلاة لما أفلح أحد في هذه الدنيا.

اقرأ أيضًا: دعاء التوبة والرجوع إلى الله

العصمة ليست للبشر إلا الأنبياء

بما أننا فهمنا هل السارق تقبل صلاته أم لا، وجب لفت الأنظار للناس بعدم مذلة العباد الذين وقعوا في ذنب أو معصية ففي حديث مرفوع لقتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلُّ بني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ” مسند البزار.

فلا عصمة لأحد إلا الأنبياء، فكل بني آدم يخطئ ويذنب أما الأنبياء فعصمهم الله عن ذلك، فإن ادعى أحد أنه بلا خطأ أو قبح من أخيه المسلم وقلل من شأنه لخطأ أو ذنب شهده عليه، فليدعي النبوة إن استطاع، ولا نقول إن ترك الخطأ وعدم إنكاره أمر سليم ولكن لكل مقام مقال ولا يصح أن نسد باب الخير في وجه الناس فلا يصح أن نقف بوجه من نحسبه سارقًا فنقول هل السارق تقبل صلاته؟

فهذا الأمر ليس من اختصاصك ولا من شأنك، فحكم السرقة معروف في كتاب الله ولا يختلف عليه أحد حتى لو أن هذا الحد معطل لأي سبب كان، وما جعل الله لذنب أو معصية عقابًا إلى ليمتنع الناس عنها، وتندثر مع الوقت.

فيعم الخير على العباد والبلاد بفضله تعالى، زما ورد في الكتاب ولا في السنة عن أن من سرق لا تقبل صلاته أو دعوته لترك الصلاة، فلو أن هذا هو الأولى لذكره أعلم خلق الله بشرع الله وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن الكبائر من الذنوب لا تبرر ترك الصلاة، فما بالك بالسرقة، ولا نهون من أمرها ولكننا نعطي كل شيء حقه، فلا تكفير للسارق في الإسلام، وإنما حد شرعه الله تعالى.

اقرأ أيضًا: شروط قطع يد السارق

حد السرقة في الإسلام

لا شك في أن أثبت دليل على أي أمر من أمورنا هو من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والمسلم العاقل المؤمن إذا سمع قال الله أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، سلم أمره لما أمر الله ورسوله به، وعلى هذا المبدأ نستند في دلالة حد السرقة في قول الله تعالى:

وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” 38 سورة المائدة.

بعد هذا القول من الله تعالى انتهى الحديث في حد السرقة أو الجدل به، غير أننا نستشهد بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن جائه طائف من القوم ليشفعوا عند رسول الله في رفع الحد عن امرأة سرقت.

فاحمر وجهه صلى الله عليه وسلم غضبًا لله تعالى قائلًا:

ما إِكْثارُكُم عليَّ في حدٍّ من حدودِ اللَّهِ؟! وقعَ علَى أمَةٍ من إماءِ اللَّهِ والَّذي نفسي بيدِهِ لَو كانت فاطمةُ بنتُ محمَّدٍ نزَلَت بالَّذي نزَلَت بهِ هذِهِ المرأةُ لقطعَ محمَّدٌ يدَها”. ضعيف الجامع.

وفي رواية أخرى عن ثقات كان اللفظأنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ الفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُها إلى أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ يستشفعون، قالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسامَةُ فيها، تَلَوَّنَ وجْهُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: أتُكَلِّمُنِي في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ؟! قالَ أُسامَةُ: اسْتَغْفِرْ لي يا رَسولَ اللَّهِ، فَلَمَّا كانَ العَشِيُّ قامَ رَسولُ اللَّهِ خَطِيبًا، فأثْنَى علَى اللَّهِ بما هو أهْلُهُ، ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ؛ فإنَّما أهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ: أنَّهُمْ كانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عليه الحَدَّ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَها. ثُمَّ أمَرَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتِلْكَ المَرْأَةِ، فَقُطِعَتْ يَدُها، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُها بَعْدَ ذلكَ وتَزَوَّجَتْ. قالَتْ عائِشَةُ: فَكانَتْ تَأْتي بَعْدَ ذلكَ فأرْفَعُ حاجَتَها إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.” صحيح البخاري

هذا حد السرقة في الإسلام لمن سألوا هل السارق تقبل صلاته؟، وأجبنا بأن عليه حد من حدود الله وهو أن تقطع يده اليمنى نكالًا من الله على ما صنع.

وكان الصحابة والأوائل في الإسلام إذا نفذ حدًا على أحد قد أذنب أو وقع في كبيرة مثل الزنا، تعاملوا معه بعدها كأن لم يفعلها، وهو الفعل الحق فقد أسقط الله عنه ذنبه بهذه العقوبة التي نفذها عليه وقبل بها.

قال تعالى: “فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)” سورة المائدة.

فمن ذا الذي يحتسب ذنوب العباد أو يغفرها إلا رب العباد وأما الذين تكبروا وتطاولوا على مقام ربهم بغير علم، فعليهم التوبة والرجوع إلى الله، فالنصيحة والأمر بالمعروف أولى من الزجر والقهر والمعايرة والإذلال لعباد الله تعالى.

فلا تقل لأحد لن تقبل صلاتك لأنك سارق أو زان أو مفسد، فقط انصحه بترك السرقة أو الزنى أو الفساد، ولتتلوا عليه آيات مغفرة الله تعالى لعل قلبه يرق لله الواحد القهار، واتل عليه آيات العذاب وحدود الله على من أسرف لعله يخشى ربه العلي الجبار.

راقب نفسك قبل أن تراقب غيرك، وحاسب نفسك قبل أن تحاسب من الناس في الدنيا ومن الله تعالى في الآخرة.

قد يعجبك أيضًا