شرح مثال على التورية في القرآن والحديث الشريف

شرح مثال على التورية في القرآن والحديث الشريف يساعد على تعليم الطلاب واحد من فروع علم البديع بالطريقة الصحيحة، بل لتعلم البلاغة العربية بشكل عام.

لذلك في السطور القادمة عبر موقع زيادة سنعرض لكم شرح مثال على التورية في القرآن والحديث الشريف، وتعريف التورية، وذكر فائدتها.

شرح مثال على التورية في القرآن والحديث الشريف

علم البلاغة من ضمن العلوم التي أسسها علماء اللغة العربية، تنقسم البلاغة العربية إلى ثلاثة علوم، علم البيان، وعلم البديع، ثم علم المعاني، وعلم البيان يشتمل التشبيه، والاستعارة، والكناية، ثم المجاز، علم المعاني فيه الإطناب.

أما علم البديع فهو بضع وستين شعبة، منها بيت القصيد في هذه السطور، التورية، التورية لغة هي إخفاء الشيء، لكن عند أهل البلاغة تعرف التورية على أنها كلمة ذات معنيان معنى قريب يفهم، وهو غير المقصود، ومعنى بعيد يحتاج إلى التفكير، وهو المقصود.

التورية تعد من أنواع المحسنات البديعية المعنوية التي تحتاج إلى إعمال العقل، والتفكير في الغرض من البيت ومعناه لذلك نجد أن الشعر العربي هو أصل التورية فقال حافظ إبراهيم عن أحمد شوقي:

يَقُوْلُوْنَ إِنْ الشَّوُقَ نَاْرٌ وَلَوُعَةٌ** فَمَاْ بَاْلُ شَوْقِيْ أَصْبَحَ الْيَوْمُ باردًا.

المفهوم من شوقي هنا هو الشوق، لكنه يقصد أحمد شوقي، لذلك أمثلة للتورية في القرآن الكريم والحديث الشريف نجدها بكثرة، ولا حصر لها مثل:

مثلاً في الآية الستين من سورة الأنعام

وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

المعنى القريب من جرحتم، الجرح الجسدي، والمعنى المقصود جرح النفس بالذنوب.

أما من الحديث الشريف هو قول رسول الله للمشركين”نحن من ماء

فالمعنى القريب الذي وصل إلى المشركين أنهم من أحد أحياء اليمن، أو أنهم من قبيلة يقال لها ماء، وبطون العرب وقبائلها كثيرة.

لكن المعنى الذي يقصده رسول الله هو ما ذكره الله تعالى في الآيتين الخامسة والسادسة من سورة الطارق

فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ“.

اقرأ أيضًا: في البلاغة هو اتفاق اواخر الجمل في الحرف لعبة الكلمات متقاطعة

التورية في آيات من القرآن الكريم

علوم البلاغة أسسها العرب لذات السبب الذي أسسوا من أجله علوم النحو العربي والصرف، وهي خدمة القرآن الكريم والعمل على فهمه، وفي سطور هذه الفقرة سنعرض لكم من شرح مثال على التورية في القرآن والحديث الشريف، بل شرح أكثر من مثال للتورية من القرآن الكريم.

في الآية السادسة من سورة الرحمن “وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ

قد يصل إلى الأذهان ذكر الله تعالى للنجم الموجود في السماء، على أنه ساجد بين يدي الله سبحانه وتعالى، وكلٌ بين يديه ساجد لكن ليس هذا النجم هو المقصود في هذه الآية.

المقصود في هذه الآية هو النبات الصغير الذي لا ساق له، وقيل إن هذا النبات هو الحشائش الموجودة في الأرض، والشجر هو جمع في اللغة العربية للشجرة، ويسجدان خبر للنجم، والشجر اسم معطوف.

كما جاء في الآية التاسعة والثلاثين من سورة آل عِمران “فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ

المقصود بالمحراب، أو المعنى الظاهر له هو وجود زكريا في المحراب ليصلي.

لكن المقصود في الآية الكريمة، هو أن سيدنا زكريا كان جالسًا في المحراب يفكر في الصب، والولد، وهو يطلب من الله عز وجل في الدعاء أن يرزقه يحيى، وهو ما أراده الله -عز وجل- من معنى في الآية.

في الآية الثانية عشر من سورة مريم  “يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا

المقصود بالكتاب هو التوراة، لكن التورية في كلمة قوة، فالمعنى الواصل للأذهان هو القريب، أن يستمسك بالتوراة، وأن يحافظ على تعاليمها.

أما المعنى المقصود وهو ما يريده الله عز وجل، هو أن يعرف التوراة ويدرك معانيها، وتعاليمها، ويعرفها لبني إسرائيل، يحيى قد آتاه الله الحكم في سنٍ صغير.

أمثلة أخرى على التورية من القرآن الكريم

في السطور السابقة قدمنا من الآيات التي يحفظها معظم المسلمون شرح مثال على التورية في القرآن والحديث الشريف، وفي هذه الفقرة سنعرض أيضًا من الآيات التي ورد فيها ذكر التورية.

في سورة الذريات الآية السابعة والأربعين “وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ

قد يتبادر إلى الأذهان في كلمة أيد أن الله -جل في علاه- قد بنى السماء بأكثر من أيدٍ خارجية -حاشا لله-، هذا ليس المعنى المقصود في الآية الكريمة.

لكن المقصود هو التعظيم للمولى سبحانه وتعالى، فإن العرب إذا ما عظموا أنفسهم ذكروا أنفسهم بصيغة الجمع، فالله أراد أن يوضح للعرب سلطانه وجلاله باللغة التي أنزل بها القرآن.

في الآية الحادية والعشرين من سورة التوبة”يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ

المعنى القريب الواصل إلى الأذهان في لفظة رضوان، هو رضوان خازن الجنة.

لكن المعنى المقصود هو رضا الله عز وجل، فالله يبشرهم بالرحمة، والرضا منه جل في علاه، والسبب في فهم المعنى بأنه رضوان خازن الجنة، هو ذكر الله تعالى للجنات بعد اسم رضوان.

أما في الآية الثانية والأربعين من سورة يوسف “وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ

فجاءت كلمة ربه تحمل معنيين، المعنى القريب، وهو المفهوم بسهولة أن الشيطان أنسى يوسف نفسه ذكر الله تعالى.

لكن هذا المعنى فهو خاطئ، ولم يرد في تفسير، بل المعنى المقصود هو السجين الذي أفرج عنه، نسى أن يذكر خبر يوسف عند الملك، والآية فيها توريتان، تورية في يوسف، وتورية في ربه.

التورية في حديث رسول الله

في السطور السابقة عرضنا لكم أمثلة التورية في القرآن الكريم، لذلك فإنا في سطور هذه الفقرة سنعرض لكم التورية في أحاديث رسول الله، لكون قد عرضنا لكم شرح مثال على التورية في القرآن والحديث الشريف.

لم تأتِ التورية في الحديث الشريف إلى في مثالين فقط، حسب ما أجمع عليها أهل العلوم البلاغية، والمحدثين مثل الحافظ بن حجر العسقلاني في كتبه، ومن ضمن الأحاديث التي ذكرناها الحديث الذي ذكر فيه رسول الله لفظة “نحن من ماء”، التي دل فيها عن الآيتين الخامسة والسادسة من سورة الطارق كما ذكرنا.

أما الحديث الثاني فقد رواه الصحابي الجليل سيدنا أنس بن مالك، ثم حدَّثه شعيب بن أرناؤوط وهو أحد علماء الحديث، وذكره في كتابه المسند صحيحًا على شرط مسلم أي على قول مسلم.

أنَّ أبا بكرٍ كان رَدِيفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيْن مكَّةَ والمدينةِ، وكان أبو بكرٍ يَختلِفُ إلى الشامِ، وكان يُعرَفُ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُعرَفُ، فكانوا يَقولونَ: يا أبا بكرٍ، مَن هذا الغُلامُ بيْن يَدَيْك؟ قال: هذا يَهْديني السبيلَ“.

المعنى القريب الذي وصل إلى الأذهان أن المقصود بالطريق هو طريق العودة، أو طريق الرحلة، وهو المعنى الذي لا يحتاج إلى التفكير والتدبر عكس ما تسعى إليه التورية.

أما المعنى المفهوم من الكلمة يهديني السبيل، وهو المعنى القريب، هو طريق الهدى والنور، والبعد عن الضلالة، وظلام الجاهلية، وحسب قول المفسرين، وعلماء الحديث فإن التورية التي قالها أبو بكر -ولم يكذب- نجَّت رسول الله من أذى المشركين.

فالتورية لا يشترط بها الكذب، بل التورية هي كما ذكرنا إخفاء معنى بمعنى آخر، بغرض إثارة الذهن، وهو ما لجأ إليه أبو بكر الصديق.

اقرأ أيضًا: في البلاغة هو اتفاق كلمتين في اللفظ واختلافهما في المعنى

التورية المجردة

بعدما عرضنا عليكم في سطور الفقرات السابقة شرح مثال على التورية في القرآن والحديث الشريف، سنعرض عليكم في هذه الفقرة تعريف أحد أنواع التورية “التورية المجردة”، مع ذكر أمثلة من القرآن الكريم أو الحديث الشريف عن التورية.

قبل البدء في تعريف التورية، فإن التورية تتكون من ركنين أساسيين، الركن الأول هو المورى به، وهو المعنى الموجود بالفعل في الشاهد، أو كما يقول البلاغيون، هو المعنى القريب، أما المورى عنه فهو المعنى الذي يحتاج إلى البحث والتفكير، وهو المعنى البعيد.

لذلك من البديهي، ومما لا شك فيه أن يكون شرح مثال على التورية في القرآن والحديث الشريف من أحسن الأمثال، والآن التورية المجردة هي أن يكون المورى به آتيًا دون دلالة على المورى عنه، فهذا النوع غير موجود في فيه شرح مثال على التورية في القرآن والحديث الشريف إلا واحد.

لأنه يعتمد على حسب المستمع للحديث، المثال قد ذكرناه في السطور السابقة، وهو من الآية الستين من سورة الأنعام، فلا يوجد ما يربط بين الذنوب، والجرح.

أو كقول القزويني عن التورية المجردة في الآية الخامسة من سورة طه

الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ

فلا شيء يلائم المعنى القريب عن المعنى البعيد، فالاستواء هو الاعتدال وهو المعنى القريب، لكن المعنى البعيد هو الجلوس.

التورية المرشحة

بسبب تعدد أنواع التورية قررنا إفرادها في فقرات لتيسير الوصول إليها، وهذا النوع من التورية أيضًا فيه شرح مثال على التورية في القرآن والحديث الشريف، وسنذكر لكم في هذه الفقرة هذا تعريف هذا النوع من التورية، والمثال القرآني عنه.

هذا يعد أحد أشد أنواع التورية صعوبة على العقل البشري استيعابًا، لأنه يكون مبهمًا ففيها يذكر المتحدث المعنى ذا المعنيان القريب والبعيد، فيصل أحد هذه المعاني إلى العقل، على أنه المعنى القريب.

كما يفطن المرء، ويعرف المعنى البعيد، لكن بعد التفكير فيه، يصبح الأمر أكثر تعقيدًا في الوصول إلى المعنى المقصود، أما المثال القرآني عن هذا النوع من التورية فقد ذكرناه في السطور السابقة، وهو في سورة الذريات الآية السابعة والأربعين”وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ.

هذا من القسم الأول من التورية، ففيه من ذكر لوازم البنيان اليد التي تبني، ومن لوازمها التي ذكرت على وجه الترشيح، هو البناء بذاته، وهو غير صحيح فالله سبحانه وتعالى منزه عن هذا البناء.

أما القسم الثاني من التورية المرشحة فهو لم يذكر في القرآن الكريم، وهو أن تذكر لازمة عن المورى عنه بعد لفظة التورية، مثل قول المرأة العربية ” خالي قد هام به عمي“، المقصود بهذه الكلمة الشامة.

التورية المهيأة والتورية المبينة

هذان النوعان هما الأخيران اللذان تم فيهما ذكر شرح مثال على التورية في القرآن والحديث الشريف، وسنذكر لكم من شرح النوعين، وذكر مثالًا من القرآن الكريم على التورية، وقول الزمخشري، والسيوطي عن التورية.

التورية المهيأة هي أسهل أنواع التورية فهي التي تحتوي على دلائل، لكن هذه الدلائل تدل على أسلوب التورية بأكمله، لا على المورى عنه، أو المورى به، ومن اسمها الذي يدل على التهيئة.

فإما تكون مهيأة بكلمة قبلها، أو بعدها تفهم منه التورية، مثل قول الله تعالى في الآية السادسة من سورة محمد

وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ

التعريف هنا قد يكون للجنة، وهو المعنى القريب.

لكن المعنى البعيد في التورية المهيأة بكلمة الجنة، وهو ما حدده المفسرون أنها بيوت، ومساكن المؤمنين في الجنة، والفاعل في يدخلهم مجهول للمعرفة به، وهو الله عز وجل.

أما التورية المبينة فهي هي التورية التي تحمل في معانيها جملة أو لفظ يمكن للمستمع أن يتفهم منه الكلام، لهذا سميت هذه التورية بهذا الاسم لأنها تحتاج إلى نوع من التوضيح فيما قبلها، وهي تشبه إلى حدٍ كبير التورية المهيأة.

المثال من القرآن الكريم ورد في الآية التاسعة عشر من سورة الإنسان “وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا

المعنى القريب هو خلود الولدان، لكن المعنى البعيد، وهو المطلوب هو ارتداء هؤلاء الولدان إلى الأقراط في آذانهم، فكان يقال عن الأقراط في لغة العرب قديمًا الخلد بكسر الخاء.

اقرأ أيضًا: النمط السردي في الأدب ومؤشراته وشروطه وأنواعه وخصائصه وبرامجه

البلاغة العربية وُضعت كي تخدم اللسان الذي دخل حديثًا إلى الإسلام في فهم وتدبر القرآن، فواظب على تعلم البلاغة لتدرك ما في القرآن من حلاوة وطلاوة.

قد يعجبك أيضًا