شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة

شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة التي كُتبت قبل وفاته تفصيليًا، وكتِب الشاعر رثاءً لنفسه بعد أن علم اقتراب أجلهُ، وسُميت هذه القصيدة ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة نسبة إلى مطلعها، وسوف نتعرف من خلال موقع زيادة على شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة من خلال الفقرات التالية.

شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة

روى أن مالك بن الريب التميمي قد هدى الحجاج بن يوسف الثقفي بقصيدة ثُم طلبهُ الحجاج، فهرب مالك بن الريب وأصبح قاطعًا للطريق وصار من شعراء الصعاليك، وفي إحدى الأيام مرَّ بجانبه سعيد بن عثمان بن عفان وكان ذاهبًا لغزو خراسان، قام بإقناع مالك بن الريب أن يتوب ويأتي معه في جيش المُجاهدين.

قَبِل مالك بن الريب طلب سعيد بن عثمان وصلِح حاله بعد ذلك، وأثناء طريقهم للعودة لدغتهُ أفعى تحمل سمًا فأدرك حينها مالك بن الريب أن أجلهُ قد اقترب، فقام بكتابة هذه المرثية لنفسه وكان أعظم ما كُتِبَ في الرثاء وكان صادقًا في شعره فكيف يكذب وهو في لحظاته الأخيرة.

نعرض لكم قصيدة رثاء مالك بن الريب ونقوم بشرح بعض من أبياتها من خلال الفقرات الآتية، وذلك في إطار موضوع شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة.

اقرأ أيضًا: شرح قصيدة في وصف الغروب

نص قصيدة ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

استكمالًا موضوع شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة، سنعرض لكُم نص القصيدة بعد ذلك سنقوم بشرح بعض الأبيات بشكل مُفصَل.

أَلا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً ** بِجَنبِ الغَضا أُزجي القَلاصَ النَواجِيا

فَلَيتَ الغَضا لَم يَقطَعِ الرَكبُ عرضه ** وَلَيتَ الغَضا ماشى الرِّكابَ لَيالِيا

وَلَيتَ الغَضا يَومَ اِرتَحلنا تَقاصَرَت ** بِطولِ الغَضا حَتّى أَرى مَن وَرائِيا

لَقَد كانَ في أَهلِ الغَضا لَو دَنا الغَضا ** مَزارٌ وَلَكِنَّ الغَضا لَيسَ دانِيا

أَلَم تَرَني بِعتُ الضَلالَةَ بِالهُدى ** وَأَصبَحتُ في جَيشِ اِبنِ عَفّانَ غازِيا

وَأَصبَحتُ في أَرضِ الأَعاديِّ بَعدَما ** أرانِيَ عَن أَرضِ الأَعادِيِّ نائِيا

دَعاني الهَوى مِن أَهلِ أَودَ وَصُحبَتي ** بِذي الطَّبَسَينِ فَالتَفَتُّ وَرائِيا

أَجَبتُ الهَوى لَمّا دَعاني بِزَفرَةٍ ** تَقَنَّعتُ مِنها أَن أُلامَ رِدائِيا

أَقولُ وَقَد حالَت قُرى الكُردِ بَينَنا ** جَزى اللَّهُ عَمرًا خَيرَ ما كانَ جازِيا

إِن اللَّهَ يُرجِعني مِنَ الغَزوِ لا أَكُن ** وَإِن قَلَّ مالي طالِبًا ما وَرائِيا

تَقولُ اِبنَتي لَمّا رَأَت وَشكَ رحلَتي ** سفارُكَ هَذا تارِكي لا أَبالِيا

لَعَمرِي لَئِن غالَت خُراسانُ هامَتي ** لَقَد كُنتُ عَن بابَي خُراسانَ نائِيا

فَإِن أَنجُ مِن بابَي خُراسانَ لا أَعُد ** إِلَيها وَإِن مَنَّيتُموني الأَمانِيا

فَللَّهِ درِّي يَومَ أتركُ طائِعًا ** بَنِيَّ بِأَعلى الرَقمَتَينِ وَمالِيا

وَدَرُّ الظباءِ السانِحاتِ عَشِيَّةً ** يُخَبِّرنَ أَنّي هالِكٌ مِن وَرائِيا

وَدَرُّ كَبيرَيَّ اللَذين كِلاهُما ** عَلَيَّ شَفيقٌ ناصِحٌ لَو نَهانِيا

وَدَرُّ الرِّجالِ الشاهِدينَ تَفتكي ** بِأَمرِيَ أَلا يقصِروا مِن وَثاقِيا

وَدَرُّ الهَوى مِن حَيثُ يَدعو صَحابَتي ** وَدَرُّ لُجاجَتي وَدَرُّ اِنتِهائِيا

تَذَكَّرتُ مَن يَبكي عَلَيَّ فَلَم أَجِد ** سِوى السَّيفِ وَالرُّمحِ الرُدَينِيِّ باكِيا

وَأَشقَرَ مَحبوكٍ يَجُرُّ عَنانَهُ ** إِلى الماءِ لَم يَترُك لَهُ المَوتُ ساقِيا

يُقادُ ذَليلًا بَعدَما ماتَ رَبُّهُ ** يُباعُ بِبَخسٍ بَعدَما كانَ غالِيا

وَلَكِن بِأَكنافِ السُمَينَةِ نسوَةٌ ** عَزيزٌ عَلَيهِنَّ العيشَةَ ما بِيا

صَريعٌ عَلى أَيدي الرِجالِ بِقَفرَةٍ ** يُسَوُّونَ لحدي حَيثُ حُمَّ قَضائِيا

وَلَمّا تَراءَت عِندَ مَروٍ منِيتي ** وَخَلَّ بِها جِسمي وَحانَت وَفاتِيا

أَقولُ لأَصحابي اِرفَعوني فَإِنَّهُ ** يَقَرُّ بِعَيني أَن سُهَيلٌ بَدا لِيا

فَيا صاحِبي رَحلي دَنا المَوتُ فَاِنزِلا ** بِرابِيَةٍ إِنّي مُقيمٌ لَيالِيا

أقيما عَلَيَّ اليَومَ أَو بَعضَ لَيلَةٍ ** وَلا تُعجلاني قَد تَبَيَّنَ شانِيا

وَقومًا إِذا ما اِستُلَّ روحي فَهَيِّئا ** لِيَ السّدرَ وَالأَكفانَ عِندَ فَنائِيا

وَخُطّا بِأَطرافِ الأَسِنَّةِ مَضجَعي ** وَرُدَّا عَلى عَينَيَّ فَضلَ ردائِيا

وَلا تَحسداني بارَكَ اللَّهُ فيكُما ** مِنَ الأَرضِ ذاتَ العَرضِ أَن توسِعا لِيا

خُذاني فَجُرّاني بِثَوبي إِلَيكُما ** فَقَد كُنتُ قَبلَ اليَومِ صَعبًا قيادِيا

وَقَد كُنتُ عَطَّافاً إِذا الخَيلُ أَدبَرَت ** سَريعاً لَدى الهَيجا إِلى مَن دَعانِيا

وَقَد كُنتُ صَبَّاراً عَلى القرنِ في الوَغى ** ثَقيلاً عَلى الأَعداءِ عَضبًا لِسانِيا

وَقَد كُنتُ مَحمودًا لَدى الزادِ وَالقِرى ** وَعَن شَتمِيَ اِبنَ العَمِّ وَالجارَ وانِيا

فَطَورًا تَراني في ظلالٍ وَنِعمَةٍ ** وَطَورًا تَراني وَالعِتاقُ رِكابِيا

وَيَومًا تَراني في رحىً مُستَديرَةٍ ** تُخَرِّقُ أَطرافُ الرِماحِ ثِيابِيا

وَقوما عَلى بِئرِ السَّمينَةِ أسمعا ** بِها الغُرَّ وَالبيضَ الحِسانَ الروانِيا

بِأَنَّكُما خَلَّفتُماني بِقَفرَةٍ ** تُهيلُ عَلَيَّ الريحُ فيها السَّوافِيا

وَلا تَنسَيا عَهدي خَليلَيَّ بَعدَما ** تَقطعُ أَوصالي وَتَبلى عِظامِيا

وَلَن يَعدَمَ الوالونَ بَثّاً يُصيبُهُم ** وَلَن يَعدَمَ الميراثَ مِنّي المَوالِيا

يَقولونَ لا تَبعُد وَهُم يَدفِنونَني ** وَأَينَ مَكانُ البُعدِ إِلا مَكانِيا

غَداةَ غَدٍ يا لَهفَ نَفسي عَلى غَدٍ ** إِذا أدلجوا عَنّي وَأَصبَحتُ ثاوِيا

وَأَصبَحَ مالي مِن طَريفٍ وَتالِدٍ ** لِغَيري وَكانَ المالُ بِالأَمسِ مالِيا

فَيا لَيتَ شِعري هَل تَغَيَّرَتِ الرَّحا ** رحا المُثلِ أَو أَمسَت بِفَلجٍ كَما هِيا

إِذا الحَيُّ حَلَّوها جَميعًا وَأنزلوا ** بِها بَقَراً حُمَّ العُيونِ سَواجِيا

رَعَينَ وَقَد كادَ الظَّلامُ يُجِنُّها ** يَسفنَ الخُزامى مَرَّةً وَالأَقاحِيا

وَهَل أَترُك العيسَ العَوالي بِالضُحى ** بِرُكبانِها تَعلو المِتانَ الفَيافِيا

إِذا عُصَبُ الرُكبانِ بَينَ عُنَيزَةٍ ** وَبولانَ عاجُوا المُبقِياتِ النَواجِيا

فَيا لَيتَ شِعري هَل بَكَت أُمُّ مالِكٍ ** كَما كُنتُ لَو عالَوا نَعِيَّكِ باكِيا

إِذا متُّ فَاِعتادي القُبورَ وَسَلِّمي ** عَلى الرَمسِ أُسقيتِ السَحابَ الغَوادِيا

عَلى جَدَثٍ قَد جَرَّتِ الريحُ فَوقَهُ ** تُراباً كَسَحقِ المَرنُبانِيِّ هابِيا

رَهينَةُ أَحجارٍ وَتُربٍ تَضَمَّنَت ** قَرارَتُها مِنّي العِظامَ البَوالِيا

فَيا صاحِبا إِمّا عَرضتَ فَبلغن ** بَني مازِنٍ وَالرَّيبَ أَن لا تَلاقِيا

وَعَرِّ قَلوصي في الرِّكابِ فَإِنَّها ** سَتَفلِقُ أَكباداً وَتبكي بَواكِيا

وَأَبصَرتُ نار المازِنِيَّاتِ موهِنًا ** بِعَلياءَ يُثنى دونَها الطَّرفُ رانِيا

بِعودِ النّجوج أَضاءَ وَقودُها ** مَهًا في ظِلالِ السِّدرِ حورًا جَوازِيا

غَريبٌ بَعيدُ الدارِ ثاوٍ بِقَفرَةٍ ** يَدَ الدَّهرِ مَعروفًا بِأَن لا تَدانِيا

تَحَمَّلَ أَصحابي عَشاءً وَغادَروا ** أَخا ثِقَةٍ في عَرصَةِ الدارِ ثاوِيا

أُقَلِّبُ طَرفي حَولَ رَحلي فَلا أَرى ** بِهِ مِن عُيونِ المُؤنِساتِ مُراعِيا

وَبِالرَّملِ مِنّا نسوَةٌ لَو شَهِدنَني ** بَكَينَ وَفَدَّينَ الطَبيبَ المُداوِيا

وَما كانَ عَهدُ الرَّملِ عِندي وَأَهلِهِ ** ذَميماً وَلا وَدَّعتُ بِالرَّملِ قالِيا

فَمِنهُنَّ أُمّي وَاِبنَتايَ وَخالتي ** وَباكِيَةٌ أُخرى تهيجُ البَواكِيا

اقرأ أيضًا: شرح قصيدة دع عنك لومي

شرح أبيات قصيدة رثاء مالك بن الريب

في سياق موضوع شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة، سوف نوضح شرح بعض الأبيات المشهورة من القصيدة في السطور الآتية:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ** بجنب الغضى أزجي القِلاص النَّواجيا

يبدأ الشاعر قصيدته بالسؤال عن حاله هل سيبقى له عُمرٌ آخر يعيش فيه مع أحبابه في وادي الغضى ويتمنى أن يبيت ليلة يسوق فيها النياق السريعة، وها هو الآن في بلدٍ لا يعرفها ولا يألفُها ولا تألفه وهو يتذكر في هذه الأبيات بلده وأرضه والنعم التي رُزق بها، وها هو قد أدرك قيمة نعمها بعد أن بعدت عنه وفارقها.

حتى أصبح لا يتمنى سوى رجوعه إلى أرضه ولو ليلة واحدة وأن يسوق عليها إبله وهذا البيت من أهم شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة.

فليت الغضى لم يقطع الرَّكب عرضه ** وليت الغضى ماشي الرِّكاب لياليا

يتمنى مالك بن الريب لو أنَّ وادي الغضى سار معهم وهم مسافرون فلم تقطع عرضه المطايا، فأحدث الشاعر في الفقرة الأولى من البيت استعارة مكنية، حيث صوَّر الرُكب بالشيء الذي يُقطع، أما في الفقرة الثانية من البيت أوضح صورة بيانية وهي استعارة مكنية حيث صور وادي الغضى بالإنسان الذي يتحرك ويسير.

لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى ** مزارٌ ولكنَّ الغضى ليس دانيا

يمدح الشاعر مالك بن الريب أهل وادي الغضى ويقول إنهُم مخلصون ولو كانوا قريبين منَّا لوصلوهم وزاروهم ولكنهُم للأسف في مكانٍ بعيد، وهذا من أشهر الأبيات لشرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة.

ألم ترني بعت الضّلالة بالهدى ** وأصبحت في جيش ابن عفّان غازيا

في هذا البيت يصف الشاعر حاله ويقول إنه كان ضالًا وكان سائرًا في الطريق الخطأ، بعد ذلك هداهُ ربهُ وأصبح في جيش سعيد بن عفان الغازي، ويذكر الشاعر فضل سعيد بن عفان لأنه كان سببًا في هذا، “بعت الضّلالة بالهدى” في البيت استعارة مكنية.

ذلك لأن الشاعر صوَّر الضلالة والهدى بأشياء تُباع وتُشترى ويُجرى بها مُقايضة، وكلمة الضلالة والهدى طباق يوضح المعنى ويؤكده وهو مُحسن بديعي أجاد الشاعر في وضعه.

 لعمري لئن غالت خراسان هامتي ** لقد كنت عن بابي خراسان نائيا

في سياق شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة، كتب مالك هذا البيت أثناء جلوسه في خراسان ويوضح لو أن خراسان جعلته في أرفع مكان وأعلى شأن فسيظل يريد الابتعاد عنها وعن بابها، وفي هذا البيت يلوم مالك بن الريب نفسه وكيف سمح لنفسه النفي إلى خراسان.

فإن أنجو من بابي خراسان لا أعد ** إليها، وإن منيتموني الأمانيا

يقسم الشاعر أنه إن خرج من خراسان فلن يعود إليها أبدًا لو قاموا بتحقيق كُل ما تمنى، وهذا البيت يدل على شدة تعلق الشاعر بأرضه ودياره.

تذكرت من يبكي عليَّ فلم أجد ** سوى السِّيف والرّمح الرديني باكيا

وأشـقـر خنذيذ يــجرَّ عنانه ** إلى الماء لم يترك له الدهر ساقيا

يبدأ الشاعر مالك بن الريب باستخدام العاطفة في الأبيات ويوضح ما سيحدث حينما يموت بصياغة رائعة في البيان، يقول الشاعر أنه كُلما يُفكر في الأشخاص التي سوف تقوم بالبكاء عليه حين موته لا يجد سوى سيفه ورمحه وفرسه المضمَّر القوي الذي يلتفت يمينًا ويسارًا ليبحث عن صاحبه فلا يجده حتى يشعر بالعطش.

فلا يجد الفرس من يسقيه فيجُر رسنه إلى الماء دونما فارس يسبقه، ولا ينفعه حين موته هؤلاء الناس فهم لا يضرونه ولكن ذِكرهُ بالدعاء فقط ما ينفعه، وأحدث الشاعر مالك بن الريب أسلوب قصر في الأبيات حيث قصر البكاء عليه من ثلاثة أشياء وهم السيف والرمح والحصان.

“سوى السِّيف والرّمح الرديني باكيا” في هذا البيت صورة بيانية وهي استعارة مكنية حيث صوَّر السيف والرمح بأشخاص تبكي وحذف المُشبه به وهو الإنسان وصرح بالمُشبه، وهذا من أفضل الأبيات تعرفنا عليها من خلال شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة.

ولما تراءت عند مروٍ منيتي ** وحلَّ بها جسمي وحانت وفاتيا

أقول لأصحابي ارفعوني فإنَّني ** يقرُّ بعيني أن سهيلٌ بدا ليا

يقول مالك بن الريب حينما شعر باقتراب أجله عند مدينة “مرو” شعر بضعف جسده ودعا أصحابه ليرفعوا له رأسه حتى يرى النجم سُهيل الذي يُحبه لأنه يمر بالمكان الذي يعيش فيه أهله، في قوله “يقرُّ بعيني” كناية عن شدة فرح وسرور الشاعر برؤية النجم سهيل.

 فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا ** برابيةٍ إنّي مقيمٌ لياليا

استكمالًا شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة في هذا البيت يطلُب الشاعر من أصحابه أن يظلوا بجواره ليلة في رابية وهو المكان المُرتفع عن سطح الأرض، لأنه يشعر أن نهايته تقترب، وأحدث الشاعر التماسًا في كلمة فيا صاحبي، في قوله “مقيمٌ لياليا” كناية عن قُرب الموت من مالك بن الريب.

أقيما عليّ اليوم أو بعض ليلةٍ ** ولا تعجلاني قد تبيَّن مابيا

في إطار موضوع شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة، يخبرنا الشاعر مالك بن الريب أنه طلب من أصحابه أن يظلوا معه ليوم أو يومين لأن أمر موته أصبح واضحًا أمامه.

وقوما إذا ما استلَّ روحي فهيئا ** لي القبر والأكفان ثم ابكيا ليا

وخُطا بأطراف الأسنة مضجعي ** وردّا على عينيَّ فضل ردائيا

يظهر الشاعر مشهد الحزن والأسى حيث يقول لأصحابه أن يغسلوه بالسدر ويجهزوا كفنه ويطلُب منهم أن يبكوا بعد رحيله، وأن يحفرون له قبرًا برؤوس رماحهم وأن يغطي وجهه بما يزيد من ثيابه.

ولا تحسداني بارك الله فيكما ** من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا

خذاني فجرّاني ببُردي إليكما ** فقد كنت قبل اليوم صعباً قياديا

استكمالًا طلب مالك لأصحابه أخبرهم أن يقوموا بدفنه في أحد المقابر الواسعة لأن وبين كلمة الأرض وكلمة العرض، جناس ناقص يوضح المعنى ويؤكده، ويُريد مالك من أصحابه أن يجروه إلى قبره، ويذكُر نفسه قديمًا أنه كان ينعطف على الأعداء حينما كانت تتقهقر خيول أصدقائه فيمُد لهم يد العون ويأتي لنجدة من يناديه.

يقولون لا تبعُد وهُم يدفنونني ** وأين مكان البعد إلا مكانيا

فيا راكباً إمّا عرضت فبلِّغن ** بني مالك والرّيب أن لا تلاقيا

من خلال شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة، في هذا البيت يصوَّر الشاعر مشهد دفنه وأصحابه يقولون له لا تبتعد، ثم يصور نفسه يحدثهم ويقول لهم لا يوجد مكان أبعد من القبر، ثم ينتقل بالكلام بعد ذلك أن لأي عابر سبيل يمُرَّ بجانب قبره ويوصيه أن يبلغ قبيلته بني مالك والريب أنَّه لا يقدر على لقياهم بعد الآن.

وبلغ أخي عمران بُردي ومئزري ** وبلّغ عجوز اليوم أن لا تدانيا

وسلّم على شيخيَّ منّي كليهما ** وبلغ كثيراً وابن عمّي وخاليا

بعد ذلك ينتقل الشاعر ليوصي أصدقائه أن يبلغوا السلام لأخيه عمران وأن يعطوه ما بقي من ثيابه بعد أن يموت لأن هذه الثياب ستُذكرهم به ليدعون له، ويُخبرهم أن يقولوا لأمه أنه لا لقاء بيننا بعد الآن.

في الأبيات يظهر الشاعر مدى حزنه وعاطفته ويُبدع في استخدام الألفاظ والصور البيانية، ويكمل وصيته لأصدقائه بأن يبلغوا السلام لشيوخه كثرًا وأن يبلغوا بن همه وخاله السلام.

وعطّل قلوصي في الرّكاب فإنَّها ** ستفلق أكباداً وتبكي بواكيا

هذا هو البيت الأخير من شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة، يُخبر الشاعر أصحابه أن يطلقوا سراح راحلته لأنها ستُذَّكرهُم به وتجعلهُم يبكون علي، ثم ذكر نساء وادي الغضى ويقول إنَّ فيه نساء لو رأوا حاله لظلوا يبكون عليه ومن هذه النساء منهنَّ أمه وأخواته وخالته وزوجته.

كما يذكُر أن أفضل الأيام التي عاشها كانت بوادي الغضى حيث كانوا الناس مخلصين وطيبين، وفي قوله “ستفلق أكبادًا وتبكي بواكيا” وضح الشاعر صورة بيانية وهي كناية عن شدة الحزن والألم الذي سوف تراها قريتهُ بعد موته وخاصةً أقاربه.

اقرأ أيضًا: شرح قصيدة إيليا أبو ماضي

معاني المفردات في القصيدة

ذكر في القصيدة بعض الكلمات التي يعتقد البعض أنها غليظة في السمع ولكنها كانت تُستخدم في عصرهم وسوف نعرضها لكم استكمالًا لموضوع شرح قصيدة مالك بن الريب يرثي نفسه كاملة من خلال الآتي:

  • الغضى: نبت من نبت البادية.
  • أزجي: أسوق سوقا رفيقًا.
  • القلاص: الإبل.
  • النواجي: السريعة.
  • بنيّ بـأعلى الرقمتيـن ومـالـيـا: هما موضعان في بداية البصرة.
  • الرمح الرديني: منسوب إلى ردينة، وهي امرأة كانت تثقف الرماح، أي تقومها.
  • الخنذيذ: الفرس الطويل الصلب.
  • سهيل: نجم يطلع من نحو بلده.
  • السدر: شجر كالأشنان يغسل بمائه الميت.
  • رحى المثل أو أضحت بفلج كما هيا: مواضع في ديار قومه.
  • الرّيم: القبر.
  • باكية: زوجته وكانوا يكنون عن الزوجة.
  • أشقر محبوك: يعني حصانه الأشقر القوي.
  • تراءت: ظهرت وبدت.
  • مرو: عاصمة خراسان.
  • خل: ضعف.
  • يا صحبي رحلي: يا صاحبي في سفري.
  • السدر: ورق السدر وكان العر ب يستخدمونه بدل الصابون.
  • فضل ردائيًا: الزائد من ثوبي.
  • بردي: ثوبي.
  • عطافاً: انعطف نحو الاعداء مهاجمًا.
  • احجمت: تراجعت.

تُعد قصيدة رثاء الشاعر مالك بن الريب لنفسه من أعظم القصائد التي كُتِبت في الرثاء لأنه كتبها بصدق عاطفته ومشاعره تجاه نفسه، وأنت عزيزي القارئ هل ترى رثاء أفضل من رثاء مالك لنفسه؟

قد يعجبك أيضًا