شرح نص غربة العشاق

شرح نص غربة العشاق الذي يعتبر أوسط العقد لدرة تاج الشعراء في شعر الغزل العذري جميل بن معمر العذري المشهور بجميل بثينة، في ذلك الموضوع على موقع زيادة سنتناول شرح نص غربة العشاق القصيدة التي مطلعها “أَرى كُلَّ مَعشوقَينِ غَيري وَغَيرُها…” بالشرح والتحليل.

شرح نص غربة العشاق

في القصيدة بصفة عامة يشكو فيها الشاعر جميل بن معمر حاله ويصف ألم الفراق وينقسم نص غربة العشاق إلى عدة مطالب/ أغراض، هي:

  1. البيتين الأول والثاني يتناول فيهم الشاعر غرض الشكوى.
  2. البيتين الثالث والرابع يصف الشاعر فيهما حالته.
  3. من البيت الخامس إلى البيت السابع يصف فيها الشاعر علاقته بحبيبته.
  4. باقي القصيدة يتناول فيها وصف حاله وصبره، ووصف حبه ويصف فيه النياق العطشانة.

فيما يلي شرح نص غربة العشاق بالتفصيل…

شرح أَرى كُلَّ مَعشوقَينِ غَيري وَغَيرُها

يقول جميل في هذا البيت:

“أَرى كُلَّ مَعشوقَينِ غَيري وَغَيرُها *** يِلَذّانِ في الدُنيا وَيَغتَبِطانِ”

معاني المفردات والجماليات:

  • مَعشوقَينِ: أثنان يحبان بعضهما لدرجة العشق.
  • يِلَذّانِ: يتلذذان أي يتمتعان ويشعران بالارتياح والسعادة، والتلذذ يكون بالطعام لذلك هنا استعارة حيث شبه الشاعر الحياة بطعام يُؤكل.
  • يَغتَبِطانِ: يفرحان، يٌقال اغتبط الإنسان بشيء أي فرح به لمدة طويله وتغير حاله.

شرح البيت:

يشكو الشاعر حاله في أسلوب استثناء حيث يقول إنه يرى كل العشاق فرحين بحالهم وسعداء إلا هو ومحبوبته بثينة بؤساء.

يمكنك الاضطلاع أيضًا على: شرح قصيدة كعب بن زهير بانت سعاد (البُردة)

شرح وَأَمشي وَتَمشي في البِلادِ كَأَنَّنا

يقول جميل في هذا البيت:

“وَأَمشي وَتَمشي في البِلادِ كَأَنَّنا *** أَسيرانِ لِلأَعداءِ مُرتَهَنانِ”

معاني المفردات والجماليات:

أَسيرانِ: جمع أسير وهو الذي يتم أخذه حيًا من جيش الأعداء في الحروب، وفي البيت تشبيه حيث شبه الشاعر حاله بحال الأسير لبيان مدى الحزن الذي يخيم عليه.

شرح البيت:

يصف الشاعر حاله وسط أهله وبلدته بأنه مثل الأسير المرهون عند الأعداء ليبين مدى الغربة الوجدانية والحزن المخيم على قلبه، فدونها هو غريب، وإذا حضرت كأن الأهل كلهم حضروا.

كما نلاحظ أن الشاعر قال “وَأَمشي وَتَمشي” ولم يقل نمشان وذلك لبين لنا مدر الفراق الذي بينهما وإنهما حتى لا تجمعهما قارعة الطريق وهذا يصل لمشاعر الاغتراب المسيطرة عليه.

شرح أُصَلّي فَأَبكي في الصَلاةِ لِذِكرِها

يقول جميل في هذا البيت:

“أُصَلّي فَأَبكي في الصَلاةِ لِذِكرِها *** لِيَ الوَيلُ مِمّا يَكتُبُ المَلَكانِ”

يقول الشاعر أنه لا ينسى محبوبته حتى في الصلاة، فإنه يبكى لتذكرها في الصلاة وتشغله عن صلاته، ويخاف مما يكتبه الملكان الموكلان بكتابة عمله.

قد استخدم قيس بن الملوح في غزله بليلى نفس المعنى تقريبًا عندما قال:

“أَراني إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها *** بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها *** وَعُظمَ أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا”

شرح ضَمِنتُ لَها أَن لا أُهيمَ بِغَيرِها

يقول جميل في هذا البيت:

“ضَمِنتُ لَها أَن لا أُهيمَ بِغَيرِها *** وَقَد وَثِقَت مِنّي بِغَيرِ ضَمانِ”

معاني الألفاظ والجماليات:

  • ضَمِنتُ: الضامن هو الكفيل أي أنه تعهد لها وهناك مشاركة لغوية لنفس اللفظ فالضَّمِنُ هو المحب أو العاشق وفي هذا البيت تورية.
  • أهيم: الهيام هو أحد درجات الحب، والهيم هو شدة العطش، المحب الشديد كأنه عطشان إلى محبوبته ولا يروي ظمئه إلا لقياها.

شرح البيت:

يقول الشاعر أنه تعهد لمحبوبته ألا يحب غيرها أبدًا، وإنها صدقته ولم تأخذ عليه ميثاق ولا عهد مكتوب وهذا يبين صدق العلاقة بينهم.

شرح أَلا يا عِبادَ اللَهِ قوموا لِتَسمَعوا

يقول جميل في هذا البيت:

“أَلا يا عِبادَ اللَهِ قوموا لِتَسمَعوا *** خُصومَةَ مَعشوقَينِ يَختَصِمانِ”

ينادي الشاعر على الناس ليستنجد بهم ويروي لهم حكاية حبه، فيقول إنه وحبيبته يختصمان خصام العشاق الجميل الذي يوطد العلاقة بينهم.

شرح وَفي كُلِّ عامٍ يَستَجِدّانِ مَرَّةٍ

يقول جميل في هذا البيت:

“وَفي كُلِّ عامٍ يَستَجِدّانِ مَرَّةٍ *** عِتاباً وَهَجراً ثُمَّ يَصطَلِحانِ”

معاني الألفاظ:

  • يَستَجِدّانِ: يجعلان جديد ويبدأ من البداية

يكمل الشاعر وصف حالة العتاب والخصام بينه وبين محبوبته، فيقول أنه معها في كل عام يختلقان خصامًا جديدًا، ومن ثم يتعاتبان ويتم الصلح بينهم، وذلك الخصام ليس حقيقي وجوهري وإنما هو لتحريك مياه الحب الراكدة وكأنه الحطب الجديد في موقد الحب في قلبيهما.

أن الخصام هذا ليبينا للحساد أنهما لا يحبان بعض حتى يتوقفون عن الحسد.

شرح يَعيشانِ في الدُنيا غَريبَينِ أَينَما

نكمل شرح نص غربة العشاق بالبيت:

“يَعيشانِ في الدُنيا غَريبَينِ أَينَما *** أَقاما وَفي الأَعوامِ يَلتَقِيانِ”

يصف الشاعر حاله وحال محبوبته بعد الفراق بأنهما أصبحا غريبين في الدنيا دون بعض، أينما أقاما ولو كانا بين أهليهما فهم غريبان، كما قال في البيت الثاني، فدون اللقاء الكل غريب، وإذا حضرت بثينة فكأن الأهل والأحباب والعشيرة كلها حضرت.

كذلك يكون اللقاء كل عام أو عامين وفي ذلك زيادة للوعة العشق.

هذا الترادف في المعاني بين صدر القصيدة وأوسطها يقوي المعنى ويؤكده.

يمكنك الاضطلاع أيضًا على: اجمل قصيدة غزل

شرح وَما صادِياتٌ حُمنَ يَوماً وَلَيلَةً

يقول جميل في هذا البيت:

“وَما صادِياتٌ حُمنَ يَوماً وَلَيلَةً *** عَلى الماءِ يُغشَينَ العِصِيَّ حَواني”

معاني الألفاظ:

  • صادِياتٌ: النياق (أنثى الجمل) العطشة جدًا، صَدِيَ الرَّجُلُ أي اشتد عطشه.
  • حُمنَ: اشتد عليهم الحر والعطش، فقول العرب حمي النهار أي اشتد حره.
  • حواني: أطول الأضلاع، وهذا طول العصا.

شرح البيت:

يصف الشاعر حال النياق العطشة في حر الصحراء التي تحوم حول الماء لتشرب لكنها تخاف ضرب الراعي بالعصي الطويلة، فتظل عطشانة والماء قريبة منها، وفي هذا مشاركة وجدانية بينها وبين الشاعر فهو أيضًا بجوار حبيبته ولا يستطيع أن يقابلها، فكأنه مكان النياق العطشانة.

هذا المعنى مستهلك في الشعر العربي جدًا فقد قاله قبله الكثيرون مثل طرفة بن العبد عندما قال:

وأمرُّ ما ألقاهُ من ألَـمِ الهوى *** قُرْبُ الحبيبِ وما إليه وصولُ

كالعِيْسِ في البيداءِ يَقتلها الظَّما *** والماءُ فوقَ ظهورِها محمولُ

كان البدو لا يتركون الجمال تشرب كل يوم لقلة الماء؛ فإذا شربت الجمال كل يوم سينفذ الماء ويعطشون هم، لإن الجمال تشرب الكثير من الماء؛ فكانوا يتركون الجمال عطشانة لمدة تصل لأسبوع ويضربونها إذا اقتربت من الماء.

شرح لَواغِبُ لا يَصدُرنَ عَنهُ لِوِجهَةٍ

يقول جميل في هذا البيت:

“لَواغِبُ لا يَصدُرنَ عَنهُ لِوِجهَةٍ *** وَلا هُنَّ مِن بَردِ الحِياضِ دَواني”

معاني الألفاظ:

  • لواغب: متعبات ومرهقات، اللُّغُوبُ هو التَّعَبُ والإِعْياءُ.
  • بَردِ: الماء البارد.
  • الحِياضِ: المياه، في معجم المغني حيض الماء هو سيله، الحياض جمع حوض وهو مكان تجمع المياه.
  • دَواني: دنى أقترب ونزل، دواني أي اقتربن من الحوض.

شرح البيت:

يكمل الشاعر وصفه لحالة الإعياء والحر الشديدة التي تعانيها هذه النياق ولكنه لا تقدر على الاقتراب من المياه بسبب خوفها من عصا الراعي.

في ذلك مشاركة وجدانية بين الشاعر والناقة الظمئانة، فالماء هو الحياة بالنسبة لها وهي ممنوعة عنه وكذلك بثينة هي الحياة بالنسبة لجميل وهو ممنوع عنها بأعراف القبيلة.

شرح يَرَينَ حَبابَ الماءِ وَالمَوتُ دونَهُ

يقول جميل في هذا البيت:

“يَرَينَ حَبابَ الماءِ وَالمَوتُ دونَهُ *** فَهُنَّ لِأَصواتِ السُقاةِ رَواني”

معاني الألفاظ:

  • حَبابَ الماءِ: الفقاقيع تطفو على صفحة الماء بسبب الهواء، وفي ذلك كناية على أن تلك الماء باردة.
  • رَواني: المرون هو المغلوب المقهور، ورون الشيء أي اشتد حرارة.

شرح البيت:

يكمل الشاعر وصف حال النياق بأنها ترى الماء البارد أمام عينها وترى الموت إن لم تستطع الوصول إليه لكنها تخاف من مجرد سوط الرعاة رغم العطش الشديد، وهذا حاله أيضًا مع حبيبته فهو يعيش معها في ديار نفس القبيلة لمنه لا يقدر على الاقتراب منها بسبب الوشاة والحاسدون.

شرح بِأَكثَرَ مِنّي غُلَّةً وَصَبابَةً

يقول جميل في هذا البيت:

“بِأَكثَرَ مِنّي غُلَّةً وَصَبابَةً ***إِلَيكِ وَلَكِنَّ العَدُوَّ عَداني”

معاني الألفاظ:

  • غُلَّةً: شدة العطش
  • صَبابَةً: الشوق الشديد وحرارة الشوق.

شرح البيت:

يقارن الشاعر بينه وبين النياق العطشانة إلى الماء ومشتاقة إليها حد الموت، فيقول إنه به شوق إلى بثينة يوفق شوق هذه النياق على المياه، ويلتفت بالضمير إلى أسلوب المخاطب في (إليك) فيوجه الكلام إلى محبوبته، لكن الحاسدون منعوه من الوصال بها.

يمكنك الاضطلاع أيضًا على: شرح قصيدة صوت صفير البلبل

السمات العامة في شرح نص غربة العشاق

نلاحظ في القصيدة بصفة عامة شيوع صفات الحب العذري مثل:

  • تعلق الشاعر بمحبوبة واحدة
  • البعد عن الوصف والتغزل الصريح في المحبوبة.
  • شيوع معاني الحزن والشوق والفراق في القصيدة.
  • الصدق الواقعي في عاطفة الشاعر ناحية محبوبته.
  • الحرارة الملتهبة للحب بين المحبين.
  • اختفاء المقدمات، والتوجه للغرض الأساس للقصيدة.
  • اقتصار الشاعر على محبوبة واحدة دون غيرها.
  • البعد عن التكلف في المعاني والألفاظ والتراكيب والصور، فالبساطة هي عنوان القصائد العذرية.

بذلك نكون قد قدمنا لكم شرح نص غربة العشاق العام وشرح نص غربة العشاق التفصيلي لكل بيت على حدة بمعاني الألفاظ الغريبة والصور الجمالية، نرجو أن نكون قد أفدناكم.

قد يعجبك أيضًا