حكم قول صدق الله العظيم ما بين الفقهاء

حكم قول صدق الله العظيم بعد تلاوة القرآن هل هو واجب أم مستحب أم هو بدعة؟ حيث يعتاد الكثير من القرَّاء قول صدق الله العظيم عقب الانتهاء من التلاوة، بل أن بعض القراء يضيفون إليه بعض الأدعية والعبارات التي تلازم القراءة وأصبحت طريقة متبعة.

حكم قول صدق الله العظيم

انقسم العلماء على قولين حول موضوع حكم قول صدق الله العظيم:

  • الأول: يرون أنها من تعظيم القرآن.
  • الثاني: يرون أنها من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان.

كل فريق منهما يستند على أدلة ليثبت قوله.

اقرأ أيضًا: نبي وهو اول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم تعرف عليه وعلى فضل البسملة

حكم قول صدق الله العظيم مستحب عند الفريق الأول

من هؤلاء العلماء الذين يرون أن من تعظيم القرآن الكريم وإجلاله أن نقول صدق الله العظيم هو “الحكيم الترمذي أبو بعبد الله” الذي قال بالنص: “ومن حرمته إذا انتهت قراءته أن يصدق ربه، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم، ويشهد على ذلك أنه حق، فيقول: صدقت رب وبلغت رسلك، ونحن على ذلك من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، ثم يدعو بدعوات” (نوادر الأصول في أحاديث الرسول)، ونقلها عنه القرطبي في تفسيره، ويرى أن من حرمة القرآن الكريم أن يصدق العبد ربه بعد التلاوة.

بيد أن بعض القراء في القرون الماضية كان يتبع القراءة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو بالحمد والدعاء، إلا أنه في العصر الحديث قد أجمع القراء على أن يختم التلاوة بقول: “صدق الله العظيم” فقط.

أدلة الرأي القائل بأن قول صدق الله العظيم مستحبًا

استدل أصحاب الرأي بأن حكم قول صدق الله العظيم هو الاستحباب بعدة أدلة من القرآن والسنة نحو:

الدليل الأول: قوله تعالى في سورة آل عمران:

“قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” (95).

الدليل الثاني: قوله تعالى في سورة النساء:

“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا” (87).

الدليل الثالث: قوله تعالى من سورة النساء:

“وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا” (122).

الدليل الرابع: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه بريدة بن حصيب الأسلمي، فقال:

“كان النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يخطبُ، فجاء الحسنُ والحسينُ عليهما قميصان أحمران يعثُران فيهما، فنزل النَّبيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – فقطع كلامَه، فحملهما، ثمَّ عاد إلى المنبرِ، ثمَّ قال: صدق اللهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ، رأيتُ هذَيْن يعثُران في قميصَيْهما فلم أصبِرْ حتَّى قطعتُ كلامي فحملتُهما” أخرجه أبو داود (1109)، والترمذي (3774).

بهذه الأدلة يستند أصحاب الرأي القائل بالاستحباب على بناء رأيهم هذا، لكن رد عليهم أصحاب الرأي الآخر بتفنيد الأدلة وطرح وجهة نظرهم.

رد أصحاب رأي أن قول صدق الله العظيم بدعة

الرد على الدليل الأول: “قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” أن هذه الآية تتعلق بسابقها.. “كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)”

إن اليهود حرموا الطعام على أنفسهم، والله تعالى كذبهم، وأن هذا تصديق من الله ولا يتعلق الامر من أي جانب بالتصديق بعد التلاوة، فهذا لوي لعنق الدليل حتى يتناسب مع الرأي.

الرد على الدليل الثاني والثالث: الآيتان (87 و122) من سورة النساء، ورد في تفسيرهما أنهما للتقرير بأن لا أحد أصدق من الله تعالى في الحديث ولا يحتاج كلامه إلى خبر يتلوه لكي يتم تصديقه.

الرد على الدليل الرابع: حديث الرسول السابق ذكره لا يعتد به في حكم قول صدق الله العظيم، وذلك لعدة وقفات نحو:

  • أن قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كان من منطلق تصديق ما أخبره به الله تعالى، حسب رواية راوي الحديث أنه نزل من على المنبر ليحمل الحسن والحسن، هذا لا يعتد به دليل على وجوب ذكر (صدق الله العظيم) بعد التلاوة.
  • أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الآية للاستشهاد بها، فلم يستعذ من الشيطان الرجيم قبل قراءتها ولم يرتلها.
  • أن في هذا الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم (صدق الله) سبق الآية ولم يتبعها، وهذا مخالف ما يقوله أصحاب الرأي الأول.

اقرأ أيضًا: ماهي السورة التي لا تبدا بالبسملة

أدلة أصحاب رأي أن قول صدق الله العظيم بدعة

بجانب تفنيدهم لآراء الفريق الأول القائل باستحباب قول صدق الله العظيم بردود مقنعة للفقهاء، أضافوا أدلة على وجوب عدم قول (صدق الله العظيم) بعد التلاوة، من هذه الأدلة:

عن السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أن النبي قال لها: “إَنَّ جبريلَ كان يعارضُنِي القرآنَ كلَّ سَنَةٍ مرةً، وإنَّهُ عارضَنِي العامَ مرتينِ، ولا أراهُ إلَّا حضرَ أجلِي، وإنَّكَ أولُ أهلِ بَيتِي لحاقًا بي، فَاتَّقِي اللهَ واصْبِرِي، فإنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أنا لَكِ” (صحيح الجامع 2054)، أي أن سيدنا جبريل عليه السلام كان يدارس الرسول في القرآن بصورة دورية، لكن لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم قول “صدق الله العظيم”.

  • أن صحابة الرسول رضوان الله عليهم كانوا يقرؤون القرآن أمامه ولم يقل أحد منهم “صدق الله العظيم” فعن عبدِ اللهِ بن مسعود قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: اقرأ عليَّ، قال: قلتُ: أقرأُ عليكَ وعليك أُنزلَ؟ قال: إني أشتهي أن أسمعْهُ من غيري، قال: فقرأتُ النساءَ حتى إذا بلغتُ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا قال لي: كُفَّ أو امسكْ. فرأيتُ عينيهِ تذرفانِ” (البخاري 5050، ومسلم 800).
    فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كف أو قال امسك ولم يقل له “صدق الله العظيم”

رأي كبار العلماء المحدثين

  • قال الشيخ ابن باز في هذا الموضوع:

“اعتاد الكثير من الناس أن يقولوا: صدق الله العظيم- عند الانتهاء من قراءة القرآن الكريم، وهذا لا أصل له، ولا ينبغي اعتياده، بل هو على القاعدة الشرعية من قبيل البدع إذا اعتقد قائله أنه سنة، فينبغي ترك ذلك، وأن لا يعتاده لعدم الدليل، وأما قوله تعالى: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ- فليس في هذا الشأن، وإنما أمره الله عز وجل أن يبين لهم صدق الله فيما بينه في كتبه العظيمة من التوراة وغيرها، وأنه صادق فيما بينه لعباده في كتابه العظيم القرآن، ولكن ليس هذا دليلاً على أنه مستحب أن يقول ذلك بعد قراءة القرآن أو بعد قراءة آيات أو قراءة سورة، لأن ذلك ليس ثابتًا ولا معروفًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته ـرضوان الله عليهم- …”

قال الذي أوردناه في حديث عبد الله بن مسعود آنفًا:

“… المقصود أن ختم القرآن بقول القارئ: صدق الله العظيم ـ ليس له أصل في الشرع المطهر، أما إذا فعلها الإنسان بعض الأحيان لأسباب اقتضت ذلك: فلا بأس به.”( مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز) (7/333).

كما أن الشيخ ابن عثيمين قال في هذا الموضوع: ختم تلاوة القرآن بقول: صدق الله العظيم ـ بدعة، وذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا يختمون قراءتهم بقول صدق الله العظيم، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
فعلى هذا، ينبغي للقارئ إذا انتهى من قراءته أن ينهيها بآخر آية يتلوها بدون أن يضيف إليها شيئاً”(فتاوى نور على الدرب).

اقرأ أيضًا: لماذا لم تبدأ سورة التوبة بالبسملة في تفسير ابن عثيمين

الخلاصة في حكم قول صدق الله العظيم

قال جمهور الفقهاء ما استقروا عليه في هذا الموضوع أن “الأصل في العبادات التحريم، والأصل في العادات الإباحة” وعلى هذا فإن المداومة على قول (صدق الله العظيم) بعد الانتهاء من تلاوة القرآن باعتبارها ذكر مقيد فهذه لا أصل له في الدين ويعتبر بدعة، فلا تقيد إلا بدليل، وعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي قال: “مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليسَ منه فَهو رَدٌّ” (صحيح مسلم 1718).

بذلك نكون قد نقلنا لكم أقوال الفقهاء حول حكم قول صدق الله العظيم بعد تلاوة القرآن وأدلة كل رأي والرأي الذي أستقر عليه الجمهور، ندعو الله تعالى أن يجعلكم وإيانا من أهل القرآن وخاصته.

قد يعجبك أيضًا