هل المريض النفسي يحاسب عند الله

هل المريض النفسي يحاسب عند الله؟ وماذا عن حسابه في الدنيا؟ من منا لم يقابل في حياته مرضى نفسيين ويراهم حين يذنبون ويفعلوا من المعاصي ما طاب لهم، فهل لهم شفاعة عن كل ما فعلوا؟

لذا من خلال هذا الموضوع الذي سيعرضه لكم موقع زيادة سنتعرف سويًا على إجابة سؤال هل المريض النفسي يحاسب عند الله بشيءٍ من التفصيل.

هل المريض النفسي يحاسب عند الله

إن دين الإسلام هو دين الرحمة، فمنذ بداية التكليف ما كان الله ليكلف عباده بما لا طاقة لهم به، فإن آتاك تكليف من الله فأعلم أنه باستطاعتك، فما كان الله ليكلف نفسًا إلا وسعها، حتى إذا جاء الحساب حاسبه الله بما له وما عليه.

أما بالنسبة لإجابة سؤال هل المريض النفسي يحاسب عند الله؛ فإن استطاع الإنسان التمييز بين الخطأ والصواب، الخير والشر، وإذا كانت لديه القدرة على فهم الأمور ومعرفة أين تكمن مصلحته والخير له، فإنه حينها مكلف لا محال وسيحاسبه الله بما أنعم عليه من نعمة العقل، الذي استطاع به التمييز بين المتضادات وما ينفعه وما يضره.

لكن وعلى الجانب الآخر ومن رحمة الله على عباده، أنه قد رفع الحساب عن ثلاثة أصناف من البشر، لما وجده فيهم من قلة حيلة وعدم قدرة على فهم وتنفيذ التكليف.

فكما جاء في الحديث الشريف عن ابن باز في مجموع الفتاوى، عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال رُفِعَ القلمُ عن ثلاثٍ: الصغيرِ حتى يبلغَ، والمعتوهِ حتى يفيقَ، والنائمِ حتى يستيقظَصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالله يعلم أن ذلك الصبي الصغير لم يزل غير مدرك لكافة الأمور والأوامر الدينية، كما أنه يعلم مدى صغر سنة وعدم نضوج عقلة، ولكن حين يصل الطفل إلى مرحلة البلوغ فهو لديه الحد الأدنى من العقل والذي يسمح له بممارسة الشعائر الدينية وطاعة الله على أكمل وجه.

كذلك فكما نعلم جميعًا بأن النوم يسمى الموتة الصغرى، فهي تلك الحالة التي يفقد فيها الإنسان الإحساس والشعور بما حوله، فلا هو سامع للأذان فيصلي الفرض في موعده، ولا هو واعٍ لما يدور حوله فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

فلا يوجد في نومته هذه ذنب يرتكبه فهو غير واع وغير مدرك تمامًا لما حوله، ولذا وحتى يفيق ذلك النائم فقد رفع عنه القلم وهو غير محاسب.

اقرأ أيضًا: كيفية التعامل مع المريض النفسي العدواني

متى يُسأل المريض النفسي أمام الله عن أفعاله؟

ها نحن ذا نصل إلى السؤال في بادئ الأمر وهو هل المريض النفسي يحاسب عند الله؟ وهنا يأتي الشق الثالث من الحديث النبوي الشريف رافعًا عن المعتوه القلم، ولكن هنا يأتي السؤال ما الفارق بين المعتوه والمريض النفسي؟

هنا آتى علماء الطب النفسي مفسرين الفارق بين النوعين، قائلين بأن المريض النفسي نوعين، النوع الأول هو من تخالجه نوبات يفقد فيها عقله وإدراكه، فهو غير مدرك لما يفعله وغير مدرك للفارق بين مفهومي الحلال والحرام، وهنا يأتي الرد من آمة الإفتاء بأن ذلك النوع من المرضى قد رفع عنه القلم.

أتت تلك الفتوى مستندة على أن الأصل في التكليف هو العقل، فإن العقل هو ميزان الأشياء، فحين تملك أيها الإنسان ذلك الميزات فحق عليك ميزان الأخرة، أما إن كنت لا تملكه وتسقط فريسة لحالة من عدم الإدراك لما حولك فقد وقع عنك الذنب في حال ما ارتكبته وستشملك رحمة الله بعدم محاسبتك على ما اقترفت.

كما اتبع الأطباء النفسيين بأن هنالك نوعًا من المرضى النفسيين ممن يعانون من حالات متأخرة أو مشاكل نفسية شديدة الوطأة ولكن هم في حقيقة الأمر ما زالوا محتفظين بحدهم الأدنى من الإدراك، فهم يعلمون الفارق بين مفهوم الحلال والحرام، الصح من الخطأ، ويعلمون أنهم مكلفون من الله.

فيتدخل هنا أئمة الإفتاء بأنهم وفي تلك الحالة من وصولهم للحد الأدنى من الإدراك وأنهم مكلفين من الرحمن بالعبادات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد وقع عليهم الحساب، وهم مكلفين أمام الله تعالى بما آتاهم من نعمة العقل والميزان التي تعد أحد أهم الأمانات التي اصطفى بها الله بني البشر.

المريض النفسي وكيفية التعامل معه

أتي الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام قائلًا كما ورد على لسان ذكوان السمان في كتابه شرح كتاب الشهاب، انه سمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ” إنَّما أنا رحمةٌ مُهْداةٌ”، فالرحمة هي أصل التعامل ووسيلة ضمان المودة وبقائنا على وجه الأرض، فإن انعدمت تلك الرحمة فالإنسان هالك لا محال.

فيمكننا أخذ العبرة من الإجابة عن السؤال هل المريض النفسي يحاسب عند الله؟ بأن الله لن يحاسبه، فلا حول له هو ولا قوة دون ما يفعل، لذا فيجب علينا الاقتداء واتباع نفس المنهج حتى ينجينا الله فليس منا من لا يرحم ضعافنا.

تنقسم حياة الإنسان إلى شقين، الشق الأول فهو الذي يقضيه في الدنيا على وجه الأرض، حيث جعلها الله دار عمل وابتلاء له ليقيس مدى إيمانه بربه وصلابة نفسه، فجعل الدنيا مقر عمل، كلًا مننا يؤدي فيها دورة، متفاعلًا مع ذويه من بني البشر قاصدًا رضا الله وإطاعة أمره.

أما عن القسم الآخر وهو الأطول فهو الأخرة، وهنا يأتي الحساب ليكون خير تعبير عن عدل الله في الدنيا، فكما فعلت في الدنيا ستلاقي في الأخرة إن فعلت خيرًا ستلقى خيرًا وإن فعلت شرًا فالله وحده يعلم إلى أين سيؤول مصيرك، كلًا مننا طبقًا لقدرته ورزانة عقله واختياراته.

فإن أردنا التحدث عن الآخرة، فمن خلال إجابتنا على السؤال هل المريض النفسي يحاسب عند الله؟ فسنعلم ماذا سيكون حساب الله لمن فقد عقله أو هو دون التكليف الشرعي.

لكن في حال ما إن تحدثنا عن الدنيا فهناك عدة نقاط لنناقشها سويًا حتى نقرر طبيعة التعامل بين البشر مع من فقد عقله، حتى لا نكون آثمين في ذنب ما ونحن لا نعلم، وكذلك لا نتسبب لأذى لشخص ما دون وجه حق.، وفيما يلي سنوضح ذلك بصورة أكبر:

اقرأ أيضًا: هل يشفى المريض النفسي تماما ؟

1- التعامل مع المريض النفسي في حال إن أتلف شيئًا

يكون الله تعالى قد رفع عن المجنون الحرج عما يفعل ولم يحاسبه طبقًا لما وجدناه في إجابة عن السؤال هل المريض النفسي يحاسب عند الله، ولكن نحن من أهل الدنيا ما حكم تعاملنا مع المريض النفسي إذا ما تسبب لنا في ضرر ما أو إتلاف شيئًا ما؟

يشير الدكتور بسام الشطي الأستاذ والفقيه بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بعدة بنود في حال ما أتلف المريض النفسي أو من فقد عقلة عدة أشياء لشخص ما ليس له ذنب، فأقر دكتور الشطي بأن الإتلاف ليس فيه من التسامح بد، فحتى وإن أخذتنا الرحمة بالمريض النفسي فلا ذنب لمن أتلفت حاجاته بهذا الضرر من الأساس.

كما أتبع الدكتور الشطي بأن في حال ما أتلف المريض النفسي شيئًا ما فإن المسؤول عنه أو ولي أمره ملزم برد ثمن المتلفات الحادثة إلى صاحب التلف.

ففي بداية الأمر يشير إلى ان ولي الأمر ملزم بتسديد المتلفات من الأموال الخاصة بالمريض النفسي، فإن كان لا مال له ليملكه، فوجب عليه حينها تسديد ثمن الضرر فولي أمره ملزم برد التلف من ماله الخاص.

فختم الدكتور الشطي حديثة عما إن تسبب المريض أو الفاقد لعقله لضرر ما أو إتلاف أحد الممتلكات، فأتبع بأن كل ما يعود عليه هو دفع ثمن الضرر المادي الحادث ولا يقع عليه أي عقوبة دنيوية مثل السجن أو ما شابه من أساليب عقابية دنيوية تطبق حيال المجرمين.

2- الواجب فعله في حال فقدان المريض النفسي السيطرة

أتت آراء الأئمة لتكون منصفة في حال ما بدر من أحد المرضى النفسيين ما يضر به غيره في حال فقدان السيطرة على نفسه أو على أطرافه.

فكما لم يحاسبه الله كما ذكرنا في الإجابة عن السؤال هل المريض النفسي يحاسب عند الله، فلا يجب أن يحاسب المريض النفسي عما ارتكبه في حال أن فقد السيطرة، وإنما المسؤول الأول والمحاسب هو ولي أمره ومن هو مسؤول عنه.

ذلك لما وجه الأئمة من عدم مسؤولية على ذلك المريض فالأصل في العقاب هو الردع عن قيام شخص ما بفعل غير صحيح هو يعلم مدى حرمته أو غير قانونيته وهو يفعله مخير وليس مسير.

أما في حالة المريض النفسي أو الفاقد لعقله فهو مدفوع مجبور على فعل تلك الأشياء، فهو بالطبع لن يقبل أن يفقد السيطرة على اطرافه وعقله دون أن يكون المحكم عنهم، فيصيب بهم من ضرر كل من كان في محيطه سائرًا أو جالسًا، وعليه فالمسؤول الأول والأخير هو ولي أمره وليس هو.

اقرأ أيضًا: هل يتحول المرض النفسي إلى مرض عقلي

آراء العلماء تجاه ولاة أمور المرضى النفسيين

قد يتعجب البعض من تلك الفتوى، فلم ولي أمره فهو ليس بدافع له عما يفعل ولا ذنب له في تلك الأفعال التي من شأنها الإضرار بغيره.

هنا أتت آراء العلماء بأن المسؤول عنه يجب أن يكون هو الحائل بينه وبين الناس، وبما أنه المسؤول أو المنوط به فهو له القدرة على عزله عن الناس أو اتخاذ احتياطاته لضمان عدم حدوث الضرر.

فيرى العلماء أن دور ولي الأمر هو منعه من التصرف على هذا النمط، عن طريق القيام بعدة أشياء مختلفة هو منوط به فعليها، مثل إعطائه المسكنات أو المهدئات المطلوبة حال تعامله مع الناس بالخارج، أو عدم السماح له بالخروج من الأساس في حال أن أتته الحالة لضمان عدم التسبب لأحد ما بالضرر.

فإن لم يستطع إحكام السيطرة فعليه بإيداعه مستشفى متخصصة لتكن ارحم عليه منه، ففي تلك المستشفى لن يتسبب ذلك المسكين في تلك الأضرار ولن يلقي عليه أحد اللوم في شيء بل على العكس سيلقي من المعاملة ما يستحقه من شفقة ورحمة.

بما أن إجابة سؤال هل المريض النفسي يحاسب عند الله تتوقف على مدى إدراكه؛ فيجب أن نستخلص من ذلك عظة  وألا نستغل هذه النعمة في معصية الخالق.

قد يعجبك أيضًا