هل يجوز تعدد الزوجات بدون سبب

هل يجوز تعدد الزوجات بدون سبب؟ وما أحكام التعدد؟ فإن عقد النكاح هو العقد الذي شرعه الله عز وجل حتى يتم إعمار الأرض واستمرار البشرية، فالزواج هو وسيلة المحافظة على النسل وتربية أجيال صالحة، كما أن الله حدده وفق ضوابط معينة لا يجوز مخالفتها.

يبتغي المرء من زوجته أن تكون صالحة خلوقة تعاونه على أمور الدنيا والدين، حتى تستمر معيشتهما في رحاب الألفة والمودة والرحمة، أما عن موضوع تعدد الزوجات فهذا ما سنعرضه هنا من خلال موقع زيادة بإثارة القضية المطروحة هل يجوز تعدد الزوجات بدون سبب؟

هل يجوز تعدد الزوجات بدون سبب؟

الأصل العام أن الشرع يبيح للرجل أن يعدد في الزوجات، وإن كان بدون سبب واضح فلا إثم على الزوج إن تزوج، أما الذي سيحاسب عليه هو العدل بين الزوجات، وليس ارتكابه للتعدد في ذاته، فالله شرع التعدد وتركه مقرونًا بالعدل، وبالتالي المسلم الفطن يدرك الأمر كما أوضحه الله وليس اندفاعًا منه وراء أهواء نفسه.

بل إن الشريعة الإسلامية بها توضيح للأسباب التي قد تدفع الرجل للتعدد، ليكون الأمر برضاء الزوجة وعن اقتناع من الزوج.

نشير أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد تزوج عدة مرات وليس بأزواجه علة، فكانت أسباب التعدد معروفة ومشروعة، لذا لا مانع من التعدد حتى وإن كانت الزوجة الموجودة صالحة وليس فيها ما يشوبها من مرض أو علة، لكن الأمر راجع للزوج، في سيره واتباعه للمعاشرة بالمعروف وإقامة العدل.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ” (صحيح البخاري)، إشارة إلى أن الزواج من أعظم أسباب العفة والحماية وقلة الفساد في الأرض، لأن وجود الرجال والنساء بدون زواج من أعظم أسباب كثرة الزنا والفواحش.

لكن المشكلة تكمن في أن الأعم من الرجال يجد في حقه في التعدد التصرف المطلق، أيًا كان وضع الرجل المادي والاجتماعي، يذهب إلى الزواج بثانية، متناسيًا تمامًا حدود الله وشروطه في التعدد، ومتناسيًا أيضًا تلك الزوجة التي تحت رعايته وكنفه، التي أمره الله أن يحفظ كرامتها ويعاشرها بالمعروف.

نشير إذًا أن الأصل في الإسلام هو الزواج عمومًا بواحدة، إن اقتدر الرجل على الزواج، أما فكرة التعدد جاءت منظمة لما كان عليه الرجال في الجاهلية من الزواج كيفما يريدوا، فحددها الإسلام بأربع زوجات فقط وبشروط محددة من خاف أن يخالفها عليه الاكتفاء بواحدة حتى لا يقع في الإثم ويتعرض للحساب في الآخرة.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ما هو حكم رفع اليدين في الدعاء؟

الحكمة من إباحة تعدد الزوجات

استكمالًا للإجابة على هل يجوز تعدد الزوجات بدون سبب في حالة اقترانه بالعدل، فإن تعدد الزوجات بشكل عام أمر جائز ليس فيه حرج أو إثم بالنسبة للرجل، فقد ذكر الله تعالى في سورة النساء: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ” (الآية 3).

فإذا أشرنا إلى الحكمة البالغة من إباحة تعدد الزوجات نجدها تتجلى في عدة أمور:

  • بلوغ الرجل إلى الطمأنينة والعفة، إن كان مقتدرًا ولا يخاف على نفسه من الجور والميل لإحداهما عن الأخرى.
  • فيه سترةً للنساء، فالأفضل لها أن تنعم بالذرية الصالحة في ظل راحة وسكينة مع رجل صالح عادل يتقي الله في أمرها.
  • إن منع التعدد فيه ظلم للرجل والمرأة لأنه قد يدفع على الزنا، فعدد النساء يفوق عدد الرجال في شتى الأحوال، وبالتالي قصر الزواج على واحدة فقط يُعزز من المشكلة، لذا فإن التعدد يمنع تفاقم مشكلة العنوسة.
  • نظرة الله للنساء نظرةً عادلة فحاشاه أن نظن بغير العدل في حكمه، لذا فهو اشترط العدل في التعدد إكرامًا لهن وحفظًا.
  • قد تكون الزوجة عقيمة، وهنا لا مانع من أن يتزوج الرجل بأخرى حتى يُرزق بالولد، وهنا نشير أنه في حالة اختلاف الحالة بعقم الزوج لا الزوجة، أن الطلاق أيضًا أمرٌ مشروع، فإن أرادت فعلت، كما أن إباحة الزوج للتعدد تقي من فكرة طلاقها ليتزوج بأخرى لينجب منها.
  • كما أن قدرة إنجاب الرجل تفوق مدة قدرة إنجاب المرأة، وهذه مشيئة الله في طبيعة خلقه، فيكون بذلك التعدد في الزوجات لإتاحة النسل.
  • إن كانت الزوجة بها ما هو منفر في الخُلق أو في عدم مراعاة حقوق زوجها، فبدلًا من تطليقها وفاءً لها وإكرامًا لأهلها، يتزوج بأخرى حتى لا يشقى وتثار المشاكل بينهما.
  • إن من التعدد ما هو بهدف إنساني صرف، بنيةً رعاية المرأة إن كانت مسكينة لا عائل لها، فبالتالي يتزوجها الرجل هنا احتسابًا للأجر عند الله من كفالتها.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ما حكم من جامع زوجته في نهار رمضان متعمدا

ضرورة التأني قبل تعدد الزوجات

إن تعدد الزوجات تشريع ربانيّ له فائدته وحكمته، ولكنه مثل أي أمر آخر، إن تمت إساءة استخدامه وفقدان السيطرة، سيؤدي بالضرورة على مشكلات كبيرة يكون لزامًا الغنى عنها والاكتفاء دون التعدد.

لكن ثمة شروطًا وضوابط معينة بصدد جواز تعدد الزوجات، فهو ليس بالحكم الجائز مطلقًا، وإنما هناك عدة استثناءات تجعل منه حكمًا نسبيًا يختلف باختلاف الحالة، فمن أهم تلك الشروط التي يجب أن يضعها الزوج في اعتباره هي مراعاة قدرته المادية والجنسية بل والنفسية أيضًا للأخذ بالاعتبار وجوب العدل بين الزوجات.

هذا ما تمت الإشارة إليه في القرآن الكريم، حتى لا يسيء أصحاب النفوس المريضة فهم كلام الله عز وجل، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز استكمالًا للآية الكريمة: “فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذلِك أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا” (الآية 3).

إشارة إلى وجوب اقتران العدل مع التعدد، حتى لا تُظلم النساء، وحتى لا يقعن في شباك الخسة والخداع لبعض الرجال إلا من رحم ربي.

تمامًا مثل المشقة الناجمة عن القيام بالعبادات، فرغم أن هذه العبادات واجبة ونافعة، إلا أنه بها من المشقة ما لا ينفي من كونها واجبة، فبالتالي حتى لو كان تعدد الزوجات به من العواقب النفسية على المرأة فهذا لا ينفي من وجود منافع كثيرة من ورائه كما أشرنا سلفًا في الحكمة من تعدد الزوجات.

أما بالنسبة لما يسببه الزواج بأخرى من إيذاء نفسي وعصبي بالنسبة للزوجة الأولى، علاوةً على إشعال فتيل الغيرة التي لا تهدأ، الأمر الذي يسبب العداوة والبغضاء، فالزوج هنا على جهة الاستحسان والاستحباب عليه أن يتلطف ويتأنى ويراعي العشرة بالمعروف، فإما أن يقنعها بأمر زواجه لُطفًا وإما أن يترك الفكرة حفاظًا على مشاعرها فيؤجر على ذلك عظيم الأجر.

مسألة تعدد الزوجات يكون فيها ظلم بيّن للمرأة إن كان في التعدد فوضى وعدم عدل، فالبعض يقرأ الآية دون فهمها كاملة، فيقرأ مثنى وثلاث ورباع، دون أن يستكمل وجوب اقتران العدل، لذا يجب على الرجل أن يتفكر في أمره قليلًا قبل أن يشرع بالزواج.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ما حكم الزوج الذي لا ينفق على زوجته العاملة؟

ما ينبغي على الرجل فعله

نجد الأئمة الفقهاء والسلف لصالح يتفقن على أن الأولى للرجل هو ألّا يزيد عن امرأة واحدة، فذلك أسلم له ولها، فهذا مستحبٌ رغم إباحة التعدد ليكون جديرًا بالذكر هنا أن الزوج إذا وجد حاجته للزواج مرةً أخرى بغير مخالفة لحدود الله، فليس عليه إثم إن فعل حتى يغض بصره وينل العفة وراحة النفس.

كما هو الحال في كل أمر ينبغي أن نستخدم الاحتساب العقلي فيما نأخذه من قرارات، فنوازن ميزانًا عقليًا بين ما يجنيه القرار من منافع أو من خسارة، لتكون الكفة الراجحة هي المنطقية والأنسب، مهما اختلفت العاطفة.

لذا فإنه على الرجل عند إقدامه على التعدد، أن يستقيم ويرى الأصلح له ولزوجته، فيقارن بين المصالح والمفاسد، ويفعل الأصلح.

يختلف الأمر بالضرورة باختلاف الظروف والحالات، فلا نقول هنا أن عدم التعدد هو الأصلح، وإلا ما كان الله ليجعله حلالًا، فإن زعم البعض أن تعدد الزوجات في كل الأحوال المطلقة يدمر البيوت ويشتت الأسر يعتبر مغالطة في فهم الشريعة، لأن من وضع الشرع أدرى بالمصالح والعواقب.

يجب أن يتفطن الرجل لطبيعة النفس البشرية التي دائمًا وأبدًا ترغب بالمزيد، وتتطلع إلى ما ليس في حقيبتها، فإن تزوج الرجل بثانية وهو مقتدر، سيستند إلى إباحة الثلاث والرباع طالما كان مقتدرًا، مما يزيد من الأمر تعقيدًا ومبالغة.

فإن كان الغرض من الزيجة الثانية هو العفة أو الإنجاب أو ما إلى ذلك، ستقل الحجج مع الزيجات الأخرى، إلا إن كان المقصد هو المتعة الجسدية فقط دون النظر للمعنويات، وهذا ما لا يؤيده الرجل السوي ولا تحلله العقول المستنيرة.

الأحكام الخمسة لتعدد الزوجات

جدير بالذكر هنا أن نشير لأمر اتفق عليه الفقهاء بالإجماع وهو أن يكون العدل بين الزوجات في أربعة أمور: (القَسم، النفقة، الكسوة، السكن)، فإن لم يكن قادرًا على واحدة من هذه الأمور، فإن التعدد في هذه الحالة حرام شرعًا.

إذا أجبنا على سؤال هل يجوز تعدد الزوجات بدون سبب وكان الجواب هو إباحة التعدد، فإننا نقول بأن له أحكامًا خمسة:

  • مباحًا: إن كان مستوفيًا للشروط، وتستوي منافعه مع ما ينجم عنه من آثار ربما بها مشقة، وتكاليف.
  • مكروهًا: إذا كان ما ينجم عنه من آثار فاسدة أكبر مما يؤتيه من مصالح للطرفين، وإن كان غير مستوفيًا للشروط المادية والاجتماعية.
  • حرامًا: إذا كان الزوج غير قادر على تحقيق العدالة، وأصبح ظالمًا لإحدى زوجاته لحساب الأخرى.
  • مندوبًا: إذا كان هناك مصلحة ما تُحقق من ورائه فيكون لهدف معين.
  • واجبًا: وهنا يكون شرط وجوبه بقيام العدل، إن كان فيه حفظًا لعبة الرجل بخوفه على نفسه من الوقوع في الزنا.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: هل يجوز قول رمضان كريم وما حكم قولها؟

من هنا بعد أن أوضحنا الإجابة على سؤال هل يجوز تعدد الزوجات بدون سبب، يتبين لنا حكمة الإسلام وشمول نظرته في فكرة تعدد الزوجات، فالله أباح التعدد لأنه أعلم بمصالح العباد وما ينفعهم، كما أنه غلفه بشروط وافية حفظًا للمرأة من الجور والظلم، وبناءً عليه يجب أن يراعي كلا الزوجين حدود الله وأوامره في العشرة بالمعروف.

قد يعجبك أيضًا