هل الخلع طلاق بائن أم رجعي بالأدلة الدينية

هل الخلع طلاق بائن أم رجعي؟ وهل يُعد الخلع في حكم طلاق على يد قاضي وفسخ؟ كلاهما من الأحكام التي يجب معرفتها لما يترتب عليها من أحكام أخرى، وفي هذا الموضوع على موقع زيادة سنتناول إجابة الفقهاء على سؤال هل الخلع طلاق بائن أم رجعي وما يترتب عليه.

هل الخلع طلاق بائن أم رجعي

اتفق العلماء على أن الخلع طلاق بائن لا يمكن للرجل أن يرد المرأة مرة أخرى دون رضاها، بل يجب عليه عقد ومهر جديدين.

في هذا قال صاحب (تحفة الحبيب على شرح الخطيب): “(وتملك المرأة) المختلعة (به نفسها)، أي بضعها الذي استخلصته بالعوض، (ولا رجعة له عليها) في العدة لانقطاع سلطنته عليها بالبينونة المانعة من تسلطه على بضعها (إلا بنكاح)، أي بعقد (جديد) عليها، بأركانه وشروطه المتقدم بيانها في موضعه”

لكن كان الاختلاف على أن الخلع هل هو يعتبر طلقة أم يعتبر فسخًا، ويترتب على هذا أنه:

إذا تم اعتبار الطلاق فسخًا للعقد؛ فيمكن للزوج أن يرد زوجته مرة أخرى بعقد ومهر جديدين وبرضاها ولا يخصم من عدد الطلقات؛ فإذا كان الزوج لم يطلقها قبلًا وقامت بخلعه فتكون في تلك الحالة معه على ثلاث طلقات، وإذا كان قد طلقها مرتين قبًا وردها من ثم خلعته فتحل له مرة أخرى دون أن تتزوج بآخر زواج صحيح ويطلقها.

بينما إذا تم اعتبار الخلع طلاق كان للزوج أن يرد زوجته مرة أخرى بعقد جديد ومهر وبعض رضاها لكن يتم احتساب طلقة؛ فإذا كام لم يطلقها قبلًا وخلعته وردها مرة أخرى فتكون معه على طلقتين، وإذا كان قد طلقها مرتين قبًا وردها من ثم خلعته فلا تحل له مرة أخرى دون أن تتزوج بآخر.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: رد يمين الطلاق وقت الغضب ما هو حكمه؟

الخلع طلاق أم فسخ

اختلف الفقهاء إلى قولين في هذه المسألة هما:

الرأي الأول: الخلع يُعد طلاق

يرى أصحاب هذا الرأي أن الخلع يُعتبر طلاق وهم جمهور العلماء، فقال:

  • السرخسي الحنفي في (المبسوط 5/ 32): “والخلع تطليقة بائنة عندنا”.
  • ابن عبد البر المالكي في (الكافي في فقه أهل المدينة): “الخلع ليس بفسخ عند مالك، وإنما هو طلاق بائن”.
  • قال أبي حسن الماوردي البصري الشافعي في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي): “أنه طلاق بائن بكل حال”.

دليل الرأي الأول

استدل أصحاب هذا الرأي بحديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: ” أنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بنِ قَيْسٍ أتَتِ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ، ما أعْتِبُ عليه في خُلُقٍ ولَا دِينٍ، ولَكِنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ في الإسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَرُدِّينَ عليه حَدِيقَتَهُ؟ قالَتْ: نَعَمْ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً” (صحيح البخاري 5273)

وجه الدلالة هنا أنه لو لم يكن لن يلزم النبي به الرجل لأن ذلك يترتب عليه أحكام أخرى.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: متى لا تحسب الطلقة وأنواع الطلاق

الرأي الثاني: الخلع يُعد فسخ

أصحاب هذا الرأي بعض الحنابلة وقول قديم للشافعية فمن أقوالهم:

  • المداوي الحنبلي في (لإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 8/ 392) قال: “الصحيح من المذهب أن الخلع فسخ؛ لا ينقص به عدد الطلاق، بشرطه الآتي، وعليه جماهير الأصحاب… وهو من مفردات المذهب”
  • الإمام النووي الشافعي في: (روضة الطالبين وعمدة المفتين 7/ 375) قال: “والقديم أنه فسخ لا ينقص به العدد، ويجوز تجديد نكاحها بعد الخلع بلا حصر… ورجح الشيخ أبو حامد وأبو مخلد البصري القديم”

دليل الرأي الثاني

استدل أصحاب الرأي هذا بقول الله تعالى في سورة البقرة: “الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)”

وجه الاستدلال في هذه الآية هو أن الله تعالى قال (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) ثم بعد ذلك ذكر الاقتداء مقابل المال، على هذا فإذا كان الافتداء من الطلاق لكان حكم الطلاق الذي لا تحل فيه المرأة لزوجها هو الطلاق الرابع وهذا مثبت خطأه؛ واستدل بذلك ابن عباس رضي الله عنه كما قال ابن قدامة في (المغني من مستودعات الفقه الحنبلي 8/ 181)

كما أنهم استدلوا بحديث الربيع بنت معوز بن عفراء قالت: “اختلَعتُ مِن زَوجي، ثمَّ جئتُ عثمانَ، فسألتُ: ماذا علَيَّ منَ العِدَّةِ؟ فقالَ: لا عِدَّةَ علَيكِ، إلَّا أن يَكونَ حديثَ عَهْدٍ بِكِ، فتمكُثينَ عندَهُ حتَّى تحيضينَ حَيضةً، قالَت: وإنَّما تبِعَ في ذلِكَ قضاءَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في مريمَ المغاليَّةِ، وَكانت تحتَ ثابتِ بنِ قَيسٍ، فاختلَعتْ منهُ” (صحيح ابن ماجة 2085).

وجه الاستدلال هنا هو أنه لو كان الخلع مثل الطلاق لأمرها الرسول صلى الله عليه وسلم أن تعتد بثلاث حيضات عدة المطلقة ثلاث قروء وبهذا قال الصنعاني في (سبل السلام 5/ 134) نقلًا عن الخطابي ” في هذا أقوى دليل لمن قال: إن الخلع فسخ”

لكن الرأي الأول هو الأصح، فالخلع طلقة بائنة تُحسب من عدد الطلقات للزوجين، ويجب على الزوجين في تلك الحالات الخاصة إذا أرادا إصلاحًا أن يستفتون دار الإفتاء الأقرب في بلدهم.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: شروط العقد الجديد بعد الطلاق وأشكال الرجعة

الخلاصة في 5 نقاط

مما ذكر سابقًا في إجابة سؤال هل الخلع طلاق بائن أم رجعي، نستخلص ما يلي:

  1. انقسمت إجابة السؤال على طرفين، العلماء والحنابلة.
  2. يرى الحنابلة أن الخلع يُعد فسخًا.
  3. قال العلماء أن الخلع يعتبر طلاق بائن.
  4. الأصح في أقوال الفقهاء أن الخلع يعتبر طلاق وليس فسخ فيتم حسابه من عدد الطلقات المتاحة للزوجين.
  5. بعد الخلع لا يحق للزوج أن يرد زوجته إلا بعد عقد ومهر جديدين وموافقة الزوجة، إلا لم يكن قد استنفد عدد الطلاق.
قد يعجبك أيضًا