الحياة السياسية في العصر الجاهلي

الحياة السياسية في العصر الجاهلي لم تكن على خير حال مقارنًة بالوضع السياسي الحالي، فهي كانت تتميز بنظام القبيلة الذي ساد في هذه الفترة الزمانية.

يعتبر العصر الجاهلي من العصور التاريخية الهامة، فمن الضروري تسليط الضوء على هذا العصر بشكل متكامل؛ حتى يتم فهم طبيعة الحياة السياسية في العصر الجاهلي، وهذا ما سنكشفه بوضوح من خلال الموضوع التالي في موقع زيادة.

الحياة السياسية في العصر الجاهلي

كانت الحياة السياسية غامضة بدرجة كبيرة في العصر الجاهلي، إلا إن المؤرخون أرجحوا هذا السبب إلى الأمية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ولكن هذا لا يعنى إنه لم يتم تسجيل الحياة السياسية في العصر الجاهلي.

كما نجد أيضًا أن العصر الجاهلي يختلف عن بقية الحضارات الإنسانية الأخرى كالحضارة الفرعونية والحضارة السومرية والحضارة الرومانية واليونانية، فحضارة هذا العصر كانت فقيرة بدرجة كبيرة.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: علماء العرب في العصر الحديث

تعريف العصر الجاهلي

ينظر إلى العصر الجاهلي بأنه الفترة الزمنية التي سبقت ظهور الإسلام، أي قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كما سعى المؤرخون إلى تحديد هذه الفترة بما يقارب مئة وخمسين عامًا قبل الإسلام، وقد تم إطلاق مصطلح “الجاهلية” أو “الجاهلي” على هذه الفترة بعد ظهور الإسلام.

يرجع سبب تسمية هذا العصر بالجاهلي نسبًة إلى الجهل الكبير الذي انتشر بين العرب في هذه الفترة، هذا بجانب الصراعات والنزاعات القبلية.

كما أن العرب في هذه الفترة اهتموا بعبادة الأصنام التي صنعتها أيديهم كصنم هُبل واللات والعزّى ومَناة، ومن العرب من عَبَدَ النار.

كما نجد أيضًا أن منهم من عبد الشمس والقمر، إلا إننا نجد قلة منهم من عبد الله تعالى على ملة إبراهيم عليه السلام.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: الغزل الصريح في العصر الجاهلي والعباسي

حياة العرب في العصر الجاهلي

عاش العرب حياة قبلية قائمة على النزاعات والثارات والحروب في العصر الذي سبق الإسلام، حيث كانوا قومًا أهل جاهلية تأخذهم حميتهم ونزعتهم القبلية إلى سفك الدماء، فاهتموا كثيرًا بشن الحروب أعوامًا وعقودًا مما انعكس هذا على الحياة السياسية في العصر الجاهلي لديهم.

خير أدلة على هذه الحروب نجد حرب البسوس وحرب داحس والغبراء، كل هذا خير دليل على همجية حياة العرب قبل الإسلام، هاتان الحربان اللتان استمرتا سنوات طوال من القتال والدم بين القبائل العربية لأسباب سخيفة ساذجة.

حيث كانت القبيلة هي نمط المعيشة لدى العرب في العصر الجاهلي، وكانت هذه القبائل البدوية تعيش في داخل الصحراء خلف مصادر الماء والعشب، كما كانوا يتخذون الخيام مسكن لهم في الصحاري وكان طعامهم الحليب والتمر، ويعتمدوا على الإبل في ترحالهم وقوافلهم المختلفة.

هذا لا يعنى أن النظام السائد كان في غاية التدهور والتخلف، بل نجد إن هناك العديد من المدن الحضرية التي سكن بها الناس بصفة خاصة التجار والمزارعون مثل مكة ويثرب والطائف ومدن اليمن والغساسنة والحيرة.

حيث كان سكان المدن يعيشوا في بيوت حجرية ويرتدوا ملابس فاخرة، وكان شرابهم الحليب والخمر وطعامهم اللحم ويستخدموا آنية الفضة والذهب.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: الشعر في العصر الأموي

طبيعة الحياة السياسية في العصر الجاهلي

كانت الحياة السياسية في العصر الجاهلي غير مستقرة وغير معروفة بشكل كبير، ويرجع هذا إلى أن تاريخ العرب في الجاهلية لم يدون بسبب الأمية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.

كما كانت العلاقات بين الممالك العربية التي حكمت أرجاء شبه الجزيرة العربية علاقات اقتصادية سياسية، فمملكة سبأ التي كانت في الجنوب كانت على وفاق سياسي إلى حد ما مع مملكة حضرموت في الشمال.

إلا إن هذه العلاقات الكائنة بين بعض الممالك لم تكن كافية لبسط الهدوء التام بين ممالك الجزيرة العربية، ففترة الجاهلية كانت فترة مليئة بالحروب والنزاعات بين القبائل العربية من جهة وبين الممالك العربية من جهة أخرى.

فمن الحروب التي قامت في الجاهلية حروب ملك حمير مع المناذرة، وحروب الحميريين التي شنها على شمال شرق الجزيرة العربية، كما إن هناك مجموعة من الممالك الجاهلية انهارت قبل الإسلام، مثل مملكة حمير التي انهارت عام 525م، ومملكة الغساسنة التي انهارت عام 583م، ومملكة المناذرة التي انهارت عام 609م.

أيضًا نجد في نظام الحياة السياسية في العصر الجاهلي توافر عدد كبير من جماعة الصعاليك، وهم مجموعة من الرجال الشعراء الذين ثاروا على عادات وتقاليد قبائلهم الجاهلية وهربوا واختبأوا في البوادي.

حيث أتخذ الصعاليك سلوك شن الغارات على القوافل حرفة ورزقًا، ومن أمثلتهم الشاعر الشنفري وعروة بن الورد وغيرهم من شعراء الجاهلية المعروفين.

التشكيل السياسي في العصر الجاهلي

من خلال ما تم ذكره يتضح لنا أن التشكيل السياسي المنظم كان غائبًا في الحياة السياسية في العصر الجاهلي، ربما هذا يرجع إلى حالة الضعف التي كان يعيشها العرب في مكة، خوفًا من أي غزو يهددهم من الامبراطوريات المجاورة لهم من الشمال والجنوب.

كما يرجع أيضًا إلى هيمنة وسيطرة تلك الامبراطوريات على أهم أجزاءها مثل الحيرة والغساسنة واليمن، كما كانت القبيلة العربية بمثابة كيان سياسي تتميز به الحياة السياسية في العصر الجاهلي، فكانت تقوم على تنظيم هرمي يتكون من عدة درجات تتمثل في الشكل التالي:

  • أولًا: سيد القبيلة ألا وهو شيخ القبيلة ورأسها ورئيسها، حيث يأتي الرئيس بطريقة ديمقراطية، وإن لم تكن انتخابات مثلما نجد ذلك في وقتنا الحاضر، إنما اعتمدت على التلقائية في اختيار الشيخ.
    حيث كان الاختيار يأتي عن طريق توفر مجموعة صفات فيه مثل السخاء، والنجدة، والصبر، الحلم، التواضع، والبيان، ومع أهمية العصبية في الاختيار إلا إن الصفات الشخصية كانت هي الأساس.
  • ثانيًا الملا أو مجلس القبيلة، وهم أشراف القوم وسادتهم وهم علية القوم وذوي الرأي، وأهل الحل والعقد.

كان العرب في شبه جزيرة يذهبوا إلى سيد القبيلة لطلب الرأي في الأمور المهمة كقضايا السلم والحرب، كما كان سادات القبائل يجتمعون للنظر في أمر اختيار رئيس جديد إذا مات رئيسهم وليس له توريث.

من خلال كل ما سبق يتضح أن هناك تنظيم سياسي متوافر في الحياة السياسية في العصر الجاهلي، وإن كان بشكله البسيط المقتصر في إطار القبيلة، إضافة إلى أن مسألة اتخاذ القرار وممارسة الحكم كانت هرمية.

حيث كانت تقوم على اختيار سادات القوم وعليته في اتخاذ قرار مصير القبيلة، وبالتالي فإن سمات التمايز والطبقية حاضرة بقوة بين عِلية القوم وبين عامة أفراد القبيلة.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: لمحة عن العصر الجاهلي

طبيعة الحياة الدينية في العصر الجاهلي

يحفل العصر الجاهلي بالعديد من الأديان، إلا إن معظمها كان يتمثل في الوثنية، حيث انتشرت الوثنية بشكل كبير في كافة أنحاء شبه الجزيرة وتمثلت في الآتي:

كان هناك وثنيين يعبدون الأصنام بعدما فقدوا كل تعاليم الأنبياء الذين بعثهم الله تعالى عند العرب، كنبي الله هود وصالح عليهما السلام، كما أن العرب تركوا تعاليم نبي الله إبراهيم -عليه السَّلام- أب العرب المستعربة الذين كانوا يشكلون القسم الأكبر من العرب في الجاهلية.

هذا بالإضافة إلى إشارة بعض الروايات إلى أن بعض العرب كانوا يدينون بالمسيحية دين الإمبراطورية الرومانية التي كانت في بلاد الشام والتي اتبعها عدد من قبائل العرب، وخير دليل علي ذلك نصارى نجران.

كان أيضًا هناك مجموعة من العرب اليهود أبرزهم من كان في يثرب وفي شمال الجزيرة العربية والحنيفية لكن بشكل قليل، ومنهم من دان بديانة الفرس المجوسية وعبدة النار.

طبيعة الحياة الاقتصادية في العصر الجاهلي

نجد إن اقتصاد الجزيرة العربية كاملًا كان يعتمد بشكل كبير على التجارة، هذا بالإضافة إلى الزراعة وتربية المواشي من الإبل والغنم والخيول، كما كانت قريش مركز التجارة العربية كاملًة بسبب موقعها وبسبب قصد العرب مكة للحج، فكانت مركزًا دينيًا وتجاريًا هامًا.

فقد كانت قوافل قريش تتجه في الصيف نحو الشام ومصر وسيناء، وفي الشتاء تتجه نحو اليمن سالكة الطريق المحاذي لساحل البحر الأحمر، أما القبائل العربية فقد كانت كثيرة الترحال بحثًا عن الماء وما ترعاه الماشية على الأرض من عشب أو نبات رطبًا كان أو يابسًا في كافة أنحاء الجزيرة العربية.

.يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ما هو ملك اليمين في عصرنا الحالي

طبيعة الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي

يمتاز العرب بحياة اجتماعية مميزة بالرغم من فقر حضارتهم وتخلفهم مقارنًة بالحضارات الأخرى التي كانت سائدة في زمنهم هذا، كذلك فقرهم في الجوانب العلمية والثقافية كان يؤثر بشكل كبير على الحياة لديهم، لذلك كان الكثير منهم يسافر عبر العالم ليجمع مختلف الصناعات والتطورات المختلفة ويعود بها مرة أخرى لديهم.

كذلك أيضًا كان الكثير من دول العالم الآخر تأتي إليهم لعرض تجارتهم، ويرجع السبب الرئيسي وراء استمرارية قدومهم هو أخلاق العرب من كرم ووفاء بالعهد وعزة النفس والشجاعة وعدم القبول بالظلم.

كما إن هناك بعض العادات الخاطئة السائدة في العصر الجاهلي حيث كانت قيمة الناس في العصر الجاهلي بحسب نسبهم، وكانت القوة تُقاس بكثرة الرجال.

فمن ولد في قبيلة كثيرة الرجال فقد كان عزيزًا منيعًا بين الناس بقومِه، أما من وُلد في قبيلة قليلة العدد فهو حرٌّ ولكنَّه ليس عزيزًا كأفراد القبائل القوية، فلا يجرؤ على التعرض لأحد رجال القبائل القوية الأخرى.

هذا بالإضافة إلى انتشار العبيد في العصر الجاهلي انتشارًا كبيرًا، ويرجع ذلك بسبب زواج العرب من الإماء والعبيد وهم الطبقة المنحطة بين الطبقات في المجتمع العربي في العصر الجاهلي.

كان العبيد في العصر الجاهلي لا حقوق لهم أبدًا، وإنَّما يتم استغلالهم من قبل أسيادهم استغلالًا ظالمًا في كافة الأعمال التي لا يعملها أصحاب النسب وأصحاب الطبقة الرفيعة في المجتمع، أمَّا عن المرأة فهي كان ينظر إليها نظرة دونية وتعدها أقل منزلة من الرجال، حتَّى انتشر الوأد بين العرب.

حيث كان الرجل يدفن ابنته وهي حية عندما يُبشَّر بمولود أنثى، فكان الذكر مفخرة لأبيه وكانت الأنثى مذلة ومنقصة، وهذه من العادات التي تدل على جاهلية العرب وهمجيتهم في تلك الفترة أيضًا.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: العصور القديمة ما قبل التاريخ

طبيعة الحياة الأدبية في العصر الجاهلي

يعد الأدب العربي في العصر الجاهلي أقدم نتاج أدبي عربي معروف، حيث انشتر الأدب العربي في العصر الجاهلي في منطقة شبه الجزيرة العربية.

لذلك تأثّر الأدب بالأحوال السياسية والتجارية التي مرت بها الجزيرة العربية، فلقد جاء تسمية الأدب الجاهلي بهذا الاسم من حال العرب في تلك الفترة الزمنية.

حيث حكمت بينهم العصبية القبلية، وهذا ما ذكرناه في طبيعة الحياة السياسية في العصر الجاهلي، كما شاعت بينهم عادات تدل على تفشي الجهل في المجتمع في ذلك العصر، كوأد البنات والنزاع والحروب والثارات وغيرها.

من خلال مما سبق نجد إن الشعراء ينطقوا بأشعارهم من خلال ما يعاشونه في أرض الواقع، وعلى سبيل المثال لا الحصر:

  • قول الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم يفسر المطلوب، فقد قال: ألا لا يجهلـن أحد علينا فنجهل فـوق جهلِ الجاهلينا.

الجدير بالذكر هنا أن الأدب العربي في العصر الجاهلي كان أدبًا عظيمًا خالدًا، فقد ارتقى الشعر كما ارتقت الخطابة في ذلك العصر، واحتل الشاعر والخطيب مكانة عظيمة عند الجاهليين، حتى بقي شعرهم خالدًا إلى هذه الأيام، ولم يزل محط اهتمام كثير من الدارسين والنقاد للقيمة الأدبية العظيمة التي يحملها هذا الأدب.

قد يعجبك أيضًا