مدينة الناصرة في فلسطين

مدينة الناصرة في فلسطين هي أكبر مدينة عربية فلسطينية، وهي عروس الجليل الأدنى في شمال فلسطين، كما أنها واحدة من أكثر المدن المسيحية المقدسة على وجه الأرض، فهي مركز للأضرحة المسيحية وموطن للعديد من الأديرة والكنائس ذات الأهمية والمكانة الخاصة في العقيدة المسيحية، مع العديد من الأضرحة التي تُحيي ذكرى الأحداث التوراتية، ومن خلال موقع زيادة سنتحدث عن مدينة الناصرة في فلسطين وبعض المعلومات الخاصة بها.

مدينة الناصرة في فلسطين

تعتبر مدينة الناصرة من أهم المدن التاريخية في فلسطين، علاوةً على كونها مركز ثقل إداري وثقافي خاص بعرب فلسطين، وهي الناصرة، أو النيرة العربية، النيرات العبرية، يقطنها عرب فلسطين ذات الأغلبية المسلمة والأقلية المسيحية، وهي المنطقة الحضرية الوحيدة التي يسكنها أكثر من 50 ألف نسمة، منهم نسبة 41% من اليهود، ولكن في معظم فترات الانتداب البريطاني على فلسطين كانت الأغلبية في المدينة مسيحية بينما الأقلية من المسلمين.

حاليًا لا تزال الناصرة تضم عددًا كبيرًا من السكان المسيحيين، ممن يتألفون من طوائف مختلفة، كما زاد عدد السكان المسلمين بسبب العوامل التاريخية التي تشمل المدينة التي كانت بمثابة مركز إداري تحت الحكم البريطاني، وتدفق العرب الفلسطينيين النازحين داخليًا الذين تم استيعابهم في المدينة من البلدات المجاورة خلال حرب فلسطين.

المعالم الأثرية في مدينة الناصرة

توجد في مدينة الناصرة عدم معالم بارزة، جعلتها من المدن المميزة في فلسطين، ومن أكثر المدن قداسة، ومن أبرز هذه المعالم ما سنشير إليه عبر السطور المقبلة:

كنيسة البشارة

تم بناء الكنيسة في عام 1630م فوق موقع بيت السيدة مريم العذراء، لتعتبر من أهم عوامل الجذب في الناصرة كنائسها العديدة، وربما تكون كنيسة البشارة الرومانية الكاثوليكية هي الأكثر شهرة، ففيها مغارة البشارة، حيث بشارة للسيدة مريم العذراء بميلاد السيد المسيح عيسى -عليه السلام-.

إلى جانب ذلك فتحتوي المغارة على جزء من أرضية فسيفساء يعود تاريخها إلى القرنين الخامس والسادس، وكنيسة البشارة هي أكبر دار عبادة مسيحية في الشرق الأوسط.

الجامع الأبيض

كان أول مسجد يتم إنشاؤه في مدينة الناصرة في فلسطين، ليكون دارًا للصلاة والعبادة عند المسلمين، وليكون منطلقًا وأساسًا للفكر والعقيدة الإسلامية والذي أصبح بمرور الوقت واحدًا من أهم المراكز الدينية والثقافية في مدينة الناصرة، ولا يقتصر المسجد على الأمور الدينية فقط، بل كان بمثابة مدرسة تعليمية وثقافية، علاوةً على وجود متحف صغير بداخل المسجد يضم المستندات النادرة.

كما كان تأسيسه في عهد أحمد باشا الجزار حاكم عكا، في عام 1785م، وفي السنوات الأخيرة، تم ترميم المسجد وإدخال بعض التحسينات على مظهره الخارجي.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: أين تقع غزة في فلسطين

عين العذراء

في الحديث عن مدينة الناصرة في فلسطين نشير إلى ينبوع الماء الموجود في مدينة الناصرة، وهو المعروف باسم عين العذراء، وسُمي بذلك الاسم نسبةً إلى السيدة مريم العذراء؛ لأنها كانت تشرب الماء منه، وتم بناء الكنيسة الأرثوذكسية فوق عين العذراء في عهد الصليبيين.

الاكتشافات الأثرية في مدينة الناصرة

كشف الباحثون الأثريون أن مركز الدفن والعبادة في كفر هحوريش، على بعد حوالي 3 كيلو متر من الناصرة الحالية، يعود إلى ما يقرب من 9 آلاف عام إلى ما قبل العصر الحجري الحديث، كما تم العثور على رفات مدفونة تحت هياكل حجرية أفقية ضخمة يتكون بعضها من 3 أطنان من الجبس الأبيض المنتج محليًا.

كما تم الكشف عن جماجم بشرية مزخرفة قادت علماء الآثار إلى تحديد كفر هحوريش كمركز عبادة رئيسي في ذلك العصر، حيث قام مدير علم الآثار المسيحي ـ باجاتي بعمل استكشافات واسعة النطاق في مدينة الناصرة، تلك المنطقة المُبجلة عند المسيحيين من عام 1955م وحتى 1965م، واكتشف أواني فخارية تعود إلى العصر البرونزي الوسيط قبل الميلاد، وخزفيات وصوامع وطواحين من العصر الحديدي، مما يشير إلى وجود استقرار كبير في مدينة الناصرة في ذلك الوقت.

مدينة الناصرة في العهود المختلفة

إن فلسطين بشكل عام تعتبر مطمعًا للغزاة، لكونها موقعًا استراتيجيًا هامًا رابطًا بين قارتي آسيا وإفريقيا، وبها عدة مدن ذات أهمية عظيمة، والتي نذكر منها مدينة الناصرة في فلسطين التي شهدت أحداثًا تاريخية متنوعة.

في عهد الصليبيين

نشير إلى أنه لم يكن للفتح العربي الإسلامي أي تأثير مباشر على مسيحيي الناصرة وكنائسهم، لكن أثناء الحروب الصليبية، دارت نزاعات مريرة في مدينة الناصرة، عندما استولى الصليبي النورماندي الصقلي تانكرد على منطقة الجليل في عام 1099م، فنصب نفسه أميرًا للجليل وكانت العاصمة هي الناصرة.

بعد طرد الصليبيين النهائي من فلسطين في عام 1291م، تضاءل حجم النفوذ المسيحي في مدينة الناصرة، ولكن عندما استولى الأتراك العثمانيون على فلسطين في القرن السادس عشر الميلادي، قاموا بطرد جميع المسيحيين من المدينة، حتى عهد أمير لبنان ـ فخر الدين الثاني، سُمح للمسيحيين بالعودة إلى الناصرة، ليشكل العرب المسيحيون حوالي ثلث السكان في المدينة.

في عهد المماليك

في عام 1263م، دمر السلطان المملوكي بيبرس المباني المسيحية في الناصرة، وأعلن أن الموقع محظور على رجال الدين اللاتينيين كجزء من محاولته لطرد بقية الصليبيين من فلسطين، بينما استمرت العائلات العربية المسيحية في العيش في الناصرة، وتم تقليص مكانتها لتصبح كقرية فقيرة، وفي القرن الرابع عشر سُمح للرهبان الفرنسيسكان بالعودة والعيش داخل أنقاض الكاتدرائية.

في عهد ظاهر العمر

عاد الاستقرار مع حكم ظاهر العمر، وهو شيخ عربي قوي حكم الجليل، فحوّل الناصرة من قرية صغيرة إلى بلدة كبيرة بتشجيع الهجرة إليها، ولعبت الناصرة دورًا استراتيجيًا في مشيخة الظاهر لأنها سمحت له بالسيطرة على المناطق الزراعية في الجليل الأوسط، كما عمل على ضمان أمن الناصرة لأسباب أخرى، من بينها تعزيز العلاقات مع فرنسا من خلال حماية المجتمع المسيحي.

كما سمح ظاهر للفرنسيسكان ببناء كنيسة في عام 1730م، واستمر هذا الهيكل حتى عام 1955م، عندما تم هدمه لإفساح المجال أمام مبنى أكبر اكتمل بناؤه في عام 1967م، كما أنه سمح للفرنسيسكان بشراء كنيسة الكنيس، وسمح للطائفة الأرثوذكسية اليونانية ببناء كنيسة القديس جبرائيل عام 1767م.

الجدير بالذكر أنه تم الاستيلاء على مدينة الناصرة في فلسطين مؤقتًا من قِبل قوات نابليون بونابرت في عام 1799 أثناء حملته في سوريا، وزار نابليون الأماكن المقدسة وفكر في تعيين الجنرال ـ جان أندوش جونو دوقًا للناصرة.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: تاريخ مدينة الخليل في فلسطين

فترة الانتداب البريطاني

سيطرت المملكة المتحدة على فلسطين في عام 1917م، وهو نفس العام الذي صدر فيه وعد بلفور، والذي وعد بدعم بريطانيا لتأسيس وطن لليهود في فلسطين، وكانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين تتزايد، فعارض ممثلو الناصرة الحركة الصهيونية، وأرسلوا وفدًا إلى المؤتمر العربي الفلسطيني الأول لعام 1919، ومن ثم أصدروا خطاب احتجاج أدانوا فيه الحركة.

أما على المستوى السياسي أصبحت الناصرة أكثر انخراطًا في الحركة الوطنية الفلسطينية المتنامية، وفي عام 1922م ثبُتَ صعوبة تأسيس جبهة دينية عربية فلسطينية موحدة وفعالة، كما تم إنشاء منظمات بديلة مثل: منظمة الشباب المسلم التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي والرابطة الإسلامية الوطنية في الناصرة في وقت لاحق في عشرينيات القرن الماضي.

بحلول نهاية عام 1922م، كان هناك 58 يهوديًا وعائلات يهودية تعيش في الناصرة، وكانت الناصرة بطيئة نسبيًا في التحديث، ففي حين أن مدن فلسطينية أخرى لديها بالفعل كهرباء سلكية، أخرت الناصرة تزويدها بالكهرباء حتى الثلاثينيات واستثمرت بدلًا من ذلك في تحسين نظام إمدادات المياه.

شمل ذلك إضافة خزانين في التلال الشمالية الغربية وعدة صهاريج جديدة، وبحلول عام 1930 تم إنشاء كنيسة للطائفة المعمدانية وحديقة بلدية في بئر مريم ومركز للشرطة في سرايا ظاهر العمر، وتوسع حي الشرقية المسلم.

مدينة الناصرة في فترة الثورة العربية

كان لمدينة الناصرة دورًا يُذكر في أثناء فترة الثورة العربية 1936م وحتى 1939م، حيث ساهم بعضًا من القائدين بها كنشطاء متمردين، علاوةً على قيام قادة الثورة العربية باستخدام الناصرة كنقطة انطلاق للاحتجاج على الاقتراح البريطاني بإدراج منطقة الجليل في دولة يهودية.

مدينة الناصرة أثناء حرب فلسطين

على الرغم من خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة عام 1947م، إلا أنه كانت المدينة جزءًا من المنطقة المحددة للعرب الفلسطينيين، ولكن احتلها الجيش الإسرائيلي عام 1948م جراء حرب فلسطين وضمها إلى الدولة الإسرائيلية.

كما وقع معظم القتال حول الناصرة في القرى التابعة لها، ولا سيما في صفورية، التي قاوم سكانها حتى تفرقوا إلى حد كبير في أعقاب الغارات الجوية الإسرائيلية، وفي النهاية استسلمت الناصرة للقوات اليهودية حتى لا يتم تدميرها أو إلحاق الأذى بالمدنيين.

من الخمسينيات إلى الستينيات هيمنت على شؤون الناصرة عدة قضايا مثل: مصادرة الأراضي، واللاجئين المشردين داخليًا، ومصاعب الأحكام العرفية، بما في ذلك حظر التجول والقيود على السفر، وكانت الجهود المبذولة لحل هذه القضايا غير ناجحة إلى حد كبير، وأدت إلى انتشار الإحباط بين السكان؛ مما ساهم بدوره في إثارة الاضطرابات السياسية في المدينة.

فترات رواج وكساد مدينة الناصرة

في أواخر القرن التاسع عشر والسنوات الأولى من القرن العشرين، ازدهرت الناصرة حيث خدمت دور مركز سوق لعشرات القرى العربية الريفية الواقعة في محيطها، وكان الفلاحون المحليون يشترون الإمدادات من أسواق الناصرة المفتوحة، والتي تضمنت أسواقًا منفصلة للمنتجات الزراعية، والأعمال المعدنية، والمجوهرات، والجلود.

أما في عام 1914م، كان هناك في المدينة تسع كنائس وديران وأربعة أديرة ومسجدان وأربعة مستشفيات وأربع مدارس خاصة ومدرسة عامة، بالإضافة إلى مركز شرطة وثلاثة دور للأيتام وفندق وثلاثة نزل ومطحنة وثمانية أسواق.

عندما فقد العثمانيون السيطرة على فلسطين، بما في ذلك الناصرة لقوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى، وبحلول ذلك الوقت تراجعت أهمية الناصرة بشكل كبير، حيث تم استبدال معظم القرى العربية في وادي يزرعيل بالمجتمعات اليهودية المنشأة حديثًا.

بينما بحلول عام 1946م، تم توسيع الحدود البلدية للناصرة وأنشئت أحياء جديدة وما زالت البلدة بها وفرة من البساتين والحقول الزراعية، كما تم إنشاء مصنعي سجائر ومخزن للتبغ ودور سينما ومصنع بلاط، الأمر الذي أدى إلى تعزيز اقتصاد الناصرة بشكل كبير.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: بحيرة في فلسطين

قدمنا لكم في السطور السابقة بعض المعلومات عن مدينة الناصرة في فلسطين، إلى جانب ذلك فقد أشرنا إلى أهم معالمها الأثرية والأحداث التاريخية فيها في العصور المختلفة، وعليه فإنها تُعد واحدة من أهم الجهات الفلسطينية المناضلة في القرن الحادي والعشرين، ونرجو ان نكون قد قدمنا لكم الإفادة المرجوة.

قد يعجبك أيضًا