مناهج البحث في علم النفس

مناهج البحث في علم النفس فإنه لم يتقدم الإنسان في مجال العلوم المختلفة ولم يستطع القيام بالاكتشافات العلمية التي مثلت له ثورة معرفية على شتى المستويات وفي مختلف المجالات، إلا بعد أن تمرد وتحرر من قيود التفسيرات الخرافية للظواهر النفسية والكونية الغير مفهومة، والتي كانت تقيد تفكيره وتحد من شغفه وفضوله العلمي، وكان الانطلاق الحقيقي نحو العلم والمعرفة والاستكشاف هو اتباع طرق البحث العلمي والسير على  قواعده كوسيلة وغاية للوصول للحقائق العلمية التي صنعت فارقًا جوهريًا في حياة الانسان.

وكغيره من المجالات فإن مجال الدراسات النفسية يتطلب السير على منهجية علمية في البحث واستكشاف الحقائق والتعرف على اشكاليالت العقل البشري والنفس البشرية وأسرارهما وخفاياهما التي حيرت الانسان على مدار عصور تاريخية طويلة، ولذلك فسنوضح لكم عبر موقع زيادة العلاقة بين علم النفس ومناهج البحث العلمي، وأهم مناهج البحث في علم النفس.

البحث العلمي وعلاقته بعلم النفس

مناهج البحث في علم النفس

البحث في اللغة هو التقصي والتفتيش وطلب الوصول إلى شيء ما، وكلمة علمي  تعني أن هذه الوسائل في طلب الوصول للحقيقة متعلقة بالعلم الذي هو الدراية والمعرفة، وأن البحث ينبغي أن يخضع لشروط ومقاييس محددة لا أن يتم بصورة عشوائية.

ومن ثم فإن البحث العلمي هو عبارة عن عملية تقصي ممنهجة تتم وفقًا لأساليب علمية محددة  بهدف الوصول إلى بعض الحقائق العلمية أو الكشف عن مدى صحتها، أو إجراء أي تعديل أو تنقيح لها أو إضاقة جديد عليها.

المقصود بمناهج البحث

كلمة مناهج البحث تعني الطرق والأساليب التي يسلكها الباحث في جمع معلوماته واستخلاصها، ومن الجدير بالذكر أن تلك الطرق متنوعة ومختلفة وذلك نظرًا لتنوع واختلاف الظواهر التي هي محل البحث أو الدراسة، والمجالات التي يطرقها الباحث، وهناك الكثير من المدارس والمناهج البحثية التي يمكن للباحث أن يسلكها في سبيل تحقيق الغاية المتفق عليها وهي الوصول إلى الحقيقة العلمية بوصفها الموضوعي  المجرد عن الهوى الشخصي.

كما يمكن تعريف مناهج البحث بصياغة أخرى أكثر وضوحًا وسلاسة  بأنها هي كافة الطرق البحثية التي يسلكها الباحث للوصول إلى النتائج التي يبحث عنها، وهي الطرق القياسية التي تكفل الوصول إلى الحقيقة في المجالات العلمية المختلفة، وذلك في سياق عام لمجموعة من القواعد والقوانين الملزمة للباحث، ومنها الزام البحث بعدم التصريح برأيه الشخصي  إلا بشرط استناده لأراء قيمة وتعزيزه  بمعطيات قوية، كما  يؤسس لمبدأ أن كل الأراء والنظريات العلمية قابلة للنقاش وللأخذ والرد، فلا توجد حقيقة واحدة مطلقة أو ثابتة، فكل حقيقة تتأثر بعدة متغيرات زمانية ومكانية وجوهرية، بالإضافة إلى الزام الباحث بالدقة وتحري الثقة في المصادر أو المراجع التي يستقي منها أطروحاته في البحث.

وقد مرت  مناهج البحث بمراحل مختلفة في تصنيفها، وهنا سيتم تناول المناهج البحثية في علم النفس وفقًا للتصنيفات القياسية والأساسية، مما يعني أنه قد توجد تصنيفات أخرى كثيرة ومتعددة.

أهمية البحث العلمي

تمثل البحوث الطريقة المنظمة لتطوير المعرفة، وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الموارد المتاحة، غير أن هناك أهمية كبيرة للبحوث وجدوى كبيرة للباحثين فالبحث العلمي يرضي الشغف المعرفي وحب الاستطلاع لدى الباحث، فضلًا عن المتعة الشخصية التي يستشعرها الباحث في رحلته البحثية والتي لا تخلو منها أي مرحلة فهو يشعر بالشغف أثناء عملية البحث ويشعر بالانجاز عند الوصول إلى اكتشاف ما يسعى إلى اكتشافه.

كما يمثل البحث العلمي حالة من الشحذ العقلي والعصف الذهني المستمر، فضلًا عن كل ذلك فالبحث العلمي وما يقود إليه من النتائج الكشفية المؤثرة وسيلة لإحداث تغييرات على مستوى الحياة المعرفية  في شتى المجالات ومن ثم التقدم الإنساني وتحقيق مستوى أفضل من الرفاهية والقدرة على التعامل مع الإشكاليات الحيوية.

خطوات المنهج العلمي في البحث

على الرغم من اختلاف مناهج وطرق البحث العلمي في علم النفس وغيره من العلوم إلا أن هناك ضوابط عامة وخطوات ثابتة ومراحل متتابعة يجب أن يمر بها المنهج العلمي ويراعيها، واسقاط بعض  تلك الخطوات يخرجها عن نطاق المنهجية المتبعة والمعمول بها في مجال البحث العلمي ولعل أهم تلك الخطوات بالترتيب ما يلي:

ولمعرفة أفضل مواقع تحتوي على أبحاث علمية مجانية اقرأ هذا الموضوع: مواقع ابحاث علمية مجانية

أولًا: الفرض

الفرض هو المرحلة الأولى التي تبدأ عندما يستشعر الباحث وجود مشكلة تحتاج إلى البحث والدراسة فيبدأ في صياغة تلك الإشكالية على هيئة سؤال محوري كبير ورئيسي يتحرك في فلك الإجابة عنه.

ثانيًا: اختيار  عينة البحث

يبدأ البحث باختيار عينة يتم التعامل معها وتطبيق مناهج البحث المتاحة عليها وإخضاعها للاختبارات أو التجارب أو الملاحظة حتى الوصول إلى النتائج المنشودة.

ثالثُا: التجربة

وفيها يبدأ الباحث باختبار الفرضيات المطروحة أمامه على عينة البحث، واستخدام أدوات القياس التجريببة على العينة ثم دراسة المتغيرات واختبارها مرة بعد مرة حتى الوصول إلى النتائج المؤكدة القبلة للصياغة والتعميم.

رابعًا تحليل النتائج التي تم التوصل إليها

بعد اخضاع عينة البحث للتجربة والملاحظة والخروج بنتائج معينة يبدأ الباحث في تحليل تلك النتائج واستعراض المتغيرات المؤثرة في مسارها، ثم مقارنة تلك النتائج بالفرضيات المبدئية فإما أن تثبت النتائج صحة هذه الفرضيات أو تنفيها، وفي الحالتين يتم صياغة النتائج في قالب علمي قابل للتحثقق والتأكيد والقياس.

خامسًا: الاستنتاج

وهي الخطوة الأخيرة التي تقود إليها الفرضيات واختبارات عينة البحث ثم اعادة التجربة ودراسة المتغيرات وما يربط بينها من علاقة لاختبار صحة أو عدم صحة الفرضيات المطروحة، ثم تحليل النتائج واستنتاج المعلومة الأخيرة و محصلة عملية البحث الذي تم بكل خطواته ومراحله.

وتلك هي خطوات المنهج العلمي في مجملها ويإيجاز والتي تختلف في وصفها وتفاصيلها من منهج بحثي معين إلى منهج آخر.

أما علاقة البحث العلمي وعلم النفس فيمكن القول بأن الانسان الباحث منذ قديم الأزل سلك عدة طرق في التعاامل  والفهم والكشف عن الظواهر النفسية التي أثارت فضوله وشغفه وحيرته، وقد كان يلجأ إلى التفسيرات الماورائية المختلفة لمواجهة عجزه عن إيجاد تفسيرات منطقية تقنع عقله، واستمر هذا الحال حتى بدا للباحث التمرد على تلك القيود وأصبح يتبع طرق مختلفة للبحث العلمي في رصد وفهم مكنونات النفس البشرية وأسرارها الخفية، وكان اللجوء إلى اتباع  مناهج البحث العلمي المنظمة والممنهجة والدقيقة الوسيلة الأكثر فاعلية في رصد الحقائق والملاحظات ومعرفة الأسرار الحقيقية وراء الظواهر الصماء التي يواجهها الباحث.

تعددت الطرق التي سلكها الإنسان لفهم نفسه واكتشاف أسرارها فراح يتبنى التأمل والاستنباط الداخلي لفهم وملاحظة مشاعره الداخلية ورصدها ومن ثم القياس عليها، ولكن اتسمت تلك الطرق بغياب الموضوعية، مما دفعه إلى تبني طريقة الملاحظة الخارجية والتي تعد أكثر موضوعية، ولكن مع التطور العلمي والمعرفي الكبير في شتى مجالات المعرفة انطلق الباحث النفسي إلى ابتكار واستحداث واتباع مناهج وطرق أكثر احترافية وموضوعية في بحثه عن  الحقائق العلمية، وأطلق عليها مسمى “مناهج البحث في علم النفس” وهو ما سنتناوله بالتفصيل في الفقرة التالية.

مناهج البحث في علم النفس

مناهج البحث في علم النفس

تتعدد مناهج البحث في علم النفس وتتنوع، ولكل منهج مؤيديه ومتبعيه ولكن أهم المناهج القياسية التي يتبعها الباحثين في مجال الدراسات النفسية  هي ما يلي:

1- المنهج التجريبي

كما يوحي المسمى فإن المنهج التجريبي هو منهج يعتمد على التجربة العملية الواضحة والتطبيق العملي لكل ما يتم استنتاجه أو التوصل إليه نظريًا، ويعد ضمن أقدم المناهج البحثية وأكثرها دقة  حيث يجعل التحربة والمسشاهدة الفعلية لنتائجها الفيصل في الإشكالية البحثية المطروحة، ويتبنى هذا المنهج بعض الفلاسفة مثل ديفيد هيوم وجون لوك  ويرون أنه الطريقة الوحيدة للمعرفة.

يتميز هذا المنهج بالدقة والوضوح وذلك بفضل الاعتماد بشكل كبير جدًا على الملاحظة العلمية والعملية الدقيقة القائمة على التطبيق والتجريب أكثر من مرة، مما يثبت أو ينفي صحة نتائج نظرية معينة، بل يحول النتيجة المثبتة في النهاية إلى قوانين علمية ثابتة، قابلة للتطبيق والبناء عليها وتعميمها، بعد التأكد التام من فرضياتها.

ومن الجدير بالذكر أن المنهج التجريبي حقق فائدة كبرى وهائلة لكافة المجالات العلمية بوجه عام ولمجال العلوم النفسية بوجه خاص، ولكن على الرغم من أهمية وجدوى المنهج التجريبي للبحث في علم النفس إلا إنه غير كافي ليكون المنهج الوحيد، حيث أن معظم السلوكيات والظواهر النفسية تجريدية ولا يمكن إخضاعها للتجريب والتطبيق المادي، ومن ثم خرج تطبيق المنهج التجريبي عن نطاق المعامل والمختبرات وأصبح يطبق على نطاق إنساني أوسع مثل المنطقة أو المدرسة أو غيره من الإطارات التي تضم كيانات  بشرية متعددة، وأصبح المنهج التجريبي يتمتع بالمرونة التي جعلته يعتمد بشكل أوسع على الملاحظة الموجهة.

وانطلاقًا من كل ما سبق يمكننا تعريف المنهج التجريبي في علم النفس بأنه دراسة موجهة ومقصودة لمجموعة من المتغيرات والعلاقات المركبة، والتي تفسر بواسطة الضبط والتحكم والتجريب.

2- المنهج الذاتي

يأتي المنهج الذاتي المتبع في أبحاث علم النفس ضمن أقدم المناهج البحثية المستخدمة، فقد اتبعها الإنسان في شتى  محاولاته لدراسة السلوك البشري، وقد اعتمد في هذا المنهج على نفسه كمصدر للمعلومات واتخذ من نفسه عينة لإجراء بحثه، فاهتم بمراقبة نفسه وملاحظة سلوكياته وردات فعله، وقد اطلق على تلك الملاحظة اسم الملاحظة الباطنية أو المراقبة الداخلية أو التأمل الباطني، ومن ثم فهذا المنهج يركز على دراسة الشعور الذي يمر به الإنسان ويتأثر به عن طريق متابعة المصادر المتنوعة، فمثلًا حين يوجه بحثه وملاحظاته للظواهر الخارجة عنه مثل البرق والرعد فيقال إنه  باحث في علوم الطبيعة، إما إن وجه ملاحظاته لإستكشاف وإدراك الخواطر والمشاعر كمصدر داخلي لما يبحث عنه فيقال انه باحث في السيكولوجيا.

وعلى الرغم من أهمية هذا المنهج البحثي  في علم النفس إلا إنه يؤخذ عليه الكثير من العيوب ومنها أنه يعتمد على قدرة الفرد في التحليل  والتقدير والوصف والتطبيق والذي يجعل الدقة في البحث والتحليل  نسبية وليست مطلقة، ومن ثم فلا تصلح للتعميم، فضلًا عن هذا فإن الأمور التي يمكن أن تخضع لأجراء البحث بالتأمل الباطني  محدودة جدًا ومن ثم فإنها تعطي  نتائج محدودة أيضًا.

3- المنهج الوصفي

يعني المنهج الوصقي بقضية تقديم وصف حول الظاهرة محل البحث والدراسة، وذلك عن طريق محاولة فهم وتحديد تفاصيلها وجزيئلتها الدقيقة وخصائصها، كما يعتمد بشكل أساسي على قدرة الباحث على صياغة فرضيات بحثه في صورة أسئلة واضحة وإشكاليات محددة، فضلًا عن إدراك كافة محددات البحث، والتي تضم كافة المحددات المكانية والزمانية والإنسانية بالإضافة إلى عينة البحث التي يتم اجراء الدراسة عليها، ويتوقف  نجاح المنهج الوصفي  في الوصول إلى الحقائق العلمية النفسية على استخدام مجموعة من الآليات والاستعانة بعدة أدوات منها الاستمارة ودراسة الحالة والمقابلة والحوار والاستبيان وغيره.

4- المنهج التتبعي

يعني هذا المنهج البحثي بدراسة وتتبع عمليات النمو النفسي الذي يحدث أثناء مراحل عمرية مختلفة من حياة الإنسان عن طريق اختيار مجموعة من الأطفال كعينة للبحث ومن ثم إخضاعهم للاختبارات والتجارب النفسية القياسية، بواسطة الوسائل  أو الأدوات القياسية أيضًا، ويتم ذلك في غضون فترات طويلة نسبيًا وقد تكون على صورة أسبوعية أو شهرية أو كل شهرين أو غيره.

تتضمن تلك المنهجية في البحث تسجيل المتغيرات النفسية والعاطقية التي تطرأ على الأطفال خلال مراحل نموهم المختلفة، مع رصد الظواهر النفسية ومراحل تطورها عند الفرد.

كذلك يستطيع الباحث في هذا المنهج البحثي “التتبعي” إجراء الاختبارات السيكولوجية المختلفة كما يمكنه استخدام الملاحظة والتأمل والمراقية بشكل مباشر.

هذا وتعد طريقة البحث هذه من الطرق المعتمدة والمقبولة علميًا حيث إنها تعطي نتائج دقيقة نسبيًا، ويمكن تعميمها لأنها ثابتة وتظهر من خلال تتبع مسار النمو لفترات طويلة ولعينة عشوائية من الأطفال الأسوياء والأصحاء نفسيصا وعاطفيًا.

وربما تعد دراسة تيرمان المتعلقة بمتابعة التغيرات المؤثرة في ذكاء الأطفال على منهجية البحث  تلك، حيث استطاع من خلال اتباعها دراسة التغيرات التي تؤثر في الذكاء العقلي للأطفال عموما والأطفال الموهوبين خصوصًا، بجانب دراسة كافة مظاهر النمو الأخرى المصاحبة لهؤلاء الأطفال، وذلك خلال المراحل العمرية المختلفة  والتي تبدأ من مراحل الطفولة المبكرة ورياض الأطفال وتمر بكافة المرحال الأخرى  انتهاء بمرحلة الشباب والنضج والتي تتزامن مع مرحلة الدراسات العليا، وتشمل ظواهر النمو المختلفة النمو النفسي والاجتماعي والعاطقي  والانفعالي وجميع جوانب النمو.

5- المنهج التاريخي

يعتمد المنهج التاريخي في دراسته للظواهر المختلفة على الربط بينها وبين الخلفية التاريخية لها، ومتابعة تطورها عبر الزمن في كافة الجوانب السياسية والثقافية والاجتماعية والنفسية، وتأثير عامل الزمان والمكان في تلك الظواهر.

كذلك يعني المنهج التاريخي  بدراسة الظواهر والعلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل، ومن ثم فهو يستد إلى ما تقدمه الوثائق التاريخية وما تعكسه من تأويل واستنباط واستيضاح للحقائق والوقائع المختلفة. وبالتالي التمكن من إنشاء المعطيات التاريخية تشريحيًا وتركيبيًا.

وفي ختام موضوعنا فقد قدمنا لكم كافة مناهج البحث في علم النفس نتمنى أن نكون قد أفدناكم بما قدمناه لكم من معلومات حول ذلك الموضوع.

قد يعجبك أيضًا