حكم ستر العورة في الصلاة

حكم ستر العورة في الصلاة من الأمور التي لم يختلف عليها أهل العلم والفقهاء والأحكام الشرعية، حيث إن الله -عز وجل- أمر عباده المؤمنين بعبادته وطاعته وبين لهم كيفية العمل على هذه الطاعات في كتابه الحكيم وعلى لسان نبيه، ومن العبادات التي حرص الله -سبحانه وتعالى- على بيان أحكامها وشروطها هي الصلاة فالصلاة عماد الدين، ومن الشروط الواجب توافرها لكي تصح الصلاة هي ستر العورة، فما هو حكم ستر العورة في الصلاة هذا ما سنتحدث عنه بموضوعنا عبر موقع زيادة في السطور التالية.

حكم ستر العورة في الصلاة

حكم ستر العورة في الصلاة

للرجال والنساء عورات أمرنا الله -سبحانه وتعالى- أن نواريها في حياتنا وفي العبادات، والمراد بالعورة في إطلاق العلماء والفقهاء أمرين: منهم من يقول القبل والدبر وهذا هو الأصل، ومنهم من يقول: “القبل والدبر وما أمر بستره”.

أشار الله -سبحانه وتعالى- إلى أن العورة هي سوءة لا بد من سترها فقال الله -تعالى- في سورة الأعراف:

فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ“.

قد أوضح المفسرون في تفسير الآية السابقة أن سيدنا آدم والسيدة حواء كانا ما يسترهما هو النور، فلما ظلما أنفسهما بأكل ما حرم الله عليهما تخامد النور الذي يسترهما وظهرت عورتهما، ومن هنا نفهم أن العورة هي سوءة لا بد أن يحرص الإنسان دائمًا على سترها خاصةً في صلاته.

أما عن حكم ستر العورة في الصلاة فهو حكم واجب باتفاق العلماء، فلا يجوز للمرء أن يُصلي وهو عاري مع قدرته على ارتداء الملابس وستر جسده، فقد أجمع الفقهاء على إفساد من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى دونه، كما أن المُصلي يناجي ربه وعليه فيجب أن يكون في أفضل زينه وهيئة فهو يقف بين يديَ الرحمن.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حكم كشف الوجه في المذاهب الأربعة

أدلة وجوب ستر العورة

حكم ستر العورة في الصلاة شرط أمر به الله -عز وجل- في كتابه المبين، وكذلك ألزمنا به الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سنته الشريفة، وأجمعت الأمه على أنه لازم وواجب ودليل ستر العورة للصلاة قول الله -تعالى-: “يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد“. [الأعراف:31].

وجه الدلالة أن الله -عز وجل- جعل ذكر الزينة قرينة بذكر المساجد، والزينة التي يأمرنا الله بها هي الزينة الساترة للعورة، لأن الآية الكريمة نزلت بسبب الكفار الذين كانوا يطوفون بالبيت الحرام عراة.

أما في السنة فعن عائشة -رضي الله عنها-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: “لا يَقبَلُ اللهُ صَلاةَ حائضٍ إلَّا بخِمارٍ” وعن عائشة -رضي الله عنها-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: “لا يَقبَلُ اللهُ صَلاةَ حائضٍ“، أي: أن الصلاة لا تقبل من المرأة إذا بلغت سن الحيض إلا بارتدائها خمار والمراد هنا بالخمار: هو غطاء الرأس والعنق.

أيضًا فقد أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بستر العورة فقد رجل يصلى وليس على عاتقيه شيء من ثوبه، ففي الصحيحين عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: “لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء”، ومن أحاديث ستر العورة التي أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها بستر العورة ما سنقدمه فيما يلي:

حديث بهز بن حكيم رضي الله عنه عند أبي داود قال: – – قلتُ يا رسولَ اللهِ، عوراتُنا ما نأتي منها وما نذرُ؟ قال: احفظْ عورتَك إلا من زوجتِك أو ما ملكت يمينُك، قال: قلتُ يا رسولَ اللهِ، إذا كان القومُ بعضُهم في بعضٍ؟ قال: إنِ استطعتَ أن لا يرَينَّها أحدٌ فلا يَرَينَّها، قال: قلتُ يا رسولَ اللهِ، إذا كان أحدُنا خاليًا؟ قال: اللهُ أحقُّ أن يُستحيَا منه من الناسِ”.

ولذلك ورد: “إن معكم من لا يفارقونكم فاستحيوا منهم”، وهم الكرام الكاتبون.

في حديث أم سلمة أنه لما سئل -عليه الصلاة والسلام- عن صلاة المرأة في درعٍ وخمار قال: “في الخمار والدرع السابغ الذي يغيب ظهور قدميها“، والصحيح وقفه على أم سلمة -رضي الله تعالى عنها-.

حيث أجمع العلماء والفقهاء على إلزام ستر العورة في الصلاة، وأن المسلم المكلف إذا صلى الصلاة وهو مظهرًا لعورته وهو قادرًا على سترها فصلاته غير صحيحة.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حكم تارك الصلاة تكاسلا في المذاهب الأربعة

الشروط الواجب توافرها في ستر العورة أثناء الصلاة

هناك شروط يجب توافرها في ستر العورة أثناء الصلاة، وتكون على حالتين وهما كالتالي:

  • أن يكون ساترًا يمنع إظهار ما تحته أي يكون ثوبًا سميكًا، فهذا متفق عليه بين جميع العلماء والأئمة.
  • إذا كان هذا الساتر رقيقا يشف ويظهر ما تحته، فهذا وجوده مثل عدمه، مثل القماش الرقيق الذي ترى معه ما تحته، بل أن بعض العلماء وصف القماش الرقيق أنه أعظم فتنة، مما كشف عن جسده لأنه يغري وتكون الفتنة في دعوته للنظر إليه أكثر؛ لأن المتعري ربما يشمئز الانسان منه أما الشفاف فهو أكثر فتنة.

عليه فقد أنقسم الساتر إلى قسمين وهما كالتالي:

  • ساتر غليظ غير رقيق يمنع معرفة ما تحته أو معرفة لون البشرة.
  • ساتر رقيق يشف ما تحته ويصف لون البشرة.

كما أوضح العلماء والفقهاء أن الساتر هو الذي لا يشف والكلام في الساتر يكون في صفة تغطيته، وبالنسبة لصفة تغطية الساتر فإنه يكون على حالتين وهما ما سنشير إليه في السطور المقبلة.

الحالة الأولى

أن يكون فضفاضًا واسعًا وألا يكون ضيقًا يحدد تفاصيل الجسم، وقال العلماء أنه يجب أن يكون ساتر فضفاضًا واسعًا للدرجة التي يطمئن بها المؤمن من عدم انكشاف عورته.

الحالة الثانية

أن يكون ضيقاً، وفي هذه الحالة وبإجماع العلماء والفقهاء يحرم على المرأة، فيجب ألا تلبس المرأة الثياب الضيقة التي تصف جسمها وحجمها فالله أحق أن نستحيي منه من الناس، وقال ابنُ عمرَ: “إذا صلت المرأةُ فلتصلِّ في ثيابِها كلِّها: الدرعِ والخمارِ والملحفةِ”.

قال الإمام أحمد أيضًا: “قد اتفق عامتهم على الدرع والخمار وما زاد، فهو خير وأستر، ولأنه إذا كان عليها جلباب، فإنها تجافيه راكعة وساجدة؛ لئلا تصفها ثيابها، فتبين عجيزتها، ومواضع عورتها”.

لذلك قد وصف العلماء للمرأة أن تكون عباءتها مفصلة واليد مقفولة، حتى إذا حركت يدها لم يستطع أي أحد أن يعرف طبيعة جسمها، وحدد بعض العلماء اللبس الضيق أشد إغراءً بالفتنة لأن من تفعل هذا تجعل نفسها مغرية أكثر بالنظر إليها، وتكون فتنتها أشد، ولهذا يجب على المرأة أن تكون عباءتها مغطيةً لها، ولا يكون هناك تفصيل لأعضاء الجسم، وحتى لا تتشبه بالرجال، ولا يستطيع الرجل أن يدرك شكل جسدها.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حكم قراءة الفاتحة في الصلاة

حد عورة الرجل في الصلاة

إن عورة الرجل كما هو معروف تكون ما بين سرّته وركبته، وهو ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة، استنادًا للحديث الشريف عن المسور بن مخرمة قال:

أَقْبَلْتُ بحَجَرٍ أحْمِلُهُ ثَقِيلٍ وعَلَيَّ إزَارٌ خَفِيفٌ، قالَ: فَانْحَلَّ إزَارِي ومَعِيَ الحَجَرُ لَمْ أسْتَطِعْ أنْ أضَعَهُ حتَّى بَلَغْتُ به إلى مَوْضِعِهِ. فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ارْجِعْ إلى ثَوْبِكَ فَخُذْهُ، ولَا تَمْشُوا عُرَاةً“.

هناك مسألة ستر العاتقين للرجل في الصلاة، وقد أختلف أهل العلم في وجوب أن يجعل الرجل على عاتقيه شيئًا في الصلاة على قولين وهما كالتالي:

  • الرأي الأول: يُستحب أن يضع الرجل شيئًا على عاتقه في الصلاة والعاتق هو المنطقة الموجودة بين الرقبة والكتف، وهذا ما أتفق عليه الحنفية والمالكية والشافعية.
  • الرأي الثاني: وجوب ستر العاتق بشيء، وهو ما أرجحه الحنابلة ودليله من السنة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال، قال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: (لا يُصلِّي أحدُكم في الثوبِ الواحدِ ليسَ على عاتقيه شيءٌ)، والدليل عليه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تركه في الصلاة وأنها لازمة.

حد عورة المرأة في الصلاة

حكم ستر العورة في الصلاة للمرأة بعكس الرجل، فإن عورة المرأة هي جميع جسدها ما عدا وجهها وكفيها، وعلى المرأة أن تلتزم بستر ذلك في صلاتها، وذلك استناداً إلى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: “المرأة عورة وأنها إذا خرجت أستشرفها الشيطان، وإنها لا تكون إلى وجه الله أقرب منها في قعر بيتها“.

كما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن كشف المرأة رأسها أو عنقها في الصلاة ونحوهما مما يستر بالخمار، وذلك يقتضي أن الوجه لا يغطى في الصلاة، وإن دل فيدل على أن الوجه ليس من عورة المرأة في الصلاة، أيضًا فوجه المرأة ليس بعورة في الإحرام.

رأي مذهب المالكية في ستر العورة في الصلاة

أختلف علماء المذهب المالكي في حكم ستر العورة في الصلاة حول كونه واجبًا من واجبات الصلاة وشرط من شروطها، فلا تصح الصلاة بدونها.

حكم انكشاف اليسير من العورة في الصلاة

بعد أن أشرنا في السطور السابقة إلى حكم ستر العورة في الصلاة بالنسبة للرجل والمرأة يجب أن نعرف ما هو حكم انكشاف اليسير من العورة في الصلاة، حيث ذكر المصنف -رحمه الله- أن انكشاف العورة يكون بالاختيار أو بالاضطرار كما يلي:

  • إن كان مخيراً أن يكشف عورته فقولًا واحدًا يوجب بطلان صلاته، فإن كان كاشف لعورته باختياره دون الحاجة أو الضرورة لفعل هذا مع علمه فإن صلاته باطلة.
  • إن كشف العورة بالاضطرار، يأتي مع قصر اللباس الساتر، فإذا كان المرء له ثوب أو لباس واحد فإذا سجد انكشفت عورته، فقد دل الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أن المضطر لا يكلف أكثر من قدرته وصلاته صحيحة.
  • إن تم كشف اللباس عن العورة وكان المرء ذاهلًا أو ناسيًا دون إدراك منه فقال العلماء: إن صلاته صحيحة ولم يفحش.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: شروط الصلاة واركانها وواجباتها وسننها ومبطلاتها

هكذا نكون قد تناولنا حكم ستر العورة في الصلاة، إلى جانب ذلك فقد أوضحنا أنه شرط من شروط صحة الصلاة، كما تحدثنا عن الأحكام الشرعية لستر عورة الرجل والمرأة، وحكم من انكشف اليسير من عورته في الصلاة سواء كان مضطرًا أو مختارًا، فضلًا عن رأي مذهب المالكية في ستر العورة مع أدلة من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونرجو أن نكون قد قدمنا لكم الإفادة المرجوة.

قد يعجبك أيضًا