حكم طلاق الغضبان عند المذاهب الاربعة

حكم طلاق الغضبان عند المذاهب الاربعة فيجب أن يتحقق في الطلاق الأصول الثلاثة وهم وجود السبب، وتحقق الشرط، وانتفاء موانعه، وأدى مراعاة هذه الأصول إلى وجود اختلاف فقهي في حكم وقوع الطلاق في العديد من المسائل المختلفة، وسوف نتعرف في هذا المقال عبر موقع زيادة على حكم طلاق الغضبان عند المذاهب الاربعة.

مفهوم وأنواع الغضب

الغضب فى اللغة هو نقيض الرضا، ويطلق على الإنفعال، ويقول “الجرجانى” إن الغضب هو تغير يحدث في حالة غليان دم القلب لينتج عنه التشفى للصدر، وعرف في الموسوعة الفقهية الكويتية بأنه حالة اضطراب عصبي وعدم اتزان فكرى غالبًا ما تكون بسبب الاستثارة بالكلام أو التهييج بالفعل، وقسم ابن القيم الغضب إلى ثلاثة أنواع وهي الأتي:

  • النوع الأول، الغضب الذي يذهب العقل فلا يحس صاحبه بما يقول، وهذا النوع لا يقع فيه الطلاق بلا نزاع.
  • النوع الثانى، الغضب الذي لا يمنع صاحبه من تصور ما يقوم بقوله وما يقصده، وهذا النوع يقع فيه الطلاق بلا نزاع.
  • النوع الثالث، الغضب الذي يتحكم في صاحبه ويشتد به، فهو لا يزيل عقله بالكامل، ولكن يحول بينه وبين نية صاحبه بحيث يندم الرجل على ما صدر منه إذا زال الغضب، وهذا النوع محل نظر.

أسباب اختلاف الفقهاء حول حكم وقوع طلاق الغضبان

حكم طلاق الغضبان عند المذاهب الاربعة

يعود سبب الاختلاف فيما بين الفقهاء حول حكم وقوع طلاق الغضبان إلى أمرين، وهما الآتي:

1- الأمر الأول

التعارض فيما بين مبدأ “استقرار العقود والمعاملات” الذى يؤكد على إنفاذ ألفاظها أو إلزام صيغها بدون عذر الغضب، وبين مبدأ “الرضائية فى العقود والمعاملات”، الذى يؤكد على إهدار اللفظ أو الصيغة التى لا تحقق الرضا التام فى إبرام العقود.

2- الأمر الثاني

الاختلاف في تفسير وصحة حديث “لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق”، فأخرجه الإمام أحمد والحاكم وابن ماجه وأبو داود والدار قطنى وصححه عن عائشة، وضعفه الذهبي وأبو حاتم الرازي، وقال الألبانى أنه حسن، وفى تفسير الإغلاق خمسة أقاويل وهي الأتي:

  • أنه الغضب، ومنه قولهم “إياك والمغلق”، أى الضجر، وهذا هو قول أهل العراق والإمام أحمد وأبو داوود.
  • أنه الإكراه، كأن يغلق عليه الباب ويتم حبسه حتى يطلق، وهذا هو قول أبو حاتم الرازي وابن الأثير والخطابي وابن قتيبة وأهل الحجاز.
  • أنه الجنون، كأن عقله قد انغلق مثل المجنون، وهذا هو ما رواه المطرزي عن البعض واستبعده.
  • أنه التضييق بجمع الطلقات الثلاثة فى لفظة واحدة، فهو من التغليق كأن المطلق قد غلق الطلاق لكي لا يبقى منه شيء، وهذا هو قول أبى عبيد وبعض من العلماء.
  • أنه يعم الغضب والإكراه والجنون، وكل أمر قد انغلق على صاحبه قصده وعلمه، وهذا هو ما حكاه الزيلعى عن شيخه.

ولمعرفة المزيد عن حكم الشرع حول وقوع الطلاق على الحامل يوصى بقراءة هذا الموضوع: متى وهل يقع الطلاق على الحامل

حكم طلاق الغضبان عند المذاهب الاربعة

حكم طلاق الغضبان عند المذاهب الاربعة

يمكن إجمال آراء الفقهاء حول حكم طلاق الغضبان فى المذاهب الآتية:

1- المذهب الأول

يرى عدم وقوع طلاق الغضبان ويرى أنه هو والعدم سواء، وهذا هو قول ابن تيمية، وابن القيم.

2- المذهب الثاني

هو مذهب المتأخرين من الحنفية الذى نص عليه ابن عابدين فى “حاشيته”، فهم يتفقوا مع المذهب الأول في عدم وقوع طلاق الغضبان، إلا أنه قد اشترط فى الغضب أن يغلب على صاحبه الخلل والهذيان فى قوله وفعله الخارجي عن عادته وإن كان يعلمها ويريدها، وحجتهم في ذلك الأتي:

  • أن الرضا هو أساس صحة العقد، لقول الله تعالى “لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارةً عن تراض منكم”، وما قام بإخراجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة ما عدا الترمذي وصححه الحاكم عن السيدة عائشة”، أن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قال “رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق” والحد الأدنى فى الشخص الغاضب أن يكون قليل الرضا ومعيب الإرادة، فلا يصح طلاقه وكافة عقوده.
  • عموم ما أخرجه أبو داوود وابن ماجه وأحمد والحاكم وصححه عن السيدة عائشة، أن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قال “لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق” وهو حديث حسنه الألبانى وصححه الحاكم، والمقصود بالإغلاق هو الغضب كما جاء في تفسير الإمام أبو داود والإمام أحمد وغيرهما.
  • أن الله عز وجل رفع حكم يمين اللغو، وذلك فى قوله تعالى” لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور رحيم”، وقد أخرج البيهقى فى “سننه الكبرى” وابن جرير الطبرى في “تفسيره” عن ابن عباس قال “لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان”، ويؤكد عدم الأخذ بيمين الغضبان ما أخرجه النسائي وأحمد بسند ضعيف عن عمران بن حصين، أن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قال “لا نذر فى غضب وكفارته كفارة يمين”، وما قام بإخراجه البخارى عن أبى بكر أن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قال “لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان”، وأخرجه عنه أحمد بلفظ “لا يقضى القاضى بين اثنين وهو غضبان”.

3- المذهب الثالث

يرى أن طلاق الغاضب يختلف على حسب وجود نية الزوج في الطلاق وإرادة حكمه فيقع، أو بعدم وجود نية الزوج في الطلاق وعدم إرادة حكمه فلا يقع الطلاق ويكون لغوًا، وهذا هو مذهب الإمامية والظاهرية، لأنهم يشترطوا لصحة العقد وجود النية، ولا يغنى عنها صراحة الصيغة، لما أخرجه الشيخان عن سيدنا عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” أن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قال “إنما الأعمال بالنيات”.

4- المذهب الرابع

يرى أن طلاق الغاضب صحيح، إلا فى حالة غياب العقل بالكامل، وهذا هو مذهب الجمهور قال به الشافعية والمالكية والحنابلة، وحجتهم في ذلك الآتي:

  • أن استقرار المعاملات والعقود من المقاصد الشرعية، حتى لا يحدث اضطراب لمصالح الناس، مما يستوجب الحكم بلزوم العقود المترتب عليها حقوق للآخرين دون الأخذ في الاعتبار عذر الغضب، لأن كل شخص يمكنه ادعاء الغضب لإبطال التصرف الصادر منه، مما يهز أصول المعاملات.
  • أن حديث “لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق” الذى قام بتصحيحه الحاكم، تعقبه “الذهبى” وقال أنه حديث ضعيف الإسناد، وأضعفه “ابن حجر العسقلانى”، فلا حجة فيه، وعلى التسليم بصحة الحديث فالمقصود بالإغلاق الإكراه كما قال في ذلك أكثر أهل العلم.
  • أن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قد أنفذ ظهار أوس بن الصامت عند غضبه، فيقاس على ذلك الطلاق فى حالة الغضب، فأخرج ابن حبان عن خويلة بنت ثعلبة بسند صحيح قالت “في والله وفى أوس بن الصامت أنزل الله عز وجل صدر سورة المجادلة”، فقالت “كنت عنده وقد كان شيخًا كبيرًا ساء خلقه وضجر، فدخل علي يومًا فراجعته فى أمر فغضب، وقال أنت على كظهر أمى، وخرج فجلس فى قومه ساعة ثم دخل علي فإذا هو يريدنى على نفسي، فقلت كلا، والذى نفس خويلة بيده لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه”، وخرجت إلى رسول الله “صلى الله عليه وسلم”، فقصت له ما لقيت منه، وجعلت تشكو إليه ما ألقت من سوء خلقه، فجعل الرسول “صلى الله عليه وسلم” يقول “يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقى الله فيه”، ثم قالت “فوالله ما برحت حتى نزل القرآن بأوائل سورة المجادلة وفيها كفارة الظهار”.

وهنا نكون قد وصلنا إلى نهاية المقال بعد أن تم توضيح حكم طلاق الغضبان عند المذاهب الاربعة، ومعرفة مفهوم وأنواع الغضب، ونرجو أن ينال المقال على إعجابكم.

قد يعجبك أيضًا