حكم من حلف بالطلاق على شيء لم يحدث

حكم من حلف بالطلاق على شيء لم يحدث فهي مسألة فقهية تشغل أذهان الكثير من المسلمين ولعلك واحد منهم، فالكثير من الرجال يستهينون بالحلف بالطلاق، وكأن طلاق النساء وخراب البيوت وتشتت الأبناء أمرٌ يسير.

وربما ترغب عزيزي في معرفة هل الحلف بالطلاق يترتب عليه وجوب الطلاق وتحريم الزوجة على زوجها حقاً، أم أنه مجرد حديث عابر لا يترتب عليه شيء، فتابعوا معنا عبر موقع زيادة لتعرفوا حكم من حلف بالطلاق على شيء لم يحدث.

اقرأ أيضًا: كفارة يمين الطلاق عند الغضب وأنواعه

حكم من حلف بالطلاق على شيء لم يحدث

حكم من حلف بالطلاق على شيء لم يحدث

اختلفت آراء العلماء في حسم مسألة حكم من حلف بالطلاق على شيء لم يحدث فمنهم من قال أن الطلاق يقع عند الحنث، ومنهم من قال إنه لا يقع ولكن يلزمه كفارة يمين، ومنهم من قال بعدم وقوع الطلاق عند الغضب، ومنهم من قال أن يمين الطلاق لا يقع في أي حال، فتابع معنا لنحسم الأمر سوياً ونتعرف على حكم من حلف بالطلاق على شيء لم يحدث، مدعوماً بالأدلة:

الرأي الأول

يرى الفريق الأول من أهل العلم في حسم مسألة حكم من حلف بالطلاق على شيء لم يحدث، ومن بينهم المالكية والشافعية والحنابلة أن الطلاق المعلق يقع في حالة وقوع الشيء الذي تم تعليق وقوع الطلاق على حدوثه.

سواء كان هذا الشيء أمراً سماوياً كأن يقول الرجل لزوجته أنتِ طالق إذا أمطرت السماء، فيقع الطلاق هنا بمجرد نزول المطر، أو أن يقول لها أنتِ طالق إذا أذن الفجر، فهنا يقع الطلاق بمجرد أذان الفجر.

أو أن يكون الشيء المعلق عليه الطلاق فعلاً لأحد الزوجين كأن يقول لها أنت طالق إذا خرجت من المنزل، وهنا يقع الطلاق بمجرد خروجها من المنزل، أو أن يقول لها أنت طالق إذا قدم فلان من السفر، فيقع الطلاق هنا بمجرد وصول الشخص الذي علق الطلاق على وصوله من السفر.

ويقع الطلاق أيضاً إن كان قسماً وحلفاناً للحث على فعل شيء أو تركه، أو للتأكيد على حدث معين، حتى لو لم يكن هناك نية للطلاق، أو كان شرطياً أي يشترط وقوع حدث معين ليقع الطلاق جزاءً على وقوع هذا الحدث.

  • يقول المالكية في الجزء الثاني من كتاب الشرح الكبير للدردير في صفحة 389: لا اختلاف بين العلماء أن الرجل لو حلف بطلاق امرأته على نفسه أو على غيره أن يفعل فعلاً أو لا يفعله أن اليمين لازمة له، وأن الطلاق واقع عليه في زوجته إذا حنث في يمينه، لأن الحالف بالطلاق أن لا يفعل شيئاً أو أن يفعله إنما هو مطلق على صفة، فإذا وجدت الصفة التي علق بها طلاق امرأته لزمه ذلك.
  • أما الشافعية فيقولون: إذا علق الطلاق بشرط لا يستحيل كدخول الدار ومجيء الشهر، تعلق به، فإذا وجد الشرط وقع الطلاق، وإذا لم يوجد لم يقع (انظر المهذب للشيرازي مع شرحه المجموع للنووي ج 17 ص 152).
  • وابن قدامة أيضاً يؤكد على ذلك حيث يقول ابن قدامة وهو من الحنابلة: وكلها (أي أدوات الشرط التي ذكرها) إذا كانت مثبتة ثبت حكمها عند وجود شرطها، فإذا قال: «إن قمت فأنت طالق» فقامت، طلقت وانحل شرطه (انظر الشرح الكبير لابن قدامة ج 8 ص 420).
  • ويقول الأحناف في الجزء الثالث من حاشية عابدين في حسمه لمسألة حكم من حلف بالطلاق على شيء لم يحدث بالطلاق: وإذا أضافه (أي الطلاق) إلى شرط وقع عقيب الشرط مثل أي أن يقول لامرأته: «إن دخلت الدار فأنت طالق» فإن الطلاق يقع إذا دخلت الدار (حاشية ابن عابدين ج 3 ص 374).

ويستدل أصحاب هذا الرأي على صحة قولهم بالحديث الذي رواه البخاري حيث يقول:

  • “طلق رجل امرأته البتة إن خرجت، فقال ابن عمر: إن خرجت فقد بُتَّتْ منه، وإن لم تخرج فليس بشيء»، (رواه البخاري).

كما استدلوا على صحة رأيهم ايضاً بالآيات التي تؤكد مشروعية الطلاق، وإن أمر الطلاق قد أوكله الله تبارك وتعالى إلى الرجل، حيث يقول المولى عز وجل:

  • (الطّلاق مرّتان)

كما استدلّوا أيضاً على صحة رأيهم من السُنّة النبوية بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

  • (المُسلمون عند شروطهم)

اقرأ أيضًا: حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه

الرأي الثاني

حكم من حلف بالطلاق على شيء لم يحدث

أما أصحاب الرأي الثاني وهم الظاهرية والإمامية فيؤكدون في حسمهم لمسألة حكم من حلف بالطلاق على شيء، أن يمين الطلاق المعلق لا يقع حتى إذا حدث الأمر الذي يقع على حدوثه الطلاق.

واستدل الإمام أبو حزم على قوله بأن اليمين لا يكون إلا بالحلف بالله، فإن الحلف بالطلاق ليس يميناً لذا لا يوجد كفارة له، وبالطبع لا يقع الطلاق لأنه ليس هناك يميناً من الأساس، واستدل على صحة قوله بهذا الحديث:

«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»

واستدل أصحاب هذا الرأي بأن فكرة تعليق الطلاق في حد ذاتها تعتبر يمين، والحلفان بغير الله تعالى باطل ولا يجوز شرعاً، واستدلوا على ذلك بما يلي:

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله)

كما استدلوا على صحة رأيهم أيضاً أنه لا يصح أن يقع الطلاق إلا بالطريقة التي حددها الشرع، ولا أيمان إلا كما أمر الله عز وجل، ويمين الطلاق لم يطلق عليه الحق تبارك وتعالى يميناً، واعتبارنا له يمينًا يعتبر تعدي على حدود الله وتجاوز لما شرعه الله، والحق تبارك وتعالى يقول:

(وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا) “سورة الطلاق الآية 1”.

اقرأ أيضًا: حكم الحلف بالطلاق المعلق بشرطة

الرأي الثالث

وأما أصحاب الرأي الثالث وهو مذهب جماعة العلماء مثل ابن القيم وابن تيمية، يرون أن حكم من حلف بالطلاق على شيء لم يحدث هو وقوع الطلاق المعلق في حالة وجود نية الطلاق، كأن يقول الرجل لزوجته إن خرجتِ بدون إذني فأنتِ طالق، وهو ينوي بالفعل طلاقها عن وعي منه إذا تركت المنزل بدون إذنه، وهنا تكون الزوجة طالق ومحرمة على زوجها في حالة خروجها من البيت.

أما في حالة حلف الزوج يمين الطلاق من أجل التشديد والتأكيد على حدوث فعل شيء معين، أو حث نفسه أو غيره على فعل شيء معين، أو الامتناع عن فعله مع عدم وجود نية حقيقية لطلاق الزوجة فلا يقع الطلاق هنا.

ولكن يرى ابن تيمية أنه يتوجب على الزوج هنا أن يدفع كفارة حنث اليمين، وكفارة اليمين هنا هي إطعام عشرة من المساكين أو كسوتهم، فإن لم يستطع فصيام ثلاثة أيام، أما ابن القيم فيرى عدم وجود كفارة على الحالف في هذه الحالة.

حيث يقول ابن تيمية في معرض كلامه عن الحلف بالطّلاق وكفّارته:

(هذه الأيمان إن كانت من أيمان المسلمين ففيها كفّارة وإن لم تكن من أيمان المسلمين لم يلزم بها شيء، فأمّا إثبات يمين يلزم الحالف بها ما التزمه ولا تُجزِئه فيها كفّارة، فهذا ليس في دين المُسلمين؛ بل هو مُخالف للكتاب والسُنّة).

وقد ورد عن ابن القيم وابن تيمية أيضاً أنهم قد قالوا بالتفصيل في حكم من حلف بالطلاق على شيء لم يحدث بما يأتي:

قال ابن تيمية وابن القيم إنّ الطّلاق المُعلّق بصيغة القسم أو الحلف إن كان المقصود منه الحثّ على فعل أو تركه أو تأكيد الخبر فهو بمعنى اليمين، ولذلك فقد اعتبراه داخلاً في أحكام اليمين، لما ورد في:

  • قوله تعالى: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ) “سورة التحريم الآية 2”
  • وقوله تعالى: (ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ) “سورة المائدة الآية 89”

وفي حال اعتبارها يميناً فيها تجاوُز شرعيّ فهي لغوٌ لا يترتّب عليه حكماً، واستدل أصحاب هذا الرأي بما يلي:

  • رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: (الطّلاق عن وطر، والعتق ما ابتُغِي به وجه الله).

أي إنّ الطّلاق لا يقع طلاقاً إلا في حالة توجُّه إرادة المُطلَق لإيقاع الطّلاق، واستدلوا على صحة رأيهم أيضاً بما يلي:

ورد لنا في الأثر إنّ أم المؤمنين السّيدة عائشة وأم المؤمنين حفصة وأم المؤمنين أم سلمة ومعهم ابن عباس -رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً – قالوا: (أفتوا ليلى بنت العجماء بأن تُكفّر عن يمينها حينما أقسمت بالعتق، والطّلاق أولى بالتّكفير من العتق).

وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية في دولة الإمارات بهذا الرأي، فلا يقع الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه، ولا الطلاق بالحنث بيمين الطلاق ولا بالطلاق المتكرر، إلا إذا قصد به الطلاق.

اقرأ أيضًا: حكم الحلف بالطلاق عند الغضب وكفارة يمينه

حكم من حلف بالطلاق على شيء لم يحدث ثم اكتشف حدوثه والعكس

أحياناً يحلف الرجل بالطلاق ليؤكد على حدوث شيء، أو لإثبات عدم حدوثه وهو يعتقد صدق حديثه، ثم يكتشف كذب حديثه كأن يقول مثلاً: على الطلاق لقد مات فلان، وهو يعتقد صدق حديثه ثم يكتشف أن فلاناً لم يمت.

أو أن يقول الرجل مثلاً: على الطلاق ما حدث هذا الشيء، ثم يكتشف بعد فترة أن هذا الشيء قد حدث، ففي هذه الحالة يعتبر هذا اليمين يمين لغو ما دمت تعتقد حين الحلف بالطلاق أنك مصيب فلا شيء عليك، فليس عليك كفارة يمين ولا يقع الطلاق، والدليل على صحة هذا الرأي ما ورد عن الشيخ ابن باز رحمه الله في فتاوي نور على الدرب.

قال الشيخ ابن باز: إذا طلّق الإنسان على شيء يعتقد أنه فعله، فإن الطلاق لا يقع، فإذا قال: عليه الطلاق أنه أرسل كذا وكذا ظانًّا معتقدًا أنه أرسله، ثم بان أنه ما أرسله، أو بان أنه ناقص، فالطلاق لا يقع في هذه الحال، هذا هو الصحيح من أقوال العلماء.

وهكذا لو قال: عليّ الطلاق إني رأيت زيدًا، أو عليّ الطلاق إن زيدًا قد قدم، أو مات وهو يظن ويعتقد أنه مصيب، ثم بان له أنه غلطان وأن هذا الذي قدم أو مات، ليس هو الرجل الذي أخبر عنه، فإن طلاقه لا يقع، لأنه في حكم اليمين اللاغية، يعني في حكم لغو اليمين، يعني ما تعمّد الباطل، إنما قال ذلك ظنًّا منه.

ويرى أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله صحة هذا الرأي حيث قال ابن تيمية -رحمه الله-:

“والصحيح أن من حلف على شيء يعتقده، كما لو حلف عليه، فتبين بخلافه، فلا طلاق عليه …” ورد في مجموع الفتاوى.

أما من حلف بالطلاق كذباً وهو يعلم أنه كاذب فيعتبر هذا يمين غموس أي يغمس صاحبه في النار، أو من حلف شاكاً في الأمر أيضاً فقد حنث في يمينه.

قال الدردير ـ رحمه الله ـ في كلامه على اليمين الغموس: “بِأَنْ شَكَّ الْحَالِفُ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا غَيْرَ قَوِيٍّ، وَأَوْلَى إنْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ”.

وهنا يتوجب على صاحب اليمين التوبة إلى الله ويرى بعض العلماء لزوم كفارة الحلف بيمين كاذب، أما الجمهور فيرى أنك تكون قد طلقت زوجتك،

أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيرى عدم وقوع الطلاق في هذه الحالة وعدم لزوم الكفارة حيث قال رحمه الله:

“وَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا يَعْلَمُ كَذِبَ نَفْسِهِ لَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ”.

فما دمت تعتقد صدق يمينك أثناء الحلفان به فالراجح هنا هو بر يمينك ولا يتوجب عليك كفارة ولا يقع طلاق.

ووجب علينا أن ننوه بضرورة عدم التسرع بحلف يمين الطلاق، فالحلف الذي قد شرعه الله لنا هو الحلف بالله الواحد الأحد، أما يمين الطلاق فيعتبر من أيمان الفساق، وغالباً ما يترتب على هذا اليمين ما لا يحمد عقباه من هدم البيوت العامرة.

اقرأ أيضًا: حكم من حلف بالطلاق على ترك شيء ويعود إليه

وختاماً نكون قد أجبنا عن سؤالكم وهو ما حكم من حلف بالطلاق على شيء لم يحدث ، نرجو أن نكون قد وفقنا في حسم هذه المسألة الخطيرة، التي تهم الكثير من المسلمين فالأمر هنا يتعلق ببيوتنا واستقرارها، فلم يجتمع علماء المسلمين على رأي واحد في حسم تلك المسألة، ففي اختلاف آراء العلماء رحمةً بعامة المسلمين، فالطلاق من أخطر الكوارث التي تحل ببيوتنا.

قد يعجبك أيضًا