النحت في اللغة العربية

النحت في اللغة العربية من القواعد التي لم تشهد التغيير منذ القدم، وهو من ضمن المسائل التي تناولها العديد من علماء وفقهاء اللغة العربية منذ القدم، ونظرًا لأنه من القواعد الجديرة بالتعريف والدراسة، سنعرض من خلال موقع زيادة كل ما يتعلق بالنحت وأنواعه في اللغة العربية، وموقف المحدثين منه.

النحت في اللغة العربية

النحت من ضمن مسائل اللغة العربية التي تناولها علماء اللغة منذ القدم وحتى الآن، فهي من ضمن الأمور الجديرة بالدراسة والعناية، ولا تزال البحوث والدراسات تجرى على موضوع النحت، وقد أوضح العلماء في اللغة العربية أن النحت له تعريفان، أحدهما التعريفي في اللغة، والآخر في الاصطلاح.

اقرأ أيضًا: بحث عن فن النحت وأنواعه والخامات المستخدمة به

أولًا: تعريف النحت في اللغة

يعد النحت هو النشر والبري والقطع، أي أنه مصدر الفعل، فمثلًا يتم القول: “نحت، ينحت، نحتًا”، أي أنه شقّه وبراه، وقد أوضح ابن فارس أن حرفي النون والتاء والحاء، يدلان على نحر الشيء وتسويته بواسطة حديدة، ونحت الجبل هو قطعه.

ثانيًا: تعريف النحت في الاصطلاح

تعريف النحت في اللغة العربية هو أن تعمد إلى كلمتين أو جملة، فتُنزع من مجموع حروف الكلمة فذة، فتدل على ما كانت عليه الجملة نفسها، وبسبب أن النحت يتشابه مع نحت الحجارة والخشب، قد تسميته ” النحت”، ويمكن تعريفه بشكل أبسط بالقول إن النحت هو استخراج كلمة واحدة من كلمتين أو أكثر.

أما تعريف النحت في الاصطلاح لدى خليل، فهو عبارة عن أخذ كلمة من كلمتين متتاليتين، ويتم اشتقاق فعل منها، ويعد خليل هو أول مكتشف لظاهرة النحت في اللغة العربية، في قوله: ” إن العين التي تأتلف مع الحاء في كلمة واحدة لقرب مخرجيهما، إلا أن يشتق فعل من جمع كلمتين مثل ” حيّ على”، كقول الشاعر:

أَقُولُ لَهَا وَدَمْعُ العَيْنِ جَارٍ

أَلَمْ يَحْزُنْكِ حَيْعَلَةُ المُنَادِي؟!

كما قد ظهر النحت باللغة العربية بالقرآن الكريم فقال – تعالى -: ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾ [الشعراء: 149]

شروط النحت في اللغة العربية

بعد الإلمام بتعريف النحت بنوعيه في اللغة العربية، يمكننا استنتاج بعض الشروط التي تجعل من الكلمة نحتًا، والتي تتمثل في النقاط التالية:

  • ينبغي أن تكون الكلمة معبرة عن المعنى للكلمات التي تم أخذها منها.
  • إن تم أخذ الكلمة من كلمتين أو أكثر ينبغي أن يكون بها حروف تلك الكلمات، خاصةً في حالة كانا كلمتين فقط.

صور النحت في اللغة العربية

استرسالًا في توضيح ما هو النحت فيجب العلم أن هناك صور مختلفة أتى بها النحت في اللغة، والتي تتمثل في الحالات التالية:

1ـ النحت من تأليف كلمة من جملة

أولى حالات النحت في اللغة العربية، والتي يتم فيها تأليف كلمة واحدة من جملة لتؤدي نفس المعنى، وهو ما يمكن أن يتم ضرب المثل عليه في قول كلمة “بسمل” المأخوذة من جملة “بسم الله الرحمن الرحيم”، أو كلمة “حيعل” المأخوذة من جملة “حي على الصلاة”، وما جاء في حديث العرب مثل:

لَقَدْ بَسْمَلَتْ لَيْلَى غَدَاةَ لَقِيتُهَا

فَيَا حَبَّذَا ذَاكَ الحَبِيبُ المُبَسْمِلُ

2ـ النحت من تأليف كلمة من كلمتين أو أكثر

من إحدى صور النحت باللغة العربية والتي يكون فيها الكلمتين لهما معنى مستقل، لتقوم بإضافة معنى جديد على الجملة، وهو من صور النحت المنتشرة في اللغات الأوروبية، وقليل الانتشار في اللغة العربية، ولم يصلنا سوى بعض من تلك الكلمات النحتية، المتمثلة فيما يلي:

  • كلمة “لن” الناصبة، حيث يرى الخليل أنها مكونة من “لا” النافية و “أن” الناصبة.
  • كلمة “هلُمّ” والتي يرى الفراء أنها مأخوذة من كلمة “هل” الاستفهامية، ومن الفعل “أُمَّ” بمعنى تعال، كما أن هناك رأي آخر يقول إنها مأخوذة من “هاء” التنبيه، و “لُمّ” بمعنى ضم.
  • كلمة “أيان” الشرطية، وهي كلمة مركبة من “أي أن”، وقد حذفت الهمزة، وتم جعل الكلمتان كلمة واحدة فقط توحي بنفس المعنى المُراد.

3ـ النحت من تأليف كلمة من المضاف والمضاف إليه

إحدى صور النحت في اللغة العربية، والتي يتم اشتقاقها نسبةً إلى كلمتين مضاف ومضاف إليه عندما يكون الاسم علمًا، مثل قول “عبد شمس” يتم نحتها فتصبح “عبشمس”، أو كلمة “عبد الدار” فتصبح كلمة “عبدري”.

اقرأ أيضًا: معنى اسم شمس في اللغة العربية

أقسام النحت في اللغة العربية

قد قام المتأخرون في علم اللغة من خلال استقرائتهم للأمثلة التي تخص الخليل أحمد وابن فارس، بتقسيم النحت في اللغة العربية إلى عدة أقسام، والتي يمكن حصرها فيما يلي:

1ـ النحت الفعلي

هو عبارة عن النحت الذب يكون مشتق من الجملة بالفعل، ويكون معناه يدل على نفس معنى الجملة، مثل قول كلمة “بسمل” المأخوذة من جملة ” بسم الله الرحمن الرحيم”، أو كلمة “جعفد” المأخوذة من جملة “جعلت فداك”.

2ـ النحت الوصفي

أحد أنواع النحت في اللغة العربية والذي يكون عبارة عن تحت الكلمة من كلمتين متتاليتين، بحيث تدل على صفة من معناها، أو تعطي معنى أقوى من الكلمتين، مثل قول: “الصًّلدم” وهو الشديد الحافر، وقول: “ضبطْر” ومعناها الرجل الشديد.

3ـ النحت الاسمي

هو النحت الذي يتم اشتقاقه من كلمتين يكونوا أسماء، مثل كلمة “جلمود” والتي تكون مشتقة من كلمتي جمد وجلد، وكلمة “حبْقُر” وهي كلمة أصلها كلمتي حبُّ قُرّ.

4ـ النحت النسبي

أحد أنواع النحت في اللغة العربية، والذي يكون اشتقاقه نسبةً إلى شخص أو بلد، مثل كلمة “طبرخزيّ” وهي مشتقة من اسمين لبلدين مختلفين وهما طبرستان وخوارزم.

أو النحت نسبةً لشخص في قول “شفعنتي” والتي تكون مشتقة من اسميّ الشافعي وأبي حفيفة، أو كلمة “حنفتلي” المشتقة من اسميّ أبي حنيفة والمعتزلة.

5ـ النحت الحرفي

هو المتمثل في نحت الأحرف فقد رأى بعض النحويين أن كلمة “لكنّ” مأخوذة من لكن أنّ، وقد تم وضع الهمزة للتخفيف، بينما وُضعت النون في لكنّ للساكنين، وذهب بعض الكوفيين إلى أن أصلها هو “لا وأن” والكاف حرف زائد لا تشبيهي، وقد تم حذف الهمزة للتخفيف.

6ـ النحت التخفيفي

هو ما يتم نحته من أجل التخفيف ويظهر في أسماء القبائل كقول “بلعنبر” بدلًا من بني العنبر، وكلمة “بلحارث” بدلًا من كلمة بني الحارث، وهو ما يتم فعله بسبب قرب مخارج حرفي النون واللام من بعضهما، فيتم حذف اللام في حالة عدم القدرة على الإدغام، وهو ما لا يتم فعله في أسماء القبائل التي لا يوجد بها حرف اللام، كبني الصيداء، وبني النجار وبني الضباب.

اقرأ أيضًا: معلومات عن اللغة العربية قد لا تعرفها

أمثلة على كلمات النحت

هناك العديد من أمثلة النحت باللغة العربية المختلفة، والتي يمكن حصر بعضها في النقاط التالية:

  • الحسبلة: وهي قول: حسبي الله.
  • الضَّبطْر: وهي كلمة الشديد.
  • الحيعلة: وهي قول المؤذّن: حيّ على الصلاة، حي على الفلاح.
  • الدَّمعَزة: وهي قول: أدام الله عزك.
  • المشألة: وهي قول: ما شاء الله.
  • الحيهلة: وهي قول: حيهلا بالشيء.
  • كبتع: وهي قول: كبت الله عدوك.
  • الجعفلة أو الجعفدة: هي قول: من جعلت فداك.
  • هيلل: أي قول: لا إله إلا الله.
  • وَيلَمّ: أي قول: ويلٌ لأمّه.
  • الحمدله: كلمة مشتقة من الحمد لله.
  • السبحلة: هي قول سبحان الله.
  • الطلبقة: هي قول: أطال الله بقاءك.

هل هناك علاقة بين النحت والاشتقاق؟

قد انقسم الباحثون في اللغة العربية بخصوص نسبة النحت إلى الاشتقاق إلى أربعة آراء مختلفة، وسيتم توضيح كلٍ منهم على حدا في الفقرات التالية:

1ـ الرأي الأول

ذهبت آراء الفريق الأول من علماء اللغة إلى أن النحو لا يمكن اعتباره من الاشتقاق لأنه غريب عنه، فلا يمكن أن يكون من ضروب الاشتقاق، واستدلوا على هذا بأن النحت غرضه الاختصار للكلمات أو الجمل، أما الاشتقاق فهو استخراج معنى جديد من الكلمة.

2ـ الرأي الثاني

ذهب رأى الفريق الثاني من العلماء إلى أن النحت له معنى الاشتقاق وهو توليد كلمة من كلمة، أو شيء من شيء.

3ـ الرأي الثالث

الرأي الثالث كان للعلامة محمود شكري الألوسي، وهو ما قام بدرج النحت في قسم الاشتقاق الأكبر، وهو عبارة عن أخذ لفظ من لفظ دون أن يتم الوضع في الاعتبار الحروف المأخوذة منها، أو الترتيب فيها، بل يكفي أن يكون الكلمة مشابهة للحروف في مخارج النطق، مثل كلمة نعق ونهق، و “الحوقلة” من جملة لا حول ولا قوة إلا بالله، لتدل على التلفظ بها.

4ـ الرأي الرابع

كان الرأي الرابع للشيخ عبد القادر المغربي من حيث قضية أن النحت يعد اشتقاقًا، هو أن النحت من قبيل الاشتقاق وليس اشتقاقًا في واقع الأمر، لأن الاشتقاق هو أن يتم خلق كلمة من كلمة، أما النحت هو خلق كلمة من كلمتين أو أكثر، وهي الكلمة التي يطلق عليها “الكلمة المنحوتة”.

ظاهرة النحت في اللغة بالعصر الحديث

قد قال الخليل عن لسان العرب أن الناس تلجأ إلى استخدام النحت في حالة استخدامهم الكلمتين بكثرة، دون العلم بأصل قاعدة النحت، كما تم النقل عن أبي عثمان المازني أنه قال: “ما قيس على كلام العرب فهو كلام العرب”.

موقف المحدثين من النحت

قد ربط المحدثون النحت بالاشتقاق، وجعلوه واحدًا من فنونه وعامل من أحد عوامل تنمية اللغة، وقد جاءت الكثير من الكتب للمحدثين عن النحت، منها ما سُميَّ: “الاشتقاق الكبَّار، وكما مر”، كما قال بعض المحدثين أن النحت غير قياسي، فهو مسموع وقد يكون رباعي أو خماسي، والألفاظ كالبسلمة والحوقلة تعد من الألفاظ المشتقة، وزعموا أنها ألفاظ مركبة وأن النحت غير قياسي.

جواز استخدام النحت في اللغة العربية

النحت حتى الآن لا يمكن أن يتم تغيير قواعده أو البحث، لكن من حيث جواز استخدام النحت في كلمات اللغة العربية فقد اختلف العلماء باللغة إلى قسمين الأول رفض استخدامه والثاني أجاز ذلك، وفيما يلي الآراء بالتفصيل:

  • طائفة الكرملي: هي التي ترى أن النحت لا يتماثل مع قواعد اللغة العربية، وأنه العربية ليست من اللغات التي تقبل النحت فيها كأهل الغرب، والمنحوتات لدينا عشر ولديهم ألوف، فاللغات الغربية تقبل تقديم المضاف إليه على المضاف، بينما لا تقبل العربية ذلك وتتبرأ من فاعليه.
  • الطائفة الثانية مالت نحو استخدام النحت والنقل اللفظي للمصطلحات.

اقرأ أيضًا: كم عدد حروف اللغة العربية

هل النحت سماعي أم قياسي؟

قد أقرّ الدكتور إبراهيم نجا ـ رحمه الله ـ أن النحت سماعي، فلا توجد له قاعدة يمكن السير عليها، سوى في حالة المركب الإضافي، فإنه يكون مبني على تركيب كلمة من الكلمتين على وزن كلمة “فعلل”، بأن يتم أخذ حرفي العين والفاء من كل لفظ، ثم يتم نسبه إلى الكلمة الجديدة، وما دون ذلك فهو يُبنى على السمع والأخذ من العرب.

لا يزال النحت كالرواية المتناقلة بأمثلته المحدودة، ولم يفكر العلماء بشكل جدي في التغيير في أصوله أو ضبط قواعده، حتى أن تم إباحة استخدامه لدى البعض وتبرأ الآخرين منه.

قد يعجبك أيضًا