أول دار بنيت في مكة

أول دار بنيت في مكة وبانيها ونسبه وقرابته للنبي صلى الله عليه وسلم. هذا ما سنتحدث عنه في موضوعنا اليوم المقدم لكم من موقع زيادة.

أول دار بنيت في مكة

إننا اليوم في صدد الحديث عن دارٍ من الديار التي عقدت فيها اجتماعاتٌ ومجالس كثيرة غيرت مجرى تاريخ أمة العرب وخاصةً قبيلة قريش، فقد كانت تلك الدار هي المسجد الجامع لكبرائهم وسادتهم وأشرافهم، يعقدون فيها كبرى الاجتماعات المصيرية التي تتعلق بالحرب والسلم وفض المنازعات بين القبائل المتصارعة، وكانت أيضًا لعقد حفلات النكاح وإتمام عقد الزواج وما إلى ذلك، بل وكانت المكان الذي اجتمعت فيه قريشٌ للتآمر على قتل نبي هذه الأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن لهذه الدار حكايةٌ طويلة دعونا نسردها منذ بدايتها.

ذكر المؤرخون الذين أرَّخوا تلك الفترة الزمنية من عمر البشرية أن من بنى هذه الدار كان “قصي بن كلاب” الجد الرابع لنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، اسم النبي الكامل هو:

مُحمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مَناف بن قُصي بن كِلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النّضْر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدركَة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن مَعد بن عدنان.

وقد كانت هذه الدار في البداية دار معيشةٍ لقصي بن كلاب وأهل بيته، وكانت تلك الدار إلى جوار الكعبة، فكان بابها مواجهًا للكعبة مباشرةً.

إقرأ أيضًا: جبل في مكة اشتهر في عهد قريش وحل اللغز

قصة باني دار الندوة

لم يكن اسم “قُصَيُّ” هو الاسم الحقيقي لباني دار الندوة في الجاهلية، بل كان اسمه “زيدًا”، وتوفي أبوه “كلاب بن مرة” وكان زيد صغيًا في السن، ولم يكد يدرك ما يدور حوله، فتزوجت أمه برجل من سادات “بني عَذْرَة” الذين كانوا يقطنون في أطراف بلاد الشام آنذاك، حيث تزوجت أمه فاطمة بنت سعد بن سيل من ربيعة بن حرام بعد وفاة والد زيد، فلما كان ذلك أخذت زيدًا معها وارتحلت به إلى موضع زوجها الجديد في ديار بني عذرة بالشام.

لما كبر قصي حدث بينه وبين رجلٍ من بني عذرة خلاف، فقام بمعايرته بأصله وأنه ليس واحدًا منهم، فلما رجع قصيٌ إلى أمه وأخبرها بما حدث مع ذلك الرجل أخبرته بأصله ونسبه ووالده فأصر على الرجوع لقومه في مكة إلا أن والدته كانت ترجوه ألا يفعل ذلك وحيدًا، فأشارت عليه أن يذهب مع قوافل الحجاج الذاهبين إلى بيت الله الحرام بمكة لئلا يعترض طريقه أحد من قطاع الطرق أو اللصوص، فوافق على طلبها.

لما بلغ قصيٌّ مكة تزوج ببنت زعيم مكة المكرمة “حُبَى بنت حليل بن حبشية الخزاعي” من قبيلة خزاعة، وكانت هي القبيلة الحاكمة آنذاك لمكة وأعمالها، فغنم قصيٌّ من زواجه ونسبه شرفًا على شرف، وغنم المال الكثير من كسب يده أيضًا.

توفي حليل بن حبشية الخزاعي الذي كما ذكرنا كان زعيم مكة آنذاك، واعتَبر قصيٌّ نفسه أولى الناس بهذا الشرف، فعمل على انتزاع سِدَانة الكعبة وولاية مكة رجوعًا لأنه زوج بنت سيد مكة المتوفي.

إقرأ أيضًا: اين تقع مكة المكرمة وتضاريسها ومناخها والأسماء التي اطلقت عليها

حرب قبيلة خزاعة مع قريش وبني عذرة

رفضت قبيلة خزاعة أن تعطي مثل هذه المكانة والشرف لقبيلةٍ أخرى، فلما رأى قُصيٌّ ذلك منهم لجأ لقومه وقبيلته “قريش” في أمر هذه المسألة، ولم يكتف بذلك فحسب، بل استنصر بقوم أمه من بني عذرة في الشام أيضًا، فتواصل مع أخيه لأمه “رزاح بن ربيعة بن حرام” فعجَّل في القدوم إليه والوقوف بجواره، فلما كان ذلك اقتتل الطرفان على حكم مكة ونيل شرف السدانة، حتى إذا فَنِيَ منهم الكثير وكثر قتلاهم وجرحاهم، اتفقوا على عقد الصلح..

فلما اجتمعوا اتخذوا قرارًا بجعل “يعمر بن عوف بن كعبٍ” حكمًا بينهم، فلما جلس للحكم بينهم أصدر حكمه بأن قصيًا أحق بولاية مكة المكرمة ممن دونه، وأن دم قبيلة خزاعة هدرٌ موضوع تحت قدمي قصي، فليس عليه شيء لهم، بل وعلى قبيلة خزاعة أن تدفع الدية لقتلى قريشٍ وبني عذرة، فتحقق طموح قصيٍ في ولاية مكة وسدانة الكعبة، فجمع قومه تحت مظلةٍ واحدة في مكة، وأقاموا المساكن والبيوت فيها.

ماذا تمَّ داخل دار الندوة؟

بعدما وضع قصيٌّ يده على الحكم والسلطة في مكة المكرمة، اتخذ من دار الندوة مقر حكمٍ وسكنٍ له، ولكن المؤرخون اختلفوا فيما إذا كانت هذه الدار هي أول دارٍ في مكة أم لا، فقد طرح بعضهم سؤالًا يدعوا للشك فقال: “أين كان يقطن أهل مكة قبل بناء أول دارٍ عندهم؟”، ولكن هناك بعض الروايات الأخرى التي تقضي بأن أهل مكة كانوا يقطنون شعاب الجبال وأوديتها ولم يكونوا بجوار البيت الحرام والكعبة، بل وكانوا أيضًا يسكنون الخيام.

وعلى أية حالٍ فقد كانت هذه الدار في الجاهلية كما ذكرنا كقصر الحكم في مكة، فقد وضع فيها قصيٌّ العديد من القوانين والتشريعات المنظِّمة لشؤون القبائل في مكة المكرمة وشئون البيت الحرام والكعبة، وقد عقدت فيها العديد من ألْوِيَةِ الحرب في مختلف الأزمنة مثل: حرب الفجار في زمن الجاهلية، وحروب (بدرٍ الكبرى – أحد – الخندق) وغيرها من الحروب، إلا أن بعض المؤرخين اختلفوا في صحة عقد لواء غزوتا بدرٍ والخندق من داخل دار الندوة.

وكما عقد في دار الندوة العديد من ألوية الحرب، وعقد أيضًا الكثير من معاهدات السلام التي جلبت الخير لمن في مكة جميعًا، ففيها عقد “حلف الفضول”، وهو الحلف الذي حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عنه: ” لقد شَهِدتُ في دارِ عبدِ الله بنِ جُدْعانَ حِلفًا ما أحبُّ أنَّ لي بهِ حُمْرَ النَّعَمِ، ولو أُدْعى بهِ في الإسلامِ لأَجبتُ”، فقد اتفق سادات مكة على ألا يجدوا مظلومًا إلا ردوا عنه مظلمته ودافعوا عنه، وكان ذلك من نبل أخلاق العرب آنذاك.

إقرأ أيضًا: من هو قاتل عمر بن الخطاب؟ ونسبه ونشأته وإسلامه وزوجاته

قصة اتفاق قريش على قتل النبي داخل دار الندوة

لما ضاقت قريشٌ ذرعًا بنبي الله صلى الله عليه وسلم ودعوته، عقدوا اجتماعًا داخل دار الندوة لينظروا في الأمر، وتشَكَّل الشيطان في هيئة شيخٍ مسنٍ فدخل عليهم فأجلسوه لأنهم كانوا يقدرون كبار السن، فاختلفوا على ثلاثة آراء:

  • نفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخراجه من مكة، ولكن هذا الرأي لم يلقى قبولًا لديهم، حيث أخبرهم الشيطان أنه يمكن له أن ينزل بأرض قومٍ فيدعوهم إلى دين الله عز وجل ثم يجمعهم لمحاربة أهل مكة والإغارة عليهم.
  • حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يموت داخل محبسه، ولكن الشيطان اعترض أيضًا قائلًا بأن أصحابه سيعلمون بأمره ويفكون أسره.
  • وأما الرأي الثالث فهو القول الذي نعرفه كلنا، فقد اقترح أبو جهل بن هشام أن يأخذوا من كل رجلٍ شابًا قويًا فيضربوه ضربة رجلٍ واحدٍ فيتفرق دمه بين قبائل مكة، فلا يستطيع بنو هاشمٍ الأخذ بثأرهم من جميع القبائل، وقد تمت الموافقة على هذا الرأي من كل المجتمعين بمن فيهم الشيطان المتمثل على هيئة رجلٍ عجوز.

وهذا ما تم في دار الندوة من تآمرٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته، ولكن الله رد كيدهم وتمت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة على خير.

إلى هنا نكون قد انتهينا من موضوعنا اليوم عن اول دار بنيت في مكة، وقد علمنا ما هذه الدار ومن بانيها، على أمل أن نكون قد أفدناكم وزدنا من معلوماتكم بهذا الموضوع القصير.

قد يعجبك أيضًا