أحاديث الرسول عن الصبر على البلاء

أحاديث الرسول عن الصبر على البلاء عديدة، فالصبر عبادة أوصانا الله عليها وحثنا على القيام بها رسوله الكريم، وفي ديننا الإسلامي العديد من الأمثال والصور على فضل الصبر في رفع البلاء وزوال الهم والغم، وفي مقالنا هذا من موقع زيادة، سنستعرض لكم ما جاء في سنة رسولنا الكريم عن الصبر وفضله في التخلص من البلاء.

أحاديث الرسول عن الصبر على البلاء

الصبر على البلاء عبادة، وما من شيءٍ سيءٍ يصيبنا إلا ويكفر الله لنا فيه ذنبٌ أو يختبرنا ليكافئنا على صبرنا ويقيننا به، والصبر يرفع من درجات العبد عند خالقه، وهذا لأن الصبر على البلاء، وحمد الله وشكره في السراء والضراء، هي من الخصال التي لا يتحلى بها غير المؤمنين بالواحد الأحد.

الصبر له أنواع عدة، فهناك صبر على الفقر، وصبرٌ على المرض، بالإضافة إلى الصبر على المصائب، وكل هذه الأنواع من أبواب الصبر على الابتلاءات، فالفقر والمرض والمصائب التي تحل بنا، جميعها رسائل من الله، تحثنا على طاعته والرضا بما قسمه لنا، بالإضافة إلى دفعنا للتقرب منه تبارك وتعالى.

كما أنها تعتبر فرصة ثمينة يمكننا من خلالها أن نُثقل من كفة حسناتنا وأعمالنا الطيبة في حال ما صبرنا ورضينا، وسينتهي الضيق والبلاء لا محالة، فهذا وعد الله، ولا يخلف الله وعده، فقد قال الله جلَّ جلاله في كتابه الحكيم، وتحديدًا في سورة الشرح: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿5﴾ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿6﴾}.

الله أعلم بمن يصبر، وأدرى بمن يمتنع عن ذلك، فلا يخفى على خالقنا شيء، ولا يظلم الله أحد فكما قال في الآية رقم 286 من سورة البقرة: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ}، وفي هذا دلالة واضحة على كون الله لا يكلف المرء ما لا يطيق.

بعث الله رسولنا الكريم، وحمله رسالته لإكمال مكارم الأخلاق، وليس هناك ما هو أجمل وأعظم من خُلُق الصبر، فهو من سبل التأدب مع الخالق، وتسليم الأمر لله جملةً وتفصيلًا، وقال الحبيب المصطفى في هذا الصدد: {الصَّبرُ ضياءٌ}.

ما يعني أن صبر المؤمن والمسلم على الابتلاءات، وعدم معصية الله آنذاك، بالإضافة إلى التأدُب في التعامل أوقات البلاْء، ضياءٌ للصابرين، وهناك العديد من الأحاديث التي تحثنا على أداء هذه العبادة العظيمة، نذكر هذه الأحاديث فيما يلي من سطور وفقرات.

اقرأ أيضًا: خطبة قصيرة عن الصبر في القرأن الكريم

الفرق بين البلاء والابتلاء

قبل تناول أحاديث الرسول عن الصبر على البلاء، علينا أن نعرف الفرق بين البلاء والابتلاء، فهما ليسا سيان، وهو أمرٌ قد يختلط على الكثيرين، فالابتلاء هو جزء صغير من البلاء، وهو من صوره، ويختص الله بالابتلاء من يحب، فإذا أحب الله عبدًا ابتلاه، فقد قال الله تعالى في كتابه الحكيم وتحديدًا في سورة الأحزاب: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}.

أما البلاء فهو المصائب والكوارث التي تصيب الإنسان، ويختص الله به من ابتعد عنه من عباده وضل السبيل، أو من تهاون في أداء العبادات وارتكب العديد من المعاصي، فالبلاء مرتبط بمن نسي الله وتمادى في ذلك، ولكن هدف البلاء هو الصبر، والعودة إلى الله وطريق الحق.

فالصبر وحسن طاعة الله هما سبيل رفع البلاء، وجاء في الآية رقم 155 من سورة البقرة، قول الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، فالله يبشر الصابرين على البلاء حتى المقصرين منهم والمذنبين الخطائين، فهو رحيمٌ بعباده وهو الكريم.

البلاء والابتلاء كلاهما اختبارات وامتحانات، قد تكون طيبة وقد تكون سيئة، ومن الخطأ ربط البلاء والابتلاء بالشر والسوء فقط، فمن الممكن أن يختبر الله عبدًا بإعطائه الكثير من المال، والاختبار هنا هو طريقة تصرف هذا الرجل في المال.

يرتبط البلاء أكثر بالمشاكل والأعباء الشاقة التي تتسبب بالحمل والتعب البدني منه والنفسي، فالابتلاء إذا لازمه تعبٌ أو مشقة كان من البلاء.

البلاء والابتلاء فرصة للتقرب من الله وارتفاع منزلتك لدى خالقك، فلا تضع هذه الفرصة، واحمد الله واشكر فضله في الضراء قبل السراء.

أحاديث الصبر على البلاء في سنة أشرف الخلق

ورد في السنة النبوية الخاصة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم العديد من الأحاديث التي اختص فيها بذكر فضل الصبر وثوابه، بالإضافة إلى دوره في تهذيب أنفسنا، وتغييرنا لما هو أفضل، وكما نعلم، فلا ينطق رسولنا الكريم عن الهوى، وفيما يلي، نستعرض لكم العديد من أحاديث الرسول عن الصبر على البلاء.

  • جاء على لسان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، أنه سأل رسول الله ما يلي: {يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثَلُ، فيُبتلى الرَّجلُ على حسْبِ دينِه، فإن كانَ في دينهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ على حسْبِ دينِه، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي على الأرضِ ما عليْهِ خطيئةٌ}.

شرح الحديث

هذا الحديث من أحاديث الرسول عن الصبر على البلاء، وهو مذكور في صحيح الترمذي، وسبب هذا الحديث هو سؤال سعد بن أبي وقاص لرسولنا الكريم عن أكثر الناس ابتلاءً، فقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إن الأنبياء هم أكثر من ابتلوا.

فقد قال رسولنا الكريم أن الابتلاء يصيب المؤمن على حسب دينه، فمن كان دينه قويًا وقلبه عامر بالإيمان، كان الابتلاء أشد، ومن كان ضعيف الإيمان ابتُلي في دينه، فهو اختبار صعب من الله جلَّ جلاله، ولا يبرح البلاء العبد حتى يمشى على الأرض وقد حُطت عنه كل خطاياه.

  • ورد أن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ}.

شرح الحديث

الحديث أعلاه من الأحاديث المذكورة في صحيح الترمذي، وفي هذا الحديث دلاله على الجزاء والمكافأة التي ينالها من يصبر على البلاء، فالبلاء كلما زاد، ازداد معه الجزاء والثواب، والله لا يبتلي إلا من يُحب، فمن رضي على ابتلاء الله له، أرضاه الله وكان عنده محمودًا، ومن سخط ولم يصبر، كان عند الله من المذمومين.

اقرأ أيضًا: أحاديث نبوية عن الصبر

 الصبر على المرض في السنة النبوية

هناك العديد من أحاديث الرسول عن الصبر على البلاء اختصت بالمرض، فالمرض يتطلب الصبر والشكر والحمد، ومن أمثلة هذه الأحاديث ما يلي:

  • جاء على لسان الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ما يُصِيبُ المُؤْمِنَ مِن وصَبٍ، ولا نَصَبٍ، ولا سَقَمٍ، ولا حَزَنٍ حتَّى الهَمِّ يُهَمُّهُ، إلَّا كُفِّرَ به مِن سَيِّئاتِهِ}.

شرح الحديث

في هذا الحديث يقول سيدنا محمد أشرف الخلق، أن الأوجاع والآلام التي تصيب المؤمن، بالإضافة إلى التعب والمرض جميعها تكفر من سيئات المؤمن وتزيد من حسناته وترفع مكانته عند الله جلَّ وعلا، ويكون عنده محمودًا، فالصبر على المرض من طاعة الله وحُسن عبادته.

  • ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: {دَخَلْتُ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَمَسِسْتُهُ بيَدِي، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا! فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أجَلْ، إنِّي أُوعَكُ كما يُوعَكُ رَجُلانِ مِنكُم، فَقُلتُ: ذلكَ أنَّ لكَ أجْرَيْنِ؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أجَلْ. ثُمَّ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما مِن مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذًى؛ مَرَضٌ فَما سِواهُ، إلَّا حَطَّ اللَّهُ له سَيِّئاتِهِ، كما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ ورَقَها}.

شرح الحديث

في هذا الحديث الذي جاء في صحيح البخاري، يروي عبد الله بن مسعود موقفًا مر به مع رسولنا الكريم، فيقول إنه دخل على الحبيب المصطفى ومسسه بيده، فلاحظ ارتفاع درجة حرارته، فقال له أنه يعاني من وعكة صحية شديدة.

فما كان من سيدنا محمد إلا أن يقول إنه يمرض كمرض رجلين، فسأله عبد الله بن مسعود عن أجره جراء ذلك، فأجابه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أنه يحظى بضعف الأجر، فما من مسلم يُصب بسوء من مرض وغيره، إلا حُطت عنه سيئاته وسقطت عنه ذنوبه كما تسقط الأوراق من على الشجر.

جزاء الصبر على البلاء في الأحاديث النبوية

هناك العديد من الأمور التي تعود علينا من الصبر على ما بلانا وابتلانا الله به، فالصبر للمؤمن يعني ارتفاع المكانة الخاصة به عند خالقه، والصبر للعاصي يقربه من الله ويضعه على الطريق الصحيح، والله يهدي من يشاء ومن يحب، ومن أحاديث الرسول عن الصبر على البلاء وجزاء ذلك ما يلي:

  • جاء على لسان السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ما مِن مُصِيبَةٍ تُصِيبُ المُسْلِمَ إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بها عنْه، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشاكُها}.

شرح الحديث

ورد الحديث أعلاه في صحيح البخاري، وفي هذا الحديث تصوير لمدى لطف الله ورحمته بعباده، فحتى الشوكة التي قد يشاك بها الإنسان وتتسبب له في ألم مؤقت وطفيف، يكفر الله بها سيئات من أصابته، فما بالك بالمصائب الكبرى والامراض العُضال التي تصيب الإنسان ويصبر عليها.

  • ورد في السلسلة الصحيحة أن أبا هريرة رضي الله عنه قال، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إنَّ الرجلَ ليكون له عند اللهِ المنزلةُ، فما يبلغهُا بعملٍ، فلا يزال اللهُ يبتلِيه بما يكره يُبَلِّغُه إياها}.

شرح الحديث

في هذا الحديث يقول رسولنا الكريم أنه في حال ما كتب الله لمرءٍ مكانةً عنده ولم يستطع الرجل بلوغها بأعماله الحسنة، فإن الله يبتليه حينها بما يكره حتى يكفر عنه ويجازيه الخير ليبلغها، فلك أن تتخيل لطف الله ورحمته لعباده.

  • قال أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، أنه سمع محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا أرادَ اللَّهُ بعبدِه الخيرَ عجَّلَ لَه العقوبةَ في الدُّنيا، وإذَا أرادَ اللَّهُ بعبدِه الشَّرَّ أمسَك عنهُ بذنبِه حتَّى يوافيَ بِه يومَ القيامة}.

اقرأ أيضًا: سيرة الرسول كاملة مكتوبة

شرح الحديث

هذا الحديث من الأحاديث الواردة في صحيح الترمذي، ويقول فيه رسولنا الكريم أن الله إذا أحب أن يمد عبده بالخير أعطاه عذابه عن أعماله السيئة في الدنيا وكفر له عنها.

أما في حال ما أراد له الشر، يمسك عنه العذاب وفي الدنيا ويمده بالخير إلى أن يعاقبه في الآخرة يوم القيامة، فالله يعذب من يحب في الدنيا ليرحمه من عذاب الآخرة، فعذاب الدنيا لا يقارن بأهوال يوم القيامة أعاذنا الله منها.

الابتلاء والبلاء كلاهما وسائل يفرق الله فيهما بين المؤمن الصابر، وبين الساخط على قدر الله، فيكافئ الله من صبر، ويعذب من اعترض على حكمه ولم يغتنم البلاء والابتلاء للتقرب من الله جلَّ جلاله.

قد يعجبك أيضًا