ما هي مراتب الدين؟

ما هي مراتب الدين الإسلامي وما منهم الأعم من الأخرى وكيف يصل المسلم إلى المرتبة العليا… من أهم المباحث التي تناولها علماء الفقه الإسلامي وعلماء العقيدة، بينما علماء الحديث يعتبرون الحديث الذي يجيب عن سؤال ما هي مراتب الدين الإسلامي من أهم الأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحديث الشهير باسم (حديث جبريل) نري الإمام النووي رحمه الله قد عده الحديث الثاني في (الأربعون في مباني الإسلام وقواعد الأحكام).

لعظم هذا الأمر سنتناول في هذا الموضوع على موقع زيادة إجابة الفقهاء عن سؤال الأربعون في مباني الإسلام وقواعد الأحكام ببعض من التفصيل.

ما هي مراتب الدين؟

الإجابة المختصرة لسؤال ما هي مراتب الدين هو أن للدين ثلاث مراتب هي:

  • الإسلام.
  • الإيمان.
  • الإحسان.

بالطبع لا يكفي المؤمن العلم بأسماء هذا المراتب ولا بد أن نأتي عليها ببعض من التفصيل، ولعظم مراتب الدين  قد نزل بها سيدنا جبريل بذاته ليعلم الصحابة بها، ونقلوها لنا وهو الحديث الشهير باسم “حديث جبريل”، وسوف نتناوله بالشرح المفصل فيما يلي.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: أشهر كتب تفسير القرآن الكريم القديمة والحديثة وتفسير ابن كثير والطبري والشيخ الشعراوي

حديث جبريل

الحديث طويل نسبيًا سنقتطف منه موضع الشاهد في موضوعنا اليوم عن إجابة السؤال ما هي مراتب الدين، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:

“بيْنَما نَحْنُ عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يَومٍ، إذْ طَلَعَ عليْنا رَجُلٌ شَدِيدُ بَياضِ الثِّيابِ، شَدِيدُ سَوادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عليه أثَرُ السَّفَرِ، ولا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حتَّى جَلَسَ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ، ووَضَعَ كَفَّيْهِ علَى فَخِذَيْهِ. وَقالَ: يا مُحَمَّدُ أخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: الإسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتِيَ الزَّكاةَ، وتَصُومَ رَمَضانَ، وتَحُجَّ البَيْتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إلَيْهِ سَبِيلًا، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فَعَجِبْنا له يَسْأَلُهُ، ويُصَدِّقُهُ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ، قالَ: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسانِ، قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإنَّه يَراكَ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قالَ: ما المَسْؤُولُ عَنْها بأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ …، قالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قالَ لِي: يا عُمَرُ أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّه جِبْرِيلُ أتاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ”. (صحيح مسلم 8)

شرح الحديث

بينما كان الصحابة يجلسون عند النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليهم رجل لا يعلمون من هو وصفه عمر بن الخطاب أنه رجل يلبس ملابس شديدة البياض وشعره شديد السواد ولا يظهر عليه آثار تدل على أنه كان مسافر من مكان بعيد، فلا يوجد أي أتربة ولا يظهر عليه إرهاق.

دخل إلى مجلسهم وأسند ركبتيه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ووضع يده على فخذيه أو على فخذ النبي وقال الرجل للنبي:

سؤاله عن الإسلام

” يا مُحَمَّدُ أخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ” أي يا محمد علمني عن الإسلام؛ فرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله فلا معبود سواه وتؤدي الصلاة في أوقاتها وتؤدي الزكاة لمستحقيها بالقدر الذي حدده الشرع، وأن تصوم شهر رمضان، وأن تحج البيت الحرام إن استطعت إليه السبيل (بالمال والزاد والراحلة والصحة والأمان …).

“صَدَقْتَ” فتعجب الصحابة أن السائل يسأل ومن ثم يؤكد أن الإجابة صحيحة.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: شرح حديث إنما الأعمال بالنيات والدروس المستفادة منه

سؤاله عن الإيمان

“فأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ” فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان هو أن تؤمن وتعتقد بوجود الله وبتوحيد ألوهيته وتوحيد ربوبيته، والإيمان بأسمائه وصفاته، وبالملائكة على أنهم المخلوقات التي خلقها الله من نور، والإيمان بكافة الكتب التي نزلت على النبين من قبل (التوراة والإنجيل …) وجميع الكتب التي تم نسخها بالقرآن والإيمان بالقرآن.
الإيمان هو أن يؤمن المسلم المؤمن بإن الله تعالى أرسل إلى العباد رسلًا مبشرين ومنذرين، وباليوم الآخر أي الاعتقاد بوجود يوم القيامة ووجود الجنة والنار وأن أهل الجنة سيدخلونها وأن أهل النار سيصلونها، والإيمان أيضًا بالقدر خيره وشره أي الإيمان بعلم الله الازلي المدر للأشياء وأحوالها، والإيمان بأن الله قد قدر الشر والخير قبل أن يخلق الوجود، وأن جميع من في الوجود يسيرون وفق قدر الرحمن.

سؤاله عن الإحسان

“فأخْبِرني عنِ الإحْسانِ” فرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الإحسان هو أن توحد الله وتعبده وتطيع أوامره، وتنتهي عن نواهيه كأنك تراه أي نفس معاملة من تراه في الذل والخضوع وصدق المشاعر في العبادات، حتى إن نسيت أن تتلبس إحساس أنك تراه فإنه يراك في كل الأحيان ويراقبك وهذا أدعى لصدق العبادات.

سؤاله عن الساعة

“فأخْبِرني عنِ السَّاعةِ” أي يسأله عن موعد الساعة فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن ما المسؤول عن وقتها أعلى من السائل أي أن الله تعالى قد استأثر بعلمها.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك.. شرح الحديث بالتفصيل

من هو الرجل السائل

بعد أن سأل الرجل تلك الأسئلة انطلق وترك المجلس، بعد فترة سأل الرسول صلى الله عليه وسلم سيدنا عمر بن الخطاب أتدري من الرجل هذا (يقصد الذي جاء يسأل ويصدق على الإجابة) فقال سيدنا عمر: “للَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ” فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل هو سيدنا جبريل عليه السلام أتاهم ليعلمهم أمور الدين لأنه هو السبب عن السؤال.

من هذا الحديث الشريف نفهم نظرة عامة على ماهية مراتب الدين وتفصيلها على النحو التالي:

المرتبة الأولى: الإسلام

المرتبة الأولى في إجابة سؤال ما هي مراتب الدين، هو الإسلام؛ في اللغة العربية الإسلام هو الانقياد والخضوع والذل (لسان العرب 12/293).

بينما في المصطلح الشرعي فالإسلام له معنيان.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: أشهر كتب تفسير القرآن الكريم القديمة والحديثة وتفسير ابن كثير والطبري والشيخ الشعراوي

المعنى الأول للإسلام

هو أن يتم ذكره في العموم دون التقيد بالإيمان ولا مقترن به، في تلك الحالة إن الإسلام هو الدين كله (الأصول والفروع والعبادات وأقوال وأفعال …) نحو قول الله تعالى:

  • “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ” (آل عمران 19).
  • “… الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا …” (المائدة 3).
  • “وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (آل عمران 85).

يعرفه بعض أهل العلم بأن الإسلام هو الانقياد لله والاستسلام له توحيد الربوبية والألوهية له، والبراء من الشرك والمشركين.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: اللهم اهدنا فيمن هديت ما شرح هذا الحديث؟

المعنى الثاني للإسلام

أن تطلق كلمة الإسلام مقترنة بالإيمان فيراد به جملة الأعمال الظاهرة والعبادات، نحو قول الله تعالى: “قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (الحجرات 14).

أيضًا في الحديث الطويل عن سعد بن أبي وقاص…

أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعْطَى رَهْطًا وسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا هو أعْجَبُهُمْ إلَيَّ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ ما لكَ عن فُلَانٍ فَوَاللَّهِ إنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقالَ: “أوْ مُسْلِمًا” فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي ما أعْلَمُ منه، فَعُدْتُ لِمَقالتِي، فَقُلتُ: ما لكَ عن فُلَانٍ؟ فَوَاللَّهِ إنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقالَ: “أوْ مُسْلِمًا”.
ثُمَّ غَلَبَنِي ما أعْلَمُ منه فَعُدْتُ لِمَقالتِي، وعَادَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ قالَ: يا سَعْدُ إنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وغَيْرُهُ أحَبُّ إلَيَّ منه، خَشْيَةَ أنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ في النَّارِ” (صحيح البخاري 27).

موضع الشاهد: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد بن أبي وقاص عندما قال له أنه يرى أن الرجل مؤمن فقال له: “أو مسلمًا” أي أنت رأيت إسلامه فقط بينما الإيمان في القلب فلم تراه، فالإسلام في هذا الحديث بالأعمال الظاهرة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاويه (635/7):

“لفظ الإسلام يجمع معنيين: أحدهما: الانقياد والاستسلام. والثاني: إخلاص ذلك، وإفراده.. وعنوانه قول: لا إله إلا الله. وله معنيان: أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له، الذي بعث به جميع الأنبياء، كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة… والثاني: ما اختص به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين، والشرعة، والمنهاج…”.

مراتب الإسلام

استكمل شيخ الإسلام ابن تيمية حديثه السابق بتوضيح مراتب الإسلام فقال:

“وله مرتبتان: إحداهما: الظاهر من القول والعمل، وهي المباني الخمسة… والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن”، فالمرتبة الأولى من الإسلام هي المباني الخمس أي أدائها، والمباني الخمس هي أركان الإسلام الخمس الوارد ذكرهم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ” بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ” (صحيح البخاري 8)

المرتبة الثانية: الإيمان

المرتبة الثانية  في إجابة سؤال ما هي مراتب الدين هو الإيمان؛ في اللغة العربية الإيمان هو التصديق الموجب للقبول والأتباع نحو قول اخوة يوسف لأبيهم: “… وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ” (يوسف 17).

بينما في المصطلح الشرعي فالإيمان لها معنيان أيضًا، هما:

المعنى الأول للإيمان

أن يطلق لفظ الإيمان دون تقيد، ودون أن يقترن بلفظ الإسلام فحينها يراد به الدين الإسلامي كله، والمؤمنون هم من يدينون بدين الإسلام ويظهر هذا المعنى جليًا في قول الله تعالى في بداية سورة الأنفال:

“إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3) أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)”.

قال في سورة الحجرات: ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)”.

كذلك فسر الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان بهذا المعنى في أكثر من حديث، نحو:

  • حديث طويل عن عبد الله بن عباس قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: “… أتَدْرُونَ ما الإيمانُ باللَّهِ وحْدَهُ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقامُ الصَّلاةِ، وإيتاءُ الزَّكاةِ، وصِيامُ رَمَضانَ، وأَنْ تُعْطُوا مِنَ المَغْنَمِ الخُمُسَ…” (صحيح البخاري 53)، فنجد في هذا الحديث أن الإيمان هو الإسلام بالمعنى العام بدليل أنه ذكر نفس أركان الإسلام.
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: “الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ” (صحيح مسلم 35).

في هذا الحديث نجد أن الرسول قد ذكر الإيمان بمعنى الإسلام الكامل.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: كم عدد صفات المؤمنين التي ذكرت في آيات سورة المؤمنون وما هي؟

المعنى الثاني للإيمان

المعنى الثاني للإيمان هو المقابل للمعنى الثاني للإسلام الذي ذكرناه، وهو أن يُذكر الإيمان مقرونًا بالإسلام، في تلك الحالة الإيمان هو الاعتقاد الباطني، وقد ورد ذلك في أكثر من وضع في كتاب الله ومن سنة نبيه نحو:

قول الله تعالى في سورة النساء: “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)”.

فالمؤمنين هنا مُفضلون عن المسلمين، أي أن الإيمان أعلى منزلة عن الإيمان بهذا المعنى.

  • حديث سيدنا جبريل الشهير الثاني في الأربعين النووية السابق ذكره.
  • دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم للميت الذي رواه أبو هريرة: “اللَّهُمَّ اغفِر لحيِّنا وميِّتِنا وصغيرِنا وَكبيرِنا وذَكَرِنا وأنثانا وشاهدِنا وغائبِنا اللَّهُمَّ مَن أحييتَه منَّا فأحيِهِ علَى الإيمانِ ومَن تَوفَّيتَه مِنَّا فتوفَّهُ على الإسلامِ اللَّهُمَّ لا تحرِمنا أجرَه ولا تُضِلَّنا بعدَه” (مسند أحمد 8809)، وفي رواية تخريج زاد المعاد: “…اللَّهُمَّ مَن أحْيَيْتَه منَّا فأَحْيِه على الإسْلامِ، ومَن تَوَفَّيْتَه منَّا فتَوَفَّه على الإيمانِ…”.

هذا لأن الإسلام بهذا المعنى هو أعمال الجوارح من عبادات وخلافه، أما الإيمان هو الثابت في القلب المتشبث فيه.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: سبب نزول سورة النساء وفوائد علم أسباب النزول

المرتبة الثالثة: الإحسان

المرتبة الثالثة في إجابة سؤال ما هي مراتب الدين هو الإحسان؛ في اللغة العربية الإحسان هو من مصدر أحسن/ يحسن/ إحسانًا، وهو إجادة العمل والإخلاص فيه

بينما في المصطلح الشرعي فالإحسان له نوعان هما:

النوع الأول من الإحسان

هو الإحسان إلى العباد أي أن يقوم المؤمن على أداء حقوقهم على أكمل وجه، من بر الوالدين وصلة الأرحام والبيع بسماحة… حتى الإحسان إلى الذبيحة حين ذبحها، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ” (صحيح مسلم 1955)، فالإحسان المذكور في الحديث هذا هو إراحة الذبيحة عند ذبحها.

كما أن الفقهاء أشاروا في هذا النوع من الإحسان إلى الإحسان المستحب، وهو الزيادة عن الواجب (الحكم الشرعي المقابل للمستحب والمباح والمكروه والحرام) من أي جانب سواء في العبادات أو أداء الحقوق أو حتى الإحسان إلى المسيء، وفي ذلك قال الله تعالى في سورة فصلت: “وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)”.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ما هي أسباب نزول سورة البروج؟ وسبب تسميتها

النوع الثاني من الإحسان

الإحسان في العبادة هو المراد بالمرتبة الثالثة والأعلى في مراتب الدين الإسلامي؛ ذاك الذي أجمله الرسول صلى الله عليه وسلم في تعبير بليغ حين قال: “أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإنَّه يَراكَ”.

إذا كانت المرتبة الأولى من مراتب الدين هي الإسلام معنى أداء الأركان الظاهرة بالجوارح، والإيمان هو الأركان الباطنة واليقين بها في القلب؛ فإن الإحسان هو الزيادة عليهما بما لا يخالف الشرع وتحسينهما في الظاهر والباطن.

في هذا المعنى قال الله تعالى:

  • “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا” (الكهف 30).
  • “لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (المائدة 93).
  • “لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” (يونس 26).

بجانب أكثر من موضع آخر يقصر المقام عن ذكرهما، فإن أهل الإحسان هم أعلى المسلمين منزلة؛ فقد ورد في فضلهم قرآن يُتلى إلى يوم الدين لم يرد في غيرهم.

على كل ما سبق نقله من أقوال الفقهاء والمفسرون وعلماء الحديث وعلماء الحديث فتلك هي إجابة سؤال ما هي مراتب الدين الإسلامي.

خلاصة الموضوع في 10 نقاط

في نقلنا لأقوال علماء المسلمين حول إجابة سؤال ما هي مراتب الدين الإسلامي قد توصلنا إلى:

  1. إجابة سؤال ما هي مراتب الدين على الترتيب هي (الإسلام، الإيمان، الإحسان).
  2. لعظم أمر الإسلام والإيمان والإحسان جاء سيدنا جبريل بنفسه ليعلمه للصحابة في صورة بشري.
  3. الإسلام في اللغة العربية هو الانقياد والخضوع والذل، بينما في المصطلح الشرعي فيختلف معناه إذا ورد منفردًا، وإذا ورد مقرنًا مع الإيمان.
  4. للإسلام مرتبتان على قول شيخ الإسلام ابن تيمية، فالأولى هي أداء الفروض والثانية أن الظاهر للمسلم يكون مطابق للباطن.
  5. الإيمان في اللغة العربية هو التصديق الموجب للقبول والأتباع الثابت في القلب.
  6. استأثر الله سبحانه وتعالى بعلم موعد الساعة.
  7. حين يطلق لفظ الإيمان دون تقيد، ودون أن يقترن بلفظ الإسلام فإنه يراد به الدين الإسلامي كله.
  8. عندما يُذكر الإيمان مقرونًا بالإسلام، في تلك الحالة يكون هو الاعتقاد الباطني الثابت في قلب المسلم.
  9. الإحسان في اللغة العربية وهو إجادة العمل والإخلاص فيه.
  10. الإحسان (المرتبة العليا للدين) هو الزيادة على الإيمان والإسلام بما لا يخالف الشرع وتحسين العبادات في الظاهر والباطن.
قد يعجبك أيضًا