متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا قصة هذه المقولة وقائلها

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا الجملة الأشهر المأثورة على لسان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في قصة إنصاف القبطي المصري، وتناقلتها الألسن، واقتبسها الأدباء في أعمالهم

بل أن في الخطب الثورية لبعض القادة قد اقتبسوا تلك المقولة في موضع التنديد بالظلم والاستعباد.

فما هي قصة هذا المقولة، وما مستوى صدقها، ذلك ما سنتناوله في موضوعنا هذا على موقع زيادة.

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا

تروي القصة أنه في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء إليه رجل من أهل مصر يشكو له ظلم ألم به من والي مصر “عمرو بن العاص”

قال الرجل أنه كان يتسابق مع ابن عمرو بن العاص فسبقه، فقام ابن عمرو بن العاص بضربه بالسياط وقال له أنا ابن الأكرمين.

فكتب أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص يأمره أن يأتي إليه ويكون معه ابنه.

فلما قدم عمرو بن العاص فأمره أن يؤتى بالرجل المصري، وأمره أن يأخذ السوط و أن يضرب عمر بن العاص، ويقول أمير المؤمنين عمر: “أضرب ابن الأكرمين”

ثم قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب:

“متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا” وفي رواية إنه قال: ” مُذْ كَمْ تَعَبَّدْتُمُ النَّاسَ وَقَدْ وَلَدَتْهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ أَحْرَارَاً؟”

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: من هو عمرو بن العاص؟ وصفاته ونسبة وزوجاته وأبنائه ووفاته

تخريج القصة في كتب التاريخ

وردت قصة القول: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا” في عدة كتب تاريخ وسير مثل:

  • كتاب الولاية على البلدان.
  • ” فتوح مصر و أخبارها ” صـ 290 لابن عبد الحكم.
  • ” حياة الصحابة ” ( 2 / 88 ) باب : عدل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لمحمد بن يوسف الكاندهلوي
  • “كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال” ( 12 /660 ) لعلاء الدين علي.
  • ذكرها العقاد في كتاب “عبقرية عمر” وأزاد عليها ما ليس له أصل من الصحة

تحقيق القصة من حيس السند

يرى علماء الحديث أن هذه القصة ضعيفة السند، ومنقطعة السند، هذا الانقطاع يظهر في سند القصة في الكتب، حيث المصدر الأول الذي نٌقل عنه (فتوح مصر) قال صاحبه في الصفحة رقم 290: ” حُدثَنا عن أبى عبدة عن ثابت البُناني وحُمَيْد عن أنس” ثم ذكر القصة

وبالبحث في كتاب “تهذيب الكمال” عن الرواة الذين نقلوا عن حميد لم نجد من بينهم أبو عبد الله، وبهذا أصبح السند منقطع.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: دعاء الاحتجاب لامير المؤمنين مكتوب وفضل الدعاء

تحقيق القصة من حيث المتن

وقف المحققون في تلك القصة على أكثر من مأخذ في متنها، يدل على أنها غير صحيحة

المأخذ الأول

قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب للرجل المصري:

“ضعها على صلعة عمر” وقال الله تعالى في محكم التنزيل: ” وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (فاطر 18) فكيف يعاقب الفارق عمر رجل على جريرة آخر.

المأخذ الثاني

أن في هذه القصة بروايتها نُسب إلى سيدنا عمرو بن الخطاب وهو يضرب الرجل أن قال له: ” اضرب ابن الألْيَمين” والألْيَمين هي سبة مغلظة من كلمة لئيم، وقيل في لسان العرب أن اللئيم هو دنيء الأصل شحيح النفس، وهذا لا يجوز ولا يصدر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

فقد قال أبو ذر الغفاري نفسه:

“لَقِيتُ أبَا ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ، وعليه حُلَّةٌ، وعلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ، فَقالَ: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ، فَقالَ لي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ” (صحيح البخاري 30).

فكيف يصدر ذلك على ثاني أفضل الصحابة بعد سيدنا أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: أول من لقب بأمير المؤمنين وما سبب نشأة هذا اللقب

بذلك نكون قد نقلنا لكم قصة مقولة “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا” وأقوال المؤرخين في قصة نسبها إلى سيدنا عمر بن الخطاب، نرجو أن نكون قد أفدناكم.

قد يعجبك أيضًا