متى تجب كفارة اليمين

متى تجب كفارة اليمين؟ وما الدليل على ذلك؟ فنجد أن كفارة اليمين من الأحكام التي يجب الانتباه إليها نظرًا لأن أدائها واجبٌ حتى لا يكون مُخالفها آثمًا، وما نقوم بتوضيحه من أحكام دينية يجب أن يستند إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، لذلك من خلال موقع زيادة سنقوم بتوضيح الإجابة عن متى تجب كفارة اليمين، من خلال الإشارة إلى أقسام اليمين وما يستوجب الكفارة منها.

متى تجب كفارة اليمين؟

متى تجب كفارة اليمين

إن كفارة اليمين واجبة في حالة عدم الوفاء بما تعهد به المرء أن يفعله مُستقبلًا، وقد خالف ذلك فيما بعد، فيكون مُخالفًا لما عزم باليمين عليه، وهنا يجب الكفارة عن ذلك اليمين، لأن الحلف بالله لا يجب أن يُستهان به، أو أن يُصبح استخفافًا حاشاه.

قال الله تعالى: “لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (الآية 89 سورة المائدة).

هكذا فإن النصوص الإلهية الجليلة تُبين لنا الأوامر والنواهي ببساطة دون أدنى تعقيد، حتى يدركها العباد على اختلاف عقولهم، فقد أوضح لنا عزّ وجلّ أن الذي يستوجب الكفارة هو ما تم العقد والعزم عليه بالنية والمقصد، فكان يمينًا واجبًا، فيتراتب على مخالفته كفارةً.

على العكس من الأيمان في حالة لغو الحديث، فذلك الحلفان لا يستوجب كفارة، والأمر جليًا هكذا فلا يجوز التجاوز، علاوةً على أنه لا يجوز إنكار اليمين إن حدث بحجة أنه من اللغو، لنذكر هنا أن الله مُطلع على النوايا وما تُخفي الأنفس.

اقرأ أيضًا: ما هي كفارة اليمين

كفارة اليمين

أما عن الكفارة فهي متعددة، ولها أحكامًا وآدابًا وشروطًا، وفي العموم تدور أغلبها حول فكرة المنح والعطاء.

فهو إما أن يكون منحًا للغذاء لمن يحتاجه من المساكين، وإما منح الستر والكسوة من الملابس، وإما أعظم عطاء وهو منح الحرية للعبيد، وكان ذلك الأمر قديمًا، أما الآن فتدور أشكال الكفارة حول التصدق، ناهيك عن الصيام ثلاثة أيام لوجه الله تعالى كنوع من أنواع الكفارة.

فما إن كان المرء بوسعه أن يتصدق على الفقراء والمساكين فليتصدق، وما إن كان يرغب في الصيام فليفعل، حيث إن تنوع أشكال الكفارة في ذاته به شيء من الرحمة بالعباد، فمن لا يقدر على شيء يجد البديل الآخر أمامه، حتى يؤدي كفارته.

إن العلم بتوقيت وجوب كفارة اليمين يستدعي أن نشير إلى شرط وجود الكفارة ذاتها عند الاقتران باليمين، فاليمين له أقسام تختلف في الحكم الواقع على كلٍ منها.

اليمين اللغو

هو ما يقترن بلغو الحديث، أي الأقوال التي تخلو من الحكمة المتأنية في طياتها، كحديث العامة “لا والله” وهكذا، فذلك النوع من اليمين لا كفارة له.

لعلّ الحكمة من ذلك أن نية المُتكلم في الحلفان لا تتواجد في أثناء لغوه المُعتاد من حديثه، فهو لا يؤخذ عليه إذن، حيث إن النوايا دائمًا لها النصيب الأكبر في تحديد الحكم على الفعل، كذلك عند الله -سُبحانه وتعالى- يتم الاهتمام بما تكنّه النفوس والقلوب.

اقرأ أيضًا: الفرق بين الكفارة والفدية

اليمين العقد

أن يقوم المرء بحلف اليمين بالله على أمر غيبيّ في المستقبل، هو ليس بناظره وإنما يتعهد به بأن يفعله أو لا يفعله فيما بعد، وحينما يأتي الأوان ويُصبح عليه الوفاء باليمين، كان حنثًا متراجعًا فلا يفي بما تعهد أمام الله -عز وجلّ-.

لذا في هذه الحالة توجب عليه الكفارة، وكما أشرنا إلى طرق تأديتها سلفًا، لذا فإن إجابة سؤال متى تجب كفارة اليمين تحديدًا عند ذلك النوع من اليمين العقد أو المتعقد، الذي يستوفي التحديد المُسبق مع اقتران النيّة.

اليمين الغموس

إذا كان يمين العقد هو ما يستوجب الكفارة فما بال اليمين الكاذب؟ لعلّ بعضنا يتساءل عمّا هي كفارة من يحلف بالله كذبًا عن عمد، فيمين العقد لا يكون بالضرورة عقدًا بالكذب، وإنما هي مجرد نية مُسبقة والتراجع عنها.

أمّا يمين الغموس فهو يحمل في طياته معنى الاستخفاف باسم الله الأعظم، فهو يُقال للكذب والتضليل، وبالتالي هذا التعمد لا كفارة له أيضًا كيمين اللغو، ولكن شتّان بينهما، حيث إن يمين الغموس يستوجب غموسًا في النار وليس مُجرد كفارةً في الدنيا، بل يسعنا القول بأن التوبة النصوحة الصادقة عن ذلك الفعل هي الكفارة الوحيدة.

لأن تعمد الحلف بالكذب من أجل تضليل الحقوق تستدعي حدوث الخطر يعد من الكبائر المنهيّ عنها، فتلك التي تنطوي على شهادة الزور وأمثالها، لذا فهنا ليس على الآثم إلا التوبة النصوحة، وتصحيح ما ارتكب من إثم بحيث يقوم بإعادة الحقوق لأصحابها.

في هذا الصدد نشير إلى حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بيَمِينِهِ، فقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ له النَّارَ، وَحَرَّمَ عليه الجَنَّةَ فَقالَ له رَجُلٌ: وإنْ كانَ شيئًا يَسِيرًا يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: وإنْ قَضِيبًا مِن أَرَاكٍ” (صحيح مسلم).

في هذا توضيح لجزاء من يأخذ حق مسلم دون وجه حق من خلال يمينه الباطل، وما جزاء الظالمين سوى العذاب الأليم؟ فهو في هذه الحالة لم يرتكب إثمًا واحدًا بل إثمين معًا كلاهما عظيم عند الله، أولهما أن حصل على ما ليس له، وثانيهما أنه حلف بالله كذبًا، وهو مُستحلًا لفعله متعمدًا إيّاه.

كما نشير إلى أن هذا الجزاء لا يتجزأ وفق الفعل البسيط أو الكبير، فكلاهما إثم عظيم، فقد قال رسولنا الكريم حتى لو كان أخذ عود من السواك بغير حق، والأيمان كذبًا على ذلك، فلا يُستثنى المرء من الجزاء في أي فعل من الكبائر إلا بالتوبة النصوحة.

جواز تقديم الكفارة على الحِنث

استكمالًا لحديثنا عن إجابة متى تجب كفارة اليمين، وقد أشرنا في ذلك إلى أنواع اليمين توضيحًا لمُسببات وجوب الكفارة، نشير إلى أن هناك جانبًا آخر من الأمر، فهناك ما يستدعي تقديم الكفارة على الحنث باليمين، والحِنث هو التراجع عمّا وجب فعله وفقًا لليمين.

نستند إلى حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الصدد لمزيد من بيان الحكم، فقد قال: وإذا حلَفْتَ على يمينٍ فرأيتَ غَيرَها خيرًا منها؛ فكَفِّرْ عن يمينِك وَأْتِ الذي هو خَيرٌ” (صحيح البخاري).

فإذا حلف المرء بأنه سيفعل شيئًا في فترة مُقبلة وكان يرى حينها وجوب فعله، ولكن بمرور الوقت وقبل حدوث ذلك قد تدبر الأمر وحدث ما جعله يُدرك أن عدم فعل ذلك الشيء أفضل وأجدر، فعليه أن يقوم بأداء كفارة اليمين حتى من قبل أن يأتي توقيت اليمين نفسه، من أجل إبراء الذمة والمقصد.

على النقيض من ذلك أيضًا إن حلف شخص ألا يفعل شيئًا، ثم تبين له أن الخير كله في فعل ذلك الشيء، فليكفر عن يمينه ويفعله، ولا يُعد بذلك آثمًا، وحينها مع مجيء وقت اليمين لا يقوم بالكفارة مرةً ثانيةُ، وإنما قد فعلها عاجلة وقُضي الأمر.

اقرأ أيضًا: عقوبة حلف اليمين الكاذب

موجبات كفارة اليمين عند المذاهب الأربعة

يتعيّن علينا في تناول موضوع متى تجب كفارة اليمين أن نشير إلى آراء الفقهاء الأربعة، فلم تخلُ مسألة اليمين وكفارته في مذاهبهم وباستفاضة واضحة.

فنشير إلى أن الفقهاء الأربعة حتى إن اختلفوا في بعض شروط كفارة اليمين، إلا أنهم مُتفقين على أن يمين العقد هو ما يستوجب الكفارة، فلا خلاف على ذلك فهو مذكورٌ في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

لذا فكان اختلافهم حول كيفية أداء الكفارة ذاتها، فالمالكية مثلًا قالوا بأن الكفارة تكون عينية لا مادية كما ذُكرت نصًا، ونجد الشافعية في موضع آخر تؤكد على وجوب تقديم الكفارة على اليمين باستثناء كفارة الصوم، وغيرها من الأمور وهذا ليس ما نضعه نصب أعيننا في موضوعنا عن توقيت وجوب كفارة اليمين.

حكم تأخير كفارة اليمين

علمنا إذًا أن هناك يمينًا يستوجب الكفارة، وعلمنا أنه يجوز تقديم الكفارة قبل توقيت اليمين في حالة العلم بشيء كان مجهولًا، فما الحال بالنسبة لمن يتأخر عن أداء كفارة اليمين؟

قد أشرنا إلى أن كفارة اليمين لا تقتصر على أمر واحد، بل تتناول عدة أشياء إن لم يستطع أحدهم فعلها فليفعل أخرى، فكفارة اليمين فيها اختيار بين إنفاق المال، أو إطعام الفقراء، أو الكُسوة أو عتق الرقاب، ومن لم يجد ذلك كله فليقم بالصيام.

هذا للإشارة إلى حالات منها إذا كان المُسلم لا يمتلك أموالًا كافية تسعه تأدية الكفارة في ميعادها، فلا يجب التأجيل انتظارًا لتحسن الأحوال، وإنما عليه أن يفي بكفارة الصيام كبديل واضح وافي عن الإنفاق.

أما من تأخر عن تأدية الصيام عن عمد، فهو يجعل نفسه في طائلة الإثم، لذا فلا يجب أن يكون هناك عمدًا في عدم أداء الكفارة في ميعادها.

اقرأ أيضًا: ما هي كفارة الحلف بغير الله وأنواع الحلف

قدمنا لكم في هذا الموضوع إجابة وافية حول متى تجب كفارة اليمين، بالإشارة إلى أقسام اليمين وأنواع الكفارة التي يجب تأديتها، علاوةً على ذكر أحكام خاصة بجواز تقديم الكفارة عن اليمين، وتأخير اليمين.

قد يعجبك أيضًا