من أول من بنى الكعبة ووضع أساسها في الأرض؟ ولماذا اختلف العلماء على من بدأ بناءها؟ حيث تم بناء الكعبة أكثر من مرة على مر العصور، وقد كذب العلماء العديد من الآراء حول من قام ببناء الكعبة، لذا في هذا المقال سنقوم بذكر إجابة تلك الأسئلة من خلال موقع زيادة.
من أول من بنى الكعبة
اختلف العلماء على أول من بنى الكعبة، ولكل من العلماء والفقهاء أدلته من آيات القرآن الكريم ومن أحاديث السنة النبوية الشريفة، وفيما يلي نذكر آراءهم:
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: قصة بناء الكعبة وأهم المعلومات الهامة التي لم تعرفها من قبل
الملائكة هم أول من بنوا الكعبة
هذا الرأي معناه أن بناء الكعبة يرجع إلى قبل عهد آدم عليه السلام وأيده الكثير من العلماء والفقهاء والمفسرون ومنه ما جاء في تفسير البغوي:
“رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ تَحْتَ الْعَرْشِ بَيْتًا وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَطُوفُوا بِهِ، ثُمَّ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْأَرْضِ أَنْ يَبْنُوا فِي الْأَرْضِ بَيْتًا عَلَى مِثَالِهِ وَقَدْرِهِ، فبنوه وَاسْمُهُ الضِّرَاحُ، وَأَمَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ أَنْ يَطُوفُوا بِهِ كَمَا يَطُوفُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ. وَرُوِيَ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَوْهُ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، وَكَانُوا يَحُجُّونَهُ، فَلَمَّا حَجَّهُ آدَمُ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: بَرَّ حَجُّكَ يَا آدَمُ، حَجَجْنَا هَذَا الْبَيْتَ قَبْلَكَ بِأَلْفَيْ عَامٍ…”
آدم عليه السلام أول من بنى الكعبة
قال هذا الرأي عطاء وسعيد بن المسيب وابن الجوزي وابن حجر، كما رجح هذا الرأي السيخ الأمين الشنقيطي.
ممن أيد هذا الرأي أيضًا الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، حيث يرى أن من الصحيح أن آدم عليه السلام هو من أسس الكعبة وأقامها ثم تهدمت بفعل عوامل وقوع الزلازل وهجوم الوثنية، وأن إبراهيم عليه السلام رفع أعمدتها وأعاد بناءها على قواعد كانت مبنية من قبل في الأرض.
استشهد الشيخ الطيب على هذا الرأي بقول الله تعالى في سورة البقرة:
“وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ….”
فالآية ذكر فيها (يرفع) وليس (يبني) وهذا دليل على أن هناك كانت قواعد موجود من قبل الرفع.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ماذا يوجد داخل الكعبة المشرفة وصورها من الداخل بالتفصيل
القول بأن شيث هو أول من بنى الكعبة
قال السهيلي: “َكَانَ بِنَاؤُهَا فِي الدَّهْرِ خَمْسَ مَرَّاتٍ. الْأُولَى: حِينَ بَنَاهَا شِيثُ بْنُ آدَمَ”، واحتجوا بهذا الكلام بعض العلماء، وكذلك ما ورد عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا رُفِعَتِ الْخَيْمَةُ الَّتِي عَزَّى اللَّهُ بِهَا آدَمَ مِنْ حِلْيَةِ الْجَنَّةِ، حِينَ وُضِعَتْ لَهُ بمَكَّةُ فِي مَوْضِعِ الْبَيْتِ، وَمَاتَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَبَنَى بَنُو آدَمَ مِنْ بَعْدِهِ مكانها بَيْتًا بِالطيِّنِ وَالْحِجَارَةِ فَلَمْ يَزَلْ مَعْمُورًا يَعْمُرُونَهُ هُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ حَتَّى كَانَ زَمَنُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَنَسَفَهُ الْغَرَقُ، وَغَيَّرَ مَكَانَهُ، حَتَّى بُوِّئَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ».
قال ابن الكثير بعد ذكره لخلاف أول من بنى الكعبة ورأي ابن كثير أن أكثر من يعتد بذلك من أهل الكتاب ويأخذونه من كتبهم، ورأيه في ذلك أن هذا مما لا يُكذب ولا يُصدق ولا يُعتمد على أخذها حجة بمجردها ولكن يؤخذ بهذا القول إذا صح معها حديث.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: دعاء الطواف حول الكعبة وتعريفه وأدعية عند رؤية الكعبة الشريفة
إبراهيم أبو الأنبياء أول من بنى الكعبة
أدلة العلماء الذين أخذوا بهذا الرأي من الكتاب والسنة ويرون برجاعة قولهم عن بقية الآراء تبعا لذلك وأنه لم يأت نصًا ثابتًا صحيحًا واضحًا من القرآن والسنة غير ما ورد في سور البقرة قوله تعالى:
” وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ…”
يدعم رأيهم حديث ورد في صحيح البخاري أن الخليل إبراهيم قال لابنه إسماعيل عليهما السلام: (فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا، وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا). وقال الراوي: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ، لذلك يرى بصحة الرأي الرابع الكثيرون من أهل العلم وخاصة المحققين منهم ويردون الأقوال الثلاثة الأولى ومنهم الحافظ ابن كثير رحمه الله وغيره الذين يعتمدون في آرائهم على القول الصحيح والثابت من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة دون غيرها من أراء العلماء التي لم تستند على أدلة بالصحيح الثابت فقط.
لكن الرأي الرابع فيه إشكال فيه مخالفة له ويثبت هذا الإشكال الحديثين الذين وردا أحدهما في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي ذَرٍّ رضِي اللهُ عنه قال:
(قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ مسجدٍ وُضِع في الأرضِ أوَّلُ؟ قال: المسجدُ الحرامُ، قال: قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: المسجدُ الأقصى، قلتُ: كم كان بينهما؟ قال: أربعونَ سنةً، ثم أينَما أدرَكَتكَ الصَّلاةُ بعدُ فصلِّهِ، فإنَّ الفضلَ فيه).
الحديث الثاني قد صحَّ فيه أن الذي بنى المسجد الأقصى هو سليمان عليه السلام الذي يأتي في ترتيب الأنبياء قبل إبراهيم عليه السلام.
حيث روى ابن ماجه بسنده عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا…” وهذان الحديثان يدلان على أن أول من بنى الكعبة أحد الآراء الثلاثة التي تسبق الرأي الرابع وأن البناء الذي بناه إبراهيم عليه السلام بناء تجديد وليس بناء تأسيس، والله أعلم.
مراحل بناء الكعبة
هناك من العلماء والمؤرخون من جمع بمختلف الآراء السابقة وبصحة جميع الآراء وقسموا تلك الآراء تقسيما زمنيا وصنفوا هذا التقسيم على أنه مراحل بناء الكعبة كما يلي:
بناء الملائكة المطهرون للكعبة
إن الملائكة المطهرون وضعوا أسس الكعبة وقواعدها في الأرض، وأن قواعدها من صخور لا يطيق على حمل الصخرة منها ثلاثون رجلًا
قيل إن هذه الصخور أتى بها الملائكة من خمس جبال: جبل لبنان وطور زيتا وطور سينا والجودي وحراء، ثم وضعت هذه الصخور الضخمة في باطن الأرض حتى استوت الأرض وطاف حولها الملائكة على الأرض كما كانوا متعودون على الطواف حول البيت المعمور فوق السماوات.
بناء آدم عليه السلام للكعبة
قيل إن لما هبط آدم عليه السلام إلى الأرض أُمر بأن يبني الكعبة بعد توبته وساعده في بناؤها جبريل عليه السلام والملائكة وأُمر بالطواف حولها.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: أول من طاف بالكعبة وما هو فضل الطواف بالكعبة ؟
بناء شيث بن آدم عليهما السلام للكعبة
يروى أنهم بنوه من الحجارة والطين ولكن نسفه الغرق، وروي أن أول من بناه من ولد آدم هو شيث بعد وفاة والده.
بناء إبراهيم عليه السلام للكعبة
تم ذلك البناء بعد هجرة إبراهيم عليه السلام إلى مكة وساعده في بناءه ولده إسماعيل عليهما السلام، وقيل أنهما بنوها من خلال وضع الحجارة فوق بعض دون وضع طين، حينها جاء إسماعيل لأبيه بحجر ليصعد عليه حتى ارتفع البناء ولم يجعل لها سقف.
بناء العماليق وجرهم للكعبة
العماليق وجرهم من القبائل العربية التي سكنت مكة، وتولت تلك القبيلتين إصلاح وبناء الأجزاء التي كانت تتصدع من الكعبة نتيجة السيول والعوامل اتي كانت تؤثر وتضعف بنائها من الحين والآخر.
بناء قصي بن كلاب للكعبة
هو الجد الرابع للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقد وُلي أمر الكعبة، وجمع النفقة وجد في بناء الكعبة وأحسن في بنيانها.
بناء قريش للكعبة
أرادت قريشًا تجديد الكعبة بعد تصدعها من السيول التي كانت تجتاح مكة من الحين للآخر، وقرروا ألا يدخل في بنائها مالًا حرامًا من مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحُا من الناس، فقصر المال الحلال في كمال بنائها.
شارك الرسول صلى الله عليه وسلم في بناء الكعبة المشرفة، وحل النزاع حول وضع الحجر الأسود.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: من هو الصحابي الذي ولد في بطن الكعبة؟
بناء عبد الله بن الزبير للكعبة
هو أول من بنى الكعبة بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، فعندما جاء عهد عبد الله ابن الزبير قرر إعادة بناء الكعبة على النحو الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم، وقام ابن الزبير بهدمها وأعاد بناءها وزاد في ارتفاعها، فكانت على الوصف النبوي كما أخرته خالته عائشة رضي الله عنهما.
بناء الحجاج بن يوسف الثقفي للكعبة
أمر عبد الملك بن مروان بأن يعيد الحجاج بناء الكعبة إلى ما كانت عليه؛ ظنًا منه أن ابن الزبير فعل ذلك بالاجتهاد والرأي وبالفعل أجابه الحجاج، ولكنه ندم على ذلك لما بلغه حديث أم المؤمنين وأراد ابن مروان أن يعيدها على بناء ابن الزبير واستشار في ذلك الإمام مالك الذي نهاه خشية أن تذهب هيبة البيت.
بناء السلطان مراد للكعبة
اجتاحت مكة سيول عارمة أدت إلى إضعاف بناء الكعبة فأمر محمد علي باشا بعمال يهدمون الكعبة وأعادوا بناءها.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: كم يبلغ ارتفاع الكعبة المشرفة وأركانها ومكانتها في الإسلام
ترميم الملك سعود للكعبة
أمر الملك سعود بتشكيل لجنة علمية وفنية قررت أن سقف الكعبة يحتاج إلى ترميم، فأمر الملك بإعمار سقف الكعبة وترميم الأجزاء التي تحتاج إلى ترميم منها وانتهت الترميمات في شهر شعبان 1377للهجرة.
هكذا نكون قد قمنا بذكر الرد على السؤال (من أول من بنى الكعبة)، حيث أثبتت الأدلة القرآنية والبراهين الشرعية من يكون أول باني للكعبة حقًا، حيث اختلفت الآراء حول ذلك، وذلك والله أعلم.