ما هو حكم من يتوب ثم يعود إلى نفس الذنب؟ وكيف تكون التوبة بعد العودة إلى نفس الذنب؟ بسبب كثرة الفتن الموجودة في حياتنا فقد أصبحت التوبة ليست بأمر سهل…
كما أن العودة إلى الذنب أصبح أيسر من شربة ماء، فما الطريقة التي نحمي بها أنفسنا من الوقوع في الذنب؟ وكيف لنا أن نتوب إلى الله ولا نعود إلى الذنوب ثانية؟ نتعرف على كل هذا من خلال موضوعنا اليوم عبر موقع زيادة.
حكم من يتوب ثم يعود إلى نفس الذنب
في عصرنا الحالي وأمام كل الفواحش المحيطة لنا بكل جانب والذنوب التي باتت من الأمور المفروضة علينا في حياتنا، أصبحت الفتن في زماننا أكثر ما نراه، وبات الممسك على دينه كالممسك على قبضة من نار.
قد أخبرنا الله تعالي أن من يقوم بارتكاب ذنب فعليه أن يتوب ويرجع إلى الله كما ذكر الله هذا في كتابة الحكيم:
“إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (سورة الفرقان 70)
ليعلم كل مؤمن أن رحمة الله واسعة وأن إحسان الله كبير وعظيم وقد بشر الله المؤمنين أن من يرتكب الذنب ثم يتوب ويرجع إلى الله تائبًا مستغفرًا عاقد العزم ألا يعود إلى ارتكاب هذا الذنب مرة ثانية فإن الله يبدل سيئاته إلى حسنات وهذا هو خير الجزاء من الله سبحانه وتعالى للمستغفرين التائبين.
قال الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ “(سورة التحريم 8)
يخبرنا الله أنه على المسلم أن يتوب إلى الله توبة نصوحة أي لا رجوع فيها لنأتي إلى إجابة موضوعنا اليوم ما هو حكم من يتوب ثم يعود إلى نفس الذنب، حينما يقوم الإنسان بارتكاب الذنب ثم يتوب إلى الله ثم يعود إلى الذنب فعليه التوبة مرة ثانية إلى الله فسوف يتقبلها الله سبحانه وتعالى فهو الغفور الرحيم.
قال الله تعالى:
“ألَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة: 104].
اقرأ أيضًا: كيف أتوب من الذنب المتكرر؟
حكم من يتوب ثم يعود إلى نفس الذنب متعمدًا
هناك من يتوب إلى الله ثم يعود إلى ارتكاب الذنوب والمعاصي متعمدًا، قال الله تعالى:
“وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (سورة آل عمران 135)
كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
“إنَّ عَبْدًا أصابَ ذَنْبًا – ورُبَّما قالَ أذْنَبَ ذَنْبًا – فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ – ورُبَّما قالَ: أصَبْتُ – فاغْفِرْ لِي، فقالَ رَبُّهُ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ أصابَ ذَنْبًا، أوْ أذْنَبَ ذَنْبًا، فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ – أوْ أصَبْتُ – آخَرَ، فاغْفِرْهُ؟…”
“…فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أذْنَبَ ذَنْبًا، ورُبَّما قالَ: أصابَ ذَنْبًا، قالَ: قالَ: رَبِّ أصَبْتُ – أوْ قالَ أذْنَبْتُ – آخَرَ، فاغْفِرْهُ لِي، فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثًا، فَلْيَعْمَلْ ما شاءَ” (صحيح)
هنا يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة من العبد كلما رجع الذنب وفي هذا الحديث نجد أن العبد يذنب ثم يتوب ويطلب من الله التوبة عاقدًا العزم ألا يعود لهذا الذنب، فهو يعرف أن الله هو المنتقم العزيز الجبار وأنه يخشى عقاب الله فيستغفر الله ويتوب…
ثم يعود إلى الذنب فيندم على فعلته ويستغفر الله ليتوب عليه، ثم يعود ثالثًا إلى الذنب فيعود إلى الله وهو خائف من عذابه ويترجى رحمة الله فيقول الله غفرت له ثلاثة أي أن الله قد غفر له عن الثلاث مرات التي أذنب فيها، فما أوسع رحمة الله التي تتسع لكل عبد يذنب ويتوب ويعود ويتوب فهو الغفور الرحيم.
حكم من يتوب ثم يعود إلى نفس الذنب عدة مرات
في حديث لأبو هريرة قال فيه:
“قلنا يا رسولَ اللَّهِ إنَّا إذا رأيناكَ رقَّت قلوبُنا وَكُنَّا من أَهْلِ الآخرةِ، وإذا فارقناكَ أعجبَتْنا الدُّنيا، وشمَمنا النِّساءَ والأولادَ قالَ: لَو تَكونونَ أو قالَ: لَو أنَّكم تَكونونَ على كلِّ حالٍ على الحالِ الَّتي أنتُمْ عليها عندي، لصافحتْكمُ الملائِكَةُ بأَكُفِّهِم، ولزارتْكُم في بيوتِكُم، ولَو لَم تُذنِبوا، لجاءَ اللَّهُ بقَومٍ يذنِبونَ كَيْ يُغفَرَ لَهُم”
فإن الله هو الغفور الرحيم الذي يغفر لعباده من المؤمنين التائبين.
الإنسان خُلق ضعيفًا وعندما يعود على نفس الذنب متعمدًا، فربما أنه بعد أن تاب وعقد العزم على عدم العودة فهو إنسان ضعيف ولا تقوى نفسه على البعد عن المعصية، وعندما يعود على فعل الذنب فإنه يندم في المرة التالية أشد من الندم عندما وقع الذنب في المرة الأولى فيستغفر الله ويطلب منه أن يعفو عنه ويغفر له…
لربما أنه إنسان ضعيف ولكنه بعد هذا سوف يستغفر الله كثيرًا ليساعده على عدم الوقوع في الذنب وإن وقع فيه فهو غير متعمد بل أنه يصبح كاره لهذا الذنب الذي يجعله يغضب الله، ولتعلم أخي المؤمن أن الله الغفور الرحيم يتقبل توبتك عند كل ذلة تقع فيه وتستغفر الله وتتوب إليه والأساس في التوبة هو عقد العزم على عدم العودة على الذنب ثانية.
قال تعالى:
“هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ” (سورة الشورى 25)
اقرأ أيضًا: التوبة من الزنا للمتزوجة
الوقوع في الفواحش من أصغر الذنوب
الله هو الغفور الرحيم وعلى المؤمن أن يعود من ذنبه ويتوب إلى الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
“كتب على ابنِ آدمَ حظُّه من الزنا فهو مدركٌ ذلك لا محالةَ، فالعينانِ تزنيانِ وزناهما النظرُ، والأذنانِ تزنيانِ وزناهما السمعُ، واليدان تزنيان وزناهُما البطشُ، والرِّجلانِ تزنيانِ وزناهُما المشيُ، والقلبُ يتمنى ويشتهي، والفرجُ يصدقُ ذلك أو يكذبُه” (صحيح)
يشير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا محاطون بالفتن سواء بالنظر لها أو بسماع شيء نهى الله عنه أو ببطش اليدين، ومن هنا كان الدرس العظيم وهو أن أصغر الذنوب هي سبيل للفواحش والكبائر وعلى المؤمن أن يتحرى الطريق الصحيح الذي يسلكه، فإن أخطأ أو ذلت قدمه في فعل معصية أو ذنب فعليه التوبة والاستغفار وإن عاد فعليه بالاستغفار والعزم على عدم العودة إلى الذنب،
عندما يكون الإنسان ضعيفًا ويكون محاط بكل هذه الفتن فقد لا يقوى على كل هذه الفتن إلا بالاستعانة بالله من شر الفتن، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائمًا يقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وقد أوصانا بها فأين نحن من رسول الله، والله يغفر للعبد قال الله تعالى:
“قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” (سورة الزمر 53)
يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
لَلَّهُ أفْرَحُ بتوبةِ العبدِ من رجلٍ نزَلَ مَنزِلًا وبهِ مَهلَكُهُ، ومعَهُ راحلَتُهُ، عليْها طعامُهُ وشرابُهُ، فوضَعَ رأسَهُ فنامَ نوْمةً، فاسْتيقظَ، وقدْ ذهبَتْ راحلتُهُ، فطلَبَها، حتى إذا اشْتَدَّ عليه الحرُّ والعَطَشُ، قال: أرجِعُ إلى مَكانِي الَّذي كنتُ فيه، فأنامُ حتى أموتَ، ثمَّ رفعَ رأسَهُ، فإذا راحلتُهُ عِندَهُ، عليْها زادُهُ: طعامُهُ وشرابُهُ ! فاللهُ أشدُّ فرَحًا بتوبةِ العبْدِ المؤمِنِ من هذا بِراحلَتِه وزادِهِ” (صحيح)
اقرأ أيضًا: دعاء الاستغفار من ذنب كبير
التوبة الصحيحة
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
“التائبُ من الذنبِ كمَن لا ذنبَ له” (صحيح)
وقال -صل الله عليه وسلم-:
“الإسلامُ يجُبُّ ما قبلَهُ والتَّوبةُ تجُبُّ ما قبلَها” (صحيح)
كما أن قال الله تعالى في القرآن الكريم:
“وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ” (سورة آل عمران 135).
في حديث عن رسول الله -صل الله عليه وسلم-:
“أنَّ رجلًا قالَ يا رسولَ اللَّهِ أحدُنا يُذنِبُ الذَّنبَ قالَ يُكْتبُ عليهِ قالَ ثمَّ يستغفرُ ويتوبُ قالَ يُغفَرُ لَهُ ويتابُ عليهِ قالَ ثمَّ يَعودُ فيذنبُ قالَ يُكْتبُ عليهِ قالَ ثمَّ يَستَغفرُ ويَتوبُ قالَ يُغفَرُ لَهُ ويُتابُ عليهِ ولا يملُّ اللَّهُ حتَّى تملُّوا” (صحيح)
هذا الحديث يبشر كل من يتوب ويعصى الله فيندم ويخشى من عدم المغفرة، ومن هنا يتوجب على المؤمن أن يلزم الاستغفار حتى يبعد نفسه عن الذنوب ويطلب من الله القوة حتى لا يقع في الذنوب مرة ثانية.
عن أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
“ما من رجلٍ يذنبُ ذنبًا فيتوضَّأُ فيحسنُ الوضوءَ ثم يصلي ركعتين فيستغفرُ اللهَ عزَّ وجلَّ إلا غفر له” (صحيح)
معنى أحاديث التوبة الصحيحة
تعني الأحاديث أنه على المؤمن الذي أذنب بفعل معصية أو ذنب أن يتوب توبة نصوحة على الله وأن عليه الندم وأن يلزم الاستغفار ثم يتوضأ ويحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين بنية التوبة وعدم العودة على الذنب إلا وقد غفر الله له.
قال عمر بن عبد العزيز في خطبته للناس “أيها الناس من ألمَّ بذنب فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر وليتب، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال وإن الهلاك في الإصرار عليها”
التوبة النصوحة تكون بعدة خطوات وهي:
- في البداية عقد النية والعزم على عدم العودة إلى الذنب، وأن تكون النية نابعة من القلب، ولتستعين بالله ليوفقك في توبتك.
- الابتعاد بشكل تام ونهائي عن كل ما يغضب الله وعدم العودة لها مرة ثانية.
- ألا تنتظر حتى يحين الأجل لتعلن توبتك عما تقوم به من معاصي فلكل أجل كتاب ولا يعلم هذا إلا الله، ولا ينبغي الانتظار حتى النهاية.
اقرأ أيضًا: ما هي شروط التوبة؟
تعرفنا على حكم من يتوب ثم يعود إلى نفس الذنب، وعرفنا أن الله غفور رحيم وأنه يقبل التوبة عندما تكون توبة نصوحة حتى وإن عدنا إلى الذنب ثانية ثم تبنا ثانية فإنه يتقبل توبتنا.