لماذا سميت أسماء بذات النطاقين

لماذا سميت أسماء بذات النطاقين وما الموقف الذي استحقت فيه هذه التسمية؟ وما هي المواقف المتعلقة بهذه التسمية، والتي ذُكِرت في كتب التاريخ والأخبار والسير.

أسئلةٌ كثيرةٌ تدور حول هذا الموضوع سنُجيب عنها بإذن الله -تعالى- في هذا الموضوع الذي نقدمه لكم حول الإجابة عن سؤال لماذا سميت أسماء بذات النطاقين؟

اقرأ أيضًا: من هو ابي هريرة؟ وعلاقته بالصحابة وعباداته ونسبه وحياته

لماذا سميت أسماء بذات النطاقين

عندما نزل أمر الله -تعالى- للنبي بالهجرة إلى المدينة، اصطحب النبي معه صَدِيقه وصَدِّيقه أبا بكرٍ -رضي الله عنه وأرضاه، وذهبا بصحبة عبدالله بن أريقط ليكون دليلًا لهما يدلهما على طريق يثرب.

وكان عبدالله بن أريقط يومئذٍ كافرًا لم يؤمن بما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من وحي السماء، ولكنه كان أيضًا أمينًا كاتمًا لسر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك من الخُلق القويم والسلوك غير الدميم عند العرب حتى في ظل عصر الظلام والجاهلية قبل الإسلام.

لكن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبا بكرٍ رضي الله عنه كانا في حاجةٍ إلى الزاد والطعام في طريقهما إلى المدينة، ولم يكن من شخصٍ يعد لهما ما يتقويان به على الطريق غير أسماء بنت أبي بكرٍ -رضي الله عنها-.

كان أبو بكر -رضي الله عنه- في الجاهلية رجلًا غنيًا تاجرًا من تجار مكة وأرباب مالها، ولكنه اختار أن يجعل من ماله هذا سبيلًا للتجارة مع الله ونصرة نبي العالمين محمدٍ بن عبد الله.

وله في هذا الموضوع باعٌ طويلٌ يكفي أن نذكر منه أنه كان يُحرر العبيد من أسيادهم الكّفار الذين كانوا يوقعون بهم أشد ألوان العذاب، وقد أنفق في سبيل تحرير العبيد المضطهدين من أسيادهم الكفار ما قد بلغ الأربعين ألف دينارٍ أو يزيد، وأعتق عشرين شخصًا زمن الجاهلية، والذين غدوا بعد ذلك من عظماء الصحابة.

كانت هذه المرة أيضًا من المرات التي قرر أبو بكرٍ فيها أن يتاجر مع الله وينصر رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، فقد تحمل تكاليف هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من الزاد وما شابه، وأمر ابنته أسماء بأن تُعِد طعام الطريق له ولرسول الله صلى الله عليه وسلم.

جلب أبو بكرٍ -رضي الله عنه- شاةً وذبحها، ثم أمر بطبخ لحمها وجعله في جرابٍ حتى يكون ذلك زادهم في طريقهم لهجرة يثرب وبداية تأسيس دولةٍ تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

اقرأ أيضًا: أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين.. حياتها وما أنزل الله في القرآن عنها

دور أسماء بنت أبي بكر في الهجرة

عندما ذُبحت الشاةُ التي جلبها أبو بكرٍ رضي الله عنه، قامت أسماءٌ بطبخها وإعدادها ووضعها في جرابٍ كما قلنا آنفًا، ولكن كانت أسماء -رضي الله عنها- تريد تغطية الطعام عن عيون المشركين، وكذلك احتاجت أسماء إلى ما تشد الطعام به حتى لا يقع منها.

كانت أسماء كأبيها -رضي الله عنهما- مستعدةً للتضحية بكل غالٍ ونفيسٍ في سبيل نصرة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يدعو إليه من حقٍ وخير، ولذلك فعلت ما فعلته في ذلك اليوم نصرةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذكرنا أن أسماء كانت محتاجةً لما يستر الطعام عن عيون المشركين لئلا يعلموا بأمر الهجرة، فلما كانت تريد ذلك، شقت خمارها إلى نصفين، وقامت بربط الطعام بنصفٍ واستترت بالنصف الآخر.

علم النبي صلى الله عليه وسلم بفعلها ذاك، وبمجرد أن علم قال لها:

“قَدْ أَبْدَلَكِ اللهُ بِنِطَاقِكِ هَذَا نِطَاقَيْنِ فِي الجَنَّةِ”. (طبقات ابن سعد  8/250)

وهذه هي إجابة سؤال لماذا سميت أسماء بذات النطاقين، فقد سميت بذلك لأنها ضحت بخمارها الوحيد في سبيل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى المدينة دون أن يحتاجوا إلى زادٍ أو مؤنةٍ في طريقهم إلى هناك.

ما قيل في تلك الواقعة

حكى رواة التاريخ عن تلك الواقعة كلٌ على حسب طريقته، ولكن الروايات التي ذُكِرت في تلك الواقعة كلها متطابقةٌ في المعنى.. مختلفةٌ في اللفظ.

قد اخترنا لكم أوضح هذه الروايات لغةً وأيسرها فهمًا، وهي رواية أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري، وهو مؤرخٌ إسلامي عاش ما بين الفترة 820 إلى 892 للميلاد، وقد ألّف خمس مؤلفاتٍ أشهرها مؤلفه المعروف “أنساب الأشراف”، والذي يعد أضخم موسوعةٍ في أنساب قبائل العرب وأخبارها.

وقد حكى البلاذري عن تلك الواقعة قائلًا: “خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من خوخة في ظهر بيت أبي بكر، حتى أتيا غار ثور، فصارا فيه، وكان عامر بن فهيرة يرعى غنمًا لأبي بكر، فيعزب بها ثم يبيت قريبًا ولا يبعد، فكانا يصيبان من رسلها.

واستأجر أبو بكر رجلًا دليلًا، يُقال له عبد الله بن أريقط الديلي، من كنانة بن خزيمة، وصنع آل أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر سُفرةً وذبحت شاةً وطُبخ لحمها، وجُعل في جراب.

ثم قطعت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنهما- قطعةً من نطاقها، فأوكت به الجراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لَهَا نِطَاقَيْنِ فِي الْجَنَّةِ)، فسميت ذات النطاقين”.

كانت تلك الرواية هي نفس الرواية التي ذكرها ابن إسحاق وغيره ممن هم أهل ثقاتٍ في التاريخ وأخباره، مع اختلافات في بعض الألفاظ بين كل راوٍ وآخر كما ذكرنا آنفًا.

اقرأ أيضًا: من هم بني أمية والصحابة الأمويين ؟

قصة معايرة أهل الشام لعبد الله بن الزبير بلقب أمه

تحكي أسماء بنت أبي بكرٍ -رضي الله عنها- أن أهْلُ الشَّامِ كَانُوا يُعَيِّرُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، يقولونَ: “يا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ”، فَقالَتْ له أسْمَاءُ: “يا بُنَيَّ إنَّهُمْ يُعَيِّرُونَكَ بالنِّطَاقَيْنِ، هلْ تَدْرِي ما كانَ النِّطَاقَانِ؟ إنَّما كانَ نِطَاقِي شَقَقْتُهُ نِصْفَيْنِ، فأوْكَيْتُ قِرْبَةَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأَحَدِهِمَا، وجَعَلْتُ في سُفْرَتِهِ آخَرَ”.

فَكانَ أهْلُ الشَّامِ إذَا عَيَّرُوا عَبْدَاللهِ بْنَ الزُبَيْرِ بِالنِّطَاقَيْنِ، يقولُ: “إيَّهًا والإِلَهِ، تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا”.

وفي ذلك الأثر تحكي أسماء بنت أبي بكرٍ أن بعضًا من جهال أهل الشام ومدلسيها، كانوا يعيبون عبدالله بن الزبير بأن لقب أمه هو ذات النطاقين، فلما عرفت منه ذلك أصرت على إخباره بماهية الأمر، وأنه أمر يدعو للفخر لا للاستكانة والاستبراء من فعله.

ولذلك الغرض قالت له أسماء: “إنَّما كانَ نِطَاقِي شَقَقْتُهُ نِصْفَيْنِ، فأوْكَيْتُ قِرْبَةَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأَحَدِهِمَا، وجَعَلْتُ في سُفْرَتِهِ آخَرَ”، تعني أنها شقت نطاقها نصفين وفعلت ما تحدثنا عنه آنفًا.

ولما علم ابن الزبير القصة الكاملة من أمه، كان إذا ناداه أهل الشام بهذا الاسم، لم يشمئز أو يمتعض من ذكر ذلك له، بل كان يقول بكل فخرٍ: “إيَّهًا والإِلَهِ”، أي: نعم والله إنها هي ذات النطاقين.

ولم يكتفِ بذكر ذلك، بل ذكر شطرًا من قصيدة أبو ذؤيب الهذلي المسماة بـ”هل الدهر إلا ليلها ونهارها”، والتي قال فيها:

وَعَيَّرَها الواشونَ أَنّي أُحِبُّها          وَتِلكَ شَكاةُ ظاهِرٌ عَنكَ عارُها

ومعنى الشطر الثاني من هذا البيت أن ما يظنه الجهال مسبَّةً لابن الزبير فهو ليس كذلك مطلقًا، بل هو موقف فخرٍ واعتزازٍ ينبغي أن يفتخر به لا أن يمتعض منه.

اقرأ أيضًا: اسماء اولاد من القران والصحابة معاني تلك الأسماء

بهذا نكون قد أجبنا على السؤال المتعلق بموضوع لماذا سميت أسماء بذات النطاقين، وذكرنا بعضًا من مقتطفات هجرة النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت أسماء جزءً منها؛ كما ذكرنا قصة معايرة أهل الشام لابن الزبير بهذا اللقب، سائلين المولى عز وجل أن نكون قد ساهمنا في أكبر قدرٍ من الاستفادة لكم حول سؤال لماذا سميت أسماء بذات النطاقين.

قد يعجبك أيضًا