لماذا حرم القتال في الأشهر الحرم

لماذا حرم القتال في الأشهر الحرم؟ وما هي الأشهر الحرم؟ فمما يراود ذهن كل مسلم أحيانًا هو التدبر في حكمة الله في إنزال بعض الأوامر والنواهي، وما الغاية من ورائها وتأثير ذلك على حياتنا، ومما يساعدنا على فهم الدين بشكل عميق ومعرفة حكمة الله وواسع رحمته هو التعرف على بعض تلك الأسباب وهو ما نوضحه من خلال موقع زيادة.

لماذا حرم القتال في الأشهر الحرم

لا بد وأن كل مسلم يعرف أن هناك أشهر قد حرم الله فيها القتال، فلا يجوز فيها للمسلمين البدء بقتال أي من المشركين والكفار على غير باقي الشهور، ولكن ليس الكثيرون على علم بالحكمة من هذا الأمر، وهو ما أفاد به العالم والإمام الكبير ابن كثير، ونتعرف عليه من خلال النقاط التالية:

  • التحريم في ذي الحجة كان بسبب السفر للتجهز لأداء مناسك الحج.
  • التحريم كان بهدف إتمام مناسك الحج كاملة وعدم الانشغال عنها بالقتال.
  • التحريم في شهر محرم كان مرتبط بالحج وهو لترك المساحة للمسلمين للعودة من الحج إلى بلادهم سالمين آمنين.
  • التحريم في رجب، قيل إنه بهدف ترك مساحة لمن يرغبون في أداء العمرة للذهاب والعودة بسلامة.

نستخلص مما سبق أن الحكمة من تحريم تلك الأشهر هو التفرغ لأداء مناسك الحج والعمرة بالكامل دون الانشغال عنها بأمور الحرب والقتال، وعلى الرغم من ذلك؛ فقد يكون هناك حكم وشؤون أخرى لا يعلمها إلا الله ولا يسع الإنسان إدراكها، وهو من رحمة ولطف الله بعبادة.

كما أنه يجدر الإشارة إلى أن هذا التحريم عاد على المسلمين بنفع كبير، حيث إن الحروب تنهك البشر وتستنزفهم والتحريم هنا يساعد على اتقاء ذلك، وهي فرصة للحصول على متطلبات السلام والسكن والراحة التي لا بد من نيلها حتى يتمكن المسلمون من الاستمرار في الدعوة إلى الله والدفاع عن الدين.

فتمثل تلك الشهور هدنة وراحة كما توفر لهم بيئة مناسبة للتفرغ إلى الله والتعبد وأداء شعائر زيارة بيته الحرام، واستدراك قوتهم وعزيمتهم والتقوى خلال تلك الفترات لما هو بعدها.

اقرأ أيضًا: لماذا سميت الأشهر الحرم بهذا الاسم

الأشهر الحرم في القرآن

قد بيّن الله لنا ذلك من خلال الآيات الكريمات في القرآن الكريم، والتي تقول:

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)} [سورة التوبة].

فتشير الآية هنا إلى أن تقدير الله للشهور في السنة على الأرض هو 12 شهر كما هو متعارف من الشهور الهجرية، وفيه إيضاح أنه من بين تلك الاثنا عشر هناك 4 شهور خاصة حرم.

هي الأشهر التي يحرم فيها القتال على المسلمين، ويلي الأمر المباشر إيضاح بأن ما فيه مخالفة لذلك، إنما هو من ظلم النفس وينهانا الله عز وجل عن ذلك.

ظلم النفس المقصود به كثير من المعاني هنا، وأولها في مخالفة كلام الله، من ثم الضرر الذي يقع إثر تلك المخالفة، والتي جاء بسببها هذا الأمر الإلهي.

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ} [سورة البقرة: 217].

كذلك تؤكد الآية الكريمة السابقة من سورة البقرة على مدى حرمانية وعظمة هذا الأمر والتجاوز الكبير الذي يتعداه كل من يخالفه، إلى درجة الكفر بالله والعياذ بالله، أي أنه تحريم تام وتأكيد على أنه لا يمكن للمسلم أن يبدأ القتال في أي من تلك الأشهر وإلا فقد اعتدى عدوان مبين.

{فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5)} [سورة التوبة].

بينما تتناول الآية هنا أنه بمجرد أن تنسلخ بمعنى أن تنقضي تلك الأشهر فيحق للمسلمين قتال المشركين كيفما شاءوا وفقًا للحدود الشرعية التي بينها الله عز وجل.

ما هي الأشهر الحرم

هم 3 أشهر متتالية من الأشهر الهجرية وشهر واحد منفرد، والأشهر المتتالية هي “ذو القعدة – ذو الحجة – محرم”، بينما الشهر المنفرد هو “رجب”، وقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث له، حيث قال:

“إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ والأرْضَ، السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ، مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى، وشَعْبانَ”.

الراوي: أبو بكرة نفيع بن الحارث | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري | حكم الحديث: صحيح.

اقرأ أيضًا: كم عدد الأشهر الحرم؟

فضل الأشهر الحرم

من خلال التعرف على لماذا حرم القتال في الأشهر الحرم، نكشف عن فضل تلك الشهور التي تمتاز بعدد من الخصائص، وهي على النحو التالي:

  • تتمتع الأشهر الحرم بأن فيها من أكثر الأيام التي عظمها الله على الأرض، مثال: “يوم عرفة – يوم النحر – أيام التشريق الثلاث”.

“أعظمُ الأيامِ عندَ اللهِ يومُ النحرِ، ثمَّ يومُ الْقَرِّ

الراوي: عبد الله بن قرط | المحدث: السيوطي | المصدر: الجامع الصغير | حكم الحديث: صحيح، المقصود بيوم القر هو اليوم الذي يلي النحر.

  • تقع فيها أعظم شعائر الإسلام وركن من أركانها وهي حج بيت الله.
  • فيها الأيام العشر التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللَّهِ، من هذِهِ الأيَّامِ

الراوي: – | المحدث: ابن باز | المصدر: حديث المساء | حكم الحديث: صحيح.

  • فيها يوم عاشوراء والذي يحبب الصيام في لفضله العظيم.
  • يعظم فيها الأجر كثيرًا، ولكن بالمقابل تعظم فيها الذنوب والمعاصي.

اقرأ أيضًا: هل يجوز الصيد في الأشهر الحرم

ما القتال الجائز في الأشهر الحرم

بصدد الإجابة عن لماذا حرم القتال في الأشهر الحرم، فقد ورد صنف من الناس يشككون في أن هناك تعارضًا في القرآن الكريم ما بين تحريم القتال في الأشهر الأربعة المحددة وبين وقوع قتال فيها بالفعل، والحقيقة أن هذا من قصور فهم كتاب الله عز وجل.

القتال المحرم المقصود به أن يبدأ المسلمون القتال وليس أن يقع القتال نفسه، بمعنى أنه في حال بدأ المشركون أو الكفار بقتال المسلمين فإنه يحق لهم الدفاع عن أنفسهم والخوض في المعارك حتى تنتهي بالنصر للمسلمين إن شاء الله.

مما يجعلنا نستخلص أن التحريم ليس على وجه الإطلاق بمعنى ألا يتمكن المسلمون من إشهار أسلحتهم والدفاع عن حياتهم، وإنما يتعلق بعدم البدء فقط، وهو ما يتضح لنا من خلال الآيات التالية:

{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)} [سورة البقرة].

إذًا أباح الله عز وجل القتال فيه لدفاع المؤمنين عن أنفسهم كما أباح القتال في البيت الحرام لنفس الغاية، ولا يأثم فاعله في تلك الحالة، أي إن شرط التزام المؤمن بهذا الأمر هو التزام الطرف الآخر به كذلك.

لماذا حرم القتال في الأشهر الحرم سؤال يتمكن المتدبر والعاقل من إدراك الحكم الكثيرة، سواءً على المستوى الإيماني للمسلمين أو النفسي والجسدي والروح المعنوية للأمة ككل.

قد يعجبك أيضًا