الشعر العربي القديم والتعبير عن الذات

يقترن الشعر العربي القديم والتعبير عن الذات ببعضهما دومًا، فإن الشعر بطبيعة الحال من العلوم الإنسانية البحتة، وإن لم يعبر عن ذات وماهية صاحبه في الأساس فلن يكون علمًا ولم نكن لنسمع به يومًا من الأيام، وهذا ما يدفعنا إلى عرض أهم التفاصيل التي تتعلق بالشعر العربي الجاهلي أو القديم من خلال موقع زيادة، لكي يتثنى للجميع فهم وإدراك كيف كان المجتمع الجاهلي رائدًا في هذا العلم.

الشعر العربي القديم والتعبير عن الذات

لقد كان الشعر هو المسيّر لدفّة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية أيضًا في الحضارة العربية القديمة، ولنكن أكثر وضوحًا العصر الجاهلي في شبه الجزيرة العربية التي كان فيها مولد الشعر العربي، والأمر لم يقتصر على هذا الحد فقط بل إن الشعر كان هو اللغة التي يتحدث بها العرب مع بعضهم، وكما قال عمر بن الخطاب أن الشعر كان علم ولغة قوم لا يعرفون غيره.

اقترن الشعر العربي القديم والتعبير عن الذات ببعضهما البعض ولا زال على نفس الوضع حتى وقتنا الحالي، فنحن لم نزل حتى اليوم نتعامل مع الشعر العربي بكافة درجاته حتى وإن لم نرتجله أو نتغنى به، فنجده في الأغاني العاطفية والوطنية والدينية التي نستمع إليها في كل يوم وتولد في نفوسنا شعورًا بالبهجة.

لقد كان الشعر العربي القديم والتعبير عن الذات والبيئة المحيطة هو محور الكتابات الشعرية التي وضعت في العصر الجاهلي، حيث إن الشاعر في ذلك الوقت كان يتجول في الصحاري القاحلة في شبه الجزيرة العربية يصف ما به من مشاعر وأحاسيس، فنجد أنه مثلًا كان يعبر عن لوعة الفراق التي يعاني منها لأنه هجر حبيبته أو هجرته هي.

كما نجد أن شعراء العصر الجاهلي برعوا في وصف مشاعرهم الحزينة على هيئة البكاء على أطلال مكان معين، مشبهين أو محاولين وصف الإحساس الذي يسيطر عليهم بأطلال كانت ذات يوم عامرة وهانئة، ونجد أيضًا أن الشعر الجاهلي هو الأب الحقيقي للشعر العربي في كافة العصور التالية له.

لقد عبر الشعر العربي القديم عن الذات أو الأشخاص من خلال وصف المعارك التي كانت تدور آنذاك مثل حرب الفجار مثلًا، كما أنه مدح شيوخ القبائل وتغزل في الحبيبة غزلًا عفيفًا تارة وصريحًا تارة أخرى، مما ينم عن مدى الشاعرية الفياضة التي كانت تكمن في نفوس هؤلاء في ذلك العصر، وفي كل ذلك انعكاسًا لما كان يتسم به الشعراء آنذاك من صفات جوهرية فريدة من نوعها.

اقرأ أيضًا: أشهر مؤلفات وكتب طه حسين

تعريف الشعر العربي القديم

لا يمكننا أن نتحدث عن الشعر العربي القديم والتعبير عن الذات من دون أن نتطرق إلى توضيح معنى الشعر بشيء من التفصيل، لفظة الشعر هي كلمة مشتقة من الفعل الماضي شَعُرَ بمعنى أن كلمة الشعر أساسها هو الشعور، حيث إن الشعر يتمثل دوره الرئيسي في قدرته الكبيرة على تحريك عاطفة الإنسان سواءً للحزن أو للفرحة أو الغضب والغيرة وغيرها من المشاعر الإنسانية الأخرى.

لن نبالغ في التعبير إذا قُلنا إن الشعر كعلم قائم بحد ذاته استطاع أن يقطع حدود الزمان والمكان وكان هو المحرك الرئيسي للحركات الدينية والحربية في العصر الجاهلي القديم وشنت بسببه الحروب وعقدت من أجله معاهدات السلام.

كما يمكن تعريف الشعر على أنه “كلام موزون مقفى يدل على معنى”، والجدير بالذكر أن هذا التعريف هو تعريف قدامة بن جعفر، ولكنه غفل عن عنصر هام في الشعر ألا وهو الخيال، واعتمد على ذكر أهمية استخدام موسيقى خاصة بالشعر وتسمى بالعروض بمختلف بحوره الشعرية، كما يعرف الشعر على أنه نوع من الكلام يعتمد على وزن دقيق ويقصد فيه فكرة شاملة لتوضيح أو وصف الفكرة الرئيسية الخاصة بالقصيدة.

هناك أيضًا تعريف آخر للشعر وهو أنه عبارة عن مجموعة من الكلمات التي تحمل كثيرًا من المعاني اللغوية التي تؤثر على عاطفة الإنسان حينما يقرأه أو يسمعه، والكلام الذي لا يحوي وزنًا شعريًا لا يمكن أن يصنف كشعر لأنه خرج عن معايير ومقاييس الشعر ولم تتوافر فيه الشروط التي يجب أن تكون موجودة في الشعر.

تاريخ الشعر العربي القديم

في إطار الحديث عن الشعر العربي القديم والتعبير عن الذات، يجب أن نذكر حقيقة أن الشعر كان هو الفن الأول عند العرب قديمًا، ولقد برز ذلك الفن في تاريخ الأدب العربي منذ أمد بعيد حتى أضحى وثيقة يمكن من خلالها التعرف إلى طبيعة حياة العرب ووضعهم، كما يمكن الاستدلال من وثائق الشعر القديمة المكتوبة والتي ترجع إلى العصور العربية الأولى على ثقافة العرب وعاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم أيضًا.

لقد اهتم قدماء العرب بالتمييز فيما بين الشعر المتقن وغيره من الكلام الفصيح العادي الآخر وذلك من خلال استخدام الوزن الشعري والقافية، حتى أصبح الشعر لديهم كلامًا موزونًا يعتمد على تواجد قافية تتناسب مع أبياته.

كان نتاج ذلك أن ظهرت الكثير من الكتب الشعرية والثقافية العربية التي أوضحت كيف يتم ضبط وزن وقافية الشعر وأشكاله البلاغية التي يجب اتباعها والاعتماد عليها عند التشبيه أو الاستعارة والكناية وأنواع البديع.

إذا تتبعنا تاريخ الشعر العربي القديم سوف نجد أنه يرجع إلى شبه الجزيرة العربية خلال الفترة التي سبقت نزول الإسلام، حيث نجد أن العرب قديمًا قد حرصوا على ربط الأحداث الخاصة بهم ومناسباتهم أيضًا بقصائد الشعر، ومن بعدها عمدوا إلى تطوير صورة القصيدة ولقد أثمر هذا التطوير بنتائج مهمة لا تزال محفوظة حتى الآن في كتب تاريخ الشعر العربي القديم.

حينما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم وانتشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية كان الشعر العربي آنذاك لا يزال محافظًا على تطوره، والتغيير الوحيد الذي أحدثه الإسلام في كتابة الشعر هو المحافظة حيث أصبح كتاب الشعر أكثر حرصًا وحذرًا من ذي قبل.

فلقد منع الإسلام الكثير من العبارات والألفاظ النابية والإيحاءات الجنسية التي لا تليق بحياء وورع الدين الإسلامي، وفي ذلك تأثيرًا واضحًا على مدى التعبير عن الذات حيث كبح الإسلام جماح الشعراء في تعبيرهم عن الذات.

مما يؤكد لنا أنه كان للدين الإسلامي دور حيوي وفعال في انتشار الشعر وتطوره وظهور شعر أكثر حداثة، وكان ذلك من خلال نشر الدعوة الإسلامية التي عملت بدروها على نشر اللغة العربية في جميع الأمصار خارج شبه الجزيرة العربية.

ونتاج ذلك ظهر تطور الشعر أكثر بحيث أصبح اعتماده على الشعر العاطفي إلى جانب اهتمامه بتطوير لغة الشعر القديم والتي صارت لا تتوافق مع ما وصل إليه الشعر العربي من تحديث بعد ذلك.

اقرأ أيضًا: أجمل قصائد الشعر العربي الحديث

عناصر الشعر العربي القديم

في إطار تقديمنا بحث عن الشعر العربي جدير بالذكر أن الشعر عملية غير منفردة قائمة لوحدها، بل على العكس تمامًا فإن الشعر يتألف من عناصر خمسة إذا غاب أحدها أصبح تكوين ونظم القصيدة الشعرية شبه مستحيل، وتلك العناصر الخمسة تتمثل في:

  • العاطفة
  • الفكرة
  • الخيال
  • الأسلوب

أغراض الشعر العربي القديم

يعني الشعر العربي القديم والتعبير عن الذات أن الشعر هو وصف للأحاسيس الإنسانية الموجودة في كل إنسان، والذي قد تصل قوتها إلى لا يستطيع فيه الإنسان التعبير عنها، وهنا نقول إن الشعر من العلوم الوجدانية التي خلقت لكي تُبعث من نفس الإنسان إلى الإنسان بمعنى لكي تكون موهبة يعبر صاحبها من خلالها عن شعور إنسان آخر غير قادر على وصف ما يدور بداخله وما يكنه من مشاعر

إن كتابة الشعر كانت لها دوافع وأسباب ولعل من أبرز الأسباب أو الأغراض التي عناها الشعر العربي القديم ما يلي:

1- الهجاء

يعد الهجاء من أشهر أغراض الشعر العربي القديم التي عرفت زمن الجاهلية، وهو يقوم على استخدام الشعر لمجموعة من الصفات السيئة أو بكلمات خارجة، والتي تذكر مساوئ الشخص بأبشع الأوصاف، هناك الكثير من أمثلة الأبيات الشعرية الهجائية كقول الأخطل لجرير:

“ما زال فينا رباط الخيل معلمة    وفي كليب رباط اللؤم والعار

قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم    قالوا لأمهم: بولي على النار”

2- الحماس

المقصود بالحماس هو إثارة الشعور بالشجاعة والقوة والبأس سواءً في القتال أو في مواجهة الصعاب، ولقد تم استخدام الشعر المعبر عن الحماسة من أجل التغني بصفات الرجولة والبطولة، بمعنى أن هذا الغرض من أغراض الشعر يصور المُثُل العليا للفروسية التي كانت تقوم عليها صلاة الصحراء، وتوجد الكثير من الأمثلة على شعر الحماسة عند العرب ومن بينها بعض الأبيات لعنترة بن شداد:

“ولقدْ ذكرتُكِ والرِّماحُ نواهلٌ      منِّي وبيضُ الهندِ تقطرُ من دمِي

فوددتُ تقبيلَ السيوفِ لأنَّها        لمعَتْ كبارقِ ثغرِكِ المتبسِّمِ”

3- الغزل

يعد هذا الغرض بالذات من أجمل أغراض الشعر العربي القديم وهو من أحبها وأفضلها، وبطبيعة الحال تكون المرأة هي موضع وموطن الغزل ومن الأمثلة على هذه الأبيات قول الشعر الجاهلي عمر بن أبي ربيعة:

أُلامُ على حُبي، وكأنّـى سننتـهُ    وقد سُنّ هذا لحبُّ من قَبلِ جُرهُـم

فقلت: اسمعي، يا هندُ، ثم تفهمي    مقالـةَ محـزونٍ بحُبِّـكِ مٌغـرمِ

4- الرثاء

الرثاء هو استخدام الشاعر لبعض الكلمات التي تعمل على ذكر الصفات الجميلة التي كان يتمتع بها الميت، ولقد اختص غرض الرثاء من أغراض الشعر بالأشخاص ذوي المكانة الاجتماعية والمنزلة المرموقة كالحكام أو القادة العسكريين وشيوخ القبائل، ويعد الرثاء تعبيرًا عن صدق المشاعر الحزينة على فراق أحد المقربين وهناك الكثير من أبيات الشعر الرثائية، كقول الشاعر عبد يغوث بن صلاة:

“ألا لا تلوماني كفى اللَّومَ ما بيا     وما لكما في اللَّوم خيرٌ ولا لِيا

ألم تعلما أنَّ الملامةَ نفعُها قليلٌ         وما لومي أخي مِن شِماليا”

5- الحكمة

تعد الحكمة من أقدم أغراض الشعر العربي القديم على الإطلاق وهي عبارة عن خلاصة خبرة الحياة ودروسها التي تلقاها الشاعر في حياته، ويقوم الشاعر بسردها على شكل أبيات شعرية جميلة ذات موسيقى تطرب لها الأذن، وتوجد أمثلة عديدة على أبيات الشعر التي تهدف إلى إبراز حكمة الشعر مثل قول طرفة بن العبد:

الخيرُ خيرٌ وإنْ طالَ الزّمانُ به   والشّرُّ أخبثُ ما أوعيتَ من زادِ

اقرأ أيضًا: بحث عن الشعر العربي

6- الفخر

لقد اعتادت قبائل العصر الجاهلي أن تمتدح تاريخها وتاريخ أجدادها الأوائل، ولا يزال هذا الغرض الشعري موجودًا حتى الآن حيث يتغنى به الشعراء من أجل الفخر بأوطانهم وأمجادهم، وتوجد الكثير من الأمثلة على هذه الأبيات الشعرية مثل قول الشاعر الجاهلي الفرزدق:

أروني من يقوم لكم مقامي    إذا ما الأمر جلَّ عن العتابِ

إلى من تفزعون إذا حثيتم     بأيديكم عليَّ من الترابِ؟

من خلال التعرف إلى الشعر العربي القديم والتعبير عن الذات كمهمة أساسية وغرض رئيسي، يجب أن نشير إلى أن شعراء الجاهلية أيضًا اهتموا بالوصف وقالوا فيه آلاف الأبيات.

قد يعجبك أيضًا