حكم البيع بعد نداء الجمعة الثاني

حكم البيع بعد نداء الجمعة الثاني يعد من المسائل التي تضاربت فيها الأقاويل، فمن الناس من يقول إنه مكروه، وغيرهم يقول إنه أمرٌ جائز وحلال لا ضرر فيه، وهناك من نهى عن ذلك وحرمه بشكلٍ قاطع، وكلٌ منهم له وجهة نظره وآرائه، فما هي صحة حكم البيع بعد نداء الجمعة الثاني؟ سنتعرف إلى ذلك عبر موقع زيادة فيما يلي من سطور.

حكم البيع بعد نداء الجمعة الثاني

يوم الجمعة يختلف عن باقي الأيام بشكلٍ كبير، فحتى فروضه لا تتشابه مع غيرها، فصلاةُ الظُهر فيه من ركعتين وخطبة على خلاف باقي الأيام التي تكون فيها صلاة الظهر من أربعة ركعات، والاختلافات تطول، فقراءة القرآن يوم الجمعة له أجرٌ آخر، فسورة الكهف مثلًا في يوم الجمعة هي نور ما بين الجمعتين.

جاء في حكم البيع والشراء يوم الجمعة الكثير من الأقاويل، فهناك آيات قرآنية كريمة جاءت في هذا الصدد، بالإضافة إلى بعض الأحاديث والتفسيرات المختلفة والمتفاوتة فيما يخص حكم البيع بعد نداء الجمعة الثاني.

لكن دعونا لا ننسى أن صلاة الجمعة تتفاوت في وقتها من منطقة لمنطقة في نفس المدينة وحتى الحي باختلاف مواعيد الأذان الخاصة بكل مسجد. فهل لهذا الامر تأثير أو يتم وضعه في الحسبان فيما يخص حكم البيع بعد نداء الجمعة الثاني؟

في البداية علينا القول إن تعدد الجمعة في البلد الواحد وحتى المدينة الواحدة والحي من الأمور السائغة والطبيعية، وما يهم هو أنها تؤدى في وقتها سواء في أوله أو آخره، ولكن المسارعة في صلاة الجمعة من السنن، فقد جاء على لسان الصحابي الجليل أوس بن أبي أوس والد عمرو رضي الله عنهما وأرضاهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

{من غسَّلَ يومَ الجمعةِ واغتسلَ ثمَّ بَكَّرَ وابتَكرَ ومشى ولم يرْكب ودنا منَ الإمامِ فاستمعَ ولم يلغُ كانَ لَهُ بِكلِّ خطوةٍ عملُ سنةٍ أجرُ صيامِها وقيامِها}، نجد في هذا الحديث مدى فضل يوم الجمعة، فمن يغتسل ويذهب للصلاة في الباكر ليكون أقرب للإمام.

فكان لها في كل خطوة يمشيها عمل سنة صام فيها لله تبارك وتعالى وأقام لياليها، وقال الحبيب المصطفى أن المشي أفضل من الركوب ويؤجر عليه من يقوم به.

أما فيما يخص حكم البيع بعد نداء الجمعة الثاني فإنه قد أجمع معشر العلماء على تحريمه وكونه لا يجوز، واستدل العلماء في تحريم هذا الأمر على الكثير من الآيات والأحاديث بالإضافة إلى التفسيرات والأقاويل المختلفة، وفيما يلي عبر هذا المقال سنتعرف إلى الحجج التي تم الاستناد عليه في تحريم البيع بعد نداء الجمعة الثاني.

من الشائع أن ترى في الأسواق العربية والشعبية أن هناك محال كثيرة وعديدة تتوقف عن البيع والشراء في وقت صلاة الجمعة، وهذا على الرغم من كون بعض أصحاب المحال من ديانات مختلفة مثل المسيحيين، وهذا من باب احترام المهنة وحتى لا يشعر من صلوا بالغبن بسبب رزقٍ فر منهم.

اقرأ أيضًا: فضل ليلة الجمعة في استجابة الدعاء

آيات قرآنية عن حكم البيع بعد الأذان

هناك العديد من الآيات القرآنية والسور التي جاءت في حكم البيع بعد نداء الجمعة الثاني، ويمكن من هذه الآيات التعرف إلى الحكم بشكلٍ قاطع لا شك فيه، إذا جاء فيما يخص حكم البيع بعد نداء الجمعة الثاني ما يلي:

قال الله تبارك وتعالى في الآية رقم 9 من سورة الجمعة في كتابة العزيز ما يلي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، نجد في هذه الآية أن الله يحث من آمن من عباده بترك ما يقومون به والتفرغ والسعي للصلاة وعبادة الله غير آبيين بأمور الدنيا الأخرى، ففضل صلاة يوم الجمعة والإبكار فيها لا يعادله أي فضل، ولا يضاهيه أي شيء آخر.

في هذه الآية نجد أن الله نهى عن البيع بعد المناداة بصلاة الجمعة، وذلك في قوله {وَذَرُوا البَيْعَ}، وذروا تعني اتركوا، وهذه الصيغة صيغة أمر لا خلاف على كونها تنهى عن البيع، فالأمر للوجوب، وهذا يحرم القيام بالفعل، وبذلك يكون حكم البيع بعد نداء الجمعة الثاني محرمًا في الدين الإسلامي والعقيدة الخاصة بنا بلا أدنى شك.

المناداة هي الأذان الذي يسبق الخطبة، وهو ما يُعرف بالأذان الثاني في هذه الأيام، فهناك أذان أول يُبين دخول وقت صلاة الفجر، وأذان آخر لبداية الخطبة، والأذان الثالث الذي يعبر عن إقامة الصلاة.

اقرأ أيضًا: حكم صيام يوم الجمعة منفردًا

أحاديث نبوية شريفة فيما يخص التجارة بعد أذان الجمعة

هناك بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي وردت في السنة عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فيما يخص الصلاة وقت الأذان، ومن أمثلة هذه الأحاديث كل مما يلي:

جاء على لسان السائب بن يزيد رضي الله عنه وأرضاه عن الصلاة في عهد رسولنا الكريم، فكان يقول السائب: {كانَ النِّدَاءُ يَومَ الجُمُعَةِ أوَّلُهُ إذَا جَلَسَ الإمَامُ علَى المِنْبَرِ علَى عَهْدِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، فَلَمَّا كانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، وكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ علَى الزَّوْرَاءِ}

يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن الأذان قد شُرع وتم وضعه لتعريف الناس وإعلامهم بقدوم موعد الصلاة، ولكن كانت علامة بداية الصلاة في عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هي صعود الإمام إلى المنبر، وكان الأمر بالمثل فيما يخص خلافة سيدنا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين.

أما في عهد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه فازداد الناس، وازداد انشغالهم وسهوهم عن موعد الصلاة، مما جعل حاجتهم للأذان الثالث وهو أذان الإقامة في وقتنا هذا أمرًا هامًا وضروريًا.

فيمكنك أن تستدل من هذا الحديث على الفرق في التوجه إلى الصلاة في عهد سيدنا محمد وفيما تلته من عهود حتى وصلنا إلى زمنٍ قد لا يتوجه فيه سامع الأذان للصلاة مهما توالى النداء على مسمعيه، فلا عجب من ذكر الله لتحريم البيع في الجمعة، فالله أعلم بعباده وما يصنعون.

اقرأ أيضًا: عبارات عن الصلاة على النبي يوم الجمعة

حكم انعقاد البيع بعد النداء الثاني للجمعة

اختلفت الآراء وتضاربت فيما يخص انعقاد البيع بعد النداء الثاني للجمعة، فالحنفية وبعض المالكية بالإضافة إلى الشافعية وعامة أهل العلم جاء عنهم أن البيع ينعقد على مع كونه يحرم، فقالوا إن الآية رقم 9 من سورة الجمعة جاء فيها أن التحريم للبيع، ولكن عقد البيع لم يحرم كالصلاة في أرض مغصوبة.

كما أن العلماء رأوا أن النهي عن البيع هو نهي عن التوقيت فقط وليس البيع ذاته، ولكن القول الثاني جاء في كون البيع يُحرم ولا ينعقد، وهو القول الأكثر شهرة في المذهب المالكي والحنبلي بالإضافة للعلماء من أمثلة ابن حزمٍ وابن عثيمين بالإضافة إلى داوود وابن المنذر.

وجب التنويه إلى كون المقصود في كون من حُرِم عليه البيع في الآية الكريمة من سورة الجمعة هُم من أمرهم الله بالسعي، فغير المخاطب السعي لا يُحرم عليه البيع والتجارة، ويكون حكم البيع بعد نداء الجمعة الثاني لهم جائزًا، ومن أمثلة غير المخاطبين بالسعي المسافرين والفتية بالإضافة إلى النساء والسيدات، فلا ضرر في ابتياعهم وبيعهم.

البيع بعد النداء الثاني وانعقاده فيه كثرت فيه الأقاويل، والأمر أشبه بالشبهات، ونهانا الرسول الكريم عن الاقتراب من الشبهات، فلن يعود عليك الأمر بالضرر في حال ما قمت بتأجيل البيع والشراء إلى ما بعد إتمام صلاة الجمعة، فاجتنب الشبهات.

قد يعجبك أيضًا