الرضا عن الله عز وجل

الرضا عن الله عز وجل شعور بالسكينة في القلب، وعبادة روحية تنيرها قبل أن تتحول إلى واقع ملموس في حياة الإنسان في شعوره بالانفراج بحياته العملية والخاصة.

لذلك في السطور القادمة عبر موقع زيادة سنعرض لكم الرضا عن الله عز وجل من القرآن والسنة، وأقوال علماء السلف الصالح في رضا الله عز وجل، وأثر الرضا على العبد في حياته.

الرضا عن الله عز وجل

الرضا في لسان أهل اللغة العربية ينقسم إلى معنيين المعنى الأول هو المعنى اللغوي، ويعني اطمئنان النفس وشعورها بالسكينة والهدوء في القلب، أما المعنى الآخر فهو معنى فقهي أو معنى شرعي، فالرضا فيه يعني طلب الاستحسان من الله عز وجل وموافقته.

كلمة الرضا من الكلمات القليلة في اللغة العربية التي تربط بين معنييها الاصطلاحي والفقهي، فالعبد المسلم يطلب من الله عز وجل موافقته واستحسانه في أمور حياته كي يكون ممن يعيشون بنفس هادئة مطمئنة تنتظر الجنة ونعيمها.

كما أن الرضا بالله عز وجل يجمع فيه من شعب الإيمان الستة، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره والإيمان باليوم الآخر، الرضا بالله يؤكد في قلب الإنسان من وجود إله في هذا الكون خلقه.

هذا بالإضافة إلى معرفة أن القدر خيره وشره من الله عز وجل، ولكن الشر ذا منظور نسبي من الإنسان فقط، فإن أعاد النظر إلى ما أصابه من شر، وما أنقذه من الله عز وجل بهذا الشر الذي يعتقده لرضا عن قضاء الله له.

كما أن الشاهد من الحديث الحسن الذي رواه الصحابي الجليل أنس بن مالك “..وإنَّ اللهَ تعالى إذا أحَبَّ قومًا ابتلاهُم، فمَن رَضِيَ فله الرِّضا، ومَن سَخِطَ فله السَّخَطُ“.

الحديث أخرجه شعيب بن أرناؤوط في تخريج رياض الصالحين، وأخره الترمذي باختلاف يسير عما أورده شعيب، وذكره ابن ماجه مختصرًا.

الرضا عن الله عز وجل من العبادات القلبية كما ذكرنا في السطور السابقة، والعبادات القلبية أو العبادات التي تشغل الجوارح مثل الرضا بالله والدعاء والتضرع له سبحانه وتعالى، تكون من الأعمال التي تزيد من ثقة العبد بربه.

اقرأ أيضًا: تجربتي مع إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين

الرضا عن الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم

الرضا عن الله عز وجل من الأعمال التي تمس القلب، وما يمس القلب والروح وله حلاوة وعليه طلاوة إلا كلام الله سبحانه وتعالى، وفي هذه الفقرة سنوضح لكم أثر الرضا عن الله جل في علاه في القرآن الكريم، كما قال عنها بعض علماء أهل السنة في تفسيرهم لكتاب الله.

قوله تعالى (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُۚ) جاء في أكثر من سورة في القرآن، وفي كل سورة يوضح سبحانه وتعالى أهمية الفوز برضاه والرضا عنه، وأسبابه وأثره في قلب الإنسان.

فذكر سبحانه وتعالى في سورة المائدة الآية 119 (قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًاۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

الصدق في هذه الآية جاء ذكرها في تفسير القرطبي للقرآن الكريم أنه الصدق في الدنيا، وذكر الطبري أن الله عز وجل قد رضا عن المؤمنين الذين صدقوا ورضوا عن الله، أما الموضع الثاني فهو في الآية رقم 100 من سور التوبة.

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)، فقد رضي الله عن المهاجرين والأنصار الذين أدركوا بيعة الرضوان.

كما أورد ابن كثير في تفسيره، ورضاهم عن الله حسب أغلب أقوال التفاسير هي رضاهم بالله ربًا وبالإسلام دينًا وشريعة لهم

أيضًا جاءت الآية في الآية الأخيرة من سورة البينة، وفيها حسب ما ذكر ابن كثير في تسيره من مقام الرضا من الله عنهم والرضا عنه أكثر مما يعتقدون وأعلى مما أوتوا بسبب رضاهم عن رب العزة، والآية فيها من فضل الرضا عن الله.

الرضا عن الله في أحاديث رسول الله

سُنة رسول الله هي الطريقة والمنهج الذي يجب على المسلم اتباعه في شئون حياته، لأن فيها من التوضيح لبعض العبادات التي جاءت في الشريعة الإسلامية مثل العبادات الجسدية كالصلاة.

كما العبادات الروحية مثل الدعاء، والرضا عن الله عز وجل، وفي هذه الفقرة سنعرض لكم كيف يرضى العبد عن الله، ويرضى الله عنه من السُنة النبوية الشريفة.

صور الرضا عن الله جاءت في عديد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل الحديث الذي رواه العباس بن عبد المطلب عم رسول الله “ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا“.

الحديث أخرجه الإمام مسلم صحيحًا في كتابه صحيح مسلم، وفي الحديث الربط الذي ذكرناه سابقًا بين الرضا بالله عز وجل وشعب الإيمان الستة، وفيه بيان لإحدى صور الرضى بالله، أو الرضا.

هذه الصورة هي الرضا برب العزة تبارك وتعالى إلهًا وربًا، ولا يرضى الإنسان برب يعبده إلا وقد رضى عنه باختياره إياه إلهًا.

كما جاء في الحديث الذي رواه الصحابي الجليل عمار بن ياسر، ورواه أيضًا قيس بن عباد، وقيس بن عبادة، وأخرجه الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح النسائي “وأسألُكَ الرِّضاءَ بعدَ القضاءِ“.

الرضا ذكرنا معنى هذا الحديث في شرح الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، أن الرضا عن الله يجعل المرء يتدبر معنى الإيمان.

فالأولى كانت الرضا به ربًا، وهي شعبة الإيمان بالله، أما الثانية فهي الرضا بقاء الله، وهي الشعبة الخامسة من الإيمان “الإيمان بالقدر خيره وشره”.

اقرأ أيضًا: كيف يحقق الإنسان تقوى الله

الرضا عن الله في أقوال السلف الصالح

السلف الصالح هم العلماء السابقين الذي حضروا الأئمة الأربعة، ومنهم من حضر التابعين، ومنهم تابعي التابعين، وقيمة أهل السلف ترجع في علمهم الذي أخذوه من المصادر السابقة، لذلك سنعرض لكم الرضا عن الله عز وجل في أقوال أهل السلف.

يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله إن العلامات التي تتضح جليًا عند الإنسان بأن الله عز وجل قد رضي عنه، هي رضاه هو بذاته عن الله عز وجل، وذكر الإمام في الصفحة 174 من المجلد الثاني من كتابه مدراج السالكين.

أن رضا الله عز وجل له بابين، الباب الأول هو “رضا قبله أوجب له أن يرضى عنه“، أي رضا الله على عبده بعد ابتلائه ببلاء رضي به العبد ورضي عن الله فيه، والباب الثاني هو الذي يأتي بعد الرضا عن الله، وأطلق عليه ابن القيم الجوزية أنه ثمرة الرضا بالله.

أما أبو الحسن جمال الدين ابن الجوزي فذكر في كتابه صد الخاطر، أن استقبال البلاء العظيم على النفس بقلب يملأه الرضا بما قسمه الله عز وجل لك، والسكينة والطمأنينة من العلامات التي تجعلك من الراضين بالله عز وجل، والراضين عنه، ومن يرضى عن الله يرضى الله عنه.

أما الإمام ميمون بن مهران قاضي الرقة في عهد عمر بن عبد العزيز، ومعلم أولاده قال عن الرضا بالله وعنه “من لم يرض بالقضاء فليس لحمقه دواء“، فذكر الرضا هنا مرتبط بالرضا بقضاء الله وقدره.

كيف يرضى العبد عن ربه؟

عرضنا لكم في السطور ثمار وأسباب الرضا عن الله عز وجل، لكن كيف يرضى العبد عن ربه؟ في هذه الفقرة سنعرض لكم إجابة هذا السؤال، وما هي ثمار رضا العبد عن ربه.

يبدأ الرضا عن الله بالإيمان به والتوحيد به والتصديق في وجود خالق أوحد لهذا الكون، وهو المدبر لشئونه، ثم الرضا بما يقسمه الله عز وجل لك سواء أكان خيرًا أو شر، وكل ما عند الله خير لا شر فيه.

بعد ركني الإيمان والتثبت بهما في قلب المسلم، تأتي واحدة من العبادات الروحية، وهي شكر الله وحمد والثناء عليه كما جاء في الآية الخامسة والثلاثين من سورة القمر: (نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَاۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ).

أما من ثمار الرضا بقضاء الله عز وجل والرضا عنه هي محبة الله عز وجل، ورضوان الله على العبد، والفوز بالجنة ونعيمها، والنجاة من النار وجحيمها، كما أن الرضا عن الله عز وجل من مكملات الإيمان، وهو ما يشعر المسلم بالراحة النفسية.

اقرأ أيضًا: هذه العلامة إذا ظهرت عليك فاعلم أن الله يحبك

إن الرضا عما قسمه الله لنا، والرضا عن الله من المزيدات في حسنات العبد بميزانه، ومن الرافعات لقلبه بمنازل ودرجات الإيمان، ومن مكسباته لرحمة الله وجنته.

قد يعجبك أيضًا