الفرق بين الكفر والشرك

الفرق بين الكفر والشرك ليس بفرق كبير من حيث الجزاء عند كثير من علماء الدين، فكلاهما بنص القرآن في نار جهنم خالدين. فقال تعالى: “إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة”.

برغم التشابه في الجزاء إلا أن هناك اختلاف في المعنى وكذلك فرق بينهم علماء الدين من حيث الاصطلاح والاعتقاد، وهذا ما سنتحدث عنه في هذا الموضوع على موقع زيادة.

الفرق بين الكفر والشرك لغة واصطلاحًا

 

ينقسم معنى الكفر والشرك بين شقي اللغة والاصطلاح، وشقي الكفر هما:

الكفر لغة

كفر الشيء أي غطاه وستره، ويقال كفر الجهل على علمه أي غطاه، وكفر الرجل أي لم يؤمن بالوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو بثلاثتها، وكفر كفرًا فالكفر مصدر للفعل كفر، ويعرف بأنه الجحود.

الكفر اصطلاحًا

تحدث عنه علماء أهل السنة والجماعة:

  • كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: “الكفر: عدم الإيمان -باتفاق المسلمين- سواء اعتقد نقيضه وتكلم به، أو لم يعتقد شيئًا ولم يتكلم”.
  • يقول رحمه الله: “إنما الكفر يكون بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه، مثل كفر فرعون واليهود ونحوهم” درء تعارض العقل والنقل.
  • يقول ابن تيمية رحمه الله: “فتكذيب الرسول كفر، وبغضه وسبه وعداوته مع العلم بصدقه في الباطن كفر عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة أهل العلم” منهاج السنة.
  • يعرف ابن حزم -رحمه الله- الكفر: “وهو في الدين صفة من جحد شيئًا مما افترض الله تعالى الإيمان به بعد قيام الحجة عليه ببلوغ الحق إليه بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أو بهما معًا، أو عمل عملاً جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان: الإحكام.
  • من خلال تعريف الشيخين للكفر يتضح أن الكفر يطلق على اعتقاد باطن ومحله القلب مثل إنكار وجود الله تعالى، وتكذيب رسله وآياته.

قد يكون الكفر بالقول كالتلفظ بكلمات فيها سب لله تعالى أو رسله أو السخرية بأحكام الشريعة أو عمل ظاهر مثل السجود للأصنام وتدنيس المقدسات أو تقطيع المصحف وغيرها من الأفعال التي يظهر منها كل ما سبق.

الشرك لغة

شرك فلانًا في الأمر: كان لكل منهما نصيب منه، فكل منهما شريك للآخر، وشرك بينهم أي جعلهم شركاء والشرك مصدرًا للفعل شرك.

الشرك اصطلاحًا

عرفه علماء الأمة بأنه التسوية في العبادة مع الله سبحانه وتعالى، واتخاذ الند له في غير العبادة من التعظيم والتقديس إلى حد صرف ما اختص به سبحانه لمن هم دونه، تحدث عنه جميع علماء الامة.

اجمع علماء الأمة بأنه عدم التوحيد كقول ابن تيمية رحمه الله: “إن الناس كانوا بعد آدم عليه السلام وقبل نوح عليه السلام على التوحيد والإخلاص كما كان أبوهم آدم أبو البشر عليه السلام، حتى ابتدعوا الشرك وعبادة الأوثان” فالشرك عنده هو عدم توحيد الله سبحانه وتعالى و إخلاص العبادة له.

قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي  حقيقة الشرك بالله: “أن يعبد المخلوق كما يعبد الله، أو يعظم كما يعظم الله، أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية والإلهية”، فعدم توحيد الله وإشراك غيره في عبادته وكذلك تعظيم مع الله من هم دونه يعد شرك به سبحانه وتعالى.

يتضح مما سبق أنه قد اتفق علماء الدين مع علماء اللغة في تعريفهم للشرك، فأصل الشرك اتخاذ الأنداد مع الله سبحانه وتعالى.

كيف يمكن إيضاح الفرق بين الكفر والشرك

الفرق بين الكفر والشرك يتضح بتوضيح نقيض كل منهما، فلقد ميز شيخ الإسلام ابن تيمية الكفر بأنه نقيض الإيمان ” الكفر وهو نقيض الإيمان قد يكون تكذيبًا في القلب”.

قد وضحنا مسبقًا أن الشرك عنده هو عدم التوحيد، وهذا ما ذهب إليه علماء كثيرون، وهذا ما جعل كثيرين منهم يخلصون إلى أن كلاهما بمعنى اصطلاحي واحد، وبذلك يتساوى عندهم معنى وجزاء كل من الكفر والشرك.

حجتهم في ذلك قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة” واستنادًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة”.

ونجد أنهم لم يفرقوا بينهم في الأحكام أو الجزاء إلا في أحكام النكاح، حيث خص الله سبحانه وتعالى إباحة الزواج للرجل المسلم من نساء أهل الكتاب اليهود والنصارى، وخفف الشارع في أحكامهم والتعامل معهم.

وهناك من علماء المسلمين من صنف الكفر إلى كفرين، كفر أكبر وهو كفر التكذيب والإنكار لوجود الله سبحانه وتعالى، وكفر أصغر وهو كفر النعمة وجحودها وعدم الاعتراف بها وشكرها، وكذلك الشرك إلى شركان شرك أكبر صرف العبادة لغير الله سبحانه وتعالى واتخاذ الأنداد له، وشرك أصغر وهو ما كان ذريعة ووسيلة للشرك الأكبر، وجميع ما سبق ورد ذكره في نصوص الكتاب والسنة وأجمع عليه أهل السنة والجماعة.

الكفر أعم من الشرك

خلص علماء وفقهاء كثيرون إلى أن الكفر أعم من الشرك، بمعنى أن كل مشرك كافر ولكن ليس كل كافر مشرك، فالكفر هو الإنكار والتكذيب وعدم الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والشرك هو التقرب لغير الله أو التسوية معه غيره في العبادة.

فالكافر قد يكون مشركًا وقد لا يكون، كالملحد الذي ينكر وجود أي إله يحكم هذا الكون ولا يعبد أي شيء.

  • وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم: “والشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد، وهو الكفر بالله، وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بقصد الأوثان وغيرها من المخلوقات مع الاعتراف بالله، فيكون الكفر أعم”.
  • وهذا ما ذهب إليه أيضًا الإمام النووي رحمه الله تعالى، حيث وضح في شرح صحيح مسلم: “الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك”.

الفرق بين الكافر والمشرك

عرفنا أن الكفر لغة هو الستر والتغطية، وعرفه الفقهاء بأنه الجحود لنعم الله وإنكار وجوده سبحانه، فلذلك سمي الكافر كافرًا بالله لأنه ستر وخفى وجحد نعمة الله عليه، ولم يؤدي شكرها بإخلاص الإيمان لله بل وانكر وجوده وأنه الخالق لهذا الكون.

ولأن الشرك في معناه اتخاذ الشريك والتسوية، فالمشرك هو من اتخذ مع الله ندًا وشريكًا في عبادته له بل وينسب لهذا الشريك ما اختص به الإله الواحد القهار لنفسه.

ويطلق كل منهما على الآخر هذا لاجتماع كل منهما في الوصف والجزاء.

ضرورة معرفة الفرق بين الكفر والشرك

تأتي ضرورة معرفة الفرق بين الكفر والشرك من حيث التبيان والتفصيل

الذي ميز الله سبحانه وتعالى الرسالة الخاتمة قال تعالى: “وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ”،

فهذا القرآن المعجز بآياته المُتَحدى بما فيه، وقد ذكر فيه الكافرون والمشركون واقترن معهم العذاب الأليم والخلود في نار جهنم فلذلك كثر الحديث من فقهاء الأمة وعلماءها عن الشرك والكفر توضيحًا وزجرًا وتوعية.

بذلك نكون قد وضحنا الفرق بين الشرك والكفر من حيث اللغة والاصطلاح الفقهي، ورأي بعض علماء الأمة في كل من الشرك والكفر وتحديد مفهومهما.

قد يعجبك أيضًا