لماذا لا تقبل شهادة الجزار ومربي الحمام

لماذا لا تُقبل شهادة الجزار ومربي الحمام؟ وهل يوجد دليل على ذلك؟ وما هي شروط قبول الشهادة؟ ذلك أن الإسلام قد وضع شروطًا عدة لقبول الشهادة، لذا اختلف العلماء في كثير من المهن هل تقبل الشهادة من أصحابها أم لا، وعبر موقع زيادة نوافيكم بالإجابة عن تلك التساؤلات بشيء من التفصيل.

لماذا لا تُقبل شهادة الجزار ومربي الحمام؟

أولًا: حكم شهادة الجزار

اختلف العلماء في قبول شهادة الجزار من عدمه، ولهم في ذلك عدة أقوال.

  • أنه لا تقبل شهادته؛ لكونها من المهن الدنيئة التي ترد بها الشهادة.
  • أنه لو امتهن تلك المهنة مضطرًا فلا ترد شهادته، وإلا فإنها تُرد.
  • أن المعول عليه في العدل -الذي هو شرط الشهادة- الصلاح والتقوى، بالتالي فإن أصحاب المهن الدنيئة لا ترد شهادتهم وإنما تقبل ما إن توافرت في المرء كافة شروط الشهادة.
  • بينما فصّل بعض الفقهاء القول فقالوا: أن الجزار متلبسًا بالنجاسة فإن كان يصلي بالنجاسة ولا يتطهر منها فإن شهادته تُرد ولا تُقبل، أما لو كان يتطهر منها ولا يُصلي بها فإنها تُقبل.

بناءً على تلك الأقوال.. فإن شهادة الجزار لا ترد مطلقًا أو تقبل مطلقًا، بل فيها نظر في الشخص ذاته، إن توافرت فيه شروط الشهادة صحّت منه، وإلا فلا.

ثانيًا: شهادة مربي الحمام

فصّل العلماء القول في حكم شهادة مربي الحمام، وفرقوا بين أمرين، المطيّر له اللاعب به، وبين تربية الحمام للزينة والأنس بها، أو لأجل فراخها لبيعها أو أكلها.

1- تربية الحمام لتطييرها والعبث بها

ذكر العلماء كونها من الأمور المذمومة في الشرع، بناءً عليه.. فإنه لا تقبل شهادة مربي الحمام المطير لها واللاعب بها.

  • لما فيه إيذاء للآخرين، ذلك أن المطير لها يتسبب في سرقة حمام الآخرين.
  • علاوةً على تضييع وقته فيما لا فائدة منه، لذا ترد شهادته ولا تقبل.
  • فها اتباع لعورات الناس.
  • الانشغال بها عن الطاعات والعبادات العظيمة.

ذلك للحديث المروي عن رسول الله: “أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يَتْبَعُ حَمَامَةً، فقال: شيطانٌ يَتْبَعُ شيطانةً.”

الراوي: أبو هريرة | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح أبي داود- الصفحة أو الرقم: 4940 | خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح.

فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث نهي أن ينشغل الإنسان باللهو والعبث عن الأمور العظيمة ذات الفائدة.

قال العلماء أن هذا الحديث دليل على كراهية اللعب بالحمام، وكونه أقرب إلى تحريمه، وذلك لتسمية الحمامة شيطانة، لكونها تفعل فعل الشياطين، أو لكونها تتسبب في اتباع الرجل لها.

قال بعض العلماء: “والذي يلعب بالحمام فإن كان لا يطيرها لا تسقط عدالته، وإن كان يطيرها تسقط عدالته; لأنه يطلع على عورات النساء، ويشغله ذلك عن الصلاة والطاعات.”

قال ابن قدامة: “اللاعب بالحمام يطيرها، لا شهادة له، وهذا قول أصحاب الرأي [الحنفية]، وكان شريح لا يجيز شهادة صاحب حمَام ; وذلك لأنه سفه ودناءة وقلة مروءة، ويتضمن أذى الجيران بطيره، وإشرافه على دورهم، ورميه إياها بالحجارة.”

2- تربية الحمام للأنس بها والزينة

ذكر العلماء أن تربية الحمام لأجل فراخها للبيع أو الأكل أو لحمل الكتب والمراسيل ولم يكن هناك أي أذى أو تعدي على الناس، فإن ذلك من الأمور الجائزة التي لا بأس بها، ولا ترد شهادته، بل تُقبل.

اقرأ أيضًا: لماذا لا تقبل شهادة مربي الحمام

شروط قبول الشهادة

بينت الشريعة الإسلامية شروطًا عدة لأجل قبول الشهادة من المرء، ما إن توافرت فيه تلك الشروط قُبلت منه الشهادة، وإلا فلا، والتي نبينها في ضوء الإجابة عن تساؤل لماذا لا تقبل شهادة الجزار ومربي الحمام؟

1- اعتناق الإسلام

فلا تقبل الشهادة من كافر مطلقًا، سواء كانت تلك الشهادة على مسلم أو على غير مسلم، وذلك للنصوص الشرعية الواردة في هذا الأمر.

  • قول الله عز وجل: “وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ…” [البقرة: 282]
  • قال الله تعالى: “وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ…” [الطلاق: 2]

فالله عز وجل ذكر في الآيات السابقة لفظ “منكم” والذي يدل على شرط الإسلام، وأنه لا تقبل الشهادة من غير المسلم.

ذلك أن الكافر ليس من ذوي العدل، ولا هو منا، بل إنه فاسق كاذب، إذ إنه يكذب على الله، من ثم لا يؤمَن منه الكذب على عباد الله.

من ثم فلا تقبل شهادة الجزار ومربي الحمام إذا كانا غير مسلمين، إلا أنه يستثنى من ذلك.. شهادة الكافر على المسلم في الوصية حال السفر، وذلك عملًا بقول الله عز وجل:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ۚ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۙ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الْآثِمِينَ” سورة المائدة: 106]

2- شرط البلوغ

من ثم فلا تقبل الشهادة من الصبي، حتى لو كان مميزًا، ذلك أن الله عز وجل قال: “وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ…”البقرة: 282] فلما كان الصبي ليس برجل، ولا في منزلته لم تصح الشهادة منه، كما أنه لا يؤمن منه الكذب لكونه غير مُكلف فلا تقبل شهادته إذًا.

3- العقل

فلا تقبل الشهادة من مجنون، لأنه لا يعي ما يقول، لأجل ذلك كان مرفوعًا عنه القلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةِ، عن الصبيِّ حتى يبلُغَ، وعن النائمِ حتى يستيقظَ، وعن المجنونِ حتى يُفيقَ.”

الراوي: – | المحدث: النووي | المصدر: المجموع للنووي – الصفحة أو الرقم: 6/253 | خلاصة حكم المحدث: صحيح.

4- شرط العدالة

فلا تقبل الشهادة من الفاسق؛ للنصوص الواردة في ذلك، فقد قال الله عز وجل: “وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ…” الطلاق: 2]

فالله عز وجل ذكر لفظ العدل بشكل صريح في الآية الكريمة، مما يدل على لزوم هذا الشرط، وكون الشهادة لا تصح من فاسق.

لأجل تحقيق العدالة في الشهادة لا بد من توافر عدة أمور في الشاهد:

  • اجتناب الكبائر.
  • عدم الإصرار على الصغائر.
  • كونه سليم السريرة.
  • يأمن منه الغضب.
  • المروءة.

من ثم يكون الجواب على تساؤل لماذا لا تقبل شهادة الجزار ومربي الحمام هو افتقارهما لشرط العدالة، فإذا كان أحدهما فاسقًا؛ لا تقبل منه الشهادة وترد.

5- عدم التهمة في الشهادة

فإنه من شروط قبول الشهادة أن يكون المرء غير متهمًا في شهادة، بالتالي لا تقبل شهادة الولد على والده أو العكس؛ لتهمة المحاباة بينهما، كذلك لا تقبل شهادة العدو على عدوه؛ لتهمة العداوة، والتحامل على العدو.

6- كون الشاهد ناطقًا

من ثم فلا تقبل شهادة الأخرس على الراجح من أقوال الفقهاء، وذلك حتى لو كانت له إشارة مفهمة، وذلك أخذًا بالأحوط في إثبات الحقوق وعدم ضياعها.

7- كون الشاهد يقظًا

من ثم فلا تقبل الشهادة من المغفل، وذلك لاحتمال الخطأ والغلط في شهادته، لذا لا تقبل شهادته، حفظًا للحقوق من الضياع.

أصحاب المهن التي لا تقبل شهادتهم

استكمالًا للإجابة عن تساؤل لماذا لا تقبل شهادة الجزار ومربي الحمام نبين بعضًا من أصحاب المهن التي ترد شهادتهم؛ ذلك أن الإسلام قد شدد كثيرًا في أمر الشهادة، من أجل ضمان إثبات الحقوق.

  • ممتهن الرقص والغناء: ذلك أن تلك المهنة من الأمور التي تقدح في المروءة، والتي هي شرط لازم في الشاهد، ويستثنى من ذلك المرأة، إذ إن ذلك لا يقدح في مروءتها.
  • عامل المصارف: لأن ماله وعمله به شبه.
  • الحلّاق: وذلك إذا اختل أحد شروط الشهادة، بأن يكون فاسقًا بفعلة الكبائر، أو إصراره على الصغائر، بأن يحلق اللُحى، أو ينتف الحاجب، أو يحلق للنساء الأجنبيات عنه، فإنه في تلك الحالة ترد شهادته ولا تقبل.

كما توجد كثير من الأفعال والتصرفات التي تمنع قبول شهادة صاحبها، منها:

  • المصافح: والذي هو بمثابة المصارع في الوقت الحالي، من ثم فإن ما يكون بها من تلقي ضربات تخل بمروءة الرجل، ولا تليق به.
  • لعب النرد والشطرنج: ذلك للأدلة الواردة في ذلك، والتي حملها بعض الفقهاء على الكراهة، بينما حملها البعض على التحريم، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن لَعِبَ بالنَّرْدِ فقد عصى اللهَ ورسولَه.”

الراوي: أبو موسى الأشعري | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح أبي داود – الصفحة أو الرقم: 4938 | خلاصة حكم المحدث: حسن.

  • الأكل في الشارع: ذلك أنه يخل بالمرؤة، والتي هي شرطًا من شروط العدالة اللازمة لقبول الشهادة، إلا أن يكون في مكان مخصص للأكل كالمطاعم ونحوها، ذلك أن أغلب المجتمعات ترى هذا الفعل خارجًا عن المروءة، إلا إن كان هذا الفعل في مجتمعات تقبلها ولا تعدها قدحًا في المروءة، فلا بأس.

الشهادة لها أهمية كبيرة في حياة الفرد والمجتمع، لذا شدد عليها الإسلام، وجعل لها شروطًا لأجل إقامتها، ذلك أنها تعمل على إقامة العدل ودفع الظلم، ورد الحقوق إلى أصحابها وعدم ضياعها، فلا تقبل من أي أحد.

قد يعجبك أيضًا