البعض لا يعرف من هم بنات أبي بكر الصديق بالرغم من شهرة الصحابي الجليل، تزوج أبو بكر من أربع نساء وأنجب منهم ثلاث أولاد وثلاث بنات، فهم جميعهم تربوا في بيت إسلامي من الدرجة الأولى، استقوا منه الأخلاق الحميدة والفطرة الطاهرة، من هنا ومن خلال موقع زيادة سنقوم بذكر بعض التفاصيل عن حياة كل واحدة من بناته رضي الله عنهن وأرضاهنّ.
بنات أبي بكر الصديق
تُعرف بنات أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالطهارة والنقاء والأخلاق الحميدة، فمنهن من كانت زوجة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكانت أحب الناس إليه، وهناك العديد من الأدلة على هذا الأمر وهي السيدة عائشة -رضي الله عنها- التي لُقبت بأم المؤمنين.
الثانية هي أسماء بنت أبي بكر وهي أول بنت لأبي بكر الصديق التي أنجبها من زوجته قتيلة بنت عبد العزى، والثالثة هي أم كلثوم أصغر بنات أبي بكر الصديق التي لم يراها، لأنه توفى قبل أن تنجبها أمها حبيبة بنت خارجة بن زيد ولكنه كان موجود حين كانت أمها حامل بها وتنبأ بأنها ستنجب أنثى، وسنتناول في الفقرات التالية بعض التفاصيل عن حياة كل منهما:
1- أسماء بنت أبي بكر الصديق
ولدت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها في مكة قبل 14 عام من وقت نزول الوحي، وهي أول بنات أبي بكر الصديق، فكانت أسرع من نطق الشهادة عندما دعاها أبوها إلى الدخول في دين الإسلام، وهي الشخص السابع عشر الذي يدخل في الإسلام في السر، وهي أكبر أخواتها سنًا، وكانت تكبر أختها عائشة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم بعشر سنوات، وأمها هي قتيلة بنت عبد العزى.
تزوجت من أحد العشرة المبشرين بالجنة وهو الزبير بن العوام رضي الله عنه حينما كان فقيرًا، وبالرغم من أن أنها كانت معتادة على عيشة أبيها الثرية، إلا أنها مثلت الزوجة الصابرة الصالحة التي صبرت على فقر زوجها، فاحتسب الله ذلك لها.
هاجرت مع زوجها الزبير وهي حامل بابنها عبد الله، فأنجبته في قباء، ثم المنذر، وعاصم، وعروة، وعائشة، وأم حسن، وعبد الله هو أول ابن من أبنائها، وأول طفل يُولد بعد هجرة المسلمين، أطلقت عليها كنية أم عبد الله.
سُميت بذات النطاقين، ويرجع سبب تسميتها بذلك أنها قامت بعمل الطعام للنبي صلى الله عليه وسلم وأبيها معه حينما هاجرا إلى المدينة، فقطعت نطاقها لتشد به الطعام، كما كانت تُعرف باللسان الفصيح والعقل الرزين.
قام الزبير بمدحها وشهد أنها من أكرم النساء التي رآها في حياته بوصفها بأنها لا تدخر شيئًا إلى الغد، ويكاد أن يكون كرمها هذا بسبب نصح النبي صلى الله عليه وسلم عندما سألته عن إمكانية التصدق بالمال الذي يعطيه لها زبير، فقال لها ألا تمسك عن الإنفاق في سبيل الله مادامت قادرة عليه.
كانت أسماء بنت أبي بكر الصديق من أكثر نساء الأرض حسنًا في الأخلاق والطباع، حيث كانت طائعة لزوجها، بارة بأبويها، تتقي الله في عبادتها، وارثة عن أبيها قوة العزيمة والشجاعة وعزة النفس.
بالرغم من كبر سن أسماء بنت أبي بكر الصديق وحياتها التي دامت لمدة قرن تقريبًا إلا أنها حتى يوم وفاتها كانت عاقلة تتمتع برجاحة العقل والشموخ والعزة، كما أنها لم يسقط أي سن من أسنانها، توفت عام 73 هجريًا بعد تاريخ مقتل ابنها عبد الله ببضعة أيام، وكانت آخر من مات من المهاجرين والمهاجرات.
اقرأ أيضًا: أسماء بنات وأولاد الرسول
2- أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق
أم كلثوم هي أصغر بنات أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأمها هي حبيبة بنت خارجة بن زيد، كما أنها تمت ولادتها بعد وفاة أبو بكر الصديق، ولكنه تنبأ أن زوجته حبيبة ستلد أنثى، فجاءت رواية السيدة عائشة رضي الله عنها وهي تقول:
(عن عائشةَ رضيَ اللُه عنها قالت: نحَلني أبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ جادَّ عشرينَ وسقًا من مالِ الغابةِ، فلما حضرته الوفاةُ قال: واللهِ يا بُنيةُ ما من الناسِ أحبُّ إليَّ غنًى منكِ بعدِي، ولا أعزُّ عليَّ فقرًا بعدي مِنكِ، وإني كنت نَحلتُك جادَّ عِشرينَ وسقًا، ولو كنت جَددتِيه واحتَزْتيه لكان لكِ، وإنما هو اليومَ مالُ الوارثِ، وإنما هما أخواكِ وأختاكِ، فاقتسِموه على كتابِ اللهِ، قالت: فقلت: يا أبتِ، لو كان كذا وكذا لترَكتُه، إنما هي أسماءُ فمَن الأخرى؟ قال: ذو بطنِ ابنةِ خارجةَ. أُراها جاريةً) صحيح.
تزوجت أم كلثوم من أحد العشرة المبشرين بالجنة وهو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، وأنجبت له زكريا، ويوسف الذي مات صغيرًا، وعائشة.
3- عائشة بنت أبي بكر الصديق
عائشة بنت أبي بكر الصديق هي ثاني بناته، وأم المؤمنين، وحبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي المرأة التي جمعت بين الجمال الداخلي والخارجي، حيث كانت جميلة الشكل، وجميلة الخلق والطباع، وأمها هي أم رومان (زينب).
وُلدت في ظل الإسلام ولكن قبل الهجرة بتسع سنين، لُقبت بالحميراء بسبب بياض بشرتها، تربت في بيت أبيها منذ الصغر، ولكن كبرت في كنف الرسول صلى الله عليه وسلم حين تزوجته بسبب وحي من الله في رؤية صادقة، ورؤيا الأنبياء يجب أن تُنفذ.
نجد رواية السيدة عائشة عن هذا الأمر من خلال حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ لَهَا: أُرِيتُكِ في المَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أرَى أنَّكِ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، ويقولُ: هذِه امْرَأَتُكَ، فَاكْشِفْ عَنْهَا، فَإِذَا هي أنْتِ، فأقُولُ: إنْ يَكُ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ) صحيح البخاري.
زواج النبي من عائشة
تزوجها النبي بعد وفاة زوجته خديجة بعد أن عرضتها عليه خولة بنت حكيم رضي الله عنها، وكانت هي الوحيدة البكر التي تزوجها النبي، فعاشت معه في مودة وحب ورحمة، وعرفت القرآن والسنة من المنبع الأصيل وهو الرسول صلى الله عليه وسلم.
تزوج النبي عائشة وهي في سن صغير لذا كان مقدرًا لهذا الأمر فجاء ذلك في رواية عائشة عن النبي: (لقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَوْمًا علَى بَابِ حُجْرَتي والحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ في المَسْجِدِ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْتُرُنِي برِدَائِهِ، أنْظُرُ إلى لَعِبِهِمْ) صحيح البخاري.
أيضًا هناك رواية أخرى عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (قَدِمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من غزوةِ تبوكَ أو خَيْبَرَ، وفي سَهْوَتِها سِتْرٌ، فهَبَّتْ رِيحٌ، فكشفت ناحيةُ السِّتْرِ عن بناتٍ لعائشةَ لُعَبٍ، فقال: ما هذا يا عائشةُ؟ قالت: بناتي، ورأى بينَهن فرسًا له جَناحانِ من رِقاعٍ، فقال: ما هذا الذي أرى وَسَطَهن؟ قالت: فرسٌ، قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جَناحان، قال: فرسٌ له جَناحانِ؟ قالت: أَمَا سَمِعْتَ أنَّ لسليمانَ خَيْلًا لها أجنحةٌ؟ قالت: فضَحِك حتى رأيتُ نواجذَه) صحيح أبي داود.
اقرأ أيضًا: أسماء بنات الصحابة رضي الله عنهم
حب النبي لعائشة رضي الله عنها
كان النبي يحب عائشة حبًا شديدًا، والدليل على ذلك رواية عمرو بن العاص عنه عندما قال: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَهُ علَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فأتَيْتُهُ فَقُلتُ: أيُّ النَّاسِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، فَقُلتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أبُوهَا، قُلتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالًا) صحيح البخاري.
في رواية عن عائشة رضي الله عنها: (أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَاطِمَةَ بنْتَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَتْ عليه وَهو مُضْطَجِعٌ مَعِي في مِرْطِي، فأذِنَ لَهَا، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ العَدْلَ في ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ، وَأَنَا سَاكِتَةٌ، قالَتْ فَقالَ لَهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَيْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ ما أُحِبُّ؟ فَقالَتْ: بَلَى، قالَ فأحِبِّي هذِه) صحيح مسلم.
كانت عائشة أفضل واحدة من بنات أبي بكر الصديق جميعًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كَمَلَ مِنَ الرِّجالِ كَثِيرٌ، ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّساءِ إلَّا مَرْيَمُ بنْتُ عِمْرانَ، وآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وفَضْلُ عائِشَةَ علَى النِّساءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ علَى سائِرِ الطَّعامِ) صحيح البخاري.
موت النبي في بيت عائشة
أراد النبي أن يقضي فترة مرضه في بيت عائشة رضي الله عنها مما يدل على شدة حبه لها، حتى مات في حجرتها وهو مستند إلى صدرها فتقول عائشة: (إنْ كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيَتَعَذَّرُ في مَرَضِهِ: أيْنَ أنَا اليَومَ، أيْنَ أنَا غَدًا اسْتِبْطَاءً لِيَومِ عَائِشَةَ، فَلَمَّا كانَ يَومِي، قَبَضَهُ اللَّهُ بيْنَ سَحْرِي ونَحْرِي ودُفِنَ في بَيْتِي) صحيح البخاري.
اقرأ أيضًا: سيرة علي بن أبي طالب
موت عائشة بنت أبي بكر الصديق
ملأت عائشة الدنيا بعلمها الوفير طوال حياتها، حتى توفت في الليلة الثامنة عشر من شهر رمضان عام 58 هجريًا، وصلى عليها أبو هريرة، ثم دفنت في البقيع مع صاحباتها من نساء المؤمنين كما أوصت.
أنجب أبو بكر الصديق رضي الله عنه من البنات أطهرهنّ وأنفعهن وأفضلهنّ خُلقًا، ولكل واحدة منهن سيرة حسنة لتكون قدوة لغيرها من نساء العالمين.