قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه كاملة

قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه كاملة توضح مسيرة حياة واحد من صحابة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ العظيمة، فقصص الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أولى أن يُحتذى بها وتنتشر، حتى تستطيع أمة الإسلام أن تمتثل بأخلاقهم، وتقتدي بما كان يفعل المسلم الحق من أجل دينه.

كان عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ أحد الصحابة الذين امتازوا بالخُلق الحسن، والعديد من الإنجازات التي قدمها لأمة الإسلام، لذا سوف نتطرق إلى عرض قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه كاملة من خلال موقع زيادة.

قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه كاملة

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: “لا تَسُبُّوا أصْحابِي، لا تَسُبُّوا أصْحابِي، فَوالذي نَفْسِي بيَدِهِ لو أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما أدْرَكَ مُدَّ أحَدِهِمْ، ولا نَصِيفَهُ” [حديث صحيح مسلم].

قد كان صحابة النبي ـ رضي الله عنهم ـ من أشرف الخلق وأحسنهم خُلقًا وخَلقًا، ولكل منهم العديد من الإنجازات التي نصرت دين الله تعالى ـ الإسلام ـ في زمانٍ لو تواجد المرء منّا فيه ما كان ليستطيع الصمود مثلهم، فصدق النية والإخلاص كان طبعهم.

كان عثمان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، من صحابة النبي ـ رضي الله عنهم ـ، ثالث العشرة المبشرين بالجنة، كان حسن المظهر وله محطات هامة في حياته.

الكلمات لن تكفي لأن توضح مدى قيمة قصة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ في بعض الأسطر البسيطة، لذا سوف نتطرق في الأسطر القادمة للحديث عن محطات حياته ـ رضي الله عنه ـ كاملةً بالتدريج بدايةً من مولده وصولًا إلى وفاته.

اقرأ أيضًا: قصة أبو بكر الصديق كاملة

نشأة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ

ثالث الخلفاء الراشدين، قد وُلد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ بعد مرور ستة أعوام من عام الفيل، أي أنه أصغر من النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بست سنوات، كانت كنيته في أيام الجاهلية “أبو عمرو”، اجتمع نسبه في الجد الخامس مع النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ من جهة أبيه.

كما تزوج من رقية ابنة رسولنا الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأنجب منها عبد الله وكنى نفسه به، كانت أمه أروى بنت كريز ـ أم أروى البيضاء بنت عبد المطلب ـ وهي عمة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ، بينما قد لُقب فيما بعد بذي النورين، ومن هنا نتطرق لطرح سبب لقب ذي النورين في قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

لقب عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ

قد لُقب عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ بذي النورين، وذلك لأنه تزوج من ابنتي رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ رقية وأم كلثوم ـ رضي الله عنهما ـ، الجدير بالتوضيح هنا أن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ لم يجمع بين ابنتي الرسول ـ رضي الله عنهما ـ في آنٍ واحد.

بل إن رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد زوجه من ابنته رقية ـ رضي الله عنها ـ في البداية، وعندما توفت قد زوجه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ من ابنته أم كلثوم ـ رضي الله عنها، وهي من الأمور التي لم تحدث سوى في قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

عن عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي: قال لي خالي حسين الجعفي: يا بني، أتدري لما سمي عثمان ذا النورين؟ قلت: لا أدري. قال: لم يجمع بين ابنتي نبي منذ خُلِق آدم إلى أن تقوم الساعة غير عثمان بن عفان، فلذلك سمي ذا النورين.

صفات عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ

قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه توضح الأخلاق الكريمة التي يجب أن يتحلى بها العبد المسلم، فقد امتلأت كتب السيرة النبوية والصحابة بأوصاف أصحاب النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقد كانوا أحسن الناس خُلقًا وخَلقًا، فجاء وصف عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ بأنه رجلًا ليس قصيرًا أو طويلًا.

حسن الوجه ذو لحية تملأ منكبيه، كبير العظام، كما كان ـ رضي الله عنه ـ طويل الذراعين، وكان الشعر يكسوهما، شعره مجعد ويملأ رأسه، فكان من أجمل الناس يتصف ببشرة بيضاء بحمرة، وكان ـ رضي الله عنه ـ أتم الناس في الحديث.

أما عن صفاته الخُلقية ـ رضي الله عنه ـ فكان كريمًا شديد الحياء، ونفسه محبوبة بين الناس قبل دخوله الإسلام حتى، وقد زاد ذلك الحب من الناس بعد دخوله الإسلام، وكان يتميز ـ رضي الله عنه ـ بنفسه السمحة، وزهده في الدنيا وجمالها.

كان الكرم من سمات عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ الحميدة، والتي لم يتواجد مثلها في مبالغتها، فقد كان يعطي لمن يعرف أو من لا يعرفه، ويصل عطاؤه إلى كل سكان أهل المدينة.

حتى قبل أن يكون خليفة، فقد ذُكر أن أبا طلحة كان مدينً لعثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ بحوالي 50 ألف درهم، فبعث له لكي يأخذ أمواله، إلا أن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ لم يأخذها، وقال له وهبناها لك لأجل مروءتك.

كما كان عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ حكيمًا وكان من ضمن مجلس شورى النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ، فكان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب يرفضان أن يتم الخروج لأي فتح دون استشارة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ في بادئ الأمر.

حياء عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ

الحياء من ضمن الأخلاق الحميدة التي يجب تسليط الضوء عليها في قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث إنها مفقودة في وقتنا هذا، فقد اجتمع في عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ الكثير من الصفات الحميدة، من ضمنها أنه كان شديد الحياء، فعن عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها، قالت:
كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مضطجعًا في بيتِهِ كاشفًا عن فَخِذَيْهِ فاستأذنَ أبو بكرٍ فأَذِنَ لهُ وهو على تلكَ الحالِ ثم استأذنَ عمرُ فأَذِنَ لهُ وهو كذلكَ فتحدَّثَ ثم استأْذَنَ عثمانُ فجلسَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُسَوِّي ثيابَه وقال محمدٌ ولا أقولُ ذلكَ في يومٍ واحدٍ فدخلَ فتحدَّثَ فلمَّا خرج قالت لهُ عائشةُ دخلَ عليكَ أبو بكرٍ فلم تجلسْ ثم دخلَ عثمانُ فجلستَ وسَوَّيْتَ ثيابَكَ فقال ألا أَسْتَحْيِي ممَّن استَحْيَى منهُ الملائكةُ”. [حديث صحيح مسلم].

إسلام عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ

نتطرق هنا إلى الشق الهام في قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد أسلم عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ على يد أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ، وذلك في عامه الثلاثين.

قبل أن يدخل رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى دار الأرقم، على أن يكون عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ بذلك رابع من أسلم من الرجال بعد أبي بكر الصديق، علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ.

فقد قال له أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ: ويحك يا عثمان، إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، ما هذه الأصنام التي يعبدها قومنا، أليست من حجارة صم لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع؟

قال: بلى هي كذلك.

فقال أبو بكر رضي الله عنه:

والله هذا رسول الله محمد بن عبد الله، قد بعثه الله إلى خلقه برسالته، هل لك أن تأتيه؟

فقال: نعم.

فعلى الفور قد اجتمع به رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقد قال له:يَا عُثْمَانُ، أَجِبِ اللَّهَ إِلَى حَقِّهِ، فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ، وِإِلَى خَلْقِهِ”.

قال: فوالله ما تمالكت نفسي منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.

أي أن استجابة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ لدعوة رسولنا الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لدين الإسلام سريعة بشكل كبير، وذلك بفضل الله تعالى وأبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ.

زواج عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ

من الأحق بالذكر في قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه كاملة، هو زوجاته فقد تزوج ـ رضي الله عنه ـ من ثمانية زوجات، والجدير بالذكر أن كل تلك الزيجات كانت بعد إسلامه، وكانت زوجاته هنّ:

  • رقية ابنة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
  • أم كلثوم ابنة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
  • فاختة بنت غزوان، وكانت أخت للأمير عتبة بن غزوان.
  • أم عمرو بنت جندب الأزدية.
  • أم سعد.
  • فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومية.
  • رملة بنت شيبة بن ربيعة الأموية.
  • نائلة بنت الفرافصة الكلبية.

1ـ زواج عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ من رقية ابنة رسول الله

قد كانت أولى زوجات عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ هي رقية ابنة رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وكانت زوجة لعتبة بن أبي لهب، وبعد أن نزلت الآية الكريمة: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) [سورة المسد: الآية 1]، فارقها عتبة بن أبي لهب قبل أن يدخل بها، وكان ذلك إكرامًا من الله ـ عز وجل لها ـ.

فذلك كان أمر من أم جميل بنت حرب وأبو لهب لابنهما، من ثم فرح عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ بخبر طلاقها، وخطبها من الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وزوجها منه وقد زفّتها خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ.

2ـ زواج عثمان بن عفان من أم كلثوم ـ رضي الله عنهما ـ

كانت أم كلثوم ـ رضي الله عنها ـ ابنة رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ من السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ، وكانت متزوجة كأختها من ابن أبي لهب عتيبة بن أبي لهب، وبعدما نزلت آيات سورة المسد: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) [1 – 5].

قد طلقها عتيبة بأمر من أبيه أبي لهب وأمه أن جميل بنت حرب، وذلك إكرامًا لها، فبعد وفاة رقية بنت رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد زوجها النبي من عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ وذلك في شهر ربيع الأول سنة 3.

فقد روي في السيرة النبوية أن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ قد حزن كثيرًا بعد وفاة رقية ابنة رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأن سنده قد انقطع من الدنيا.

كما كان جل حزنه أن مصاهرته لنبي الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد انقطعت، لذا زوجه النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ من أم كلثوم، حتى توفيت في السنة التاسعة من الهجرة ـ رضي الله عنها ـ.

اقرأ أيضًا: عبد الله بن عمر بن الخطاب

أبناء عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ

نسترسل في عرض قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ونتطرق إلى الحديث عن أبنائه، فقد أنجب عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ تسعة من الأبناء الذكور، ولم يكونوا من زوجة وحدة بل من خمس زوجات، فكان لديه من الأبناء ما يلي:

  • عبد الله: الذي قد أنجبه من رقية ابنة رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وذلك قبل الهجرة بعامين، ولكنه قد مات في السنة الرابعة من الهجرة وسنه أربع سنوات.
  • أبان: أنجبه ـ رضي الله عنه ـ من أم عمرو بنت جندب، وقد كان إمامًا في الفقه وكنيته “أبا سعيد”، وتولى إمارة المدينة لمدة سبع سنوات، وذلك في عهد الملك بن مروان.
  • أنجب عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ ولدًا من فاختة بنت غزوان، أسماه عبد الله.
  • عمرو: أحد أبناء عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ من زوجته أم عمرو بنت جندب، وروي عنه أنه قليل الحديث.
  • الوليد: أحد أبناء عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ من زوجته فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومية.
  • عبد الملك: أحد أبناء عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ من زوجته أم البنين بنت عينية بن حصن، لكنه قد مات وهو سن صغير.
  • سعيد: أحد أبناء عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ من زوجته فاطمة بنت الوليد المخزومية.
  • عمر: من أبناء عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ أنجبه من زوجته أم عمرو بنت جندب.
  • خالد: أنجبه عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ من زوجته أم عمرو بنت جندب.

عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ والهجرة إلى الحبشة

إكمالًا لعرض قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه كاملة، نتطرق إلى عرض قصة الهجرة إلى الحبشة ودوره ـ رضي الله عنه فيها، فبعدما تزوج من رقية ابنة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد أمر النبي بالهجرة إلى الحبشة، وقد كان عثمان ـ رضي الله عنه ـ أول من تبع الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الهجرة هو وزوجته.

من ثم تبعهم بقية المسلمين، وكان الهدف في ذلك الوقت من الهجرة هو أن يتم تكوين نواة للمسلمين في الحبشة، وأثناء تواجد المسلمين في الحبشة قد علموا بأن الكثير من أهل مكة قد أسلموا، مما جعل بعض من المسلمين المهاجرين يعودون بأدراجهم إلى مكة المكرمة.

كان من ضمن المسلمين الذين رجعوا إلى مكة مرة أخرى من الحبشة، عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ وزوجته رقية ـ رضي الله عنها ـ، ووجدوا حين وصولهم أن تلك مجرد شائعة كاذبة، واستقر من عاد من المسلمين في مكة والبقية في الحبشة.

هجرة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ إلى المدينة

نتطرق هنا لقصة عثمان بن عفان رضي الله عنه مع الهجرة، فقد هاجر عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ إلى المدينة وزوجته رقية ـ رضي الله عنها مع القليل من الصحابة، وكان لكثرة ماله يعتق العديد من العبيد، سواء في خلال فترة إقامته بمكة المكرمة أو المدينة، وقد استمر عتقه للعبيد حتى بعد توليه للخلافة، فكان منذ اعتناقه الإسلام يعتق رقبة كل جمعة.

كما كان لعثمان ـ رضي الله عنه ـ محاسن لم تخفَ على أحد، فعندما وصل للمدينة المنورة قد كان اليهود متحكمين في المياه، فقام ـ رضي الله عنه ـ بشراء بئر رومة بنفقته الخاصة، وقام بحفرها وجعلها مخصصة للمسلمين، والجدير بالذكر أن نصيبه منها كان كنصيب المسلمين.

كما أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد قال في هذا الصدد أنه فعل يُبشر بالجنة فعن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: …مَن حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنّة…” [المصدر صحيح البخاري].

عثمان بن عفان وغزوة بدر

قد خرج الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى بدر ولم يكن في نيته القتال، لكن المسلمون قد خرجوا للعير، وكان عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ من المُصري على مصاحبة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ، إلا أن الله عز وجل لم يكتب له ذلك، فقد مرضت رقية ابنة الرسول ـ رضي الله عنها ـ مرض شديدًا.

ذلك ما جعل النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يأمر عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ بأن يمكث مع رقية زوجته، فبقي ـ رضي الله عنه ـ معها، ولم يشارك عثمان بن عفان في غزوة بدر مع رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ الذي أنهى القتال وعاد إلى المدينة بالنصر.

لتكون تلك من أرق الأحداث في قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه، التي توضح أهمية مساندة الرجل لزوجته، من ثم بعودة الرسول عليه الصلاة والسلام وجد أن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ قد دفن السيدة رقية ـ رضي الله عنها ـ.

قد اغتنم المسلمون من غزوة بدر غنائم كثيرة، فكان لعثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ نصيبًا منها رغم عدم مشاركته فيهاـ ومن ثم زوجه من ابنته أم كلثوم ـ رضي الله عنها ـ.

بيعة الرضوان

من الأجزاء الهامة في قصة حياة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ، هي أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ حينما ذهب إلى مكة قبل عقد صلح الحديبية وقد رفضت مكة دخوله والمسلمين ومنعوا طوافهم بالحرم، أراد النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يرسل إليهم رسولًا يخبرهم بأنه سوف يقاتلهم أو يحاربهم وإلا العمرة.

فاختار عليه الصلاة والسلام عمر بن الخطاب لكي يُعلمهم، لكنه قال له: إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني؛ عثمان بن عفان.“.

فقد كان ووافقه النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ على رأيه، فبعثه إلى أشراف قريش وأبي سفيان، وأخبرهم أنه جاء للعمرة وليس للحرب، فاستطاع ـ رضي الله عنه ـ أن يدخل إلى مكة المكرمة، وقد تفاوض معهم وأجاره في ذلك فأبان بن سعيد بن العاص ـ أحد أبناء عمومته ـ.

فطلبوا أشراف قريش بأن يقوموا ببعض المفاوضات الأخرى مع سيدنا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فوافقهم، وحينما رجع عرضوا عليه الطواف ببيت الله الحرام، وكان ذلك حلم من أحلام المسلمين منذ سنوات هجرتهم بعيدًا عن مكة المكرمة.

لكن الجدير بالذكر أن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ لم يوافق ولم يقضِ الطواف قبل أن يطوف رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ، فمكث ـ رضي الله عنه ـ في مكة ثلاثة أيام، وفي ذلك الوقت قد سمع رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ شائعة أن عثمان قد قُتل في مكة.

فقام ـ عليه الصلاة والسلام ـ بجمع المسلمين وتبايعوا على الانتقام لعثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ، وفي ذلك تشريف لقيمة صحابيّ مثله، وقد وضع رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ يده في تلك المبايعة، وكانت خير يد فيها، فكانت بيعة الرضوان بمثابة حدث عظيم في قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

اقرأ أيضًا: من قائل لولا أن الموت أتاني لجعلت كل الدول الأوروبية إسلامية

عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ وكتابة القرآن الكريم

قد كان عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ محبًا لآيات الله تعالى، فكان يكثر من قراءته حتى أن نائلة زوجته عندما حوصر أن يقتلوه أو يدعوه فقد كان يقوم الليل بركعة واحدة يقرأ فيها القرآن.

كما من أقوال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو أن قلوبنا طهرت ما شبعت من كلام ربنا، والله إني لأكره أن يأتي عَلَيّ يوم لا أنظر فيه في المصحف.”، وعن عبد الله بن عمر أن آية الله تعالى: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) [سورة الزمر: الآية 9].

قد نزلت في عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ، وعن عبد الله بن عباس أن الآية: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة النحل: الآية 76]، قد نزلت فيه كذلك.

كما أن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ هو من جمع المصحف الشريف، وذلك لعدة أسباب منها أن القراء اختلفوا في أوجه قراءة القرآن الكريم، كما أن الوضع قد وصل إلى إن بعضهم يكفر بعض، فأراد رضي الله عنه أن يجمع أمة الإسلام على مصحف واحد.

فقد روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن شهاب أن أنس بن مالك حدَّثه أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قدِمَ على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزَعَ حذيفة اختلافُهم في القراءة، فقالَ حذيفة لعثمان: “يا أميرَ المؤمنينَ أدركْ هذه الأمةَ قبلَ أن يختلِفُوا في الكتابِ اختلافَ اليهودِ والنصارى”

من ثم أرسل عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ إلى السيدة حفصة ـ رضي الله عنها ـ أن تبعث إليه الصحف لكي ينسخها في مصحف واحد، من ثم يردها إليه، وما لبثت حتى أرسلتهم إليه، وأمر كلًا من سعيد بن العاص، زيد بن ثابت، عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الزبير بأن ينسخوها.

على هذا فقد كان جمع عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ للمصحف أمر قطع فتنة كبيرة قد حدث بين أمة الإسلام، وهو من أقوى الأحداث في قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فجمع أكبر الصحابة ليشاركوه في علاج تلك الفتنة، ومن ثم أجمعوا على أمر الاستنساخ وأن يتم إرسال المصحف الشريف إلى الأمصار.

على أن يتم اعتماده من الناس، ويتم الالتزام بقراءته وفق ما يتواجد فيه، وأمر عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ بأن يتم إحراق كل المصاحف الأخرى، وتعد المصاحف العثمانية واحدة من المصاحف الأساسية التي حسمت الخلاف، وكانت من أقوى إنجازات قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

خلافة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ

نكمل حديثنا ونتطرق إلى عرض قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه كاملة مع الخلافة، فقد كان عمر بن الخطاب في نهاية خلافته أوصى بأن يتم اختيار واحد من ترشيحه لبعض الصحابة للخلافة من بعده، وكانت تلك طريقة جديدة لتولي الخلافة وهي التي يتم اختيارها بالشورى، فحصر ـ رضي الله عنه ـ الصحابة في ستة.

ألا وهم علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيد الله، عثمان بن عفان، سعد بن أبي وقاص، الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنهم، كما أوصى بأن يتم اختيار واحدًا منهم للخلافة في مدة لا تزيد عن ثلاثة أيام؛ حرصًا منه على وحدة المسلمين.

فتشاور الصحابة فيما بينهم، ومن ثم أجمعوا على أن يتم اختيار عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ خليفة للمسلمين من بعد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، فبايعه المسلمون للخلافة في سنة 23 هـ، ليصبح ثالث الخلفاء الراشدين.

تولّى عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ الخلافة في عامه الثامن والستين، وكانت فترة خلافته مليئة بالأعمال والإنجازات، فقد نسخ القرآن الكريم ووزعه على الأمصار، ووسع المسجد النبوي، كما حجّ بالناس عشر حجج، وقد كانت الحالة الاقتصادية في خلافته حسنة، واستمرت خلافة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ لمدة 12 سنة.

توسعة المسجد النبوي في خلافة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ

من الإنجازات العظيمة في حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد كان المسجد النبوي الشريف في عهد رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ مبنيًا من اللبن والسقف الجريد، عمدانه من خشب النخل، ولم يزد فيه أبو بكر الصديق شيئًا، بينما قد بناه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ باللبن والجريد وأعاد عمدانه من الخشب في عهده.

بينما قام عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ بشراء أرض من حوله ووسعه، كما بنى جداره من الفضة والحجارة المنقوشة، وجعل أعمدته من الحجارة المنقوشة، وجعل سقفه من الساج، كما أصبحت أبوابه ستة في عهده ـ رضي الله عنه ـ.

الفتوحات في عهد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ

قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه مليئة بالأحداث العظمى والإنجازات، فقد تم فتح العديد من البلدان في خلافة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ، فتوسعت الدولة الإسلامية في عهده.

كما أنه قد أنشأ فيها أول أسطول إسلامي بحري؛ لكي يحمي الشواطئ الإسلامية من الهجمات البيزنطية، وفتح كل من: أرمينية، كرمان، خراسان، إفريقية، سجستان وقبرص.

أقوال عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ

بالحديث عن قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد كان له ـ رضي الله عنه ـ بعض الأقوال الجميلة التي يُحتذى بها في العديد من المواقف بوقتنا هذا، فكان يتصف بالحكمة وشهد له الصحابة أن خطبته ورعة وهادئة، وفيما يلي بعض الأقوال عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ:

  • “هم الدنيا ظلمة في القلب، وهم الآخرة نور في القلب”.
  • وجدت حلاوة العبادة في أربعة أشياء؛ أولها في أداء فرائض الله والثاني في اجتناب محارم الله، والثالث في الأمر بالمعروف ابتغاء ثواب الله والرابع في النهي عن المنكر اتقاء غضب الله.”
  • على الرغم من غنى عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ إلا أنه كان زاهد في الدنيا ومتاعها، ومن أقواله التي تدل على ذلك: “من ترك الدنيا أحبه الله، ومن ترك الذنوب أحبته الملائكة، ومن حسم الطمع عن المسلمين أحبه المسلمون.”
  • كانت من أقوال عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ التي توضح حرصه على عدم سيل دماء المسلمين من أجله: “لأن أقْتَلَ قبل الدماء أحب إلى من أقتل بعد الدماء”.
  • “أربعة ظاهرهن فضيلة وباطنهن فريضة مخالطة الصالحين فضيلة والاقتداء بهم فريضة وتلاوة القرآن فضيلة والعمل به فريضة وزيارة القبور فضيلة والاستعداد لها فريضة وعيادة المريض فضيلة.”
  • “يكفيك من الحاسد أنه يُغَم وقت سرورك”.
  • قال عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو على فراش الموت حين طعنه الغادرون والدماء تسيل على لحيته: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، اللهم إني أستعذيك وأستعينك على جميع أموري وأسألك الصبر على بليتي.”
  • ” خيرُ العباد مَنْ عَصَم واعتصم بكتاب الله تعالى.. ونظر إلى قبر فبكى.. وقَالَ‏:‏ هو أولُ منازلِ الآخرة وآخر منازل الدنيا.. فمن شُدِّد عليه فما بَعْده أشد.. ومن هُوِّن عليه فما بعده أهون‏.”

الفتنة في خلافة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ

من أهم الأمور التي يجب الإلمام بها في قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن في خلافته قد حدثت فتنة كبيرة، وذلك في أواخر عهده مع الاتساع في الدولة الإسلامية.

فقد وجدت عناصر حديثة في الإسلام، ولم تتحلى بالطاعة والنظام، فقام بعض الحاقدين على دين الإسلام وأولهم اليهود بإثارة الفتنة لكي يتم تفرقة شمل المسلمين، فقاموا بإثارة الشبهات حول عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ.

فحرضوا الناس في الكوفة ومصر والبصرة على أن يقوموا بالثورة، فانخدع وانساق البعض بتلك الفتنة، وساروا إلى المدينة لكي يتم تنفيذ الخطة، فقابلوا الخليفة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ وطالبوه بالتنازل عن الخلافة.

فاجتمع بهم في المسجد مع كبار الصحابة والناس من أهل المدينة، وقام بتفنيد افترائهم، وجاوب على جميع أسئلتهم ومن ثم عفا عنهم، وعادوا إلى بلدهم لكنهم قد أضمروا له شرًا، وتوعدوا بأنهم سوف يأتون مرة أخرى إلى المدينة لكي يتم تنفيذ مؤامرتهم.

الجدير بالذكر أن المؤامرة التي تم وضعها لعثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ كانت بتخطيط من عبد الله بن سبأ اليهودي، وكان مسلم بشكل ظاهري فقط، لكنه كنّ الشر والحقد للمسلمين والخليفة ـ رضي الله عنه ـ.

اقرأ أيضًا: سيرة الرسول كاملة مكتوبة

استشهاد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ

في عام 35 من الهجرة النبوية تكون نهاية قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد رجع أولئك الناس إلى المدين مرة أخرى، زاعمين أن هناك كتابًا بقتل زعماء من مصر قد وصل إليهم، وأنكر عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ ذلك، ولكنهم ظلوا محاصرين لمنزله لمدة 20 أو 40 يوم.

فمنعوه من الصلاة في المسجد ومنعوا عنه الماء، وقد رأى الصحابة ذلك فاستعدوا لكي يقاتلوهم، لكن الخليفة ـ رضي الله عنه ـ منع ذلك، فلم يرغب في أن تسيل قطرة دم مسلم من أجله، واقتحم المتآمرون داره من الخلف، وهجموا عليه.

كان عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ يقرأ القرآن في ذلك الوقت، وأكبت نائلة زوجته عليه لكي تحميه بنفسها، لكنهم قد ضربوها ضربةً بالسيف قطعت أصابعها، وتمكنوا من الخليفة ـ رضي الله عنه ـ حتى سال دمه على المصحف.

مات عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ عن عمر يناهز 82 عامًا في صباح عيد الأضحى يوم الجمعة الثامن عشر من شهر ذي الحجة بعام 35 هـ، وتم دفنه في منطقة البقيع، وكان مقتله بداية لفتنة كبيرة بين المسلمين استمرت حتى يومنا.

قد أفنى عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ عمره في خدمة الإسلام والمسلمين، وضحى بماله وحياته من أجل إضاءة طريق الإسلام هو وصحابة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

قد يعجبك أيضًا