ماذا يحدث بعد الموت

ماذا يحدث بعد الموت في القبر هو من أهم الأمور الغيبية التي تهم كل مسلم ومسلمة، وتنكر بعض الفرق أنه يوجد هناك حياة في القبر.

وقد سمى الفقهاء الحياة في القبر بحياة البرزخ؛ وهي منزلتين لا ثالث لهما، إما سعيد أو شقي بما قدم لحياته.

فعن سيدنا عثمان أن النبي قال: ” إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ”، أي أن السعيد في قبره سعيد في باقي منازل الآخرة، والشقي في القبر نعوذ بالله مما سيلاقيه.

ماذا يحدث بعد الموت في القبر

أخبرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأول ما يحدث في القبر، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – حديث أخرجه شعيب الأرناؤوط أنه قال: ” إذا قُبِرَ الميتُ أتاه ملكانِ أسودانِ أزرقانِ، يُقالُ لأحدِهما المنكرُ والآخرُ النكيرُ فيقولانِ ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ فيقولُ هو عبدُ اللهِ ورسولُه أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن محمدًا رسولُ اللهِ فيقولان قد كنا نعلمُ أنك تقولُ هذا ثم يُفسحُ له في قبرِه سبعون ذراعًا في سبعينِ ثم يُنوَّرُ له فيه ثم يُقالُ نَمْ فيقولُ أرجعُ إلى أهلِي فأخبرُهم فيقولان نمْ كنومةِ العروسِ الذي لا يُوقظُه إلا أحبُّ أهلِه إليه حتى يبعثَه اللهُ من مَضجعِه ذلك وإن كان منافقًا قال سمعت الناسَ يقولون فقلت مثلَهم لا أدرِي فيقولان قد كنا نعلمُ أنك تقولُ ذلك فيُقالُ للأرضِ التئِمِي عليه فتلتئمُ عليه فتختلفُ أضلاعُه فلا يزالُ فيها معذبًا حتى يبعثَه اللهُ من مضجَعِه ذلك”. (مسند ابن حبان 3117)

في هذا الحديث يروي لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ماذا يحدث بعد الموت في القبر، بعد أن يُدفن الإنسان ويُترك وحيدًا في بيته المؤقت المظلم إلى يوم القيامة، وقد تخلَّف عنه أصحابه وأهله تاركينه لما قدمه لموقفه هذا.

فيصف الرسول –صلى الله عليه وسلم- الحالة بأن الملكان يأتيانه ويقعدانه، ووصفُ هؤلاء الملائكة أنهم أسودان بعيون زرقاء، ويرى الفقهاء أن هذه الهيئة المخيفة تكون لكي لا يتردد المنافق في قول ما ود على لسانه لأول ولهة دون تفكير، وعلى المؤمن تكون منفعة له بأن يكون حسابه رحيمًا بما لاقاه من الوحشة، وكل بني آدم خطاء.

الملكان هما “المنكرُ والنكيرُ”

اقرأ أيضًا: ماذا يحدث للميت عند زيارة قبره؟ وأراء العلماء في زيارة قبر الميت

سؤال الملكين في القبر

يسأل الملكان الميت فيقولان: “ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟”، أي ماذا تعتقد في محمد بن عبد الله من إيمان أو كفر، صدقت به واتبعته أم أنكرت ما جاء به وخالفته.

وكان الرسول –صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من هذا الموقف وسؤال الملكين، فعن عثمان بن عفان قال: “كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، إذا فرغَ مِن دفنِ الميِّتِ وقفَ علَيهِ، فقالَ: استغفِروا لأخيكُم، وسَلوا لَهُ التَّثبيتَ، فإنَّهُ الآنَ يُسأَلُ”. (صحيح أبي داود 3221)

والمسلم يكون في أشد الحاجة للدعاء بالثبات عند السؤال.

رد المؤمن على سؤال الملكين

يختلف رد الميت على السؤال باختلاف عمله وحاله في الدنيا، فإن كان تقيًا مؤمنًا بالله فيكون رده: “هو عبدُ اللهِ ورسولُه أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن محمدًا رسولُ اللهِ”، أي أنه مؤمن بالله وموحدٌ به ومؤمن برسالة الرسول وبه، فيرد عليه الملكان بأنهم كان يعلمان ذلك (لأن الله أخبرهم بأمره)، ويُوسَّع له قبره الضيق مساحة سبعون زراع طول في سبعون زراع عرض (الزراع يساوي نصف متر تقريبًا)، وتتم إنارة القبر له وتذهب عنه الوحشة.

ويرى منزلته من الجنة جزاءً لما قدمه، والمكان الذي كان مُعدًا له في جهنم ونجى منه برحمة الله وما قدمه لآخرته.

يطلب الميت من الملائكة أن يعود للحياة الدنيا فيخبر أهله بما لقي من ربه، فيقولان له نم مثل العروس (لفظ العروس يقال للرجل والأنثى ليلة العرس ولا يقتصر على المرأة) الذي لا يُوقظُه إلا أحبُّ أهلِه إليه (وهذه العادة أن العروسين لا يُقلق منامهما أحد إلا أهلهم المحببين على حرج)، ويظل المؤمن على هذه الحالة الهنيئة إلى أن يوقظه الله تعالى يوم القيامة.

اقرأ أيضًا: كيف يعرف الإنسان أنه سيموت قريبًا وأبرز علامات الموت

رد المنافق على سؤال الملكين

فإن كان الميت منافقًا والعياذ بالله كان رده على سؤال الملكين: “قال سمعت الناسَ يقولون فقلت مثلَهم لا أدرِي” أي أنه لم يكن يدري عنه الحقيقة، ويردد ما يردده الناس من أنه كذاب أو ساحر وما على شاكلة تلك الأشياء والعياذ بالله، فيرد عليه الملكان أنهما كانا يعلمان ذلك من الله، ويدعوان عليه بقولهم: “لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ”، أي لم يعلم بنفسه شيء ولم يتبع أحد ليعلمه ولم يتل القرآن في حياته.

ويريه الملكان مقعده من النار المعد له ومنتظره، ومكانه من الجنة الذي كان له لو كان من المؤمنين الصالحين.

ثم يُضرب على رأسه بمطرقةٍ من حديد، فيصرخ صرخةً يسمع بها كل من على الأرض عدا الإنس والجن.
ثم تؤُمر الأرض أن تلتأم عليه فتطبق عليه وتضمه حتى تتشابك أضلعه، ويظل على هذه الحالة حتى يوم القيامة فيبعثه الله تعالى للحساب.

ضمة القبر

كل البشر من بني آدم يضمهم القبرة ضمة واحدة عند نزولهم بعد الموت، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه عند دفن سعد بن معاذ -رضي الله عنه- (ولا يخفى على أي دارسٍ للسيرة والتاريخ الإسلامي وذكر الصحابة فضل سعد بن معاذ وسابقته في الإسلام وأنه قُتل في غزوة الأحزاب) قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لو نجا أحدٌ من ضمَّةِ القبرِ، لنجا سعدُ بنُ معاذٍ، ولقدْ ضُمَّ ضمةً، ثُمَّ رُوخِيَ عنه”. (صحيح الجامع 5306)

قال الفقهاء في تفسير هذا الحديث أن هذه الضمة ليست مختصةً بسعد بن معاذٍ فقط دون غيره،  وإنها عامة لجميع الخلق، للصالح والطالح، لكن الفرق أنها تدوم للكافر إلى يوم القيامة، وللمؤمن تنفرج عنه وألمها كمثل ألمه في الدنيا من مرض أو فقد حبيب له أو ألمه لبكاء أحبته عليه، وتكون للمؤمن من روعات القبر المخففات للحساب، وما من مسلمٍ إلا وقد أَلَمَّ بذنب يومًا.

وفي هذا الحديث إثباتٌ لعذاب القبر وتخويف المؤمنين من عذابه.

اقرأ أيضًا: علامات خروج الروح من الجسد وعلامات حضور الموت وسكرات الموت والروح بعد الموت

نعيم القبر للمتقين

قد دلت الأحاديث الشريفة والقرآن الكريم على النعيم الذي يعيشه المؤمن في القبر؛ فهو في رحمة الله تعالى إلى يوم القيامة، ومن صور النعيم هذه:

  • يُفسح له في قبره وينير الله له القبر ويُذهب وحشته.
  • يبشره الملائكة برضى الرحمان عنه، فيشتاق إلى يوم القيامة.
  • يفرش له قبره من فرش الجنة.
  • يُلبسه الملائكة في قبره من لباس أهل الجنة.
  • يفتح الله من الجنة في قبره فيهنئ بنعيمها ويشم من ريحها.
  • يفرح عندما يرى المقعد الذي كان معدًا له في النار، لكن أبدله الرحمن بمكانه في الجنة.

هذا بعض ما ورد في كتب الفقه من نعيم القبر ومنزلة المؤمنين نسأل الله تعلى أن يجعلكم وإيانا من أهل رضوانه.

بذلك نكون قد نقلنا لكم أقوال الفقهاء في إجابة سؤال ماذا يحدث بعد الموت وأحوال المؤمن والمنافق في القبر، نَسألُ اللهَ العفو والعافية والرضوان وأن يُؤمِّنَ رَوعاتِنا في موقفنا هذا.

قد يعجبك أيضًا