ماذا يحدث في القبر

ماذا يحدث في القبر من حساب وسؤال الملكين وضمة القبر وماذا سأجد بعدما يتركني أهلي وأحبتي؟!.. تلك هي أهم الأسئلة التي تدور في عقل كل إنسان، مهما كنا مختلفين في كل شيء، عالم حائز على جائزة نوبل، أو جاهل.. غني أو فقير .. كلنا لنا نفس النهاية وهي القبر.

تلك الحفرة الصغيرة التي توضع فيها عاريًا من كل متاع الدنيا فقط معك أعمالك التي قدمتها لآخرتك، ثم يوارونك بالتراب، ويرحل كلٍ إلى دنياه.

ماذا يحدث في القبر

روى البخاري ومسلم عن أنس أنه قال: “قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قبرِه وتَوَلَّى عنهُ أصحابُه؛ – حتى أنَّه يَسمعُ قَرْعَ نِعالِهِمْ – أتاُه مَلَكانِ، فيُقعِدانِه فيَقولانِ له: ما كنتَ تَقولُ في هذا الرجلِ؟ – لِمُحمدٍ – فأمَّا المُؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنَّه عبدُ اللهِ ورَسولِهِ، فيُقالُ: انْظُرْ إلى مَقعدِكَ من النارِ قدْ أبْدَلَكَ اللهُ به مَقعدًا من الجنةِ، فيَراهُما جمِيعًا ويُفسحُ لهُ في قبرِهِ سَبعونَ ذِراعًا، ويَملأُ عليه خُضْرًا إلى يومِ يُبَعثُونَ. وأمَّا الكافِرُ أو المنافقُ فيُقالُ له ما كُنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ فيقولُ: لا أدْرِي كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ، فيُقال له: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، ثُم يُضربُ بِمطراقٍ من حَديدٍ ضَربةً بين أُذُنَيهِ، فيَصِيحُ صَيحةً يَسمَعُها مَن يلِيهِ غيرُ الثَّقلَينِ، ويُضيَّقُ عليه قَبرُه حتى تَخْتَلِفَ أضْلاعُه” (رواه البخاري 1338).

في هذا الحديث الشريف يخبرنا الرسول – صلى الله عليه وسلم- عما يتعرض له الإنسان بعد الموت ووضعه في قبره:

أولًا: يسمع نعال من أتى لدفنه راحلين تاركينه وحده.

ثانيًا: إذا أنصرف الناس؛ جاء إليه ملكان فيقعدانه ويقولان له: ماذا كنت تقول في ذلك الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟

فإذا كان مؤمنًا يرد: أشهد أنه عبد الله ورسوله.

فيقال له أنظر إلى مقعدك من النار (أي إلى الذي كان معد لك في النار إن لم تكن من المؤمنين) أبدلك الله به مقعدًا في الجنة؛ فينظر إلى كلا المقعدين في الجنة وفي الجحيم.

فإذا كان غير مؤمنًا (كافر أو منافق) يرد: لا أدري أو لا أعرف، كنت أقول مثل قول الناس
فيقولا له: “لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ” وهذا دعاء عليه من الملائكة، أي أنك لم تكًا داريًا بشيء ولا تاليًا للقرآن الكريم، فلا توفيق لك في موقفك هذا ولم تنتفع بما تقرأ أو تسمع.
ثم يُضرب بطرقة ثقيلة من حديد ضربة واحدة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعه كل الكون إلا الثقلين (وهما الإنس والجن).

 إقرأ أيضًا: احاديث عن عذاب القبر وما الأمور المسببة لعذاب القبر

نعيم القبر وعذابه

ينبغي علينا كمؤمنين بالله تعالى أن نؤمن بعذاب القبر ونعيمه لأنهما ثابتان بنصوص الكتاب والسنة ويلحقان الروح والجسد في ذات الوقت، كما أتفق أهل السنة والجماعة كما قال شيخ الإسلام في كتاب (مجموع الفتاوى): “بل العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعاً باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن وتعذب متصلة بالبدن، والبدن متصل بها، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين، كما يكون للروح مفردة عن البدن”.. أي إذا كان الإنسان في قبره ينعم فيكون نفسه وجسده في النعيم، وإذا كان الإنسان في القبر يُعذب فيكون العذاب للجسد والنفس.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “إذا قبر أحدكم، أو الإنسان أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما المنكر، وللآخر: النكير” (الترمذي 1071).

يتناول الحديث ما سيحدث في القبر من سؤال الملكين ووصفهما أنهما لونهما أسود و عيناهم زرقاوان ويظهر في الوصف مدي غلظتهم على عكس الصورة المعروفة عن الملائكة التي تريح النفس، ونرى أن هذه الهيئة لا تكون إلا لمن في القبر لما فيها من غلظة ووحشة ويكون الخوف في قلب الكفار أشد فلا يستطيعون الجواب إلا بحقيقة ما كانوا يفعلونه في الدنيا، وعلى المؤمنين فذلك أبتلاء ويثبتهم الله فلا يخافوا منهما في القبر لخوفهم من الله في الدنيا، إنما إن شاء الله عندما يرى المؤمن رضوان (ملك الجنة) سيكون أجمل بكثير رزقنا الله وإياكم رؤيته.

الحديث عن ضمة القبر

روي عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” لو نجا أحدٌ من ضمَّةِ القبرِ، لنجا سعدُ بنُ معاذٍ، ولقدْ ضُمَّ ضمةً، ثُمَّ رُوخِيَ عنه” (صحيح الجامع 5306).

كان سعد ابن معاذ – رضي الله عنه – رجل ذو فضل في الإسلام يعرفه كل الصحابة ويمتاز به فضله وحسن خلقه.

في هذا الحديث يروي عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – موقف دفن سعد ابن معاذ بعدما مات في غزوة الأحزاب.. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “لنجا سعدُ بنُ معاذٍ”.. أي لكان نجا من ضمة القبر، وهذا يدل على أن ضمة القبر لكل الناس الصالح منهم والفاسد لكن الفرق هو دواهما للكافر وانفراجها على المؤمن مرة أخرى.

وقيل في تفسير آخر أن ما من أحد إلا وقد ألم بذنب ما، فهذه الضمة تدركه جزاء وتطهير له، وهذه الضغطة ليست من عذاب القبر بشيء وإنما مثل خروج الروح من جسد المؤمن، ومثل ألم يشعر به المرء لبكاء شخص قريب لقلبه، وروعة هجوم الملكين الموكلان بالامتحان عليه.

هو لم يجد كمثل الألم الذي يجده عندما يفقد حبيبه أو ولده في الحياة الدنيا، ومثل ألم المرض ونحو ذلك من آلام الدنيا.

ويطمئن قلوبنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن العبد التقي يرفق الله به في بعض هذا الألم أو في كله.. نسأل الله أن يجعلكم وإيانا من عباده المخلصين.

كما في الحديث من تخويف المؤمنين من القبر وأهواله ليعملوا له ما يرحمهم في مثل هذا اليوم.

إقرأ أيضًا: عذاب القبر في القران بالأدلة

القبر أول منازل الآخرة

روى هانئ مولى عثمان عن سيدنا عثمان ابن عفان – رضي الله عنه –  أنَّهُ كانَ إذا وقفَ على قبرٍ بَكى حتَّى يبُلَّ لحيتَه فقيلَ لَه تُذكَرُ الجنَّةُ والنَّارُ فلا تبكي وتبكي من هذا فقالَ إنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ إنَّ القبرَ أوَّلُ منزلٍ من منازلِ الآخرةِ فإن نجا منهُ فما بعدَه أيسرُ منهُ وإن لم ينجُ منهُ فما بعدَه أشدُّ منهُ، قال: قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ما رأيتُ منظرًا قطُّ إلَّا والقبرُ أفظعُ منهُ (تخريج مشكاة المصابيح 117/1).

يتناول هذا الأثر عن الصحابي الجليل الخليفة الشهيد “عثمان بن عفان” معرفة الصحابة الكرام عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن القبر أول منازل الآخر وأن عذاب القبر ثابت بالنصوص المتواترة

والمعنى هنا، أنه يحكي هانئ مولى سيدنا عثمان أنه إذا وقف على قبر يبكي بكاء شديد حتى يبلل لحيته من شدة الدموع فقال له أحدهم: “فقيلَ لَه تُذكَرُ الجنَّةُ والنَّارُ فلا تبكي وتبكي من هذا” بمعنى أن تبكي من دخول القبر والخوف منه ولا تبكي عندما تذكر الجنة وتشتاق إليها وعندما تذكر النار وتخاف منها.

فرد سيدنا عثمان لذلك الرجل الذي كان يتعجب من سبب بكائه: أن النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – قال” أن أول منازل الآخرة هي القبر أي في السؤال والحساب والثواب والعقاب فأي أحد نجا من هذه المنزلة وأصبح من المنعمين في القبر فقد نجى في باقي المنازل ورحمه الغفور المتعال حتى يصل الجنة، أي إذا نجا من القبر كان مستبشرًا بالجنة.
ومن لم ينج من القبر (نال عذاب القبر) فالتالي ما هو أشد منه، وفي ذلك دلالة على أنه لن ينجو من باقي المنازل في حياته الأخرى.

القبر أفظع المنازل

نفس الحديث السابق.. يستطرد سيدنا عثمان أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال أنه ما رأي أي منظر ذو هول وفظاعة إلا وكان أخف من منظر القبر، والعبرة بالمبالغة في الخوف، وكيف لا نكون هكذا وهو بيت الوحدة والوحشة والغربة والوحشة والظلام، وانقطاع عمل المسلم عن الأعمال الصالحة وزيادة ما يحمله من طاعات وعمل صالح وعاء إلى الله تعالى (زاد المسلم في الحياة الآخرة) وهي من أهم الاسباب التي تنجي المؤمن من عذاب القبر وتثبته عند السؤال.

نستخلص من الحديث أن نعيم القبر ثابت وحق وأن الرهبة والخوف من عذاب القبر واجبة بهدف العظة والالتزام بصالح الأعمال.

زاد المؤمن في القبر

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: “من خافَ أدلَجَ ، ومن أدلَجَ بلغَ المنزلَ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ غاليةٌ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ الجنَّةُ”

الرسول صلى الله عليه وسلم دائمًا كان يحض الصحابة على التفكير في أمور الآخرة، ويحثهم على العمل بجد لبلوغ الجنة.

وفي هذا الحديث يتكلم الرسول – صلى الله عليه وسلم – يتحدث باللغة التي يفهمها العرب الذين يسافرون في الصحاري فكان بالطبع السفر في حرارة الشمس يكون قاتل لمن يحاول عبور الصحراء، فالمحنكين من العرب الخبراء في السفر يسافرون في منتصف الليل في الوقت الذي يسمى (دجى) فلا يلاقون في سفرهم وقت الظهيرة والشمس متعامدة فيصلون بسلام إلى وجهتهم؛ هكذا كان الرسول –صلى الله عليه وسلم – يمثل لأصحابه يقول لهم من كان خائفًا من القبر والحياة الآخرة ألا يقدر على تجميع ما ينفعه بها، عليه أن يبدأ مبكرًا في التجهيز له ولا يؤجل التوبة دقيقة واحدة؛ ومن أجتهد في عبادة المولى وقدم ما له وما عليه من واجبات أَرْجَى أن يصل إلى غايته الكبرى وهي مغفرة الله تعالى.

قوله “ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ غاليةٌ” أي أن ما سوف تحصل عليه عند الله غالي وقدره عظيم، لكن ليس بالمال إنما بالعمل والإخلاص فيه وسعى في تحقيقه حق السعي.

قوله: “ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ الجنَّةُ” أي من ستحصل عليه من اجتهادك وسعيك هي الجنة، ولن تنال مرادك بالتمني والأحلام؛ لكن بالاجتهاد وبالعمل الجاد.

في النهاية لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله.

نرى في الحديث براعة النبي – صلى الله عليه وسلم – في تعليم أصحابه بضرب المثل لما يفهموه من أمور الدنيا فهم أهل بادية يعملون في التجارة فجاء الحديث بلغتهم، هو من قال: ” إنا معاشرَ الأنبياءِ أُمِرْنا أنْ نُكلمَ الناسَ على قدرِ عقولِهمْ”(رواه محمد الغزي عن سعيد بن المسيب في إتقان ما يحسن 120/1).

إقرأ أيضًا: هل الميت يحس عند الغسل وماذا يحدث له داخل القبر

الاستعاذة من عذاب القبر 

هكذا نكون قد نقلنا لكم أقوال الفقهاء وعلماء الحديث حول موضوع ماذا يحدث في القبر وندعو الله بما علمنا نبيه الكريم “اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ النَّارِ وعَذابِ النَّارِ، وفِتْنَةِ القَبْرِ وعَذابِ القَبْرِ”.

قد يعجبك أيضًا