الصحابي سعيد بن زيد والغزوات التي شارك بها مع الرسول

الصحابي سعيد بن زيد أحد العشر المبشرين بالجنة، وله المناقب الكثيرة في الإسلام، نظيف السيرة في الجاهلية وفي الإسلام، شهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، أحد أعظم الرجال الذين قال عنهم سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-: “خيرُ النَّاسِ قَرْني ثمَّ الثَّاني ثمَّ الثَّالثُ ثمَّ يجيءُ قومٌ لا خيرَ فيهم” (المعجم الأوسط 3/339).

الصحابي سعيد بن زيد

اسمه: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح ابن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، يلتقي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجد المشترك كعب بن لؤي.

كنيته: أبو الأعور

أمه: فاطمة بنت بعجة بن أمية بن خويلد.

وصف خلقه ورد في كتب التاريخ، ومنه أنه كان رجلًا طويل القامة ذو شعرٍ طويلٍ أسمر البشرة.

اقرأ أيضًا: معلومات عن خالد بن الوليد الصحابي الجليل سيف الله المسلول

الصحابي سعيد بن زيد قبل الإسلام

كان الصحابي سعيد بن زيد حسن السيرة ومن أتباع الدين الحنيف، و كان أبوه هو “زيد بن عمرو بن نفيل” أحد الحنفاء الذين كانوا مؤمنين بدين سيدنا إبراهيم عليه السلام، وذلك قبل بعثة الرسول محمدٍ عليه الصلاة والسلام، وكان لا يقدم القرابين والذبائح للأصنام ولا يسجد لصنمٍ ولا يتعبد به، ولا يأكل الميتة وعُرف عنه قوله للقبيلة “يا معشر قريش والله لا آكل ما ذبح لغير الله”، لذلك نشأ في بيئةٍ أفضل من غيره كثيرًا.

وهو ابن عم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وزوج أخته فاطمة بنت عمر بن الخطاب التي كانت السبب في إسلام أخيها فاروق هذه الأمة.

في نفس الوقت أخته هي عاتكة بنت زيد بن عمر، وقد كانت زوجة ابن عمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

إسلام الصحابي سعيد بن زيد

كان من السابقين الأولين في الإسلام، وذكرت بعض المصادر أنه كان من الثلاث عشر الأوائل في الإسلام، والمثبت أنه أسلم قبل أن يدخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم بن أبي الارقم، فقد أسلم هو وزوجته فاطمة بنت الخطاب، وبالطبع كانا يخفيان خبر إسلامهما عن أخيها عمر بن الخطاب.

اقرأ أيضًا: من اول امير في الاسلام وما هو نسبه ولقبه وكيف توفى

إسلام عمر بن الخطاب

ورد في بعض كتب التاريخ قصةٌ تروي دور الصحابي سعيد بن زيد في إسلام ابن عمه وصهره، من هذه الكتب (البحر الزاخر للبزار برقم 400/1)، في حديثٍ طويلٍ على لسان عمر بن الخطاب يحكي أنه كان من أشد الناس كرهًا وبغضًا للنبي صلى الله عليه وسلم.

ففي أحد الأيام شديدة الحرارة قابله رجلٌ وسأله إلى “أين أنت ذاهب؟”، فقال أنه ذاهبٌ ليقتل ذاك الرجل الذي غيَّر (يقصد غير الدين أي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم)، فرد عليه الرجل: “يا ابنَ الخطابِ! قد دخل عليك هذا الأمرُ في منزلِكَ، وأنت تقولُ هكذا” فسأله ما الذي تقوله، فرد عليه بأن أخته قد أسلمت.

رجع عمر بن الخطاب غاضبًا إلى بيت أخته، وكان زوجها الصحابي سعيد بن زيد عنده رجلين يعلمهما الإسلام.

طرق على الباب وسأله الصحابي سعيد بن زيد: من الطارق، وعرف أنه عمر، فهرب الرجلين مختبئين، وتركوا الكتاب الذي كان في أيديهم يتعلمون منه، ففتحت له أخته فقال لها: “أَيَا عَدُوَّةَ نفسِها أَصَبَوْتِ”، أي غيرت دينك، ومن ثم ضربها وطفقت تبكي.

رأى عمرٌ الصحيفة التي تركها الرجال وحاول إمساكها، إلا أن أخته منعته وقالت: “هذا لا يمسه إلا المُطَهَّرون”، فأغصب عليها وأخذ الصحيفة وقرأ قوله تعالى: “سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ”.

ثم ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بمجامع قميصه وقال له: “أَسْلِمْ يا ابنَ الخطابِ اللهمَّ اهْدِهِ”، فنطق عمرٌ الشهادتين وكبر المسلمون الحاضرون.

تعقيب

هذه القصة تتعارض مع قصص أخري في كتب التاريخ مثل قصة ابن كثير، لذلك وجب التنويه.

اقرأ أيضًا: سعد بن أبي وقاص الصحابي الذي أعتزل الفتنة الكبرى

هجرة سعيد بن زيد

اختلف المؤرخون في هجرة سعيد بن زيد -رضي الله عنه-، لكن الكثير منهم قالوا إنه من السابقين الأولين في الإسلام، وبذلك قال ابن الأثير الجزري في كتابه (أسد الغابة في معرفة الصحابة) وكذلك الذهبي.

قال ابن كثير في تاريخه أنه هاجر هجرة المدينة، ولم يهاجر هجرة الحبشة، وذلك لأنه كان من الأشراف ولم يكن يتعرض للتعذيب كغيره من المسلمين المستضعفين، وكان له أقاربَ أقوياء عظماء مثل عمر بن الخطاب.

رغم هذا هاجر للمدينة لعدة أسباب يوضحها المؤرخون مثل:

  • أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر، فهاجر لكي يكون بجواره.
  • بعد الهجرة لم يبقى في المدينة من يتعلم منه أمور الدين، لذلك وجب عليه الهجرة لجوار الدين.
  • لما هاجر المسلمون لم يبقى أحد في مكة، فصار يخاف أن يظهر دينه بين الناس.

وفي ذلك روي ابن عباس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم: “أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ يَومَ الفَتْحِ: لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولَكِنْ جِهَادٌ ونِيَّةٌ، وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا” (مجمع الزوائد 5/253).

وقد آخى الرسول بينه وبين أبيُّ بن كعب في المدينة.

اقرأ أيضًا: من الصحابي الذي نزلت فيه سورة عبس وسبب نزول السورة

بشارة الصحابي سعيد بن زيد بالجنة

الصحابي سعيد بن زيد هو عاشر العشرة المبشرين في الجنة، وروى عنه عبد الحق الإشبيلي في كتابه الأحكام الصغرى: “أنَّهُ قال أشهدُ على التِّسعةِ أنَّهم في الجنَّةِ ولو شَهدتُ على العاشرِ لم آثَم، قيلَ فكيفَ ذلكَ، قال كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بحراءَ فقال اثبت حراءُ فإنَّهُ ليسَ عليكَ إلَّا نبيٌّ أو صدِّيقٌ أو شَهيدٌ، قيلَ ومن هم، قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وأبو بَكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ وطلحةُ والزُّبيرُ وسعدٌ وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ، قيلَ فمنِ العاشرُ، قال أنا” (الأحكام الصغرى 904)

كما روي الحديث عن طريقٍ آخر، فعن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أبو بَكرٍ في الجنَّةِ وعمرُ في الجنَّةِ وعثمانُ في الجنَّةِ وعليٌّ في الجنَّةِ وطلحةُ في الجنَّةِ والزُّبيرُ في الجنَّةِ وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ في الجنَّةِ وسعدٌ بنُ أبي وقاصٍ في الجنَّةِ وسعيدٌ بنُ زيد في الجنَّةِ وأبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ في الجنَّةِ” (تخريج مشكاة المصابيح 5/436)، فهذا الحديث وحديث جبل أحدٍ أيضًا، يثبتان أنه من العشرة المبشرين بالجنة.

غزوات الصحابي سعيد بن زيد مع الرسول

اتفق المؤرخون جميعًا أنه شهد مع الرسول الغزوات كلها، ولم يتخلف عن أي مشهدٍ منهم، إلا أنهم اختلفوا في غزوة بدر، فمنهم من قال أنه لم يحضرها، ومنهم من قال أنه حضرها، لكن كلا الفريقين يؤكد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد ضرب له بسهم في الغنائم، وذكره البخاري في باب “تسمية من سُمي بأهل بدر”.

وعلى هذا فإن أصح الأقوال أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعثه في وقت الحرب إلى مصلحة للجيش (مراقبةٍ أو ما شابه)، وعاد بعد الحرب لكنه كان من الجيش ويخدم الجيش، لذلك ضرب له سهمًا في الغنائم.

كما روي عن سعيد بن جبير أنه قال: “كان مقام أَبي بكر وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد، كانوا أَمام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في القتال ووراءَه في الصلاة”، فيشير هذا القول إلى أن سعيد بن زيد لم يتخلف عن غزوةٍ قط حتى بدر.

اقرأ أيضًا: اول غزوة للرسول وما هي أسبابها والنتائج التي ترتبت عليها

غزوات الصحابي سعيد بن زيد بعد الرسول

ذكر المؤرخون مثل ابن الأثير أنه شهد معركة اليرموك وشهد حصار دمشق، فكان في فترة خلافة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- من الصحابة الذين توجهوا إلى الشام، وهو صاحب فكرة الهجوم في معركة أجنادين التي قادها خالد بن الوليد، ثم عاد بعدها إلى مكة وكان من الناس الذين اعتزلوا الفتنة الكبرى.

فرية الكذب على الصحابي سعيد بن زيد أنه اغتصب أرضًا

يحكي أبو القاسم الأصفهاني في كتابه (سير السلف الصالحين 245/1) أن امرأة تدعى “أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ”، ادَّعَتْ أن الصحابي سَعِيدَ بْنِ زَيْدٍ قام باغتصاب قطعة مِنْ أَرْضِهَا، فاشتكته إِلَى الخليفة مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَقَالَ سعيد بن زيد: “مَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ !!”، فقَالَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ: “وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟”، قَالَ سعيد بن زيد: “سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: “مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ”، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: “لَا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا” (يقصد أن البينة على المدَّعِي، واليمين على من أنكر)، فَقَالَ الصحابي سعيد بن زيد دعوته الشهيرة (وكان مستجاب الدعوة): “اللهُمَّ، إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمِّ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا”.

يحكي الراوي أنها ظلت على قيد الحياة حتى كف بصرها، وفي أحد الأيام وهي تمشي في أرضها وقعت في حفرة.

اقرأ أيضًا: من هو سيد القراء؟ والصحابي الملقب بسيد القراء وأحاديث عن أبي بن كعب

مناقب الصحابي سعيد بن زيد

كل ما ذكرنا آنفًا كانت مناقب عظيمةً لهذا الصحابي، لكن يكفيه أنه من أوائل من آمن بالرسول وأنه شهد المشاهد كلها، وفي ذلك يقول الإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني، الملقب ببدر الدين الشوكاني في كتابه: “در السحابة في مناقب القرابة والصحابة” عند ذكر الصحابي سعيد بن زيد: “ويكفي سعيد بن زيد أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة وأنه شهد أحدًا وما بعدها من المشاهد كلها، وصار من جملة أهل بدر بما ضربه له رسول الله صلى الله عليه وسلم من السهم والأجر”.

كما كان سعيد بن زيدٍ على قيد الحياة عندما قرر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يضع السبعة رجالٍ في الشورى للخلافة بعده، لكنه لم يضعه من ضمنهم، لئلا يقال أنه وضعه من أجل القرابة والنسب الذي بينهم، ولم يتولى ولايةً حتى مات.

قال في ذلك ابن كثير في تاريخه:

كما أن الأحاديث التي رواها سعيد بن زيد عن الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة جدًا، وتذخر بها كتب الصحاح، وقد صاحب سعيد بن زيدٍ النبي -صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية، وكذلك صاحبه في حجة الوداع.

أولاد الصحابي سعيد بن زيد

أكثر المؤرخين الذين ذكروا أولاد الصحابي سعيد بن زيد هو ابن الجوزي، وهم:

  • عبد الله الأكبر بن سعيد بن زيد.
  • عبد الرحمن الأكبر بن سعيد بن زيد.
  • عمرو الأكبر بن سعيد بن زيد.
  • الأسود بن سعيد بن زيد.
  • عبد الله الأصغر بن سعيد بن زيد.
  • طلحة بن سعيد بن زيد.
  • محمد بن سعيد بن زيد.
  • عبد الرحمن الأصغر بن سعيد بن زيد.
  • خالد بن سعيد بن زيد بن سعيد بن زيد.
  • زيد بن سعيد بن زيد بن سعيد بن زيد.
  • أم الحسن الكبرى بنت سعيد بن زيد.
  • عمرو الأصغر بن سعيد بن زيد.
  • أم حبيب الكبرى بنت سعيد بن زيد.
  • زجلة بنت سعيد بن زيد.
  • أم موسى بنت سعيد بن زيد.
  • أم سعيد بنت سعيد بن زيد.
  • أم النعمان بنت سعيد بن زيد.
  • أم خالد بنت سعيد بن زيد.
  • أم عبد الحولاء بنت سعيد بن زيد.
  • حفصة بنت سعيد بن زيد.

موت الصحابي سعيد بن زيد

أوردت كتب التاريخ أن الصحابي سعيد بن زيد مات بالعقيق (حاليًا تابعة لإمارة الباحة في المملكة العربية السعودية).

وفي سنة وفاته قيل أنه في سنة إحدى وخمسين، وقيل في سنة اثنتين وخمسين ودُفن في البقيع في المدينة، وقد مات شهيدًا وهو على فراشه، لخبر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى بأن سعيد بن زيدٍ من الشهداء وإن مات على فراشه.

اقرأ أيضًا: الصحابي الذي قتلته الجن من هو وشخصيته وسيرته وقصة دخوله الإسلام

المصادر والمراجع

  • مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لنور الدين على أبي بكر الهيثمي.
  • اللباب في تهذيب الأنساب لعز الدين محمد بن الأثير الجزري.
  • الكامل في التاريخ لأبي حسن عبد الواحد الشيباني.
  • فضائل الصحابة للإمام أحمد بن محمد بن حنبل.
  • الفيصل في الملل والأهواء والنحل لأبي محمد بن حزم الظاهري.
  • فتح الباري شرح صحيح البخاري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني.
  • الطبقات الكبرى محمد بن سعد الواقدي.
  • السنن الكبرى لأبي حسن بن على البيهقي.
  • البداية والنهاية لابن كثير.
  • المنظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي.

بذلك نكون قد نقلنا لكم ما ذكره المؤرخون عن الصحابي سعيد بن زيد عاشر المبشرين بالجنة رحمه الله وألحقنا به وبصاحبه عليه أفضل الصلاة والسلام.

قد يعجبك أيضًا