متى يكون الطلاق واجبا؟

متى يكون الطلاق واجبا على الزوجين وهل يُحكم على الطلاق بالوجوب أو الحرمة؛ للإجابة على سؤال متى يكون الطلاق واجبا علينا أولًا أن نقر بأنه -أي الطلاق- شأنه شأن باقي أعمال المسلم يأخذ حكمًا تكليفيًا من الأحكام الخمسة (الوجوب، الاستحباب، التحريم، الكراهة، الإباحة) طبقًا لحالة الزوجين والعلاقة بينهم، وفي ذلك تفصيل.

فالطلاق كما عرفه الفقهاء: رفع قيد النكاح الصحيح (في حالة الطلاق البائن أو الطلاق الرجعي إذا انقضت العدة) المنعقد بين الزوجين بألفاظ مخصوصة، وهو ما اشتمل على الطلاق، وهو التصرف المملوك للزوج بقطع النكاح.

متى يكون الطلاق واجبا

إذا كان السؤال هو متى يكون الطلاق واجبا فيجب قبلًا معرفة الدليل على مشروعية الطلاق من القرآن، قال الله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (229البقرة)

وقال تعالى أيضًا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا) (الطلاق 1).

اقرأ أيضًا: حقوق الزوج اذا طلبت الزوجة الطلاق وحقوق الزوجة إذا طلبت الطلاق للضرر

حكم الطلاق

بعدما عرفنا متى يكون الطلاق واجبا دعونا الآن نتعرض إلى حكمه، حيث اختلف الفقهاء في الحكم الشرعي للطلاق، لكن ذهب الجمهور إلى أن حكمه الأصلي الإباحة ما لم يخرج عن ذلك لأي قرينة، إلا أن الحنفية والحنابلة يرون أن حكم الطلاق هو الحظر ويخرج عن هذا الحكم للحاجة، واستدلوا عن هذا الرأي بحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” أبغضُ الحلالِ إلى اللهِ الطلاقُ” (خلاصة البدر المنير 218/2)، ولأن الطلاق كفر بنعمة الله الزواج، وبذلك لا يحل عندهم إلا بالضرورة.

الطلاق الواجب

يكون الطلاق واجب على الزوجين في حالتين هما:

  • الطلاق لحكمين

    هو أن يلجئ الزوجان إلى حكمين من أهلهم لمحاولة الإصلاح بينهم، بعد استنفاذ محاولات الإصلاح الأخرى التي ذكرها الله تعالى في قوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) ( النساء 34)، فإن وجد الحكمين سبيلًا إلى الصلح أصلحا بينهما، وإن لم يجدا فرقا بينهما، ويكون هنا الطلاق واجبًا لقطع الشقاق.
    قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) (النساء 35).

  • طلاق المُولي

    هو الرجل الذي حلف ألا يجامع زوجته، ورفض الرجوع في قسمه (الفيء)، فيستمر حتى أربعة أشهر وهي المدة القصوى للانتظار على هذه الحالة في الشرع الإسلامي، وفي تلك الحالة يكون الطلاق واجبًا لقوله تعالى: (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النساء 227،226).

اقرأ أيضًا: حقوق المرأة بعد الطلاق وكيف تتغير حقوق المرأة في حالة وجود أطفال؟

الطلاق المندوب والمستحب

يكون الطلاق مستحبًا في عدة مواضع مثل:

  • أن تفرط المرأة في حقوق الله تعالى مع القدرة عليه، وأن يكون الزوج قد استنفد كل الطرق للإصلاح معها.
  • أن تكون غير مؤتمنة لا في الفراش ولا في تربية الأولاد ولا في المال، وعلى هذه الحالة يجب على الزوج أن يطلقها لأن في أمسكاها نقصًا للدين.
    ويرى الإمام أحمد أنه لا بأس في التضيق على الزوجة في هذه الحالة لتقتدي به وتعود إلى طريق الصواب، لقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا” (النساء 19).

اقرأ أيضًا: الفرق بين الطلاق والخلع وماهي انواع الطلاق

الطلاق المكروه

يكون الطلاق مكروهًا عندما يكون بلا سبب أو حاجة تجبه، أو خلاف خارج عن العلاقة الزوجية بين الزوجين كمشاكل بين الزوج وأهل زوجته أو مشاكل بين الأهل في العائلتين، وسبب الكراهة أن في ذلك تعطيل لمقاصد الزواج والإضرار لمصالح الزوجة والزوج وهدم الأسرة كليةً، وفيه من الضرر ما يقع على الأولاد إن وُجدوا، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أبغضُ الحلالِ إلى اللهِ الطلاقُ” (خلاصة البدر المنير 218/2)

الطلاق المباح

عندما يكون عند الحاجة إليه كسوء خلق الزوجة أو سوء معاشرتها، ويكون الطلاق من الرجل هدفه دفع الضرر عن نفسه.

الطلاق الحرام

يكون الطلاق حرامًا في حالة إذا قصد به الزوج الإضرار بالمرأة، كالطلاق في حيض أو الطلاق في طهر جامعها فيه، فبهذا إضرار بالمرأة بإطالة مدة العدة وما إلى ذلك.

كذلك نكون عرفنا متى يكون الطلاق واجبا ومتى يستحب ومتى يُكره ومتى يُحرم، لكن يجب معرفة الحكمة من تشريع الطلاق من الأساس حتى نعرف نعمة الله علينا بتشريعه.

اقرأ أيضًا: حكم الحلف بالطلاق المعلق بشرطة عند أئمة الإسلام

الحكمة من تشريع الطلاق

تجدر بنا الإشارة إلى أن الإسلام نبه في عدة مواضع على اختيار الزوجة الصالحة وتحري الدقة في حسن الاختيار هذا، فعن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عيه وسلم قال: “تخيَّروا لنُطَفِكم، فانكِحوا الأكفاءَ وأَنكِحوا إليهم” (صحيح الجامع 2928) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: “تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها ولِحَسَبِها وجَمالِها ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ” (صحيح البخاري 5090)
ولكن قد يقصر أحد الزوجين في الحياة بطريقة تؤدي إلى استحالة العشرة بينهم، أو فوات مقصد من مقاصد الزواج كالتوالد والاستمتاع والألفة بين الزوجين، قال الله تعالى: ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الروم 21)

ففي تلك الحالة يكون الأمر ببقاء العلاقة الزوجية مفسدة على أحد الطرفين، مع سوء العشرة بينهم والخصومة الدائمة التي تنفر ابن آدم من بيته، فشرع الله الطلاق لتزول هذه المفسدة، وهذا هو الأنسب للفطرة التي فطرنا عليها الله وأنسب لاستمرار سرمدية الحياة البشرية والإعانة على الهدف الذي خُلقنا من أجله في الأساس، ويكون التعويض من الله تعالى في علاقة جديدة يسودها الرحمة الألفة بين الزوجين.

فهي بداية جديدة لكلا الطرفين وهذا ما قاله الله تعالى في قوله: “وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا” (النساء 130)

الطلاق قد يكون بداية الصلاح للزوجين (في حالة الطلاق الرجعي) فقد يكتشف لرجل أن حبه لزوجته أكبر مما يظن فيحاول ردها في فترة العدة أو بعد انتهاء فترة العدة بعقد ومهر جديدين، وقد تكون الزوجة ألفت الحياة مع زوجها وأصبحت روتينية مملة فعندما تجرب تجربة الطلاق على أرض الواقع تفيء إلى قول العقل الواعي، وبذلك يكون الطلاق هو السبيل إلى أسرة سعيدة.

التفريق القضائي

هناك بعض الأحوال الأخرى التي يتم فيها الطلاق وجوبًا، لكن ليس طلاقًا بالمعنى المتعارف عليه بل هو تفريق على يد قاضٍ رغمًا على الزوج لطلب الزوجة، إذا لم تفلح معه كل الوسائل الودية الاختيارية، وذلك لحفظ المرأة صيانة كرامتها وكفل حقوقها.

ويكون التفريق القضائي لخمس أسباب هي: (التطليق لعدم الإنفاق، التطليق للضرر، التطليق للعيب، التطليق لغيبة الزوج دون عذر ولا مبرر، التطليق لحبس الزوج)

ملحوظة: التفريق على يد القاضي يكون إحدى حالتين: الطلاق أو الفسخ، والفرق بينهم أن التطليق يكون من عدد الطلقات التي يمتلكها الزوج، أما الفسخ لا يتم حسابه من عدد الطلقات إذا عاد الزوجين إلى بعض.

وقد أخذ مشروع قانون الأحوال الشخصية المصري بهذه الآراء تحت قانونين برقم (25 لسنة 1920م ) و (25 لسنة 1929م)

وذلك على ستة حالات هي:

  • الطلاق لعدم الإنفاق.
  • التفريق للضرر وسوء العشرة.
  • الطلاق للعيب.
  • الطلاق للغياب.
  • التفريق للحبس.
  • الإيلاء.
  • الخلع.

اقرأ أيضًا: حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه وشروط الصوم ككفارة لليمين

الحكمة من تشريع الطلاق على دفعات

يرى الفقهاء أن الطلاق يكون على دفعات لتكون الطلقة الأولى والثانية بمثابة الإنذار الذي يدق ناقوس الخطر للزوجين، فعلى الزوج أن يروض نفسه على الصبر ومحاولة إصلاح مشاكل البيت دون اللجوء إلى هدمه، وعلى الزوجة أن تحسن معاملة زوجها وتتفكر في أسباب هذا الطلاق وما ستؤول إليه الحياة بعده.

فإذا قاما بالطلاق مرة ثالثة فليعلما أنه ليس في زواجهما خير ما داما بنفس التفكر وأن الطلاق في هذه الحالة أحق وأولى.

المصادر

  • الأحوال الشخصية لأبي زهرة
  • الزواج والطلاق
  • الطلاق في الشريعة الإسلامية/ دكتور أحمد الغندور
  • الموسوعة الفقهية الكويتية
  • أحكام الأسرة فقهًا وقضاء
  • محاضرات في أحكام الأسرة – دكتورة سحر أحمد المنياوي رحمها الله.

بذلك نكون قد أجبنا على سؤال متى يكون الطلاق واجبا كما أجاب الفقهاء وأهل العلم، وتناولنا الأحكام التشريعية الأخرى للطلاق في إيجاز، والحكمة من مشروعية الطلاق، حفظ الله بيوتكم وبيوت المسلمين من الهدم، والصلاة والسلام على رسولنا وشفيعنا يوم الدين.

قد يعجبك أيضًا