شرح قصيدة أرق على أرق بأسلوب مبسط، والقصيدة لأبو الطيب المتنبي وهو أحد مفاخر الأدب العربي ولد بكندة وهي تقع داخل الكوفة في العراق، وهو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي الكوفي الكندي أبو الطيب المتنبي.
تعتبر قصيدة أرق على أرق من أشهر القصائد التي عرف بها المتنبي، ومن خلال موقع زيادة سنتعرف على شرح قصيدة أرق على أرق.
شرح قصيدة أرق على أرق
السبب في كتابة أبي الطيب المتنبي لهذه القصيدة هو أنها لمدح أبا شجاع محمد بن أوس بن معن الأزدي، واحتوت هذه القصيدة على جملة من خصائص شعر أبي الطيب المتنبي، حيث احتوت على الحكمة، والغزل، والمدح والمبالغة في الصورة الفنية.
تميز المتنبي في قصائده بذكر نفسه والإطلالة عليها مهما كان مضمون القصيدة، وهذه سمة تميز بها المتنبي عن سائر شعراء العرب، احتوت القصيدة على خمسة وعشرون بيتًا تضمنت محاورًا أساسية، وهي وصف أحوال المتحابين ومعاناتهم، والحكمة من الموت وأخذ الموعظة منه، ومدح محمد بن أوس بن معن وقومه.
اقرأ أيضًا: شرح نص يا من لقلب متيم
نص قصيدة أرق على أرق
في إطار موضوع شرح قصيدة أرق على أرق، سنعرض لكم نص القصيدة كاملًا مع شرح مفصل للأبيات فيما يلي.
أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ ** وَجَوىً يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ
جُهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أَرى ** عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ
ما لاحَ بَرقٌ أَو تَرَنَّمَ طائِرٌ ** إِلّا اِنثَنَيتُ وَلي فُؤادٌ شَيِّقُ
جَرَّبتُ مِن نارِ الهَوى ما تَنطَفي ** نارُ الغَضى وَتَكِلُّ عَمّا تُحرِقُ
وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ ** فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ
وَعَذَرتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني ** عَيَّرتُهُم فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا
أَبَني أَبينا نَحنُ أَهلُ مَنازِلٍ ** أَبَداً غُرابُ البَينِ فيها يَنعَقُ
نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ ** جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا
أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى ** كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا
مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بِجَيشِهِ ** حَتّى ثَوى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيِّقُ
خُرسٌ إِذا نودوا كَأَن لَم يَعلَموا ** أَنَّ الكَلامَ لَهُم حَلالٌ مُطلَقُ
وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ ** وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ
وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ ** وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ
وَلَقَد بَكَيتُ عَلى الشَبابِ وَلِمَّتي ** مُسوَدَّةٌ وَلِماءِ وَجهِيَ رَونَقُ
حَذَراً عَلَيهِ قَبلَ يَومِ فِراقِهِ ** حَتّى لَكِدتُ بِماءِ جَفنِيَ أَشرَقُ
أَمّا بَنو أَوسِ اِبنِ مَعنِ اِبنِ الرِضا ** فَأَعَزُّ مَن تُحدى إِلَيهِ الأَينُقُ
كَبَّرتُ حَولَ دِيارِهِم لَمّا بَدَت ** مِنها الشُموسُ وَلَيسَ فيها المَشرِقُ
وَعَجِبتُ مِن أَرضٍ سَحابُ أَكُفِّهِم ** مِن فَوقِها وَصُخورُها لا تورِقُ
وَتَفوحُ مِن طيبِ الثَناءِ رَوائِحٌ ** لَهُمُ بِكُلِّ مَكانَةٍ تُستَنشَقُ
مِسكِيَّةُ النَفَحاتِ إِلّا أَنَّها ** وَحشِيَّةٌ بِسِواهُمُ لا تَعبَقُ
أَمُريدَ مِثلِ مُحَمَّدٍ في عَصرِنا ** لا تَبلُنا بِطِلابِ ما لا يُلحَقُ
لَم يَخلُقِ الرَحمَنُ مِثلَ مُحَمَّدٍ ** أَبَداً وَظَنّي أَنَّهُ لا يَخلُقُ
يا ذا الَّذي يَهَبُ الجَزيلَ وَعِندَهُ ** أَنّي عَلَيهِ بِأَخذِهِ أَتَصَدَّقُ
أَمطِر عَلَيَّ سَحابَ جودِكَ ثَرَّةً ** وَاِنظُر إِلَيَّ بِرَحمَةٍ لا أَغرَقُ
كَذَبَ اِبنُ فاعِلَةٍ يَقولُ بِجَهلِهِ ** ماتَ الكِرامُ وَأَنتَ حَيٌّ تُرزَقُ
شرح أبيات قصيدة أرق على أرق
فيما يلي سنعرض لكم شرحًا لبعض أبيات القصيدة وسنعرف بعض الصور الفنية التي أبدع فيها أبو الطيب المتنبي في الأبيات، وذلك استكمالًا لموضوع شرح قصيدة أرق على أرق.
رَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ
وَجَوىً يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ
جُهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أَرى
عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ
في الأبيات الأولى يوضح المتنبي معاناته مع مرض الأرق فهو لا يفارقه أبدًا، وهذا الأرق جعله يبكي من الأسى، ويوضح أن آخر العشق والحب هو أن يصل الإنسان إلى هذه الحالة التي يعيشها في هذه اللحظات أثناء كتابته لقصيدته، فعيونه أصبحت متعبة من شدة ما ذرفت من دموع.
وضح أبو الطيب المتنبي في الأبيات صورة فنية حيث شبه الحرقة التي يسببها الحب بشيء ملموس يمكن أن يزيد وأحدث استعارة مكنية في (وجوى يزيد) حيث حذف المشبه به وصرح بالمشبه.
في الأبيات الأخيرة يصور الشاعر نفسه بالشخص الذي لا يقدر على النوم لأن قلبه مشتاق لحبيبته وجاءت (عين مسهدة) استعارة مكنية حيث حذف المشبه به وهو الشخص أو الإنسان وصرح بالمشبه وهي كلمة (عين) ودلت كلمة (المسهدة) على الركن المحذوف.
شرح القصيدة من البيت الثالث إلى البيت الرابع
يظهر الشاعر معاناته في الأبيات بصياغة جذابة واستخدم أحد عناصر الموسيقى، وهو الترنم وسنعرض لكم الأبيات مع شرحها فيما يلي استكمالًا لموضوع شرح قصيدة أرق على أرق.
ما لاحَ بَرقٌ أَو تَرَنَّمَ طائِرٌ
إِلّا اِنثَنَيتُ وَلي فُؤادٌ شَيِّقُ
جَرَّبتُ مِن نارِ الهَوى ما تَنطَفي
نارُ الغَضى وَتَكِلُّ عَمّا تُحرِقُ
يقول المتنبي إنه لم يلمع نجم أو برق ولم يتغنى طائر إلا نعطف وعاد إلى نفسه وقلبه يغمره الشوق لذكره محبوبته لأنها تضيء أكثر من البرق، وبعدها يذكر الشاعر الغضى وهو نوع من الأشجار شديدة الاشتعال في النيران، ويعقد مقارنة بين ناريين، نار الهوى ونار تلك الشجرة، ويرى المتنبي أن نار الشوق أشد حرقة واشتعالًا من نار الشجرة.
شبه المتنبي في الأبيات وجه محبوبته بأنه يلمع مثل البرق وصوتها يشبه غناء العصافير وأحدث استعارة مكنية في (فؤاد شيق) حيث شبه القلب بالشخص الذي يشتاق لمحبوبته، وقام بحذف المشبه به ووضح صفة من صفاته.
بعد ذلك يشبه شدة الحرقة في قلبه بنار الغضى وهي نار شديدة الاشتعال، ويرى أن حرقة قلبه أكثر من حرقة تلك النيران، وفي البيت صورة بيانية وهي استعارة مكنية فقد حذف المشبه به وصرح بالمشبه وهي النار وكلمة الغضى دلت على الركن المحذوف.
شرح القصيدة من البيت الخامس إلى البيت السادس
يصف الشاعر أبو الطيب المتنبي في تلك الأبيات حال العشاق الذين فقدو معشوقهم بأسلوب بليغ واحتوى على الصور البيانية، وفي إطار موضوع شرح قصيدة أرق على أرق، سنعرض لكم الأبيات مع الشرح.
وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ
فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ
وَعَذَرتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني
عَيَّرتُهُم فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا
يعذر المتنبي العشاق على حزنهم وجزعهم لأنه لم يكن يهتم لأمرهم وكان يعيرهم إلا حينما لقي ما لقوا وذاق مرارة العشق وما فيه من وجع وانكسار، وتعجب المتنبي من بقاء العشاق على قيد الحياة إلى الآن.
أتى أبو الطيب المتنبي بصورة بيانية حيث صور العشاق بالطعام الذي يذاق فيجلب لصاحبه الموت، ونوع الصورة البيانية استعارة مكنية حيث صرح بالمشبه وحذف المشبه به ودل عليه بكلمة ذقته.
شرح القصيدة من البيت السابع إلى البيت الحادي عشر
يعرض المتنبي في تلك الأبيات أحد أغراض القصيدة وهو غرض الحكمة وتكلم عن الموت بأسلوب فاق كثير من الشعراء، وسنعرض لكم الأبيات فيما يلي، وذلك ضمن موضوع شرح قصيدة أرق على أرق.
أَبَني أَبينا نَحنُ أَهلُ مَنازِلٍ
أَبَداً غُرابُ البَينِ فيها يَنعَقُ
نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ
جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا
أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى
كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا
مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بِجَيشِهِ
حَتّى ثَوى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيِّقُ
خُرسٌ إِذا نودوا كَأَن لَم يَعلَموا
أَنَّ الكَلامَ لَهُم حَلالٌ مُطلَقُ
ينتقل المتنبي إلى عرض الحكمة والموعظة فينادي على الأشخاص ويعلمهم أن الدنيا فانية وكل ما فيها فان، ويوضح أن الغراب يصيح حينما تدمر المنازل، ودل بكلمة الغراب على الشؤم والبؤس والفرقة بين الأحبة.
في البيت الثاني صور المتنبي الدنيا بالشيء الغالي الذي نبكي عليه وصورها بالمكان الذي يجمع الناس ويفرقهم وهي استعارة مكنية حيث صرح بالمشبه وهي الدنيا وحذف المشبه به وهو الأنسان ودل عليه بكلمة نبكي.
يكمل المتنبي حكمته فيقول إن الناس تبكي وتجزع على الفراق كل يوم ولكنهم يعلمون أنه لا يتلاقى اثنان ويحبان بعضهما ويظلوا خالدين، ولكن سيأتي الموت ويفرق بينهم عاجلًا كان أم آجلًا، ثم يوجه حديثه للملوك والجبابرة ويقول لهم أين أنتم وأين المال الذي ظننتم أنكم تخفونه فلم يعد موجودًا ولم يعد لكم أثر.
يكمل الشاعر حكمته بأسلوب رائع حديثه للجبابرة والأكاسرة ويقول لهم أين أنتم وأين جيوشكم الذين غزوتم بهم الأرض لقد أصبحتم الآن في لحد ضيق بعد أن كانت الأرض الواسعة ملككم، وأكد المتنبي على دلالة الموت لا محالة في قوله أين الأكاسرة وأين الجبابرة.
(مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بِجَيشِهِ) في هذا البيت تشبيه بليغ حيث صور الشاعر الفضاء بالأرض الواسعة التي تضيق على الجنود.
(أَنَّ الكَلامَ لَهُم حَلالٌ مُطلَقُ) في البيت صورة بيانية وهي تشبيه بليغ حيث صور الشاعر الأموات بالشخص الذي لا يقدر على التحدث وحذف أداة التشبيه ووجه الشبه.
اقرأ أيضًا: شرح قصيدة لامية العجم
شرح القصيدة من البيت الثاني عشر إلى البيت الثالث عشر
يكمل المتنبي في البيتين التاليين المقصود من الحكمة في القصيدة واستخدم بعض الصور البيانية بشكل مميز وسوف نعرض الأبيات فيما يلي تكملةً لموضوع شرح قصيدة أرق على أرق.
وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ
وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ
وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ
وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ
يؤكد الشاعر أبو الطيب المتنبي أن الموت آت لا محالة لكل الأشخاص فالمخدوع في هذه الدنيا هو الذي يغتر بنفسه وبما لديه من كنوز وأموال، وقول المتنبي إن الإنسان يكره المشيب ويحب شبابه ولكن الشيب خير له لأنه يحمله على الوقار والحكمة أما الشباب شر له بسبب طيشه وخفته.
في الأبيات أحدث أبو الطيب المتنبي استعارة مكنية في (الموت آت) حيث صور الموت بشخص يأتي للإنسان ويأخذ روحه وصور النفس الإنسانية بالكنز الثمين الذي يؤخذ، وحذف المشبه به وهو الإنسان وصرح بالمشبه وهو الموت ودل عليه بكلمة آت.
شرح القصيدة من البيت الرابع عشر إلى البيت الخامس عشر
يعرض الشاعر في تلك الأبيات صورة مؤثرة حينما تكلم عن الشباب وأهميته وسوف نعرض لكم الأبيات فيما يلي، وذلك في إطار موضوع شرح قصيدة أرق على أرق.
وَلَقَد بَكَيتُ عَلى الشَبابِ وَلِمَّتي
مُسوَدَّةٌ وَلِماءِ وَجهِيَ رَونَقُ
حَذَراً عَلَيهِ قَبلَ يَومِ فِراقِهِ
حَتّى لَكِدتُ بِماءِ جَفنِيَ أَشرَقُ
يوضح الشاعر أبو الطيب المتنبي صورة مؤثرة، حيث يبكي على شبابه الذي لا زال يعيشه حتى إن وجهه لا يزال نضرًا والشعر الذي يجاور أذنه لا يزال أسودًا داكنًا.
فظل يبكي على شبابه وهو لم يفارقه بعد وكادت عيناه أن تفقد الرؤية من كثرة ما ذرف من دموع على شبابه لأنه يخاف أن يفارقه، ويوضح في الأبيات أهمية اغتنام عمر الشباب قبل أن يضيع.
في الأبيات تشبيه بليغ حيث شبه الشاعر الشباب بالشخص الذي نفارقه وشبه دموعه التي يذرفها بالماء الذي يضيء وجهه ويجعله أكثر إشراقًا.
شرح القصيدة من البيت السادس عشر إلى الثامن عشر
يبدأ الشاعر من تلك الأبيات بالدخول إلى الغرض الأخير في القصيدة وهو غرض المدح حيث يمدح قبيلة بني أوس بأسلوب مبالغ فيه ليدل على شدة كرمهم وسنقدم لكم الأبيات مع شرحها بالشكل التالي.
أَمّا بَنو أَوسِ اِبنِ مَعنِ اِبنِ الرِضا
فَأَعَزُّ مَن تُحدى إِلَيهِ الأَينُقُ
كَبَّرتُ حَولَ دِيارِهِم لَمّا بَدَت
مِنها الشُموسُ وَلَيسَ فيها المَشرِقُ
وَعَجِبتُ مِن أَرضٍ سَحابُ أَكُفِّهِم
مِن فَوقِها وَصُخورُها لا تورِقُ
يمدح الشاعر في قبيلة بني أوس ويقول عنهم أنهم من أكثر القبائل التي تتمتع بالشأن والعالي والمكانة الرفيعة، لأنهم أشرف من تعطى لهم الأبل لطلب حاجاتها، ويريد أبو الطيب المتنبي في هذه الابيات أن يؤكد على كثرة عطاء قبيلة بني أوس.
يكمل الشاعر أبو الطيب المتنبي في مدحه لقبيلة بني أوس حيث يقول إنه كبّر مُتعجّبًا من قدرة الله عندما أشرقت الشموس من الغرب وهذا مدح لبني أوس يدل على علو شأنهم، ويعبر على أن الشمس قد أشرقت من جهة الغرب لأن قوم بني أوس كانوا يسكنون في الغرب، حيث دلَّ ذلّك على عظم شأنهم ومكانتهم بين الناس.
ثمّ يتعجّب الشاعر من شدة كرم قوم بني أوس الذين يسقون الأرض بِماء أيديهم من شدة كرمهم، ويعاتب على الصخور والأراضي أنها لا تلين لهم وتخرج نباتها سريعًا.
(مِن فَوقِها وَصُخورُها لا تورِقُ) في البيت صورة بيانية وهي تشبيه بليغ حيث صور الشاعر أيادي بني أوس بالغيوم التي تجلب المطر وتروي الأرض، وصور الصخور بالأرض اللينة التي تزرع.
شرح القصيدة من البيت التاسع عشر إلى الثاني والعشرين
يكمل أبو الطيب المتنبي غرض المديح باستخدام كلمات تحمل معان ذهبية ويمدح محمد بن أوس، سنعرضها لكم فيما يلي إضافة إلى موضوع شرح قصيدة أرق على أرق، شرح للأبيات بالتفصيل.
وَتَفوحُ مِن طيبِ الثَناءِ رَوائِحٌ
لَهُمُ بِكُلِّ مَكانَةٍ تُستَنشَقُ
مِسكِيَّةُ النَفَحاتِ إِلّا أَنَّها
وَحشِيَّةٌ بِسِواهُمُ لا تَعبَقُ
أَمُريدَ مِثلِ مُحَمَّدٍ في عَصرِنا
لا تَبلُنا بِطِلابِ ما لا يُلحَقُ
لَم يَخلُقِ الرَحمَنُ مِثلَ مُحَمَّدٍ
أَبَداً وَظَنّي أَنَّهُ لا يَخلُقُ
يكمل الشاعر أبو الطيب المتنبي مدحه في قبيلة بني أوس، ويخبر أن سمعتهم الطيبة وسيرتهم الحسنة تظل دائمًا على ألسن الناس، لأن حسنهم ينتشر في كل مكان مثل انتشار رائحة المسك الطيبة.
يشير الشاعر أن هذه الرائحة الطيبة في الجو لا يصفها الناس لأشخاص غير بني أوس، فهذه إشارة إلى أنّ ما يحظى به الممدوح من مدح لا يناله غيره.
يبدأ الشاعر بعد ذلك بمدح محمد بن أوس بن معن، ويقول إنه لا يوجد من يشبهه في هذا العصر، ثم يقول إن الله -جل وعلا- لم يخلق شخصًا مثل محمد بن أوس في صفاته وخلقه وكرمه، وهنا بالغ المتنبي في وصفه لمحمد بن أوس.
(وَتَفوحُ مِن طيبِ الثَناءِ رَوائِحٌ) في البيت كناية عن سمعة بني أوس وطيب خلقهم، حيث صورهم الشاعر بالروائح الطيبة التي تنتشر في كل مكان ويعرفها الناس.
(مِسكِيَّةُ النَفَحاتِ إِلّا أَنَّها) في البيت تشبيه بليغ حيث صور الشاعر ثناءه على قبيلة بني أوس بالمسك الذي يحمل رائحة عطرة.
شرح القصيدة من البيت الثالث والعشرين إلى آخرها
يختم الشاعر أبو الطيب المتنبي قصيدته بمبالغة في مدحه لمحمد بن معن بن أوس، ويعرض لنا بعض الصور البيانية الجميلة التي أعطت للأبيات أسلوبًا فنيًا رائعًا، سوف نقدمها لكم فيما يلي في إطار موضوع شرح قصيدة أرق على أرق.
يا ذا الَّذي يَهَبُ الجَزيلَ وَعِندَهُ
أَنّي عَلَيهِ بِأَخذِهِ أَتَصَدَّقُ
أَمطِر عَلَيَّ سَحابَ جودِكَ ثَرَّةً
وَاِنظُر إِلَيَّ بِرَحمَةٍ لا أَغرَقُ
كَذَبَ اِبنُ فاعِلَةٍ يَقولُ بِجَهلِهِ
ماتَ الكِرامُ وَأَنتَ حَيٌّ تُرزَقُ
يكمل أبو الطيب المتنبي تأكيده على سخاء وكرم محمد بن أوس بن معن وبسبب شدة جوده يظنّ أنَّه مُتصدّق عليه عندما يأخذ العطايا التي يُعطيها له، بعد ذلك يأمر المتنبي محمد بن أوس أن يجعل جوده وعطائه مثل المطر الذي ينزل من السماء وأن يحميه من الغرق بكرمه.
(أَمطِر عَلَيَّ سَحابَ جودِكَ ثَرَّةً) احتوى هذا البيت على تشبيه بليغ حيث صور أبو الطيب المتنبي جود وعطاء محمد بن اوس بالغيوم التي تنزل الغيث الكثير فيكرم به الناس.
اقرأ أيضًا: قصيدة الخنساء في رثاء أخيها صخر كاملة مع الشرح
معاني الكلمات في قصيدة أرق على أرق
وردت في القصيدة بعض الكلمات الغامضة التي لا يعرف الكثير من الناس معناها وفي إطار موضوع شرح قصيدة أرق على أرق للمتنبي، سنعرض لكم بعض معاني الكلمات الغامضة.
- أرق: امتناع عن النوم ليلًا.
- عَبرة: دمعة.
- جوى: اشتدّ الشوق والعشق.
- تترقرق: تجري.
- جُهد: مشقة.
- الصبابة: رقة الشوق.
- مسهدة: غير قادرة على النوم.
- يخفق: يضطرب.
- لاح: تلألأ وظهر.
- ترنم: تغنّى.
- فؤاد: القلب.
- انثنيت: تراجعت.
- شيق: شديد الاشتياق.
- الهوى: الحب.
- الغضى: مفردها غضاة وهو شجر يوقد فتبقى ناره طويلًا.
- تكل: تضعف.
- عذلت: لمتُ.
- عيرتهم: عبت عليهم.
- الأكاسرة: مفردها كسرى، وهو لقب ملك الفرس.
- الجبابرة: الأقوياء.
- الفضاء: الأرض الواسعة.
- ضاق به: لم يطقه.
- ثوى: هلك.
- لحد: شق بجانب القبر.
- خُرس: جمع أخرس، وهو غير القادر على الكلام.
- نفائس: جمع نفيس، وهو الغالي.
- يأمل: يرجو.
- أنزق: أكثر طيشًا.
- لمتي: الشعر الذي بجانب الأذن.
- رونق: حسن.
- أشرق: تلألأ.
- أعز: أرفع منزلة.
- تُحدى: تُساق.
- الأينق: جمع ناقة، وهي الأنثى من الإبل.
- تفوح: تنتشر رائحته.
- الثناء: المدح.
- تستنشق: تشم.
- النفحات: انتشرت.
- وحشية: قاسية جدًا.
- تعبق: تفوح.
- لا يلحق: لا يدرك.
- يهب: يمنح.
- الجزيل: العطاء الكبير.
- ثرة: غزيرة كثيرة الماء.
الشعر من أعظم فنون الأدب والشاعر أبو الطيب المتنبي من أشهر شعراء العصر العباسي وتفوق في شعره على غيره من الشعراء ولا يزال إلى يومنا هذا تتداول أشعاره بين الناس.