تفسير {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}

ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات المراد بها قول الله تعالى: “وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” الآيتان من سورة آل عمران (169 و170) على أصح التفاسير أنها نزلت في شهداء غزوة بدر لتبين للمسلمين فضل الشهداء عند الله وتعزية لأهلهم، لما للشهادة في سبيل الله من منزلة عظيمة ومكانة كبيرة عند الله تابعنا من خلال موقعنا زيادة 

 ولا تحسبن الذين قتلوا

قال المفسرون في تأويل هذه الآية الكريمة:

  • ” وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا” نزلت هذه الآية في شهداء غزوة بدر و المقصود هنا هم الذين قتلهم المشركون من صحابة الرسول – صلى الله عليه وسلم؛ لكن بالطبع القرآن صالح في كل زمان ومكان والآية تنطبق على كل من مات في سبيل الله.
  • ” أَمْوَاتًا” أي لا تحسبهم أمات مثل الموتى العاديين لا يشعرون بشيء، لا يتلذذون بنعم الله تعالى.
  • ” بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” أن الله أحياهم في الجنة يرزقون من خيرها ويشربون من أنهار الجنة.
  • “* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ” أي أن الشهداء في سبيل الله يحيون عند الله حياة أخرى، ويفرحون بالنعم التي أنعم الله عليهم بها، ويسبشرون أن أخواهم الذين تركوهم في الحياة الدنيا سيأتون إليهم في هذا النعيم، ولا يخافون على أهلهم الذين تركوهم في الدنيا.

إقرأ أيضًا: حديث شريف عن الشهيد ومن هو الشهيد

حديث الرسول عن شهداء غزة بدر

عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – قال: “لمَّا أُصيبَ إخوانُكم بأُحُدٍ جعلَ اللَّهُ أرواحَهم في أجوافِ طَيرٍ خُضرٍ ترِدُ من أنهارِ الجنَّةِ وتأكلُ من ثمارِها وتأوي إلى قناديلَ من ذهبٍ معلقةٍ في ظلِّ العرشِ فلمَّا وجدوا طيبَ مأكلِهم ومشربِهم ومقيلِهم فقالوا من يبلِّغُ إخوانَنا عنَّا أنَّا أحياءٌ في الجنَّةِ نُرزَقُ؟ لئلا يزهَدوا في الجهادِ وينكلوا عن الحربِ فقال اللَّهُ عزَّ وجلَّ أنا أُبلِغُهم عنكم فأنزلَ اللَّهُ {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} الآيةَ”(شرح البخاري لابن ملقن 403/17).

في هذا الحديث الكريم يوجه أنظارنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى مكانة الشهداء عند الله تعالى، وأنهم يكرمون وينعمون من أول سيلان أول قطرة من دمائهم، وبعد ذلك دفن أجسادهم وصعود الأرواح إلى جنات الله.

يخبرنا الرسول صلى اله عليه وسلم عن الصحابة الكرام الذين قتلهم المشركون في غزة أحد في شوال للعام الثالث من الهجرة فقال “لمَّا أُصيبَ إخوانُكم بأُحُدٍ” أي الذين قُتلوا في سبيل الله أن الله جعل أرواحهم في طيور من طيور الجنة  لونها أخضر تتلذذ في الجنة وتأكل من ثمارها وتَرِد من أنهار الجنة أنها تسير حيث شاءت من الجنة و تتلذذ متى شاءت، وترجع في النهاية إلى قناديل معلقة إلى عرش الرحمان هي منازلهم فكرمهم الله تعالى بأن تكون منازلهم معلقه إلى عرشه العظيم.

فلما وجد الشهداء ذلك النعيم من مسكن ومأكل ومشرب في الجنة وتحت عرش الرحمن قالوا: “من يبلِّغُ إخوانَنا عنَّا أنَّا أحياءٌ في الجنَّةِ نُرزَقُ؟” أي من يخبر إخواننا الذين كانوا معنا في الحياة الدنيا و نحبهم ويحبونا عن حالنا في الجنة من أجل ألا يزهدوا في الجهاد في سبيل الله و ينسونه ليعرفون  هذا الأجر العظيم ولا يتقهقروا ويصيبهم الجبن والهوان عند القتال، فقال الله تعالى أنا أخبرهم عنكم، فانزل الله تعالى هذه الآية: “وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”.

إقرأ أيضًا: ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان.. سبب نزولها وفضلها ومقصدها

فمن نزلت الآية الكريمة؟

اختلفت الآراء والروايات حول الشخص بعينه الذي نزلت فيه هذه الآية الكريمة لكن الثابت  إنها في شهداء غزوة بدر، من هذه الآراء:

  • مصعب أبن عمير وحمزة بن عبد المطلب بعدما قتلا في غزة أحد.
  • أنها نزلت تنفسًا وتعزية لأهل الشهداء، لأنهم كانوا يحزنون عندما يصيبهم خير أو نعمة من الله فيقولون أننا هنا نتنعم وأولادنا أو أبآنا في القبور.
  • أنها نزلت في الصحابي الجليل عبد الله بن حرام – رضي الله عنه الذي قُتل شهيدًا في غزوة أحد.
  • أنها نزلت في شهداء بئر معونة.

إقرأ أيضًا: من هى اول شهيدة فى الاسلام ومعلومات هامة عنها

الصحابي عبد الله بن حرام

أحد السابقين الأولين في الإسلام، قد بايع الرسول – صلى الله عليه وسلم – في بيعة العقبة وجعله نقيب عن قومه (بني سلمة).

شهد مع المسلمين غزوة بدر واستشهد في غزة أحد.

وعن جابر بن عبد الله قال: ” لمَّا قُتِل عبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ حرامٍ يومَ أُحُدٍ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يا جابرُ ألا أخبِرُك ما قاله اللهُ لأبيك قلتُ بلى قال ما كلَّم اللهُ أحدًا إلَّا من وراءِ حجابٍ وكلَّم أباك كفاحًا فقال يا عبدَ اللهِ تمَنَّ عليَّ أُعطِك قال يا ربِّ تحييني فأُقتلُ فيك ثانيةً قال إنَّه سبق منِّي أنَّهم إليها لا يرجِعون قال يا ربِّ فأبلِغْ مَن ورائي فأنزل اللهُ هذه الآيةَ {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتًا بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} الآيةَ كلَّها” (الترغيب والترهيب 277/2).

يحكى جابر بن عبد الله بن حرام – رضي الله عنهما ما قاله له النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد مقتل أباه في غزوة أحد.

قال له النبي: يا جابر إني أراك منكسرًا مهموم وحزين ما بك؟

قال جابر: رزق الله أبي الشهادة (يقصد يوم أحد مع من قُتل من المسلمين الذين وصل عددهم سبعين رجلًا) وترك بعد موته عيالًا بنات يَحْتَجْن النفقة عليهن، وترك الدنيا كلها (لهذا هو حزين ).

قال النبي: هل أحمل إليك البشرى السعيدة، ستكون سعيد عندما تعرف ماذا لقى عند الله، وماذا أخذ جزاءه من فضل و كرامة.

قال جابر: بلى يا رسول الله أخبرني بما لقى أبي.

قال النبي: ” ما كلَّم اللهُ أحدًا إلَّا من وراءِ حجابٍ” أي أن الله من مما شرف به بعض عباده أن كلمهم من وراء حجاب (مثل سيدنا موسى عليه السلام) أو من خلال رسول، فالله تعالى أَحْيا أباك بعد موته وكلمه كفاحًا أي ليس بينه وبين الله حجاب، فقال الله له يا عبدي تمَنَّ عليَّ أُعطِك أي ما تتمناها أحققها لك، فقال أباك: يا رب تحييني وتعيدني لأقاتل في سبيلك و ُقتل مرة أخرى، فقال الله تعالى له: ” سبق منِّي أنَّهم إليها لا يرجِعون ” أي قد سبق مني الحكم أن من يموت لا يرجع إلى الحياة، فطلب أن يبلغ الله من ورائه بحاله
فنزلت الآية الكريمة: “وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”.

فهذا هو الصحابي الجليل الذي تمنى أن يُقتل في سبيل الله مرارًا وتكرارًا.

بذلك نكون قد نقلنا لكم أقوال الفقهاء والمفسرين في كلمة ولا تحسبن الذين قتلوا وقول المفسرين في أسباب النزول وفي من نزلت الآية الكريمة، ألحقنا الله تعالى بعباده الصالحين في جناته والصلاة والسلام على نبينا الكريم.

قد يعجبك أيضًا