أغراض الشعر في العصر العباسي

أغراض الشعر في العصر العباسي تعددت إلى حد كبير، استخدم العرب قديمًا الشعر لإيصال أفكارهم، فكان الشعر بمثابة خزانة التراث التي تحفظ تراث ومعتقدات الشعوب العربية، وتنقل لنا صورة دقيقة عن اسلوب حياتهم، وانطلاقًا من ذلك ومن خلال موقع زيادة خصصنا هذا المقال لعرض أغراض الشعر في العصر العباسي.

أغراض الشعر في العصر العباسي

تتنوع وتتعدد أغراض الشعر في العصر العباسي بين ما هو قديم تناقله الشعراء عن أسلافهم، وما هو مستحدث ظهر للنور نتيجة للتطور السياسي والاجتماعي الحادث حينها في الدولة الإسلامية، ونتيجة لتوسع رقعة دولة الخلافة وشمولها لأمم وحضارات جديدة.

كان لذلك التوسع نتيجة وتأثر ظاهر على الشعر حينها، وزادت أغراض الشعر في العصر العباسي وتجددت وتطورت، بما يتناسب مع الأوضاع الجديدة التي يعايشها الشعراء ويتأثرون بها.

كان لحالة التمازج بين الشعوب العربية، كالهندية والفارسية واليونانية، ونشاط حركة الترجمة من هذه الثقافات الجديدة إلى العربية، بالغ الأثر في تطور أغراض الشعر في العصر العباسي ومقاصده.

إضافة إلى التطور المعيشي الذي شهده العرب وقتها عن سابقيهم بعشرات السنين، فانتقلوا من العيش في البوادي للعيش في القصور الفارهة والحياة المترفة، فوضح أثر ذلك جليا على شعرهم وآدابهم.

فظهر عن ذلك التوسع أغراض شعرية حديثة قد تكون مختلفة إلى حد كبير عن الأغراض القديمة، لذلك ومن خلال الفقرات التالية سنقوم بعض كلًا منها منفصلًا مع شرح توضيحي لكلًا منها.

اقرأ أيضًا: بحور الشعر العربي

ألوان الشعر القديمة

هناك العديد من ألوان الشعر في العصر العباسي والتي حافظت على تواجدها ووجدت لها مكانا بين أغراض الشعر المختلفة، وإن كانت لم تسلم من التعديل والتطوير بما يتناسب مع التطور الحادث في حياة شعراء هذا الزمان إلا أنها مازالت محتفظة بأصولها ومنشأها، ولعل أهمها المديح والهجاء والرثاء والغزل، وسنوالى عرضهم وضرب أمثلة لهم كالآتي:

1- غرض المديح

هو أحد أبرز أغراض الشعر في العصر العباسي والتي حافظت على تواجدها بقوة، وهو امتداد لشعر المديح في العصر الأموي، وإن زادوا عليه وطوره الشعراء في العصر العباسي.

فكان المكسب متبادل بين الشعراء وأصحاب السلطة، فالشعراء من جانبهم كانوا ينالوا الذهب والأموال الكثيرة ثمنا لقصائدهم، مما جعلهم يعيشون في سعة من الرزق وعاشوا حياة الرفاهية، وأما الملوك والأمراء فاستخدموا الشعراء لتثبيت دعائم حكمهم، وإظهارهم بمظهر الحاكم المثالي في أذهان الرعية وقلوب العباد.

حيث اختص كل خليفة لنفسه بمجموعة من الشعراء والتابعين، كان جل عملهم المبالغة في مديحه وتعظيمه، وإظهاره بالصورة المثالية في أعين الرعية وهذا ما زاده شعراء العصر العباسي عن سابقيهم.

فإن كان شعر المديح موجود من العصر الأموي، فلم يصل سابقيهم لهذا القدر في تبجيل وتعظيم الحكام، فأطلق الشعراء العنان لخيالهم فزادوا في وصف الخلفاء، فنالوا ما نالوا من الهبات والعطايا.

من أبرز الشعراء في العصر العباسي والذين برعوا في هذا اللون من الشعر، حبيب بن أوس الطائي والمعروف بأبي تمام، الذي قدمه الخليفة المعتصم على كل شعراء عصره، وأبو الحبيب أحمد بن حسين والمعروف بالمتنبي، وهو أحد أبرز الشعراء في العصر العباسي، ولا يزال يمثل مصدرا للإلهام للشعراء حتى في عصرنا هذا.

أيضا لا نستطيع إهمال الحسن بن هانئ الحكمي المشهور بأبو نواس، والذي اشتهر بكثرة اطلاعه وغزارة معرفته الأدبية، مما ساعده على التنوع في مجالاته الشعرية.

بالإضافة إلى بشار بن برد العقيلي وهو فارسي الأصل وامتاز بوفرة شعره في أغراض شعرية مختلفة، وكذلك البحتري الذي اشتهر بكونه محبوبا من الناس، وتعد قصيدته التي مدح فيه الخليفة المتوكل أبرز قصائده.

2- غرض الهجاء

مثله كمثل باقي صنوف الشعر في العصر العباسي، فقد هبت رياح التطوير على شعر الهجاء، فبرغم تواجده منذ قديم الأزل إلا أن التطور الكبير في الحياة الاجتماعية والثقافية التي يعيش في وسطها الشعراء، أثرت كثيرا على شكل شعر الهجاء في العصر العباسي.

أحد أبرز شواهد هذا التطور هو طول الأبيات الشعرية والقصائد، فإن كانت تمتاز قبل العصر العباسي بالطول، فإن شعراء هذا العصر التزموا بتقصير طول القصيدة الهجائية، وإيصال الفكرة المقصودة بطريقة موجزة بدون تطويل

أيضا اللجوء للسخرية من الشخص المهجو، عوضا عن السخرية من أصله ونسبه كما كان يستخدم قديما، فأصبح شعر الهجاء في العصر العباسي كرسم صورة ساخرة للمهجو في حقه.

يعتبر من أبرز شعراء الهجاء في العصر العباسي دعبل الخزاعي، وينسب له الكثير من المؤرخين شعر الهجاء، وكان يمتاز بعزمه وقوته وثباته على الموقف، وخالف الكثير من شعراء عصره، فرفض منافقة ومهادنة الحكام، بل لجأ لنقد كل ما لم يعجبه واشتهر بهجائه للحكام دون خوف أو نفاق.

كما اشتهر أبو الحسن على بن العباس بن جريج، والمشهور بابن الرومي وبرع في شعر الهجاء، وهو من أصل مختلط، فيمزج بين النسب الرومي والنسب الفارسي، ولعبت حياته المأساوية دورا بارزا في تشكيل لونه الشعري، فنقم على من حوله وأقل منه قدرة وعلما، وصولهم لدرجات عليا فدافع عما يراه حقه بلسانه.

3- غرض الرثاء

يعد من أهم الأغراض الشعرية الممتدة من قديم الزمن، لاستمرار الشعور بالحزن في كل وقت وعصر، ويمتاز شعر الرثاء عن غيره من ألوان الشعر، بصدقه ودقة مشاعره، وإن لم يخل في أحيانا قليلة من النفاق والمجاملة، كرثاء لأقرباء الحكام وأصحاب السلطة، فهنا لم يختلف كثيرا عن شعر المديح.

كما الحال في شعر الهجاء، عمد الشعراء في العصر العباسي لاستخدام الأبيات القصيرة في إيصال المعنى في شعر الرثاء، وتقصير طول الأبيات، وتطويرا لشعر الرثاء، اضافوا إليه رثاء المدن التي تتعرض للتخريب أو النكبات، والبكاء على اطلالها ووصف مفاتنها الزائلة، ومن أشهر شعراء هذا اللون الأدبي أبى تمام وابن الرومي.

اقرأ أيضًا: أنواع الأدب العربي في العصر الجاهلي

4- غرض الغزل

كان لتطور الحياة وتغيرها في العصر العباسي، وتحولها من حياة البداوة الوعرة، إلى حياة الحضر والقصور، أثره البالغ في تطور الغزل في الشعر في العصر العباسي، فبالرغم من أن الغزل من الألوان الشعرية التي حافظت على تواجدها منذ القدم، إلا أن حياة اللهو والترف قد طالتها وغيرت كثيرا من صفاتها.

فإن كان الغزل العفيف هو صاحب النصيب الأبرز من شعر الغزل فيما مضى في العصور السابقة، فإنه بدأ في الاضمحلال حتى قارب على الاختفاء، ليبرز مكانه بقوة الغزل الصريح، والذي يصل لحد المجون، ويحل الغزل الفاحش محل الغزل العذري، وإن حاول قلة مثل أبو فراس الحمداني وأبو تمام المحافظة على الغزل العفيف.

لعل شيوع مجالس اللهو والمجون وانتشار التحلل الخلقي، وسيطرة الغرائز واشباعها على ما سواها، حتى كان للخلفاء وكبار أصحاب السلطة والمال، الكثير من الجواري والغلمان لغرض اللهو والفاحشة، كان أبرز الأثر في هذا التحول الحاسم لصالح الغزل الصريح على العفيف.

كان أبرز شعراء اللون الصريح من الغزل في العصر العباسي، العباس بن الأحنف وأبو نواس وبشار بن برد، بالإضافة على مطيع ابن إياس والذي شهد العصرين الأموي والعباسي، ويعد أول الشعراء المشهورين من بين الشعراء المحدثين بالعصر العباسي، وأبو الوليد مسلم بن الوليد النصارى المشهور بمسلم بن الوليد والمشهور بصريع الغواني.

ألوان الشعر المستحدثة

كان للتطورات الكثيرة على الحياة في هذا العصر والتغييرات الاجتماعية الكبيرة، أثرها في ظهور أنواع كثيرة من الشعر لم تكن معروفة قبل هذا العصر، فتميز الشعر العباسي بها واستمر بعضها ليومنا هذا وعبر عن حالة البلاد في ذلك الوقت، ومن أبرزهم:

1- غرض المجون والزندقة

 برغم قدمه وتجذره في الشعر العربي، إلا أن وصوله إلى هذا الحد من التطرف والانتشار في العصر العباسي لم يعهد من قبل، وكان انعكاس طبيعي لحالة الانحلال التي اصابت المجتمع ككل في هذا العصر، وأشهر شعراء المجون والزندقة في هذا العصر أبو نواس الذي له قصائد عدة في هذا اللون.

2- غرض الخمريات

كان لانتشار الخمر وكثرة مشاربه، أثره البالغ أيضا على الشعر، فظهرت طائفة من الشعراء تتغنى به وتنظم له القصائد، حتى أصبح للخمر بابا شعريا مستقلا عن غيره، ويستهل بوصف الخمر مطالع القصائد عوضا عن البكاء على الأطلال فيما سبق، وأشهر من تغنى بوصف الخمر أبى نواس حتى بلغت عنده مبلغ الحبيبة المتغزل بمفاتنها.

3- غرض الزهد والتصوف

نتيجة مباشرة لانتشار المجون والزندقة، والانحلال والتصريح بهما في هذا العصر، زادت أهمية شعر الزهد والتصوف في الشعر العباسي، كدعوة للابتعاد عن ملذات الحياة الفانية والترفع عن المغريات الزائلة والقرب إلى صحيح الدين، والزهد والتقشف وترك الملذات.

أشهر شعرائه أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن سويد العنزي، والمشهور بأبو العتاهية، ولقب بأبو العتاهية في شبابه عندما كان غارقا في اللهو والسعي خلف الملذات، لكنه مال بعدها لحياة الزهد وترك الترف والملذات.

4- غرض الوصف

للتطور الحادث في حياة العرب في العصر العباسي، وبناء المدن والقصور واختلاف البيئات والاتصال بأراض وشعوب جديدة وغريبة عن الجزيرة العربية، ازدهر شعر الوصف حتى أصبح لونا شعريا مستقلا ليصف كل ما هو جديد.

فقام الشعراء بوصف القصور والبساتين والمصانع، والمعارك الحربية والبحرية، والسفن في البحار بعد أن اقتصر الوصف قديما على وصف النوق والسيوف.

5- غرض الحكمة

 بالرغم من تواجدها من قبل، حيث إنها لا تعد لونا جديدا تماما، إلا أن المزج بين الحضارة الإسلامية وبين الحضارات المختلفة أعطى للشعراء دراية أكبر وأشمل بعلوم الفلسفة والمنطق، وظهر ذلك في شعر الحكمة الذي أصبح أكثر دقة وعمقا، وأكسبهم بعدًا جديدا في شعر الحكمة.

6- غرض التهكم والهزل

ظهر هذا اللون من الشعر للحياة السهلة الجدية التي حياها العرب وللاستقرار السياسي نسبيا، الذي عاشوا فيها مقارنة بمن سبقوهم، وإن اختلف عن أشعار المجون والخمريات ببعده عن الانحلال، وإن لم يخلوا من الدعابات والطرافة لغرض الترويح عن النفس، وشاع في هذا اللون استخدام الكلمات والعبارات السهلة القريبة للفهم.

7- الشعر التعليمي

لانتشار العلم والعلماء وكثرة مدارس العلم في العصر العباسي، لجا أهل العلم إلى الشعر لنقل معارفهم، واستخدموا الشعر التعليمي في دروسهم لتعليم النشء تسهيلا لهم في استذكارهم وتحصيلهم لدروسهم العلمية، فنظموا قصائد مطولة عن الفقه والعبادات وقواعد العلم وأصول اللغة.

اقرأ أيضًا: الأدب في العصر العباسي

خصائص الشعر في العصر العباسي

كان للتغييرات الكثيرة في العصر العباسي من انهيار الدولة الاموية وبزوغ نجم الخلافة العباسية ونقل مقر الخلافة لبغداد، أثره البالغ في حياة الناس وانعكس على فنونهم وآدابهم وأهمها الشعر، فسهولة الحياة والمزج الثقافي كان لهما أبلغ الأثر في تغيير خصائص الشعر العربي.

فأصبح الشعراء يميلون للحديث عن المعاني المعبرة عن حياتهم الشخصية والتجارب الفردية والحديث عن مشاعرهم المختلفة، وكثرة استخدامهم للمعاني والألفاظ السهلة، والبعد عن الكلمات المعقدة والصعبة، وكثر استخدام المحسنات البديعية في أشعارهم واستخدموا البديع اللفظي بكثرة، ولجأوا للأوزان الخفيفة واستخدموا قوافي كانت مهجورة من قبل، وقللوا من استخدام المقدمات في بداية القصيدة.

كما أدخلوا الكثير من التغيرات في قوام الأبيات، فلم يلتزموا أحيانا كثيرا بنفس الأوزان لكل القصيدة، بل طوروا أنواع جديدة تناسب كثرة مجالس اللهو والغناء في ذلك العصر.

مثل الشعر المزدوج بأن تتشابه القافية في شطري البيت وتختلف مع كل بيت، والرباعيات بأن تتكرر القافية في اول شطرين والشطر الرابع وتختلف في الشطر الثالث، والمسمطات وتتشابه مع المربعات في تكونها من أربع شطور، لكن الاختلاف في الشطر الرابع الذي يختلف ويتكرر في كل دور.

من كل ما سبق نلاحظ الأثر البالغ للتطور السياسي والثقافي والاجتماعي في العصر العباسي، وأثره البالغ في تطور الشعر العباسي وإضافته لأنواع جديدة على أغراض الشعر في العصر العباسي.

قد يعجبك أيضًا