صفات السيدة خديجة رضي الله عنها

صفات السيدة خديجة رضي الله عنها من أكثر الأمور التي يجب أن نسلط عليها الضوء وننظر إليها عن كثب ونراجع فيها تاريخ الإسلام، فإن الله قد سخر لخاتم أنبيائه تلك المرأة الصديقة لكي تكون له عونًا في تبليغ رسالة الإسلام.

سنعرض عبر موقع زيادة جميع صفات السيدة خديجة رضي الله عنها، كما سنسرد كل ما يتعلق بالسيدة خديجة بدءًا من مولدها وحتى بلوغها مثواها الأخير.

صفات السيدة خديجة رضي الله عنها

إن صفات السيدة خديجة رضي الله عنها لن نغالي إذا قلنا إنها المثالية بعينها فخديجة لم تكن مجرد زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم، فهي كانت أمًا لخاتم النبيين الذي عانى من اليتم طيلة حياته وكانت هي رفيق دربه حينما تخلى عنه أهله بعد أن بدأ رحلته في الدعوة إلى الإسلام، وكانت الأخت والصديقة والمؤنسة الغالية في حين غلبت عليه الوحدة وضاقت عليه الأرض بما رحبت.

إذا قمنا بسرد صفات السيدة خديجة رضي الله عنها فيجب أن نقوم بذكر كل صفة من صفاتها الكريمة على حدة كالتالي:

الصبر والتحمل

بمجرد أن بعث النبي ونزل عليه الوحي وبدأ في أداء أمانة ورسالة الإسلام بدءً من مرحلة الدعوة السرية وحتى الدعوة الجهرية انهال عليه اذى المشركين وأهل قريش بأكملهم، ولم يكن هناك مناصرًا للنبي من أهل بيته آنذاك غير السيدة خديجة بنت خويلد فتحملت مع النبي أشد أنواع الأذى والتنكيل.

كابدت السيدة خديجة معاناة من أجل ناصرة دين الله ونصرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فتحملت معه كل ما عانه وجففت عنه دموع الألم التي كان يذرفها إزاء ما يتعرض إليه من إهانات وتنكيل وتكذيب وسخرية، وكانت تضمه إلى صدرها لكي تخفف عنه عناء وتعب ومشقة وثقل الرسالة العظيمة التي حمله الله إياها.

اقرأ أيضًا: زواج الرسول من خديجة

المؤازرة وقت الضيق والشدة

كانت من صفات السيدة خديجة رضي الله عنها المساندة وقت الشدة ولم تقتصر مناصرتها ومؤازرتها على النبي فقط، بل منذ أن بدأ النبي دعوته وآمن به بعض الناس وعلمت قريش بذلك حتى بدأوا في أسرهم وتعذيبهم، فكانت السيدة خديجة تبذل جهدها ومالها من أجل افتداء هؤلاء الأسرى وإنقاذهم وكانت تبذل المال أيضًا من أجل مداواة الجرحى وكفالة الذين يعانون من أذى المشركين في مكة.

الطهارة والعفة

لقد كانت أبرز صفات السيدة خديجة رضي الله عنها هي العفة والطهارة وطيب الأخلاق وحسنها، وكانت تلك الصفات فريدة من نوعها آنذاك نظرًا لما انتشر في المجتمع الجاهلي من فساد وفجر ومجون على مسمع ومرأى من الناس، فلقد كانت مكة بأكملها تعج بالمفاسد مثل الزنا والسكر حتى الثمالة وانتشار صاحبات الرايات الحمر.

بالرغم من كل ذلك إلا أن السيدة خديجة كانت دائمة الحفاظ على شرفها واخلاقها الرفيعة حتى صارت موطن إعجاب رجال وكبار أشراف مكة آنذاك، إلا أنها لم تكن ترضى أبدًا بقبول أي عرض من عروض الزواج المغرية التي كانت تقدم لها من أعلام رجال مكة وأكثرهم غنى.

الحكمة ورجاحة العقل

لقد عرفت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها بالحكمة وسدادة الرأي حتى قبل أن تتزوج من النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد ذاع سيطها في كل أرجاء الجزيرة العربية وخارجها لكونها برعت في التجارة الداخلية والخارجية أكثر من كبار التجار من الرجال في ذلك الوقت.

لقد ذكرت الكثير من المصادر التاريخية أن السيدة خديجة بنت خويلد كانت تتمتع بالتعقل والحزم، ولقد ظهر ذلك جليًا عندما اختارت النبي صلى الله عليه وسلم دونًا عن غيره من أجل أن تأتمنه على مالها الكثير وتجارتها واسعة المدى، وكان ذلك بناءً على ما سمعته واستشهدت به من قبل الكثيرين حول صفات النبي وشهرته بالصدق والأمانة.

تتضح حكمة السيدة خديجة أيضًا في موقفها عندما جاءها النبي باكيًا يرتجف من الخوف الذي أحل به عقب نزول الوحي عليه، ولما سمعت السيدة خديجة من النبي ما حدث لم تكذبه ولم تنسب الأحداث إلى الاعتقادات الخرافية أو الخزعبلات، بل أرسلت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل لإدراكها بمعرفته بمثل هذه الأمور.

اسم ونسب السيدة خديجة

إن معرفتنا صفات السيدة خديجة رضي الله عنها تستوجب أن نتعرف إلى اسمها ونسبها، وهي خديجة القرشية بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان من ولد النبي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.

أما أمها هي فاطمة بنت زائدة العامرية بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وجدتها هي هالة بنت عبد مناف بن قصي بن كلاب.

بالنسبة إلى إخوة وأخوات السيدة خديجة رضي الله عنها فهم:

  • عدي بن خويلد بن أسد ولقد كان خويلد يكنى به ولكن انقرض ولده.
  • العوام بن خويلد ولقد قتل على يد مرة بن متعب الثقفي أثناء حرب الفجار.
  • نوفل بن خويلد وكان من أشد أعداء المسلمين وقد قتل في غزوة بدر ومات على كفره.
  • حزام بن خويلد وكان والد حكيم بن حزام ولقد قتل في القسم الثاني والأخير من حرب الفجار.
  • عمرو بن خويلد وقبل أنه كان وكيل السيدة خديها وهو من زوجها من النبي صلى الله عليه وسلم.
  • هالة بنت خويلد وكانت هي أم الصحابي الجليل أبي العاص بن الربيع.
  • رقيقة بنت خويلد وكانت والدة اميمة بنت رقيقة.
  • خالدة بنت خويلد وكانت عند علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى.
  • الطاهرة بنت خويلد.

لقد كانت السيدة خديجة قبل زواجها من النبي تلقب بين الناس بالطاهرة وما أن تزوجت النبي وأنجبت منه ابنهما القاسم صارت تكنى بأم القاسم.

اقرأ أيضًا: متى ولدت فاطمة الزهراء رضي الله عنها

مولد ونشأة السيدة الخديجة

لقد ولد السيدة خديجة رضي الله عنها في مكة المكرمة في العام الثامن والستين قبل الهجرة، ولقد نشأت وشبت في بيت جاه وعز وفخر حيث كانت من أشراف مكة وأشراف قريش، وكان ثراءها وغنى والدها وأجدادها أمرًا معروفًا في شتى بطون العرب، ولقد اشتهرت هي وعائلتها بالكامل برحلاتهم التجارية الكبيرة إلى بلاد الشام واليمن.

الزيجات الأولى للسيدة خديجة رضي الله عنها

كانت السيدة خديجة تكبر النبي بحوالي خمسة عشر عامًا وكانت قبل أن تتزوج به قد تزوجت مرتين من قبله، وكان زواجها الأول من أبو هالة بن زرارة بن النباش التميمي، ولقد أنجبت منه ابنها هالة الذي آمن بالنبي فيما بعد واعتنق الإسلام وأرسله إلى اليمن لكي يكون عاملًا عليها، ولم يمض وقت طويل حتى توفي بن زرارة تاركًا لها ثروة هائلة.

تزوجت السيدة خديجة للمرة الثانية من عتيق بن عابد وأنجبت منه ابنتها هند ثم توفي بعدها، ولقد أدركت هند الإسلام وآمنت بالنبي واعتنقت الدين الجديد وتزوجت، ولكن أحدًا من المؤرخين لم يرو أن هندًا روت أي حديث عن النبي من قبل.

تجارة السيدة خديجة

إن من صفات السيدة خديجة رضي الله عنها والتي اشتهرت بها بين الناس هي الطهارة والذكاء، فكانت تعمل في مجال التجارة وكانت تجارتها تشهد نجاحًا منقطع النظير تدخل إليها أرباحًا طائلة، ولقد عرف عن السيدة خديجة أيضًا مدى استقلاليتها في مالها وعملها وكيف كانت تحسن إدارة الأمور وتسييرها.

كان من ضمن صفات السيدة خديجة رضي الله عنها أيضًا حسن الانتقاء، فكانت تختار بحذر شديد الرجال الذين يعملون معها في تجارتها وكان الأهم لديها أن يكونوا أمناء على مالها وعملها، ونظرًا لحسن سيرة وسمعة السيدة خديجة ونجاح تجارتها وصل سيطها إلى بلاد الشام وبلاد الفرس والروم بلاد العراق.

كانت السيدة خديجة شديدة الحرص على أن يكون للفقراء والمساكين نصيبًا من مالها، فكانت سمحة الكف معطاءة كريمة في عطاياها شديدة الإحسان لكل من يلتمس منها طلبًا، ولم تكن السيدة تخرج بنفسها مع مالها وبضاعتها من أجل المتاجرة بها في البلدان الأخرى.

بل كانت تعقد اتفاقيات على السفر مع بعض الرجال من أجل التجارة مقابل أن يتقاضوا منها أجرًا من المال، وفي بعض الأحيان كانت تعقد معهم عقد يسمى بالمضاربة أو القراض والذي يعني عقد اتفاق مع الطرف الآخر يقضي بخروجه إلى التجارة مقابل نسبة محددة من الربح، على أن تكون الخسائر الناتجة عن التجارة واقعة على صاحبة المال وحدها دون تأثر الطرف الآخر.

عمل النبي مع السيدة خديجة

لقد سبق واوضحنا أنه من أشهر صفات السيدة خديجة رضي الله عنها هو حسن انتقائها لمن يعملون منها، ولقد صادف وجاء في طريقها النبي صلى الله عليه وسلم وكان آنذاك شابًا يافعًا في أوائل العشرينات من العمر، وكانت السيدة خديجة تبحث عمن يدير تجارتها ورحلاتها التجارية ويكون أمينًا على مالها.

في تلك الآونة كان أبو طالب عم النبي يشكو الفاقة وضيق الحال وكان يعلم بأن السيدة خديجة تبحث عمن يعمل في تجارتها وأشار عليه بأن يعمل معها، فقال له

أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك”

لقد عرفت السيدة خديجة ما اشتهر بها النبي في مكة كلها حتى إنه كان يلقب بالصادق الأمين وكانت أيضًا قد بلغ إلى مسامعها ما دار بينه وبين عمه أبو طالب، فسارعت في طلبه لكي يعمل عندها وقال له أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك، فقال أبو طالب: هذا رزق قد ساقه الله إليك”

بالفعل خرج النبي مع غلام السدة خديجة رضي الله عنها في رحلة تجارية وكان ذلك الغلام يدعى ميسرة، ولقد شهد ميسرة على الكثير من المواقف الغريبة والأحداث المتتالية التي لاحقت النبي طوال رحلة التجارة ولقد حدثت الكثير من الأمور وحرص ميسرة على سردها كلها للسيدة خديجة عند عودته.

مواقف النبي في رحلات السيدة خديجة التجارية

لقد لاحظ ميسرة أنه أثناء سير القافلة في الصحراء تحت أشعة الشمس الحارقة إنه كانت هناك غيمة صغيرة تصاحب النبي أيما تحرك لكي تظلل عليه وتخفف من حدة الشمس فوق رأسه، ثم بعد أن وصلا إلى مكان بيع السلع التي جاء بها حتى بيعت جميع البضائع وحازت القافلة على أموال طائلة لم يسبق أن حصلت عليها قافلة تجارية من قبل وفي وقت وجيز.

في أثناء هذه الرحلة أيضًا نزل ميسرة ومعه النبي في سوق مدينة بُصرى وجلسا تحت شجرة ليستريحا من سفرهما وليستظلا تحت ظلها وكانت هذه الشجرة على مقربة من صومعة لراهب يدعى نسطور، ولقد كان هذا الراهب على معرفة سابقة بالغلام ميسرة فناداه وسأله عمن الشخص الذي نزل أسفل هذه الشجر.

رد ميسرة على سؤال نسطور وقال له: إنه واحد من شباب قريش من أهل الحرم هناك، فرد عليه نسطور قائلًا إن هذه الشجرة لم ينزل تحتها أبدًا إلا نبي وسأل ميسرة هل في عيني هذا الشاب حمرة قليلة فرد ميسرة على ذلك بالإيجاب، ففرح نسطور وقال إنه هو ذلك هو خاتم الأنبياء وتمنى أن يمهله الله العمر حتى يشهد موعد بعثة هذا النبي.

طوال فترة عمل النبي مع السيدة خديجة بنت خويلد حدثت بعض المواقف التي تشير وبشكل واضح للعيان مدى البركة التي تحل على المكان الذي يرتحل إليه، فعلى سبيل المثال خرج النبي صلى الله عليه وسلم على رأس قافلة تجارية تابعة للسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وكان معه عدد من الناس ومن بينهم ميسرة الغلام المساعد والخادم للسيدة خديجة في عملها.

زواج النبي من السيدة خديجة

لقد سمعت السيدة خديجة بكرم وسماحة أخلاق النبي ومظاهر البركة التي أحاطت به خلال جميع الرحلات التجارية التي قام بها لصالحها والتي شهدها من كانوا معه في هذه الرحلات، فرأت السيدة خديجة أنها في حاجة إلى أن يكون هذا الصادق الأمين في حياتها بطريقة أكثر رسمية لكي يرعى مصالحها ويحفظ مالها لثقتها أنه لن يطمع فيه.

قامت السيدة خديجة بعرض نفسها على النبي لكي يتزوجها فقام عمه أبو طالب بخطبتها له وكان آنذاك في الخامسة والعشرين من عمره بينما كانت السيدة خديجة قد بلغت الأربعين، ولقد تزوجها النبي بالفعل وكانت في عينيه خير النساء وقد أحبها حبًا جمًا ولقد أنجبت له أبنائه جميعًا وهم القاسم وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وعبد الله الذي ولد بعد البعثة مباشرة.

عاشت السيدة خديجة بنت خويلد مع النبي قبل البعثة حوالي خمسة عشر عامًا، وقد أحاطته بكل الحب والرعاية والاهتمام ولقد انصرفت عن التجارة لكي تهتم بأولادها من النبي ولكي ترعاه، وآنذاك كان أبو طالب يعاني الفقر وكان له من الولد الكثير فطلب النبي منه أن يكفل منه عليًا رضي الله عنه فوافق أبو طالب ولم تعترض السيدة خديها وعاملته كأولادها.

عندما مات العوام بن خويلد ترك ورائه الزبير طفلًا صغيرًا فكفلته السيدة خديجة وراعته حق رعاية، فنشأ الزبير بن العوام في بيت عمته خديجة وبيت أمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم.

لقد مات جميع أبناء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وكان هذا مصدر حزن وأسًا بالغ مات جميعهم فيما عدا السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها والتي ماتت بعد والدها بحوالي ستة أشهر، ولقد عانى النبي من وفاة أولاده من خديجة فالبرغم من صبره واحتسابه إياهم عند الله إلا أن المشركين كانوا دائمًا ما يعايرونه بانقطاع نسله وإنه لن يبقى من ذكره شيء هو الآخر بعد أن يموت، ولكن الله أعزه ونصره وخذلهم بدليل أن طيب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال يعطر أرجاء الدنيا حتى الآن.

اقرأ أيضًا: متى توفيت السيدة خديجة

بعثة النبي

لقد اعتاد النبي صلى الله عليه وسلم أن يمكث في غار حراء بمفرده لبعض الليالي لكي يتعبد ويتحدث مع خالقه الذي لا يراه ولكنه يشعر أنه حوله وموجود بالفعل، فكان يقصد من ذلك التأمل والتفكر والبعد عن الصخب والزحام السائد في مكة والأغاني والرقص والمجن المنتشر في شتى أنحاءها.

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم معتادًا على أن يعتكف في غار حراء لكي يتعبد، وحينما أتم عليه الصلاة والسلام عامه الأربعين كان جالسًا في غار حراء كمثل عادته يتعبد للخالق الذي لم يعرفه بعد، ولكنه كان دومًا منصرف إليه يشعر بوجوده فلا يميل إلى الأوثان وطباع الجاهلية التي شب وترعرع وسطها.

فجأة دب نور عظيم شق ظلمة وعتمة الغار وتجلى جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم، لقد هلع النبي وأصابه الذعر والفزع وتملك منه الخوف من هول مطلع ملاك الوحي وهيبته، وفوجئ بأن هذا الكيان الملائكي يقول له من دون مقدمات اقرأ، والنبي كان أميًا لا يعرف القراءة أو الكتابة فرد بهدوء وأدب يليق بخاتم النبيين قائلًا: ما أنا بقارئ.

اقترب ملاك الوحي من النبي فهاب منه أكثر وتعجب من اقترابه الذي قام بضمه وعناقه عناقًا مجهدًا له، ثم بعد ذلك قرر جبريل عليه السلام طلبه ثانيًا وقال اقرأ، فأجابه النبي للمرة الثانية ما أنا بقارئ، ثم قام جبريل بعناقه مرة أخرى بقوة بلغت من النبي جهدًا كبيرًا وقال للمرة الثالثة اقرأ، فأجاب النبي بتعب ما أنا بقارئ.

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ضعيف البنية بل كان قويًا سليم البنيان، ولكن ضم جبريل عليه السلام إياه استنفذ منه الكثير من الطاقة والجهد، ذلك بالإضافة إلى ما أصاب النبي من ذعر وخوف شديدين وخاصةً لأنه مدرك تمامًا أن هذا المشهد العظيم الذي يمر به واقعًا مُعاشًا بالفعل وليس كابوسًا أو حلمًا.

قال جبريل عليه السلام في المرة الرابعة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [سورة العلق، الآيات 1-5] ثم اختفى جبريل بعد ذلك من أمام الرسول.

السيدة خديجة ونزول الوحي على النبي

هرع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكاد يمسك بزمام نفسه، متجهًا إلى منزله ودخل على السيدة خديجة رضي الله عنها وهو يرتجف فزعًا ولقد أصابته الحمى، وكان يتصبب عرقًا ويرتعش خوفًا من هول ما رآه في تلك الليلة المباركة، فأخذت السيدة خديجة تربت عليه في حنوٍ وتهدأ من روعه ولقد وضعت عليه الكثير من الأغطية لكي يكف جسده الشريف عن الرعشة وقالت له كَلّا أبْشِرْ، فَواللَّهِ، لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، واللَّهِ، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتُكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ”

لم تدر السيدة خديجة ما الذي أصاب النبي آنذاك ولم تفهم منه الكثير لصعوبة قدرته على الكلام والشرح وهو في تلك الحالة، فلما هدأ قليلًا بدأ يقص عليها ما حدث معه في الغار من الألف إلى الياء، وتعجبت بنت خويلد رضي الله عنها ولم تفهم شيئًا مما قصه عليها النبي، كذلك لم تستطع تفسير ما حدث.

ما كان من السيدة خديجة إلى أن أرسلت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل والذي كان يعتنق الديانة المسيحية، من أجل أن تستفتيه فيما حصل مع النبي وعجزت عن فهمه أو تفسيره، ولقد كان ورقة بن نوفل يجيد العبرية ويقوم بكتابة الإنجيل وحفظه باللغة العبرية كما أنه كان شديد التدين، وحينما قصت عليه السيدة خديجة ما حصل لم يتعجب.

إن السر وراء عدم تعجب ورقة بن نوفل مما حدث مع النبي هو إيمانه التام ببشرى المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام التي نصت على أن النبي الذي سيأتي من بعده سيكون خاتم النبيين وأنه سيكون عربيًا، وما وصفه النبي عن جبريل عليه السلام ورد ذكره مسبقًا في التوراة والإنجيل مما جعل ورقة يؤكد على أن ما أصاب النبي ليس هلوسة أو مدعاة للخوف، إنما هو الناموس الذي نزل على نبي الله موسى عليه السلام.

كما أوضح لهم ورقة بن نوفل أن ملاك الوحي هذا لا ينزل أبدًا إلا على الأنبياء والمرسلين، وأن بشارة موسى وعيسى والأنبياء السابقين جميعهم قد تحققت في شخص محمد بن عبد الله صاحب رسالة لإسلام وخاتم الأنبياء والمرسلين.

دور السيدة خديجة في البعثة النبوية

بعد أن فهم النبي وأدرك المسئولية الكبيرة التي كلف بها خاف أن يرجع مرة أخرى إلى الغار وخاف من أن يلقى جبريل مرة ثانية، وظل يقول زملوني دثروني حتى نزلت فيه (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّر) وكانت بمثابة أمر وإلزام إلهي من الله إلى محمد لكي يبدأ في التبليغ برسالته.

بدأ النبي بالفعل يبلغ رسالته التي حمل بها ولقد بدأ في دعوته بأهل بيته فكانت السيدة خديجة بنت خويلد زوجته هي أول من أسلم معه وكانت نعم من يعينه ويساعده ويناصره في دعوته تلك، ثم كان إسلام عبد الله بن عثمان والذي يكنى بأبي بكر الصديق رضي الله عنه أول من آمن وأسلم مع النبي من الرجال.

حرصت السيدة خديجة على أن تكون الدعوة سرية لكيلا تعرض النبي إلى الخطر فيفتضح أمر دعوته للإسلام في غير أوانه فيلحق به الكفار السوء، وكانت السيدة خديجة هي أول من آمن بالنبي من الناس أجمعين وهي أول من ثبته وشحذ عزيمته وهي أول من توضأ وصلى، وظلت تقف مع النبي وتبشره بقدوم الخير وتصبره على ما يعانيه من شرك وتكذيب وتسفيه وهجر من قومه فكانت له بعد الأهل أهل.

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال كانت خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله ورسوله، وصدق محمد رسول الله فيما جاء به عن ربه وآزره على أمره، فكان لا يسمع من المشركين شيئًا يكرهه من ردٍ عليه وتكذيبٍ له، إلا فرَّج الله عنه بها، تثبته وتصدقه وتخفف عنه، وتهوّن عليه ما يلقى من قومه”

اقرأ أيضًا: تعبير عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم

عام الحزن وفاة السيدة خديجة

إن عام الحزن في الإسلام سمي بهذا الاسم لأنه شهد وفاة أهم اثنين من أنصار النبي في المحن التي عانها خلال الدعوة، فلقد ماتت صفات السيدة خديجة رضي الله عنها جسدًا ولم تمت جوهرًا، ماتت خديجة بنت خويلد بعد مرور ثلاثة أيام فقط من موت أبو طالب عم النبي وكانت وفاتها سابقة للهجرة بحوالي ثلاثة سنوات أي في عام 619م.

ماتت السيدة خديجة بعد أن أمضت مع النبي حوالي خمسة وعشرون عامًا عن عمر ناهز الخمسة والستين ودفنها النبي في منطقة الحجون ولم تكن صلاة الجنازة قد شرعت في الإسلام حينها، ولقد فت موت خديجة في عضد النبي لفرط حبه لها فهي كانت عنده من خير نساء الأرض، ولقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أَتَى جِبْرِيلُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ: هذِه خَدِيجَةُ قدْ أتَتْ معهَا إنَاءٌ فيه إدَامٌ، أوْ طَعَامٌ أوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هي أتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِن رَبِّهَا ومِنِّي وبَشِّرْهَا ببَيْتٍ في الجَنَّةِ مِن قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ، ولَا نَصَبَ

لم يتزوج النبي على خديجة في حياتها قط ولم يتزوج بعد موتها إلا بأمر من الله ولكنها بالرغم من وفاتها إلا أنها بقيت حية في قلبه، وعن حب النبي ووفائه لخديجة بعد موتها قال السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها ما غِرْتُ علَى نِسَاءِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إلَّا علَى خَدِيجَةَ وإنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قالَتْ: وَكانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فيَقولُ: أَرْسِلُوا بهَا إلى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ قالَتْ: فأغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلتُ: خَدِيجَةَ، فَقالَ: رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إنِّي قدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا”

بعد التعرف عن كثب إلى صفات السيدة خديجة رضي الله عنها جدير بالذكر أن السيدة خديجة صبرت على حصار شعب بني هاشم الذي أحكم على النبي لثلاث سنوات.

قد يعجبك أيضًا