مراحل الميت في القبر

مراحل الميت في القبر من الأفكار التي تكلم فيها الكثير من العلماء من الناحية العقائدية من حساب وجزاء ونعيم.. ومن الناحية الفزيائية وما يحدث للجسد من تحلل في القبر وتحوله إلى تراب، وهذا الشغل الشاغل للعلماء لسبب بسيط؛ أن الموت هو نهاية كل بني البشر وقرابة الـ80% منهم يدفنون في قبور.

مراحل الميت في القبر

ما يحدث في القبر من الأمور الغيبية التي يجب ألا نتحدث فيها إلا بالأدلة والشواهد من القرآن والسنة المطهرة، لذلك لن نخوض في هذا المبحث إلا من باب الأحاديث النبوية الصحيحة.

في العقيدة الإسلامية تبدأ حياة الإنسان في القبر منذ لحظة دفنه، وهو يسمع وقع أقدام أهله مغادرين، فقد روى أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ المَيِّتَ إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ، إنَّه لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعالِهِمْ إذا انْصَرَفُوا”، وفي رواية أخرى: “إنَّ العَبْدَ إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ وتَوَلَّى عنْه أصْحابُهُ” (صحيح مسلم 2870).

إن الموتى يسمعون الأحياء بالجملة كما قال الإمام ابن تيمية واستدل بحديث الرسول صلى الله في غزوة بدر الذي رواه أنس بن مالك قال: “أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عليهم فَنَادَاهُمْ، فَقالَ: يا أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ يا عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ يا شيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ أَليسَ قدْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ يَسْمَعُوا وَأنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما أَنْتُمْ بأَسْمع لِما أَقُولُ منهمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ثُمَّ أَمَرَ بهِمْ فَسُحِبُوا، فَأُلْقُوا في قَلِيبِ بَدْرٍ” (صحيح مسلم 2874).. في هذا الحديث يتأكد لنا أن الموتى يسمعون الأحياء.

تسمى الحياة في القبر بـ(الحياة البرزخية / حياة البرزخ).

إقرأ أيضًا: ماذا يحدث بعد الموت بالتفصيل في القبر

 ضمة القبر

لا أحد ينجو من ضمة القبر لكن تختلف في الشدة، وإذا كان القبر سيتسع مرة أخرى أم لا، حسب عمل الميت كان مؤمن أم كافر، شقي أم سعيد.

قد روى عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “لو نجا أحدٌ من ضمَّةِ القبرِ، لنجا سعدُ بنُ معاذٍ، ولقدْ ضُمَّ ضمةً، ثُمَّ رُوخِيَ عنه” (صحيح الجامع 5306).

قيل هذا الحديث الشريف بعدما دفن الرسولُ – صلى الله عليه وسلم – سعد بن معاذ بعد غزوة الأحزاب ولسعد بن معاذ فضل في الإسلام ومناقب عديدة.

فقال: أنه لو نجا أحد من ضغطة القبر لكان نجا هو، أي لا أحد ينجو من هذه الضغطة، ويردف الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: “ولقدْ ضُمَّ ضمةً، ثُمَّ رُوخِيَ عنه” أي أنه بعدما ضغط عليه القبر وسعه الله عليه وفرج الله عنه.

قال الفقهاء في موضوع ضمة القبر إنها ليست مختصة بسيدنا سعد بن معاذ وإنما هي لكل بني آدم، للصالحين وغيرهم، لكن تفرق في أنه تدوم على الكافر ويفرجها الله على عباده الصالحين، وأن كل البشر قد طالهم ذنب اقترفوه، فيكفر بهذه الضغطة جزاء له وتدركه رحمة الله.

إن هذه الضغطة تكون على المؤمن ليست قوية فكأنما يتألم وهو في الدنيا على فقد حبيب أو مرض ألم به، أو ألمه من بكاء أحبابه عليه، والله تعالى يرفق بعباده الأتقياء أنّا يشاء، ولا يجد المؤمن الراحة في الدنيا ولا الأخرة قبل لقاء ربه.

إقرأ أيضًا: ماذا يحدث في القبر من عذاب ونعيم وما هي ضمة القبر

سؤال الملكين

يبدأ حساب العبد من القبر على يد ملكي الحساب، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا قُبِر الميِّتُ، أو قال: أحدُكم أتاه ملَكان أسودان أزرقان يُقالُ لأحدِهما: المُنكَرُ وللآخرِ النَّكيرُ، فيقولان: ما كنتَ تقولُ في هذا الرَّجلِ؟ فيقولُ ما كان يقولُ: هو عبدُ اللهِ ورسولُه، أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه فيقولان: قد كنَّا نعلمُ أنَّك تقولُ هذا: ثمَّ يُفسَحُ له في قبرِه سبعون ذراعًا في سبعين ثمَّ يُنوَّرُ له فيه، ثمَّ يُقالُ: نَمْ، فيقولُ: أرجِعُ إلى أهلي فأُخبِرُهم؟ فيقولان: نَمْ كنوْمةِ العروسِ الَّذي لا يُوقظُه إلَّا أحبُّ أهلِه إليه حتَّى يبعثَه اللهُ من مضجعِه ذلك، وإن كان منافقًا قال: سمِعتُ النَّاسَ يقولون قولًا فقلتُ مثلَه لا أدري، فيقولان: قد كنَّا نعلمُ أنَّك تقولُ ذلك فيُقالُ للأرضِ: التئِمي عليه فتلتئمَ عليه فتختلِفَ أضلاعُه: فلا يزالُ فيها مُعذَّبًا حتَّى يبعثَه اللهُ من مضجعِه ذلك” (الترمذي 1071).

في هذا الحديث يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنه إذا تم وضع الميت في قبره يأتيه ملكان ليمتحناه في القبر، وصفتهما إنهما لونهما أسود وعيناهم لونها أزرق، والله يبعثهما على هذه الصفات وما في شكلهم من هول المنظر والوحشة ليكون خوفهم على الكافر أشد ليحتاروا في الجواب ويقولوا فعلًا ما كانوا يقولون في الدنيا، أما على المؤمنين فلا يخافوا، ويثبتهم الله، إنهم خافوا تلك الساعة في الدنيا فلا يجتمع عليهم الخوفين.

يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – في تسميتهم أن أحدهم اسمه منكر والأخر أسمه نكير، يقولان للميت ماذا كنت تعتقد في محمد عليه الصلاة والسلام فيختلف الرد حسب حالة الميت.

ردّ المؤمن على سؤال الملكين وحاله بعدها

بعدما يسأل الملكين هذا السؤال للميت فالمؤمن يقول ما كان يعتقد فيه في الدنيا؛ أنه عبد الله ورسوله و أشرف خلق الله تعالى، وأنه رسول الله تعالى لعباده كافه ونزل بالدين الحق وهو خاتم الأنبياء والمرسلين؛ ويؤكد المؤمن قوله بالشهادة الذي كان يقولها في الدنيا “أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه”، فيرد عليه الملكين قد كنا نعلم، أي الله أخبرنا عن حالك أو أثر إيمانك على حالك في القبر، ثم يوسع الله له في القبر أو يأمر الملائكة بتوسعته بمقدار سبعون زراعًا طول في سبعون زراعًا عرض ( الزراع = 0.5 متر بمقاييس الدنيا)، وينير الله قبره أو يأمر الملائكة بإنارته، ويصف الرسول مشهد النور بأنه يكون مثل القمر ليلة البدر.. ثم يقول الملائكة للميت نم (أمر بالنوم) فيسألهم مستفسرًا هل سأرجع إلى أهلي فاخبرهم بحالي وما وصلت إليه من نعيم، فيرد الملائكة نم مثل العروس (لفظ العروس يقال للرجل والمرأة وليس للمرأة فقط) وهذه كناية عن النوم السعيد ففي الدنيا من العادات ألا يوقظ أحد العروسين ليلة الزفاف ونامان في هدوء وهناء، ويظل العبد المؤمن بالله الصالح على هذه الحالة حتى يبعثه الله يوم القيامة ويخرجه من قبره.. وفي أحاديث أخرى أن الملائكة تريه منزلته في الجنة وتريه مكانه في النار الذي كان معد له لو كان كافر ولكنه نجى منه برحمة الله تعالى.

إقرأ أيضًا: ما هو عذاب القبر بالتفصيل لتارك الصلاة ولكل مذنب عاصي بعيد عن الله

ردّ غير المؤمن على سؤال الملكين وحاله بعدها

ثم يردف النبي – صلى الله عليه وسلم – ويصف الحالة الأخرى إذا كان هذا الميت منافق (يظهر للناس الإيمان ويخفي الكفر) فإنه يرد على سؤال الملكين له: “سمِعتُ النَّاسَ يقولون قولًا فقلتُ مثلَه لا أدري” أي أنه كان يسمع الناس يقولون أنه رسول الله فكنت أقول مثلهم دون أن أقر به في صميم قلبي ويعترف به عقلي، فيأمر الله الأرض أن تلتأم عليه فتتجمع عليه الأرض وتنزوي عليه حتى تتشابك أضله، فيظل على هذه الحالة يعذب بكل أنواع العذاب حتى يبعثه الله يوم القيامة ويخرجه من الأرض، وفي حديث آخر أن الملائكة تدعو عليه (لا دريت ولا تليت) أي غنك لم تكن تدري شيء ولا تتلو القرآن فينفعك في موقفك هذا، ثم يريه الملكين مثواه في النار ومنزلته في الجنة التي لو كان مؤمن كان نالها وفي هذا نوع آخر من العذاب المعنوي له.

الحديث بالعام يرشدنا إلى بيان منزلة المؤمن الصادق في أول منازل الآخرة والنعيم الذي سيلاقيه إلى يوم القيامة.

بذلك نكون قد نقلنا لكم قول الفقهاء في موضوع مراحل الميت في القبر بالأحاديث النبوية الصحيحة، جعلكم الله وإيانا من أهل النعيم وثبتنا الله عند السؤال.

قد يعجبك أيضًا