ما هو السرد وما هي نظرية السرد؟

ما هو السرد وما هي نظرية السرد، وماذا عن دوره في الحبكة القصصية وهذه المصطلحات الأدبية المعقدة على أذهان الكثيرون.. يعد السرد من أقدم الفنون الأدبية، بل يكاد يجزم الخبراء أنه حتى ظهر قبل الرسم، هو أقدم فن بشري، رافق البشرية منذ فجر التاريخ كظلهم، فعندما اكتشف الإنسان القديم النار وجلس يستمد الدفيء منها مع عائلته أو قبيلته، ماذا كان يفعل؟.. كانوا يحكون قصص وبطولات الصيد وتخيلات عن النجوم.

السرد كان يحمل الذكريات والأحلام.. يختزل قصص الحكمة وتلك الحماقات الطريفة، يسجل البطولات.. حوار مع الذات، أو حوار مع الآخر، أو الحوار مع العالم في الميتافيزيقيا.. كان السرد حاضرًا.

ما هو السرد  

السرد هو الطريقة التي يتم بها حكي القصة أو العمل النثري بصفة عامة، وهو أُسْلُوب مرن يمكن تطويعه حسب حاجة الأديب لإرخاء لجام أفكاره، بأن يسرد كل المواقف والأحداث البشرية أو حتى الحيوانية بطريقة سهلة على المبدع والمتلقي بصورة تكون فيها الأحداث متسلسلة ومترابطة بأُسْلُوب سلسل جميل.

يمكن للمبدع التنويع بين الصيغ السردية التي تخدم فكرته بين السرد الشفهي أو العلامات والصور والإشارات على لسان الأبطال أو على لسان الراوي أو على لسان الحدث نفسه والجمادات.

يكون السرد مفصل بالتركيز على أدق التفاصيل مثل المُنتج السنيمائي، أو مجمل باختصار الأحداث والتركيز على الشخصيات الرئيسية وإهمال الشخوص الثانوية مثل المكتوب الصحفي الذي يهتم بالعناوين العريضة.

يرى النقاد أن السرد الجيد ينساب كمثل حبات اللؤلؤ من الخيط في سلاسة المياه في الجداول.

إذًا فالسرد هو المَحَّمل الذي ينقل فكرة الراوي الغير محايدة بالطبع إلى المتلقي من ناحية نظرة المبدع إلى الفكرة، ومن خلال حضوره في المعجم اللغوي.

إقرأ أيضًا: اجمل الروايات العالمية 11 رواية عشقها القراء في كل بلاد العالم

أنواع السرد

يقسم أغلب نقاد الأدب الحديث السرد إلى ثلاث أنواع رئيسية من ناحية الحوار يندرج تحتها تفصيلات لونية لكل نوع هي:

  • السرد الخطابي: هنا يبدع الأديب أُسْلُوب مخاطبة خاص به ينقل من خلاله الفكرة، وهذه الطريقة تكون في الروايات الطويلة خصيصًا الروايات التي كتب أصحابها الشعر قبل أن يكتبوا فن الرواية.. مثلا رواية “سارة” للعقاد.. فالرواية هي ابنة العقاد الوحيدة.. ولم يكرر التجربة طيلة حياته، بل عاش يهاجم كتابة الرواية.. في “سارة” ستجد النمط السردي الخطابي المشار إليه بغزارة.
  • سرد من ناحية المتكلم: من خلال الحوار أو المواقف التي يكون فيها هو قائد الحوار أو حتى من الحوار الذاتي (المونولوج).. يكون المتلقي صورة كاملة عن الشخصية، ويُستخدم هذا الأُسْلُوب في المسرح بكثرة.. تجده في المشهد الأول حين يعرف الشخصيات أنفسهم للجمهور.
  • السرد من ناحية المُخاطب: من خلال المواقف أو الحوار حين يكون هو من يكون موجه إليه الحوار والأسئلة، فتصل الفكرة أو الصورة العامة للشخصية بطريقة شائقة للمتلقي وتتسلل إليه ببطء ومرونة.

إنما التقسيم من ناحية الموضوع يمكن تقسيم السرد إلى ثلاثة أنماط رئيسة:

  • الأُسْلُوب البسيط أو البدائي يستخدم في كتابة القصص الطفولية أو الموجهة إلى متلقي لا ينجذب سوى إلى هذا الأسلوب باستخدام ألفاظ قريبة منه.
  • الأُسْلُوب المعتدل يتم اللجوء إليه في السرد القصص والحوار بين الشخصيات في الروايات البسيطة أو الأحداث التاريخية الجافة من العاطفة، واللغة المستخدمة فيه أختلف النقاد فيها.. منهم من قال استخدام اللغة الوسطى لتصل إلى المتلقي، ومنهم من قال استخدام اللغة القوية ليعلي بلغة المتلقي وفكره بما أن اللغة هي وعاء الفكر فإذا كانت اللغة ركيكة كان الفكر مثلها.. وليس معنى هذا أن اللغة الوسطى ركيكة، فقد استخدمها نجيب محفوظ في بعض مواضع الحوار.. واستخدمها خيري شلبي في السرد.
  • الأُسْلُوب الجزل القوي العاطفي ويستخدم في الروايات الملحمة وما شابهها.

بعض المبدعين يقومون بالتنويع بين الأساليب الثلاثة في العمل الأدبي الواحد ليُصلوا فكرتهم للمتلقي.

عناصر السرد

يتكون السرد بنائيًا من عدة عناصر هي:

  • الفكرة: هي الموضوع الذي سيتناوله المبدع في القصة التي يحيكها، قد يستلهمها من واقع حقيقي عاشه أو قرأ عنه أو يعرف أحد عاشه، أو فكرة فلسفية أو تاريخية أو حتى يزاوج بين الفلسفة والميثولوجيا، في النهاية ينتج موضوع أدب مرتبط زمانيًا أو دلاليًا أو أي خط قصصي يجمعه بحبكة منضبطة وشبكة علاقات تجذب المتلقي.
  • الحدث: هو النص ذاته المكون من سلسلة أفعال صادرة عن الشخصيات ومواقف يقع فيها الشخصيات وتفاعلها مع بعضها، ليصل للمتلقي الحالة الشعورية التي يريد المبدع ايصالها.
  • متن الحكي القصصي: هي الأحداث عندما تتجمع مع بعضها في سلسلة بترتيب معين يراه المبدع مناسب لإيصال فكرته بإدخال الحوادث وخلق الروابط الخفية والجلية بين الأشخاص.
  • الحبكة: هي طريقة جمع كل الخيوط القصصية في الرواية، وجمع مكونات مبنى الحكي في طريقة سردية يختارها المبدع ولابد من أن تقوم الحبكة بتأزيم كل الخيوط مع بعضها فيما يسمى بذروة الأحداث، وذروة التوتر السردي الذي اتفق النقاد على تسميته بـ(العقدة) وتنوعت العقد من حيث شدتها وتكرارها في الرواية الحديثة وموعد حلها، وإذا كانت تحل بنهاية أم تحل بعقدة أصغر، وبدورها تحل في النهاية.

تقوم الحبكة على خطين متوازيين الأول هو الزمن السردي لتصاعد الأحداث والثاني التصاعد النفسي والشحن المتزايد للشخصيات وتقاطع الرغبات النفسية، مما يخلق بعد آخر للعقدة.

  • الشخصيات: تنقسم إلى شخصيات أصلية (أبطال) وشخصيات مساندة وشخصيات صامتة ويضيف بعض النقاد نوع آخر هم الشخصيات المذكورة، لم يظهروا بذاتهم في السرد.. لكن ظهر تأثيرهم أو أقوالهم أو أفعال قاموا بها في الزمن الماضي للسرد.
  • الزمكان: هم الوعاء الذي يحمل باقي العناصر.
    فالزمان قد يكون ممتد يمثل مقطع في حياة أمة مثلا أو يتتبع شخصية من الميلاد حتى الوفاة مثل الروايات الطويلة.. أو زمان منقطع قصير يمثل مقع عرضي في حياة البطل أو موقف واحد في حياة شخص كأنه تم تصويره بصورة فوتوغرافية مثل القصص القصيرة.
    المكان قد يكون ثابت مثل المسرحيات أو القصة القصيرة أو يكون هو البطل ذاته في الرواية مثل (رواية وكالة عطية) و(تلة الملائكة) و(قهوة المواردي).. وقد يكون المكان متغير ومتعدد حسب المواقف.
  • الحوار: هو تفاعل الشخصيات مع بعضها بمجرد الكلام لا الأفعال والحوار الداخلي للشخصيات، هو ينقل الفكرة ويساهم في توصيل البعد النفسي للشخصيات.

إقرأ أيضًا: ملخص رواية البؤساء Les Misérables رائعة فكتور هوجو

أنماط السرد وأشكاله

بتعدد المبدعين وتعدد الألوان الأدبية والأفكار والتوجهات الأدبية والمدارس المختلفة لكل لون أدبي نتج عن هذا لعدة أنماط أدبية يمكننا جمعها تحت عدة أنماط رئيسية كبرى أهمها:

  • السرد المتقطع

    هو نظام سردي لا يعتمد على زمن ثابت للسرد أو تسلسل منطقي زمني للأحداث، فيمكن للمبدع البدء في السرد من المنتصف ومن ثَم يأتي بحدث من البداية وهكذا حتى تتكون صورة مختلطة للقارئ عن خط سير القصة تكون شائقة بصورة أكبر تتضح مع بدايات وضوح العقدة وتشابكها.
    لكن ينبغي على المبدع ألا يقع في فخ الضياع وأن يكتب رواية هو فقط من يستطيع جمع خطوطها بسبب الأُسْلُوب السردي المتقطع.

  • السرد المتسلسل

    هو عكس الأُسْلُوب السابق من حيث البناء الزمني ففيه يقوم المبدع بالانتقال بزهن المتلقي بين أحداث متتابعة في الزمن فلا يقدم ولا يؤخر حدث وإن احتاج لذلك يعود بالزمن لكن على لسان أحد الأشخاص لا عودة فعلية بالزمن السري.
    هذا اللون من السرد كثيرًا ما نجده في الروايات التي توثق أحداث تاريخية بصورة أدبية، أو القصص التي لا تحتمل من الأساس تعدد الأزمنة، والمسرحيات التي ترتبط بالمكان فلا يمكن إلا أن يتتابع الزمن بتسلسل منطقي (إلا في بعض حالات الفلاش باك في المسرحيات المعتمدة في أساساها على سرد الراوي).
    يمكن للتسلسل الزمني أن يكون ذو وتيرة ثابتة ويمكن أن يقوم بقفزات للأمام دون معيار زمني ثابت.

  • السرد المتناوب

    هو أن يقوم المبدع بسرد عدة قصص في وقت واحد عن طريق قفزات بين كل قصة وأخرى، فيبدأ بواحدة وينتقل إلى أخرى، ثم ينتقل إلى ثالثة وهكذا دون التقيد بأي بقيود أو مساحة معينة لكل قصة أو شخصية
    وهنا نجد اختلاف بين الألوان الأدبية يمكننا تقسيمهم إلى عدة مجموعات.

  • حكاية قصة واحدة في زمن واحد لكن ننتقل بين الشخصيات ويتم التجميع بين كل القصص في العقدة ويكتمل العمل الأدبي كنسق واحد.
  • حكاية قصة واحدة لكن في أزمنة مختلفة.. الزمن الماضي فيها مؤثر في الزمن الحاضر، قرب العقدة تنتهي القصة الأقدم وتترك أثرها في القصة الحاضرة.
  • حكاية قصص متفرقة في أزمنة متفرقة بعقد متعددة، تجمع القصص كله خيوط سردية واحدة من ناحية الظروف الاجتماعية أو السياسية أو الصحية أو السمات النفسية للشخصيات أو حتى تجمعهم قضية واحدة يناضلون من أجلها.. أو يجمعهم المكان (كما قلنا من قبل يمكن أن يكون المكان هو بطل القصة).

نظرية السرد

الحديث عن نظرية السرد بصفة مستقلة هو علم حديث نسبيًا ناتج من علم النقد الأدبي ظهرت مع علوم الأسلوبية وأدب ما بعد الحداثة، فقد ظهر المفهوم لأول مرة في النصف الثاني من القرن الماضي، وسرعان ما اتجهت أنظار الدارسين لكل علوم الأدب إلى هذه النظرية الجديدة والعلم الناشئ تناولوها بالدراسة التحليلية والتأصيل وإرساء قواعدها.
أول من عمل بشكل جدي في هذا العلم الجديد هو العالم ” نورثروب فراي” بجانب نظريته في التشريح النقدي وأفكاره حول تواتر الرموز الأدبية بين الأدباء المختلفين بتمرده على القولبة البيداجوجية المجدبة التي تحد من الإبداع، بعده جاء العالم “والاس مارتن” وقام بإرساء قواعد نظرية السرد الحديثة بكتابه الذي يحمل نفس الاسم في عام 1998.

باختصار النظرية هي الحكم بأن القصص أكثر أقناعًا للمتلقي من السرد الجاف بل ومن الحجج، وبالتالي البحث فيها يدور حول معرفة طريقة معالجة المتلقي للقصة.

نظرية السرد قامت على قاعدة عريضة من الأعمال الأدبية فهي لم تقتصر على تحليل والتعليق على الروايات الأدبية المنشورة بل تعدت ذلك إلى الأساطير والحكايات الشعبية وحتى النصوص الدينية والميثولوجيا القديمة لكافة الحضارات.
قامت تلك النظرية بحل أسئلة قديمة كانت تؤرق النقاد، لكنها بعدما أهتم بها العلماء وجعلوها نظرية النسبية في عالم النقد طرحت أفكار وأسئلة اكثر يتناولها النقاد وكل يوم تنشر الرسائل العلمية التي تعالج هذه المشاكل وتطرح غيرها.

إقرأ أيضًا: اجمل الروايات الرومانسية العربية 10 روايات يبحث عنهم القارئ العربي

تطبيقات على علم السرد خارج الحقل الأدبي 

ستيف جوبز (Steven Paul Jobs) مشهور بإتقانه لفن السرد القصصي، ففي كل مؤتمر تقيمه شركة أبل لطرح منتج جديد كان يقوم بسرد بعض القصص التي يستعرض من خلالها تاريخ الشركة مما يزيد ويعزز ارتباط المستهلك بالشركة وعلامته التجارية المميزة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الميتافيزيقيا : هو علم الماورائيات من جوهر للأشياء والحكمة منها والحكم على الواقع وسبب الخلق والزمان والاسئلة الوجودية بصفة عامة.
  • الراوي: الذي يقوم بحكاية القصة
  • المبدع: هو المؤلف الذي يقوم بتأليف الرواية أو المسرحية.
  • المتلقي: هو الشخص العادي الذي يقرأ العمل الأدبي.
  • الميثولوجيا: هو العلم الأساطير الذي يتناول ذكر الآلهة العليا وعلاقاتهم وأنصاف الآلهة والحيوانات الخرافية.
  • البيداجوجية: نظرية في التدريس تقوم على أسس ثابتة لا يمكن التعديل فيها وأي خروج عنها هو فعل خاطئ و أصل الكلمة يوناني يعني العبد الذي يرافق الطفل في المدرسة.

بذلك نكون قد تناولنا إجابة سؤال ما هو السرد وبينا أنواعه وعناصره وأشكاله المختلفة ونشأة نظرية السرد نرجو أن نكون قد أفدناكم

قد يعجبك أيضًا